الصفحات

مسطرة الأمر بالأداء في القانون المغربي على ضوء آخر التعديلات

مسطرة الأمر بالأداء في القانون المغربي على ضوء آخر التعديلات
نظم المشرع المغربي مسطرة الأمر بالأداء في الباب الثالث من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية في المواد من 155 إلى 165 منها ) وقد تم تعديل مسطرة الأمر بالأداء بمقتضى القانون 13 – 1 الصادر بتنفيذه الظهير رقم 41- 14 -1 الصادر بتاريخ 4 جمادى الأول 1435 ( 6 مارس 2014) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6240 بتاريخ 18 جمادى الأول 1435 ( 20 مارس 2014) ص 3229.

وتعتبر مسطرة الأمر بالأداء شكلا من أشكال المطالبة القضائية أمام رئيس المحكمة ذات طبيعة استثنائية سريعة ومبسطة لاستفاء الديون الثابتة كتابة تبين للمشرع ألا حاجة للمطالبة بها عن طريق إجراءات التقاضي العادية لما فيها من تعقيد وبطء وكثرة المصاريف. فما هي شروط سلوك هذه المسطرة و الجهة المختصة فيها ؟ وما هو النظام القانوني للطعن وتنفيذ أوامر الاداء ؟

الفقرة الأولي: ماهية أوامر الأداء

وفيما يلي نتناول شروط مسطرة الأمر بالأداءأولا  والجهة المختصة بالنظر في هذه الأوامر ثانيا


أولا : شروط مسطرة الأمر بالأداء

بالرجوع إلى الفصلين 155و157 من ق م م، يتضح أن شروط سلوك مسطرة الأمر بالأداء لا تخرج عن أربعة شروط:

أ- كون المطلوب هو الحصول على مبلغ مالي:فتخرج عن هذه المسطرة جميع الطلبات التي ترمي إلى إصدار أمر بالقيام بعمل أو الامتناع عنه،لأن مثل هده الطلبات قد تحتاج إلى تحقيق وبحث في موضوعها وقد تثير منازعات ومناقشات بين الخصمين.

ب- أن يتجاوز المبلغ المطلوب 5000 درهم:وذلك دون احتساب المصاريف والصوائر طبقا للفصل 11 من ق م م، وأساس استبعاد الطلبات التي تقل قيمتها عن المبلغ المذكور،هو كون أن تلك القيمة تدخل ضمن اختصاص محاكم قضاء القرب.

ج- كون الدين ثابت بموجب ورقة تجارية،أو سند رسمي أو اعتراف بدين، وإذا كان السند الرسمي لا يثير أي إشكال لأنه لا يمكن تصوره إلا مكتوبا مما يجعل الدين ثابتا، فإن الاعتراف بالدين قد أثار التساؤل حول المقصود به، خاصة أن هذا الاعتراف قد يكون شفويا،إلا أنه بالنظر إلى طبيعة مسطرة الأمر بالأداء غير التواجهية، فإن هذا الاعتراف لا يمكن أن يكون إلا مكتوبا ،بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الدين المطلوب أدائه معين المقدار ومستحق الأداء ؛فلا يكون دينا مربوطا بأجل أو معلق على شرط ،أو غير مقدر كطلب التعويض عن عدم القيام بعمل. 

د- ألا يكون الأمر من الواجب تبليغه بالخارج،أي أن يكون للمدين موطن معروف بالمغرب يتم تبليغه بالأمر فيه .

لكن يطرح التساؤل بخصوص توافر المدين المقيم بالخارج على موطن مختار بالمغرب، فهل يجوز سلوك مسطرة الأمر بالأداء في هده الحالة؟

نعتقد مع أحد الفقه) عبد الكريم الطالب: الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية ، طبعة أبريل 2013،ص 81(،أنه لا مانع يمنع من سلوك مسطرة الأمر بالأداء وتبليغ المدين في الموطن المختار،طالما أن الفصل 157 من ق م م يشترط فقط في الموطن أن يكون معروفا دون تخصيص.

وبالإضافة إلى هذه الشروط – يسميها الفقه بالشروط الموضوعية – لابد من استيفاء الطالب للشروط العامة لتقديم الطلبات القضائية)الأهلية المصلحة والصفة(،ويقدم مقال الأمر بالأداء حسب الفصل 156 من ق م م إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها موطن أو محل إقامة الطرف المدين طبقا للشروط المشار إليه في القسم الثالث من نفس القانون ، ويختص بإصدار أوامر الأداء رئيس محكمة أولى درجة سواء العادية أو التجارية حسب الأحوال
ثانيا : الجهة المختصة بإصدار أوامر الأداء
إن رئيس المحكمة الابتدائية أو نائبه،هو المختص بإصدار أوامر الأداء المبنية على سند رسمي اعتراف بدين،ولا يختص الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بإصدار هذه الأوامر،إذ لو أراد المشرع منحه هذا الاختصاص لنص صراحة على ذلك كما فعل بالنسبة للقضايا الاستعجالية إذا كان النزاع معروضا على محكمته.
كما يختص نفس الرئيس أو من ينوب عنه بإصدار أوامر الأداء المبنية على أوراق تجارية أو سند رسمي أو اعتراف بالدين ناتجين عن معاملة تجارية إذا لم تتجاوز مبلغها 20000 درهم،وذلك انسجاما مع المادة السادسة من قانون إحداث المحاكم التجارية التي تحدد اختصاصها القيمي في الطلبات التي تتجاوز مبلغها 20000 درهم.
فيعود إذا الاختصاص بإصدار أوامر أداء الديون المترتبة عن الأوراق التجارية أو السندات الرسمية أو العرفية الناتجة عن المعاملات التجارية إلى رئيس المحكمة التجارية كلما تجاوز مبلغ الطلب 2000 درهم بمقتضى المادة 22 من قانون إحداث المحاكم التجارية
ولرئيس المحكمة-التجارية أو العادية حسب الأحوال-السلطة التقديرية المطلقة لتقدير ثبوت الدين من عدمه إذ “لا رقابة لقاضي النقض على تقدير جدية المنازعة في السند التي يقدرها بسلطة تقديرية مطلقة قاضي مسطرة الأمر بالأداء”.
فإذا ظهر لرئيس المحكمة أن الدين ثابتو مستحق الأداء إما جزئيا أو كليا أصدر الأمر بقبول الطلب قاضيا على المدين بأداء الدين و المصاريف و الفوائد عند الاقتضاء،أما إذا ظهر له خلاف ذلك قضى برفض الطلب إذا ذاك يبقى للطالب تقديم الطالب إلى محكمة الموضوع المختصة وفق المسطرة العادية )الفصل 158(.
الفقرة الثانية: النظام القانوني للطعن و تنفيذ أوامر الأداء
أولا: الطعن في أوامر الأداء

إن الأمر الصادر بالرفض لا يقبل أي طعن كما كان عليه الحال قبل التعديل الطارئ على مسطرة الأمر بالأداء ، لكن قبل هذا التعديل كان بإمكان الدائن الذي رفض طلبه جزئيا تقديم استئناف فرعي ردا عن استئناف المدين الصادر الأمر ضده . أما بعد التعديل فإنه حتى في حالة التي يجيب الأمر لجزء من الدين دون الآخر لا يبقى أمام الدائن سوى الرجوع إلى قضاء الموضوع للمطالبة بالجزء الصادر الأمر برفضه برفقته وفق الإجراءات العادية وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 158 من أنه ”يبقى الطالب في حالة رفض الطلب أو قبوله جزئيا الحق في اللجوء إلى المحكمة المختصة… “

ولا نكتفي بهذا التبرير لنفي إمكانية تقديم الدائن للاستئناف التبعي لاستئناف المدين و إنما هناك دليل آخر أكثر تبريرا وهو أن أوامر الأداء الصادرة بالإيجاب سواء كليا أو جزئيا – وهو الذي يهمنا هنا – لا تقبل غير التعرض من المدين أمام نفس محكمة الرئيس مصدر الأمر حسب الفصل 160 من.ق.م.م .فليس هناك إمكانية تقديم طعن تبعي للتعرض المقدم من طرف المدين . 

هذا بالنسبة للأمر الصادر بالرفض أما الأمر الصادر بالاستجابة سواء كليا أو جزئيا فيبقى قابلا للطعن بالتعرض داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه ،وحسب الفصل 161 يجب أن تتضمن وثيقة تبليغ الأمر بالأداء تحت طائلة البطلان اعذار المحكوم عليه :

_ بأن يؤدي إلى الدائن مبلغ الدين و المصارف المحددة في الأمر و الفوائد عند الاقتضاء .

_ أن ي تعرض عن الأمر داخل 15 يوم من تاريخ التبليغ مع إشعاره بأنه في حالة عدم تقديم التعرض داخل هذا الأجل يسقط حقه في ممارسة أي طعن .

ويجب أن يتم التبليغ داخل أجل سنة من تاريخ صدور الأمر و إلا فانه يعتبر كأنه لم يكن ،إذ ذاك يبقى للدائن فقط الحق في اللجوء إلى المحكمة المختصة.

هذا بالنسبة للتعرض أما بالنسبة للاستئناف فإن الحكم الصادر عن المحكمة في إطار التعرض يكون دائما قابلا للاستئناف داخل أجل 15 يوما من تاريخ التبليغ،و يقدم هذا الطعن أمام محكمة الاستئناف،لا أمام غرفة الاستئناف بالمحكمة الابتدائية بدليل الفقرة الثانية من الفصل 164 من ق م م

و بخصوص الطعن بالنقض في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف،فإن المشرع المغربي لم يصرح بشيء ، ويبدو أن لا ما نع بالطعن فيها بالنقض،فالأصل في الأشياء الإباحة ،مادام هناك سبب من الأسباب الموجبة بالنقض المحددة في الفصل 359من ق م م .

ثانيا: تنفيذ أوامر الأداء

لن نخوض في هذه النقطة من باب المقارنة مع ما كان عليه الحال قبل التعديل الطارئ على مسطرة الأمر بالأداء بمقتضى القانون رقم 13-01 وما كان يطرحه تنفيذ أوامر الأداء من غموض وإشكالات، وإنما نكتفي بدراسته على ضوء هذه المستجدات .

إن أوامر الأداء قابلة للتنفيذ بمجرد صدورها ،خلافا للأحكام القضائية العادية التي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد حيازتها لقوة الشيء المقضي ما لم تكن مشمولة بالتنفيذ المعجل .

ولا يوقف أجل الطعن بالتعرض أو التعرض نفسه في هذه الأوامر تنفيذها ،وذلك ما يفهم ضمنيا من الفقرة الثانية من الفصل 163 الذي ينص أنه “يمكن للمحكمة المعروض عليها الطعن بالتعرض أن تأمر بإيقاف تنفيذ الأمر بالأداء كليا أو جزئيا بحكم معلل ،بناء على طلب المدين طبقا للفقرة الثالثة والرابعة والخامسة من الفصل 147 من ق م م “؛فيفهم من هذا الفصل أن الأمر بمجرد صدوره يكون قابلا للتنفيذ ولو تم الطعن فيه بالتعرض ما لم يطلب المدين إيقاف تنفيذه وتجيبه المحكمة بحكم معلل غير أنها ليست ملزمة بإيقاف التنفيذ بمجرد تقديم الطلب .

و كما يبدو أن التنفيذ هنا يتعلق بالقابلية للتنفيذ فقط وليس بالتنفيذ المعجل رغم أنه يأخذ بعض خصائصه،و لا يقدح في ذلك أن حتى القابلية للتنفيذ لا تثبت إلا للأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي ؛لأنه يجب استحضار طبيعة مسطرة الأمر بالأداء في شموليته التي لم تقرر إلا من أجل السرعة و البساطة للحصول على الحماية القضائية.

لكن الحكم الصادر عن المحكمة في إطار التعرض و القاضي بتأييد الأمر بالأداء يكون مشمولا بالتنفيذ القضائي(الفصل 163 ).

كما يمكن للمدين في حالة الطعن في هذا الحكم بالاستئناف تقديم طلب الى المحكمة الاستئناف من أجل إيقاف التنفيذ كليا أو جزئيا، و يمكن للمحكمة أن تستجيب بهذا الطلب بقرار معلل كما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 164 من ق م م،وعلى غرار المحكمة الابتدائية فإن محكمة الاستئناف غير ملزمة بالاستجابة لهذا الطلب و يحق لها أن تقضي برفضه.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق