الصفحات

التفتيش القضائي وعلاقته بالمصالح المركزية

التفتيش القضائي وعلاقته بالمصالح المركزية


لا يخفى أن العدل مرفق عام يتسم بالاستمرارية والديمومة، وأن المحاكم هي الأداة التي تباشر بواسطتها الدولة وظيفة القضاء باعتبارها من الوجهة الإدارية مرفقا عاما يؤدي خدمة دائمة لفائدة المتقاضين.

ولما كانت المحاكم تكون مرفقا عاما، فإن استمراريته تفترض التسيير والتدبير الحسن طبقا للضوابط والتنظيمات التي سنت بهدف أداء الخدمة للمتقاضين على الوجه الذي يحقق الغاية التي من أجلها وضع مرفق العدل.

وللتأكد حسن تسيير وتدبير المحاكم وأداء أعمال موظفيها من قضاة وكتاب على أحسن وجه، كان لزاما على وزارة العدل إحداث مؤسسة لمواكبة العمل القضائي وتقييمه إما إيجابا أو سلبا لمعرفة مواطن الضعف والخلل والعراقيل التي تحول دون السير الجيد للمحاكم وحركيتها.

ويتبين أن تقييم سير المحاكم وعمل موظفيها لا يتأتى إلا ببسط رقابة على المرفق العام تنظيما وإدارة وتسييرا وعملا قضائيا، وأن هذا الإشراف أو الرقابة لا يمكن تصورهما إلا عن طريق وجود مؤسسة تفتيش أو جهاز إشراف قضائي.

ويبدو أن تعريف التفتيش يكمن في غاياته وأهدافه، وبالتالي يمكن تعريف التفتيش القضائي بالجهاز الذي يتولى مواكبة حسن تدبير وإدارة المحاكم وأعمال موظفيها من قضاة وكتاب تمشيا مع الضوابط الموضوعة بهدف أداء المرفق العام لخدمته على أحسن وجه.

ويستنتج مما سبق ذكره أن الغاية من التفتيش القضائي هو مراقبة حسن سير المحاكم تنظيما وإدارة ومرفقا، والتثبت من أداء موظفيها لعملهم على أحسن وجه، وتحليهم بالسلوك الحسن، وتقييم كفاءة القضاة وقدرتهم على حل القضايا وإنهاء النزاعات بدءا بالإجراءات إلى يوم النطق بالحكم.

كما يتعين ملاحظة أن من بين أهداف التفتيش البحث في الشكايات.

بعد هذه التوطئة سننتقل للتعريف بالنصوص المنظمة للتفتيش القضائي بالرجوع إلى الفصل 12 من المرسوم المؤرخ في 23 يونيو 1998، يتبين أنه ينص على أن المفتشية العامة التابعة للسلطة المباشرة لوزير العدل، تقوم بالتفتيش المستمر للمحاكم وفقا للشروط المنصوص عليها في ظهير 15/07/1974 بشأن التنظيم القضائي للمملكة.
وحيث إن الفصل 12 أعلاه يحيل صراحة على ظهير 15/07/1974، ولم يأت بأي جديد بخصوص تفتيش المحاكم، وبناءا عليه فإن التفتيش القضائي منظم بالفصول 13 إلى 21 من ظهير 15/07/1974. ويتجلى في النصوص المومأ إليها أعلاه، أن جهاز التفتيش هو المفتشية العامة، وتتكون من مفتش عام ومفتشين. وتسند مهمة التفتيش بتعيين من وزير العدل، ويجب أن يكون المفتش قاضيا وأن تكون درجته مساوية أو أعلى من درجة القاضي موضوع الاستفسار، وبصريح الفصل 13 من ظهير 15/07/1974 فإن جهاز التفتيش يتوفر على صلاحية واسعة، فالمفتش يتوفر إذن على سلطة عامة للتحري والتحقق والمراقبة. ويمكن الاستماع لكل شخص يراه منتجا ومفيدا في البحث أو الاستعانة به خلال التحري من الوجهة التقنية، ويمكن كذلك الاستماع إلى القاضي والاطلاع على الوثائق والمستندات والملفات الإدارية والقضائية للوصول إلى الغاية المتوخاة من البحث.
كما أن الوزارة توفر للمفتشين كل الظروف المادية على وجه السرعة من تعويضات ووسائل نفل وإقامة ...
وعلى العموم فإن التفتيش يكون مرة في السنة أو مرتين في السنة على الأكثر.
وبعد إلقاء نظرة على النصوص المنظمة للتفتيش وأجهزته، وصلاحياته وبرنامجه، سننتقل لدراسة أنواع التفتيش.
I.أنواع التفتيش :
يمكن تقسيم التفتيش إلى قسمين : تفتيش مركزي وتفتيش إقليمي.
1. التفتيش المركزي :
وهو الذي تقوم به المفتشية العامة، وتتجسد مهمة المفتشية العامة في التفتيش المستمر للمحاكم طبقا للفصل 13 من ظهير 1974، كما يكمن دوره في القيام بالتفتيش بناءا على تلقيها للشكايات المقدمة لوزير العدل أثناء مرحلتي التقاضي والتنفيذ، والتحري والتثبت من صحة فحوى الشكايات بمراقبة الإجراءات المتخذة بصدده.
ويمكن تقسيم التفتيش المركزي بدوره إلى شطرين : تفتيش عام وتف خاص.
‌أ- التفتيش العام :
يتعلق التفتيش العام بمراقبة شاملة لجميع أقسام ومرافق المحاكم، ويهدف إلى البحث عن مكامن الخلل في مناهج وأساليب سير المحكمة وكيفية تنفيذ الأعمال القضائية والتعرف على سبب تظلم المتقاضين.
فالمفتش يقف مثلا على عدد القضايا المسجلة تلبية للحاجيات المستقبلية للمحكمة من أطر وكتاب، وقضاة وأدوات عمل، وقاعات جلسات، كما يقف على العدد المحكوم من القضايا والمتخلف منها وتاريخ أقدميتها وسبب تأجيل البث فيها.
كما يقارن أساليب ومناهج العمل بالمحكمة مع باقي المحاكم بقصد توحيد المناهج في حالة الاختلاف. ويطلع على عمل العناصر القضائية المتميزة بقصد تشجيعها وعرض ملفاتها على الجهات المعنية للترقية والمسؤولية. كما يبرز العناصر الإيجابية بحجة أن دوره لا يقتصر على كشف السلبيات ليس إلا.
وعموما فالمقصود بالتفتيش العام توحيد أنماط الضوابط الإدارية وعلاج الجوانب السلبية، واقتراح الحلول الكفيلة بإتمام النقص الحاصل في التسيير الإداري والعمل القضائي وذلك عن طريق الإرشاد والتوجيه السليم حتى يتأتى للمحاكم خدمة العدل على أحسن وجه.
‌ب- التفتيش الخاص :
أما التفتيش الخاص فمجاله البحث في وقائع محددة، وفي هذا الصدد يقول المفتش العام السابق أحمد أفزاز في مقاله أجهزة التفتيش القضائي : "لا يمكن في بعض الأحيان الاقتصار في التفتيش على وقائع محددة يصل العلم بها إلى المسؤول الأعلى في الوزارة ويرى أن فيها خروجا عن قواعد العدل والإنصاف أو بطءا أو تأخيرا في القيام بإجراء الإجراءات الكفيلة بتحقيق العدل الذي وجد من أجله القضاء، فيأمر الوزير بإجراء بحث في الوقائع التي بلغت إلى علمه لمعرفة مدى التزام المحاكم قضاة وموظفين بقواعد العدل والإنصاف وعدم الانحياز في إنجاز عمل من أعمال القضاء ...".
كما أن التفتيش الخاص يمكن أن ينصب على التحري في ملفات خاصة بناءا على طلب وزير العدل أو تلقائيا وذلك إما عن طريق مراسلة الرؤساء أو الوقوف والانتقال تلقائيا لعين المكان بهدف التقصي لكن مع التقيد بسرية البحث.
وفي حالة ثبوت سلامة الإجراءات يحفظ الملف ويعلم الشاكي بالحفظ بناءا على تعليمات وزير العدل.
2. التفتيش الإقليمي :
لقد نص الفصل الرابع من ظهير 1974 على أن رؤساء محاكم الاستئناف والوكلاء العامين لدى نفس المحاكم يقومون بتفتيش المحاكم التابعة لدائرة نفوذهم مرة واحدة في كل سنة كحد أدنى.
ويبدو أن النص لم يبين حدود صلاحيات التفتيش، لكن جرى العمل على أن الرؤساء والوكلاء العامون يتوفرون على نفس صلاحية المفتشين التابعين للمفتشية العامة، وأن سلطة التحري غير مقيدة ولا يطالها أي استثناء.
ويتعين طبقا للفصل أعلاه، إرسال تقرير عن نتائج التفتيش. 
وبعد التعريف بالتفتيش المركزي والإقليمي، أود إلقاء نظرة موجزة على الطريقة التي يتم بها التفتيش العام بالمحاكم.
II.كيفية وطريقة تفتيش المحاكم :
إن التفتيش العام ينصب على مراقبة كتابة ضبط الرئاسة، وكتابة ضبط النيابة العامة، ومراقبة القضاء الجالس والواقف. وسنعرض بإيجاز لتفتيش الجهات المبينة أعلاه. 
1. بالنسبة لتفتيش كتابة ضبط الرئاسة :
إن التفتيش ينطلق من مكتب رئيس كتابة الضبط الذي يعد للمفتش لائحة الموظفين والأشغال المسندة إليهم، ويعطي رأيه بخصوص مردودية الموظفين وسلوكهم وانضباطهم وكفاءتهم، وتوزيع الأشغال عليهم، وبيان الخصائص الذي يراه من حيث عدد الموظفين والتجهيز، ووضعية بناية المحكمة، والمطبوعات، والوثائق والنماذج. كما يعطي إحصاء بخصوص الإنتاج السنوي لكل قاض والنشاط السنوي للعمل القضائي مع بيان القضايا المحجوزة للمداولة والمحكومة والمتخلفة، ووضعية الأحكام المحررة والموقعة، والإدلاء بنماذج الأحكام بناءا على طلب المفتش، كما يطلع المفتشين على حالات المحجوزات وأدوات الاقتناع وتصريفها، وحالة تبليغ الاستدعاءات وتنفيذ الأحكام ومسك السجلات وطبع الأحكام. وبيان حسابات مداخيل التقاضي والودائع والتنفيذات المالية وكل ما سجل بصندوق وكيل الحسابات.
2. بالنسبة لتفتيش كتابة ضبط النيابة العامة :
إن التفتيش ينطلق من مكتب رئيس كتابة الضبط كما هو الشأن بالنسبة لكتابة ضبط الرئاسة مع خصوصية اطلاع هيئة التفتيش على عمل قضاة النيابة العامة بخصوص المحاضر المحالة عليه والمكيفة والمحفظة خلال السنة، وإعداد قائمة بلائحة المحاضر التي لم تسجل والتي مازالت في طور التكيف، وتقديم نسخ من نماذج ملتمسات النيابة العامة، ووضعية تنفيذ الأحكام.
3. بالنسبة لمراقبة القضاة :
يتجسد التفتيش بصفة عامة في زيارة مكاتب القضاة والاطلاع على السجلات الخاصة الممسوكة من طرفهم، والاطلاع على الملفات للتأكد من صحة الإجراءات والتأكد من النطق بالأحكام المحررة.

III.علاقة التفتيش بمصالح الإدارة المركزية :
من المعلوم أن المفتشية العامة تضطلع بمهمة التفتيش المستمر للمحاكم وتلقي الشكايات والطلبات المتقدمة إلى وزير العدل والسهر باتصال مع المديريات المختصة وتتبع الإجراءات المتخذة بشأنها 
فالمفتشية العامة يمكنها الاتصال :
أولا : بمديرية الشؤون المدنية بخصوص الملفات موضوع البحث ذات الطبيعة المدنية والإدارية وتدخل في هذا الصدد مع مصالح القضايا المدنية أو الإدارية، القاصرين، معالجة الشكايات، الحالة المدنية ... الخ.
ثانيا : بمديرية الشؤون الجنائية والعفو وتدخل في علاقة مع مصلحة مراقبة الدعوى العمومية، مصلحة زيارات التفتيش، مصلحة الجرائم الاقتصادية والمالية، مصلحة معالجة الشكايات ...
ثالثا : بقسم محاكم الجماعات والمقاطعات وخصوصا مصلحة تنظيم وتدبير محاكم الجماعات، ومصلحة تدبير الوضعية الإدارية والمالية لحكام الجماعات وبمصلحة المراقبة والتقييم ...
رابعا : بمديرية الموارد البشرية بخصوص الاقتراحات المتعلقة باستراتيجية التوظيف، وتدبير الحياة الإدارية للموظفين غير القضاة، ومصلحة التكوين والإعلاميات.
خامسا : بمديرية الميزانية والتجهيز بخصوص صيانة المحاكم وتجهيزها.
سادسا : مع مديرية الدراسات والتعاون والتحديث (المحدث مؤخرا) علما أن الفصل العاشر من قانون تحديث اختصاص وزارة العدل عهد إلى هذه المديرية بمهمة تلقي الشكايات وتسجيلها وتحليلها والقيام بتوجيهها للمفتشية العامة وتتبع سيرها والإجراءات المتخذة بشأنها.
وفي نهاية هذا العرض الموجز لا يفوتنا التذكير بإيجابيات التفتيش وأهميته وأبعاده.
فأبعاد التفتيش تتجسد في تحقيق التأهيل المستمر واستكمال التكوين، وتوحيد أساليب ومناهج العمل القضائي، وتحسين التقنيات القضائية وطرق الممارسة العملية، واقتراح الحلول الملائمة الكفيلة بإزالة العقبات والعراقيل التي تحول دون السير الحسن للمحاكم والعمل القضائي.

حرر بطنجة، في نونبر 2002
ذ/ خالد أبو عقيل
مستشار بمحكمة الاستئناف بطنجة
تحميل الموضوع Document Word



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق