الصفحات

تبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن وتبليغها من أجل التنفيذ وجزاء الإخلال بذلك

تبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن وتبليغها من أجل التنفيذ وجزاء الإخلال بذلك


نظم قانون المسطرة المدنية المغربي تبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن في الفصلين 50 و 54 والفصول التي تحيل عليهما ، كما نظم هذا التبليغ بمقتضى بعض القوانين الخاصة ، أما تبليغ الأحكام القابلة للتنفيذ من أجل تنفيذها ، فقد تم النص عليه في الفصلين 433 و 440 من ق م م .
ورغم اختلاف تبليغ الأحكام من أجل تحريك آجال الطعن عن تبليغها من أجل تنفيذها ، فإن كثيرا من الممارسين يقعون في خلط كبير بينهما .
وسأحاول من خلال هذه المداخلة إبراز خصائص كل منهما وكيفيته وأهدافه وآثاره وطريقة الطعن فيهما ضمن المحاور الآتية :

1      أولا    :  التبليغ من أجل ممارسة الطعن
2      ثانيــا  :  التبليغ من أجل التنفيذ
3      ثالثــا  :  الفرق بينهما
4      رابعـا  :  طريقة الطعن فيهما
5      خامسا :  التبليغ التلقائي والتبليغ بناء على طلب

* أولا  :  التبليغ من أجل ممارسة الطعن :
يقصد بهذا التبليغ إعلان الحكم إلى المحكوم عليه لتحريك أجل الطعن الذي يبدأ من تاريخ التبليغ ، ويترتب عن فوات الأجل دون ممارسة الطعن أو ممارسته خارج الأجل سقوط الحق أو عدم قبول الطعن وصيرورة الحكم قابلا للتنفيذ.

ويتم هذا التبليغ بواسطة نسخة تبليغية وفق الكيفية المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من ق م م كما ينص على ذلك الفصل 54 منها ، أو يتم هذا التبليغ في الجلسة طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 50 من ق م م الذي يشترط أن يكون الحكم حضوريا لا غيابيا ومعاينة حضور الأطراف أو وكلائهم بالجلسة وتسليـم نسخـة مـن منطـوق الحكـم والإشـارة فـي آخره إلـى وقوع التبليـغ والتسليم وإشعار الأطراف أو وكلائهم بأجل الاستئناف إذا كان الحكم قابلا له ، وتضمين هذا الإشعار من طرف كاتب الضبط في الحكم بعد التبليغ.

وكل تبليغ بالجلسة اختل فيه شرط من الشروط المذكورة يعد لاغيا ولا يرتب أي أثر ، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد : 718 بتاريخ 18/10/78 المنشور في قانون المسطرة المدنية مع آخر التعديلات واجتهادات قضائية للأستاذ عبد الفتاح بنوار  ص 79 مايلي : " 

ويظهر من مقتضيـات الفصل 349 من ق م م المتعلـق بـالقرارات الإستئنافية أن مقتضيات الفصل 50 من ق م م لا تطبق أمام محكمة الإستئناف ،وإنما تطبق مقتضيات الفصل 54 من ق م م ، كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى في قراره 853 بتاريخ 06/05/83 مجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية الجزء الثاني ص 87 الذي جاء فيه : " إن أجل الطعن بالنقض لا يسري إلا إذا بلغ الحكم أو القرار إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي طبقا لإجراءات التبليغ العادية المنصوص عليها في الفصول : 37 - 38 - 39 من ق م م ، وأن التبليغ بالجلسة طبقا للفصل 50 من نفس القانون يحرك أجل الإستئناف إذا تم على الشكل المتطلب قانونا ولا أثر له على أجل الطعن بالنقض."

ويستفـاد من القرار أيـضا أن مقتضيـات الفصل 50 لا تطبق إلا في حالـة ما إذا كـان الحكم قابلا للإستئناف ،أما إذا كان نهائيا وقابلا للنقض فلا يبلغ بالجلسة مع أن الفصل 50 جـاء بصيغـة العموم التـي تشمـل الحكم النهـائـي القابل للنقض والحكـم القابـل للاستئناف.

ويطرح تطبيق الفصل 50 تساؤلا حول وسيلة إثبات التبليغ بالجلسة هل بتحريـر محضر بذلك ؟ أم بشهادة التسليم ؟ أم يكفي الإشارة في الحكم إلى ذلك كما توحي بذلك عبارة : " يضمن هذا الإشعار من طرف الكاتب بعد التبليغ في الحكم ". مـع العلـم أن المجلـس استقـر على أن شهــادة التسليـم هي التـي تعتمد فـي التبليـغ عـند النزاع.

وهناك بعض الأحكام سكت القانون عن تبليغها واكتفى بالإشارة إلى التعليق والإشهار كما هو الشأن في حكم التحجير أو رفعه المنصوص عليه في الفصل 200 من ق م م  قبل الغائه.
فهل التعليق والإشهار هنا يغنيان عن التبليغ ؟ وذلك لأن المحكوم عليه لا أهلية له وبالتالي لا يمكن تبليغ الحكم إليه ؟ أم لأن حكم التحجير يسري على الكافة ولا يمكن تبليغهم به إلا بالتعليق والإشهار؟ .
وإذا كان هذا الحكم يسري على الكافة ، فهل من حق من تضرر منه الطعن فيه ؟
وهل من حق  النيابة العامة إذا لم تكن هي التي قدمت الطلب استئنافه لفائدة النظام العام؟
كما أن الأوامر المبنية على طلب الصادرة بالرفض لا تبلغ، وتقبل الاستئناف داخل أجل 15 يوما من تاريخ النطق بها.

ويطبـق فـي شـأن تبليغ الأحكـام الصادرة فـي مـادة التحفيظ العقـاري مقتضيـات الفصل 40 من ظ 12/08/1913 الذي ينص على تبليغ ملخص الحكم عقب صدوره في أجل أقصاه ثمانية أيام مع التنصيص على إمكـانيـة استئنـاف الحكم داخـل الأجـل القانونـي بمعنـى أنـه لا يمكن تبليغـه طبقـا للفصل 50 و 54 من ق م م.

والفصل 54 الذي تحيـل عليـه الفصول 130  و287 و349 مـن ق م م. و 153 الـذي يحيـل أيضا علـى الفصل 50 متـى توافـرت شروطـه، هو أكثـر تطبيقـا فـي تبليـغ الأحكـام بعد مـا أصبح التبليـغ يتـم بناء على طلب.

ويحيل هذا الفصل على الفصل 441  من ق م م إذا تعلق الأمر بالتبليغ إلى قيم ، وهذا الفصل الأخير يشترط لسريان آجال الإستئناف أو النقض في تبليغ الأحكام أو القرارات المبلغة إلى القيم أن يتم تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة التي أصدرت الحكم أو القرار مدة ثلاثين يوما وإشهارها مقابل المصاريف المسبقة من المستفيد من الحكم أو القرار بكل وسائل الإشهار حسب أهمية القضية .

وأشار الفصل 441 أعلاه إلى شرط سريان آجال الإستئناف أو النقض دون الإشارة إلى أجل التعرض وهو ما يعني أن الحكم الغيابي القابل للتعرض يكفي تبليغه إلى القيم دون ضرورة إشهاره وتعليقه ، مع أن الفصل 130 من ق م م الذي ينظم التعرض يحيل على الفصل 54 الذي يحيل بدوره على الفصل 441  بالنسبة لتبليغ الأحكام إلى القيم  بصفة عامة دون التمييز بين الأحكام القابلة للتعرض أو القابلة للاستئناف أو النقض.

أيعتبر سكوت الفصل 441 عن سريان أجل التعرض تخصيصا لعموم الفصل 54 أم إغفال ؟
وبالنسبة لأجل ثلاثين يوما المنصوص عليها في الفصل 441 من ق م م فإن هذا الفصل أشار فقط إلى مرور الأجل المذكور على التعليق دون الإشهار ، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول ما إذا كان يشترط مرور أجل ثلاثين يوما على التعليق فقط دون الإشهار الذي يكفي فيه النشر دون انتظار مرور أي أجل ، وهو ما يفيده ظاهر النص ، ولا أعلم للمجلس الأعلى أي قرار في هذا الموضوع.
ويشترط الفصلان 160 و 161 من ق م م شكليات خاصة لتبليغ الأمر بالأداء مخالفة لطريقة تبليغ الأحكام طبقا للفصلين 50 و 54 من ق م م وهي طريقة تجمع بين التبليغ من أجل ممارسة الطعن والتبليغ من أجل التنفيذ.
للتوسع في الموضوع انظر " معنى ارفاق وثيقة تبليغ الامر بالاداء باصل سند الدين"

فتبليغ الأمر بالأداء في إطار الفصلين الآنفي الذكر يرفق بإنذار للمدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصوائر داخل أجل ثمانية أيام إذا لم يقم المدين بالطعن بالاستئناف في الأمر بالأداء . وذلك بالنسبة للأمر بالأداء الغير المشمول بالنفاذ المعجل قانونا كالمبني على غير الأوراق التجارية السند الرسمي .

وفيما يخص إرفاق تبليغ الأمر بالأداء بالسند ذهب المجلس الأعلى في قراره عدد : 2431 بتاريخ 29/10/86 المنشور بمجلة ق.م.ع  عدد : 41 ص 12 إلى أن تبليغ السند ليس ضروريا لاحتمال ضياعه.
"ليس من المنطق أن يبلغ  مع الأمر بالأداء سند الدين  لما في ذلك من تعرضه للضياع  و ليس في الفصل 161 من ق.م.م ما يوجب ذلك بل يكفي أن تتضمن وثيقة التبليغ إلى جانب ملخص للمقال مجرد التعريف  بسند الدين كمبيالة أو عقد "

في حين ذهب في قرار آخر منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد : 45 ص 29 إلى أن عدم تبليغ نسخة السند يؤدي إلى البطلان.
"الأمر بالأداء يجب أن يبلغ مع نسخة من سند الدين  و إلا كان باطلا "
ويظهر أن الإتجاه الأول يعتبر خروجا عن النص بينما الإتجاه الثاني تبنى اتجاها وسطا وهو تبليغ نسخة السند بدلا من أصله خوفا من ضياعه وهو حل معقول لا يخرج عن إطار النص وقد سلك المشرع هذا الإتجاه في تبليغ الحجز لدى الغير إلى المدين عندما نص على تبليغه نسخة مختصرة من السند.

التبليغ إلى مكتب المحامي

وفيما يخص التبليغ إلى مكتب المحامي وما إذا كان يحرك أجل الطعن أم لا ؟ فإن المجلس الأعلى اتجه في ذلك اتجاهين :

* الإتجاه الأول :
يقول بعدم الاعتداد بتبليغ الحكم إلى مكتب المحامي ، ويتجلى في بعض القرارات الصادرة عنه ومنها القرار رقم 2 بتاريخ 14/01/92 الذي جاء فيه : " إن مكتب المحامي لا يتعدى كونه محلا للمخابرة مع الموكل في شأن تبليغ الإجراءات المسطرية المتعلقة بالدفاع عنه.
أما الإجراءات المسطرية بعد الحكم فإنها تبلغ إلى المعني بالأمر في موطنه الحقيقي أو المختار".

*الإتجاه الثاني :
يعتـد بتبليـغ الحكم إلـى مكتب المحامـي الذي يحرك أجـل الاستئناف ما لم يجـرد الشخـص محـامـيه قبـل حصول التبلـيـغ مـن التوكيـل ومـا لـم يتخــل المحـامي عـن مهمتـه ، وهـو ما كرسـه المجلــس فــي قراريـه عدد : 1057 بتـاريـخ 21/05/83  المنشـور بمجموعة قرارات المجلس الأعـلى فـي المـادة المدنيـة الجـزء 2 ص 67  وعــدد : 2140 بتاريـخ 03/04/96  المنشور بمجلـة المحـامي 32/33 ص 331. وهو اتجاه سليم في نظري لكونه ينسجم مع ما جاء في الفصل 50 من ق.م.م. الذي ينص على أن التبليغ يكون إلى الأطراف وإلى وكلائهم (1)، والفصل 46  من ظهير 10/9/93 المنظم لمهنة المحاماة الذي يلزم المحامي بتتبع القضية إلى نهايتها.

وإذا كان القراران يتحدثان عن تحريك أجل الإستئناف فإن أجل النقض مسكوت عنه ، فهل يطبق عليه نفس الشيء أم لا ؟ .
إذا اعتبرنا أن مهمة المحامي تنتهي بانتهاء صدور القرار الإستئنافي ، فإن التبليغ إليه لا يعتد به في تحريك أجل الطعن بالنقض ، وإذا اعتبرنا أن مهمة المحامي تمتد إلى ما بعد صدور القرار الإستئنافي ولا تنتهي إلا بالتبليغ ، فإن هذا التبليغ يحرك أجل النقض.
وقد تواترت قرارات المجلس الأعلى على أن التبليغ لا يثبت في حالة النزاع إلا بشهادة التسليم ولا تقوم مقامها شهادة كتابة الضبط .
ومن هذه القرارات القرار عدد : 807 بتاريخ 15/04/1995 المنشور بمجلة قضاء م.ع. عدد : 48 ص 204 الذي جاء فيـه : " التبليـغ يثبت بشهادة التسليـم المشار إليها في الفصل 39 من ق.م.م. ، ولا تكفي شهادة كاتب الضبط بحصول التبليغ مجردة عن شهادة التسليم القانونية."

* ثانيا : التبليغ من أجل التنفيذ :
يعتبر تبليغ الحكم أو القرار من أجل تنفيذه من مقدمات التنفيذ التي أوجب القانون القيام بها تحت طائلة بطلان التنفيذ.
وقد نظم قانون المسطرة المدنية المغربي هذا التبليغ بمقتضى الفصلين 433 و 440 من ق.م.م.
ويقـوم بهذا التبليـغ عـون التنـفيـذ بالمحكمة أو المفوض القضائـي إذا كان التنفيـذ مسندا إليه .
وطبقا للفصل 433 من ق.م.م. فإن التبليغ يتم بواسطة نسخة تتضمن العنوان المنصوص عليه في الفصل 50 والصيغة التنفيذية وتوقيع كاتب الضبط وطابع المحكمة .

أما كيفية التبليغ فقد نص عليها الفصل 440 من ق.م.م. الذي يحيل عليه الفصل 433 من ق.م.م.
ويتضح من نص الفصل 440 أنه لا يكفي تبليغ النسخة التنفيذية للحكم أو القرار المراد تنفيذه وإنما لا بد من شفعه باعذار المحكوم عليه بالوفاء بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه.

ويتم التبليغ مع الاعذار بالوفاء قبل مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري أيا كانت إجراءات التنفيذ سواء كانت تنفيذا مباشرا او بطريقة الحجز.

والغاية من التبليغ مع الاعذار بالوفاء هي إعطاء الفرصة للمحكوم عليه ليقوم بالوفاء اختياريا وتجنب إجراءات التنفيذ الجبري بما فيها من مذلة وهوان.

ويجب على المنفذ عليه أن يفي بما قضى به الحكم حالا أو يعرف بنواياه ، فإما أن يختار التنفيذ الطوعي ويؤدي ما عليه ويتجنب التنفيذ الجبري ، وإما أن يطلب آجالا فيخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز أموال المحكوم عليه تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا.
وإما أن يرفض المدين الأداء أو يصرح بعجزه عنه فيشرع عون التنفيذ في إجراءات التنفيذ الجبري بالحجز والبيع أو بتسليم الشيء المحكوم بتسليمه عن طريق القوة العمومية إذا اقتضى الأمر ذلك غير أن مسطرة التبليغ من أجل التنفيذ المنصوص عليها في الفصلين 433 و 440 كثيرا ما يساء تطبيقها من طرف الممارسين لها ، إذ غالبا ما يسلم لطالب التنفيذ نسختان : عادية مطابقة للأصل بقصد  تبليغها ونسخة تنفيذية من أجل مباشرة التنفيذ الذي لا يشرع فيه إلا بعد تبليغ النسخة العادية والتأشير على النسخة التنفيذية بكون التبليغ قد تم ، ثم يتوجه عون التنفيذ مباشرة إلى المنفذ عليه للتنفيذ عليه.

ومن المحاكم من لا تسلم النسخة التنفيذية إلا بعد تبليغ النسخة العادية ورجوع شهادة التسليم.
(انظر كتاب التنفيذ الجبري في التشريع المغربي ص 239 و 240) .

وتعتبر هذه الإجراءات التي تقوم بها بعض كتابات الضبط بهذا الشكل خرقا للفصلين 433 و 440 ، ومن شأنـه أن يعرض إجـراءات التنفيـذ إلـى البطلان إذا تـم التمسك بـه من طرف مـن له مصلحة فيه بسبب التبليغ بنسخة غير تنفيذية كما ينص على ذلك الفصل 433 أعلاه.

ويبرر البعض سلوك طريقة تبليـغ النسخة العادية دون النسخـة التنفيذيـة وفـق ما ينص عليـه الفصل 433 بما ورد في الفقرة الآخيرة منه والتي تقول : " يمكن لأطراف الدعوى أن يحصلوا على مجرد نسخ مصادق على مطابقتها من كتابة الضبط " .
ولا أظن أن المشرع يرمي من وراء الفقرة المذكورة إلى القول بجواز تبليغ النسخة العادية المصادق عليها، لأن الفصل 433 ككل لا يمكن أن يتناقض أو له مع آخره ، فيشترط أن يكون التبليغ بواسطة النسخة التنفيذية ، ثم يأتي إلى آخر الفصل فيجيز التبليغ بواسطة مجرد نسخة.

وإذا كان لا بد من القول بجواز التبليغ بواسطة نسخة فإنه يكون المقصود بها نسخة طبق الأصل من النسخة التنفيذية، وهذا ما يقول به القانون المصري في الفصل 281 من قانون المرافعات الذي ينص على وجوب تبليغ السند التنفيذي بواسطة صورة منه وإلا عد باطلا. (انظر التعليق على نصوص قانون المرافعات الجزء الثاني المتعلق بالتنفيذ ص 973 و ما بعدها للأستاذ احمد أبو الوفاء).
وذلك لأنه لا يمكن تبليغ النسخة التنفيذية الأصلية التي لا تسلم منها إلا نسخة واحدة طبقا للفصل 435 من ق.م.م.
ويطرح تطبيق الفصل 440 من ق.م.م. الذي ينظـم كيفيـة تبليـغ الحكم من أجل التنفيـذ عدة إشكالات وهي :
-    هل يتم التبليغ في إطار هذا الفصل بواسطة شهادة التسليم؟ أم بمحضر يحرره عون التنفيذ؟ .
-    هل يتم التبليغ للمحكوم عليه شخصيا على أساس أن التنفيذ شخصي؟ أم يجوز تبليغه إليه  بموطنه لأقاربه وأتباعه وخدمه طبقا للفصل 38 من ق.م.م.؟
-    هل الإنذار يكون شفويا أم كتابيا ؟
-    ما هو الأجل الذي يجب أن يفصل بين تاريخ التبليغ وتاريخ التنفيذ ؟

فبالنسبة للتساؤل الأول يمكن القول بأن الصيغة التي جاء بها الفصل 440 تفيد أن عون التنفيذ يبلغ الحكم المراد تنفيذه بواسطة
محضر ، وعون التنفيذ أغلب عمله هو تحرير المحاضر ، فهو منفذ أكثر منه مبلغ ، وأن تحرير محضر بالتبليغ يغني عن شهادة
التسليم التي تعتمد لإثبات التبليغ كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى. سيما وأن عون التنفيذ ملزم بتسجيل جواب المحكوم عليه
ونواياه.

ومن المعلوم أن هذا لا يمكن تسجيله بشهادة التسليم وإنما يتعين تسجيله بمحضر يحرره العون المذكور. كما أن عون التنفيذ يجد نفسه مضطرا إلى تحرير المحضر إذا رفض المحكوم عليه التسلم .
لكن جرى العمل بالمحاكم على التبليغ بواسطة شهادة التسليم إضافة إلى تحرير محضر في شأنه وهو ما عليه العمل بمحكمة ايمنتانوت.

وبالنسبة للتساؤل الثاني فإنه يفهم من دلالة ألفاظ نص الفصل 440 أيضا ، أن التبليغ لا يقع إلا للمحكوم عليه شخصيا ولا يقع
للأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 38 من ق.م.م.
أن هؤلاء الأشخاص لا يمكن توجيه الإنذار إليهم ولا يمكن لهم التعريف بنوايا المنفذ عليه ، لأنها شـيء داخلـي لا يعبـر عنه سوى صاحبـه . كمـا لا يتصور منهـم الرفض ولا القبـول ولا إظهـار العجـز عن التنفيذ.

بالإضافة إلى ذلك فإن رفض  أحد الأشخاص المذكورين في الفصل 38 من ق.م.م. تسلم وثائق التبليغ لا يمكن في نظري أن يترتب عنه الأثر المنصوص عليه في الفصل 39 وهو اعتبار الرفض توصلا بعد مرور عشرة أيام على هذا الرفض لكون التبليغ من أجل التنفيذ لا يترتب عنه سريان أي أجل ، ولأن المفروض آن يكون المحكوم عليه قد تسلم النسخة التنفيذية والإنذار شخصيا أو بواسطة أحد الأشخاص المذكورين ، والحال أن أحد هؤلاء رفض فلا يمكن تحميل تبعة هذا الرفض في حالة التبليغ من أجل التنفيذ للمحكوم عليه الذي يحتم الفصل 440 من ق.م.م. تبليغه للنسخة التنفيذية وإنذاره ، وهو ما يقوي الجانب الذي ينادي بالتبليغ الشخصي في حالة التنفيذ او على الأقل اعتباره قاعدة  ، وما جاء في الفصل 38 استثناء منه لا يتوسع فيه .

سيما وأن الفصل 433 أحال فيما يخص كيفية التبليغ على الفصل 440 ولم يحل على الفصل 38 من ق.م.م.، وقد أشار الدكتور فتحي والي في مؤلفه : " التنفيذ الجبري ص 207 " إلى :

" أن القانون الإيطالي يتشدد في شأن تبليغ السند الذي لا يكون إلا للمنفذ عليه شخصيا عكس القانون المصري الذي يجيز التبليغ إلى المنفذ عليه شخصيا أوفي موطنه."
وبالنسبة للفقه المغربي فإن صاحب كتاب التنفيذ الجبري في التشريع المغربي ذهب إلى أن التبليغ يمكن أن يتم طبق ما جاء في الفصل 38 من ق.م.م. ( انظر ص 245 منه ).
وإذا كان لا بد من التبليغ إلى الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 38 أعلاه ، فإنه يتعين أن يكون ذلك بنوع من التحري والحذر والا يتم التبليغ إلا بعد التأكد من هوية الشخص ومن كونه من الأشخاص الذين لهم الصفة في التسلم وذلك لخطورة إجراءات التنفيذ. واعتبار هذا الإجراء استثناء من قاعدة التبليغ الشخصي كما سبق الذكر.
ولـم ينص الفصـل 440  موضوع النقـاش علـى شكـل الإنـذار هل يكون شفويا أم كتابيا ؟، كما لم ينص على العبارات التي يجب أن يتضمنها.

والذي جـرى بـه العمل هـو إرفـاق التبليـغ بإنـذار كتـابي وفـق نموذج مهيـأ من طـرف وزارة العدل.  لكن إذا أنذر عون التنفيذ المنفذ عليه شفويا وسجل ذلك في محضره ، فإنه في نظري ينتج أثره.

كما أن الفصل لم ينص على الأجل الذي يفصل بين التبليغ والتنفيذ ويظهر من عبارة " حالا " الواردة بالنص أن المنفذ عليه لا يعطاه أي أجل وأنه يجب عليه أن يفي بما قضى به الحكم حالا أو التعريف بنواياه .

وأنه لا يمكن منحه أي أجل إلا من طرف الرئيس الذي يراعي في هذا الأجل مقدار الدين ووضعية المدين ، مع إجراء الحجز للمحافظة على حقوق المستفيد إن اقتضى الأمر ذلك.

وقد نص القانون المصري في الفصل 281 من قانون المرافعات على منح أجل للمدين قدره يوم واحد من تاريخ التبليغ والإنذار ( انظر مؤلف أبو الوفاء المشار إليه أعلاه ) . كما نص قانون احداث المحاكم التجارية فيما يتعلق بتنفيذ الأمر بالأداء في الفصل 22 على مرور اجل 10 أيام على الإعذار ، يبدأ من تاريخ تقديم طلب التنفيذ .

وقد سبق لنا الحديث عن التبليغ إلى القيم في إطار تبليغ الأحكام من أجل تحريك آجال الطعن، ونعود للحديث عنه هنا ونتساءل هل يجوز تبليغ الحكم من أجل التنفيذ إلى القيم وذلك في حالة عدم العثور على المنفذ عليه ؟ وهل يجدي التبليغ إلى القيم نفعا ما دام لا يقوم مقام المنفذ عليه في التنفيذ ؟ .

يظهر من الفصل 469 من ق.م.م. المتعلق بحجز العقار أن التبليغ من أجل التنفيذ يمكن أن يكون إلى القيم وذلك بالنسبة لتحول الحجز التحفظي إلى الحجز التنفيذي.

وعلى ضوء ما ذكر فإن التبليغ من أجل التنفيذ يتم إلى القيم ويجدي نفعا لأنه يضفي الصيغة القانونية على إجراءات التنفيذ، إذا كان للمنفذ عليه مال ظاهر يمكن حجزه ، وكذا إذا كان الأمر يتعلق بتسليم عقار أو منقول ، بحيث لا يمكن القيام بإجراءات الحجز أو التسليم إلا بعد القيام بالتبليغ إلى القيم.

لكن إذا كان التنفيذ يتعلق بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل ويتوقف إنجازه على التدخل الشخصي للمنفذ عليه فإن التبليغ إلى القيم لا يجدي نفعا. وإذا تمت الإجراءات المتعلقة بالتعليق والإشهار وتسليم شهادة ضبطية بها وتقدم المستفيد من الحكم بطلب التنفيذ ، هل من الواجب تطبيق مقتضيات الفصل 433 و 440 من ق.م.م. من جديد وذلك بتبليغ الحكم المطلوب تنفيذه إلى القيم وفق الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 441 من ق.م.م. ؟ أم يتم الاكتفاء بالإجراءات الأولى ؟

أظن أن التقيد بمقتضيات الفصلين 433 و 440 تحتم تبليغ الحكم من أجل التنفيذ إلى القيم لأن التبليغ الأول وقع من أجل سريان أجل الطعن لا من أجل التنفيذ ، غير أنني أرى آن يتم التبليغ إلى القيم دون التعليق والإشهار، لأن الأمر لا يتعلق بسريان أجل الطعن.

ويستثنى من قاعدة التبليغ مع الاعذار بالوفاء الأحكام والأوامر الآتية :

1)- الأوامر الإستعجالية المشمولة بالنفاذ المعجل على الأصل أو على المسودة وقبل التسجيل طبق للفصل 153 من ق.م.م. لأن التنفيذ علـى المسودة يعتبر استثنــاء لا يخضع للقواعـد العامة المنصوص عليها في الفصلين 428 و 433.
2)- الحكم الصـادر بــأداء النفقـة المؤقتـة فــي إطـار الفصل 179 من ق.م.م. حيث نص هـذا الفصل على ان الحكم ينفـذ قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه.
3)- أمـر قـاضي التوثيـق الصادر فـي إطار نفس الفصل أعلاه المحدد للالتزامات المترتبة على الطلاق
4)- أمر القــاضي الذي يبت فـي التطليق الصادر في شأن التدابير المؤقتة والتحفظية المتعلقة بصيـانة المرأة والأولاد وحضانتـهم وأمتعة البيت ، حيث يكـون هذا الأمر قــابلا للتنفيــذ على الأصل رغم كل طعن.
5)- الأمر بالأداء طبقا للفصل 162 الذي ينص على التنفيذ المعجل على الأصل.

وفي إطار الأمر بالأداء لا بد من التساؤل أيضا عما إذا صار قابلا للتنفيذ، أيغني التبليغ الذي تم في إطار الفصلين 160 و 161 من ق م م عن التبليغ من أجل التنفيذ المنصوص عليه في الفصلين  433 و 440 من ق م م ما دام التبليغ الأول قد أرفق بالإنذار المنصوص عليه في الفصلين الأخيرين ، وأعطيت للمحكوم عليه المهلة للاختيار بين التنفيذ الطوعي والإجباري أم لا ؟ .
في نظري المتواضع فإن التبليغ الذي يتم في إطار الفصلين 160 و 161 يغني عن التبليغ من أجل التنفيذ ما دام قد أنذر المحكوم عليه بالأداء ، ولكن في حالة عدم الإستئناف فقط ، أما في حالة الإستئناف وتأييد الأمر بالأداء فإنه لابد من سلوك مسطرة الفصلين 433 و440 من ق م م لكون الذي ينفذ في هذه الحالة هو القرار الإستئنافي وليس الأمر الإبتدائي.

ونتساءل في آخر هذا المحور عما إذا كان من الجائز تبليغ الحكم المراد تنفيذه إلى مكتب المحامي كما هو الشأن في التبليغ من أجل تحريك آجال الطعن.

لسان الحال يقول بعدم إمكانية ذلك لأن الحكم غالبا لا يصل إلى مرحلة التنفيذ إلا بعد صيرورته نهائيا، وانتهاؤه يعني انتهاء مهمة المحامي .

لكن ما الحكم إذا كان الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل ولم تنته مهمة المحامي بعد؟. ألا يجوز تبليغه إليه في حالة تعذر تبليغه إلى المحكوم عليه؟ .

وهنا تبرز إلى الواجهة قضية ما إذا كان التبليغ شخصيا في حالة التنفيذ أم لا ؟ فإذا كان شخصيا فلا يجوز التبليغ إلى مكتب المحامي ، وإذا كان غير شخصي ويمكن إجراؤه بواسطة الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 38 ، فإن التبليغ إلى مكتب المحامي يعتد به لكونه يعتبر محل المخابرة مع المحكوم عليه .

* ثـالـثــــا : طرق إبطال تبليغ الأحكام  :
تختلف طرق إبطال تبليغ الأحكام باختلاف نوع التبليغ أهو من أجل تحريك آجال الطعن؟ أم من أجل التنفيذ ؟

فبالنسبة للأول يلجأ بعض المتقاضين إلى رفع دعوى أصلية ومبتدأه من أجل إبطال التبليغ في الوقت الذي يكونون فيه قد مارسوا الطعن أمام محكمة الاستئناف ويطلبون إيقاف البت في الطعن المذكور إلى حين بت المحكمة الإبتدائية في دعوى إبطال تبليغ الحكم الإبتدائي المستأنف.

في حيـن يمارس بعض المتقاضين الطعن بالاستئناف ويثيرون ضمن أسباب الإستئناف بطلان التبليغ.
ومن المحاكم الإبتدائية من تعتبر نفسها مختصة في دعوى إبطال التبليغ وتبت ، ومنها من تعتبر نفسها غير مختصة وتتخلى لفائدة محكمة الطعن.

ويظهر من قضاء المجلـس الأعلـى أنـه يميـل إلـى هــذا الإتجـاه الأخيـر ومـن قراراتـه الصادرة فـي هــذا الإتجـاه  القـرار عــدد : 1556  بتـاريـخ 25/06/1986 من ق.م.م. عـدد : 41 ص 15 الـذي يقـول :  "عندما ينازع المستأنف في تبليغ الحكم الإبتدائي فإن محكمة الإستئناف هي التي لها الصلاحية للبت في هذا الدفع على ضوء شهادة التسليم التي يقع الإدلاء بها أو يقع الرجوع بشأنها إلى ملف التبليغ."

والقـرار عـدد : 3854  بتـاريـخ  12/07/95  ق.م.ع.  و 4 - 5  ص 72 الذي جـاء فيـه  "إن طلب إيقاف البت لحين معرفة نتيجة دعوى إبطـال التبليـغ لا يقتضي إجراء بحث مع موظف البريد.
المحكمة لما اعتبرت التبليغ صحيحا دون الرجوع إلى ملف التبليغ لم تركز قرارها على أساس وعرضته للنقض".

وقـد جاء  فـي حيثية هـذا القرار التـي نـقض بهـا المجلس الأعلـى قرار محكمـة الاستئنـاف مـا يـلي  : " ......وأن محكمة الاستئناف كان عليها بناء على ذلك الإطلاع على ملف التبليغ واتخاذ الإجراءات القانونية للبت في الدفع بعدم قبول الاستئناف ".
ومن المتقاضين من يقدم دعوى أصلية أمام المحكمة الابتدائية من أجل إبطال تبليغ الحكم الإبتدائي وذلك بعد بت محكمة الاستئناف بعدم قبول الاستئناف من ذلك الدعوى المقدمة أمام ابتدائية مراكش تحت عدد : 1897/99 والتي صدر فيها الحكم بتاريخ 12/04/2000 تحت عدد : 1536 والذي قضى برفض الطلب بعلة أن هذه الدعوى ترمي بصفة غير مباشرة إلى الطعن في قرار محكمة الإستئناف لأن إبطال التبليغ يعني إبطال قرار محكمة الإستئناف.

وقد نحت ابتدائية مراكش في حكمها هذا المنحى الذي يمنع رفع دعوى بإبطال الأحكام التي لم ينص عليها القانون المغربي ونص عليهـا القانـون الفرنسـي (انظر مجلة الإشعاع عدد : 20 بحث للأستـاذ عبـد الله العبدوني في إبطال مسطرة التبليغ).
ومن المعلوم أنه إذا كان النزاع يتعلق بتبليغ الحكم القابل للتعرض أمام المحكمة الإبتدائية فإنها هي التي تكون مختصة للبت في دعوى الإبطال والطعن بالتعرض، وإذا رفعت دعوى مستقلة بالإبطال فمن الممكن ضمها إلى الطعن بالتعرض والبت فيهما معا.
أمـا بالنسبـة للتبليـغ من أجـل التنفيـذ فيمكـن أن يثــار النزاع في التبليـغ أثناء إجراءات التنفيـذ أو بعد إتمامها.
فإذا أثيـر النزاع في التبليـغ أثنـاء إجراءات التنفيـذ فإنـه يكـون موضوع دعوى الصعوبـة أمـام رئيـس المحكمة.
أما إذا أثير بعد الفراغ من إجراءات التنفيذ فإنه يكون موضوع دعوى إبطال التنفيذ.

ومن الجدير بالإشارة إن الإبطال لا يكون إلا إذا تضررت مصالح الطرف المتمسك به طبقا لقاعدة  "لا بطلان بدون ضرر" التي أخذ بها المشرع المغربي في الفصل 49 من ق.م.م.
وعليه فإذا تحققت الغاية من التبليغ ولم تضرر مصالح الطرف المثير للإبطال فإنه لا يستجاب لطلب الإبطال كما إذا بلغ الحكم الإبتدائي إلى المعني بالأمر من أجل ممارسة الطعن بالاستئناف، وكان التبليغ مشوبا بعيب من العيوب كتبليغه لشخص لا صفة له ، ولكن المعني بالتبليغ مارس الطعن بالاستئناف داخل الأجل ، فإنه لا مجال للإبطال هنا ، لأن الغاية من التبليغ تحققت ولم تصب مصالح المبلغ إليه بأي ضرر.

* رابعا : الفرق بين التبليغ من أجل ممارسة الطعن والتبليغ من أجل التنفيذ :

يتضح مما تم عرضه سابقا أنه يوجد فرق بين نوعي التبليغ المذكورين أعلاه وذلك من حيث الإطار والهدف والآثار.
1)- من حيث الإطار :
إن إطار التبليغ من أجل تحريك أجل الطعن هو الفصلان 50 و 54 من ق.م.م. والفصول التي تحيل عليهما وبعض الفصول من القوانين الخاصة كقانون التحفيظ العقاري.
ويتم التبليغ في هذه الحالـة بواسطة نسخـة تبليغيـة وطبقـا للكيفيـة المنصوص عليهـا في الفصول : 37 - 38 - 39.
بينما إطار تبليغ الحكم من أجل التنفيذ هو الفصلان 433 و 440 من ق.م.م. وطبقا لهما فإن التبليغ يكون بواسطة نسخة تنفيذية لا تبليغية أو صورة طبق الأصل منها ويرفق بإنذار بالوفاء.

2)- من حيث الهدف :
الهدف من التبليغ الأول تحريك أجل الطعن ودفع المحكوم عليه أو ضده إلى ممارسته تحت طائلة سقوط حقه بمرور الأجل المحدد لذلك.
بينما الهدف من التبليغ الثاني هو اعذار المحكوم عليه وإعطاؤه الفرصة للامتثال لما قضى به الحكم طوعا واختيارا اجتنابا لإجراءات التنفيذ الجبري

3)- من حيث  الآثار :
إن أثر التبليغ من أجل ممارسة الطعن هو سقوط الحق في الطعن إذا لم يمارسه المبلغ إليه داخل الأجل المحدد قانونا.
في حين يكون أثر التبليغ من أجل التنفيذ هو ممارسة إجراءات التنفيذ الجبري إذا رفض المنفذ عليه التنفيذ طوعا أو لم يطلب الأجل.

* خامسـا : التبليغ التلقائي والتبليغ بناء على طلب :
كان التبليغ والتنفيذ قبل تعديل الفصول 428 و 429 و 433 من ق.م.م. يتمان تلقائيا بدون طلب، حيث تستدعي المحكمة بمجرد ما يصبح الحكم جاهزا المستفيد من الحكم لأداء الرسوم القضائية قصد تبليغ الحكم من أجل تحريك آجال الطعن ونفس الشيء تقوم به بالنسبة للحكم القابل للتنفيذ.

وأدى هذا التعديل الذي وقع بمقتضى ظهير 5/10/1984 الذي يتناول فقط الفصول المذكورة أعلاه المتعلقة بالتنفيذ بناء على طلب إلى اختلاف في كيفية التبليغ والتنفيذ بين المحاكم التي يتمسك بعضها بالتقيد بالنص الذي يتناول فقط التنفيذ دون التبليغ الذي يجب أن يبقى تلقائيا في حين ذهب بعضها الآخر إلى تعميم التعديل على التنفيذ والتبليغ .
ونظرا لحدة هذا الخلاف وتأثيره على مصالح الدفاع قررت وزارة العدل بطلب من جمعية هيئة المحامين بالمغرب تشكيل لجنة من القضاء والدفاع بتاريخ 28/7/1986 لتدارس هذا المشكل.

( انظـر كتـاب القـضـاء المغربـي وإشكالات التنـفيـذ الجبـري لمؤلفـه  ذ/  احمد النويـضـي  ص 184 وما بعدها ).
وقد عبـرت اللجنـة عن رأيهـا فـي المشـاكل المتعلقـة بالتبليـغ والتنفيـذ وتمت صيـاغة عـدة توصيات في هذا الشأن .
ومن الحيثيات التـي اعتمدتهـا اللجـنة لصيـاغـة توصياتهـا القول بـأن المشرع عـدل عـن التبليغ التلقائي .
ومنذ صدور توصيات اللجنة المذكورة أصبح التبليغ والتنفيذ لا يتمان إلا بناء على طلب.
وقد برزت بعض الآراء الفقهية التي تعارض هذا المنحى باعتبار أن التعديل تناول فقط الفصول المتعلقة بالتنفيذ دون الفصلين 50 و 54 المتعلقين بالتبليغ ، ويمثل هذا الاتجاه ذ/ الطيب برادة في كتابه التنفيذ الجبري في التشريع المغربي ص 240 ، و ذ/ احمد النويضي في كتابه المشار إليه أعلاه ص 190.

كما برز رأي آخر يقول بأن الأصل هو التبليغ بناء على طلب ، وأن التبليغ التلقائي استثناء منه ، ويمثل هذا الاتجاه الأستاذ محمد لطفي في بحثه الذي عنونه " بتبليغ الأحكام المدنية بين التلقائية وضرورة تقديم الطلب"، والذي ساهم به في النشاط الثقافي للمحكمة الإبتدائية بابن جرير عند ما كان رئيسا لها ، وهو بحث مطبوع على الآلة الكاتبة وغير منشور حسب علمي.
وقد اعتمد في رأيه هذا على أن المشرع يفترض التبليغ بناء على طلب بسنه قانون الأعوان القضائيين الذين يقومون بالتبليغ مقابل أجر وقانون المصاريف القضائية في الميدان المدني والتجاري.

وباستقراء نصوص المسطرة المدنية وبعض النصوص الخاصة نجدها تمزج بين التبليغ التلقائي والتبليغ بناء على طلب.
وتتجلى حالات التبليغ التلقائي في المسطرة المدنية في الفصل 50 الذي ينص على التبليغ في الجلسة ، والفصل 126 المتعلق بتقدير مصاريف الخبراء والتراجمة والفصل 153 من ق.م.م. المتعلقة بالأوامر الإستعجالية والذي يحيل على الفصل 50 إذا توفرت شروطه ، والفصل 208 في فقرته الأخيرة المتعلقة بتبليغ أمر قاضي القاصرين القاضي برفض طلب بيع العقار إلى الحاجز تلقائيا.

وكذا في الأحكام التمهيدية والأحكام الصادرة في الحالة المدنية، وكذا تبليغ تحول الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي .
ومـن القوانيـن الخـاصة التـي نصت عـلـى التبليـغ التلـقـائي صراحـة الفصـل 10 مـن قـرار 3/6/1915 المطبق لنظام التحفيظ ، حيث نص على أن الحكم الصادر في قضايا الطعن ضد قرارات المحافظ برفض التحفيظ كلا أو بعض أو رفض تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه يكون قابلا للطعن بالاستئناف داخل أجل شهر واحد من تبليغه للمحافظ ولجميع الأطراف ويقوم بهذا التبليغ كاتب الضبط تلقائيا.

أما بالنسبة للتبليغ بناء على طلب ، فإن الفصل 54 من ق.م.م. المعتمد في تبليغ الأحكام بناء على طلب لا ينص صراحة على هذا المقتضى ، وإنما يستفاد من نصوص أخرى تحيل عليه كالفصل 134 من ق.م.م. الذي نص في فقرته الرابعة والخامسة على ما يلي :
" يبتدئ سريان الأجل تجاه الشخص الذي بلغ الحكم بناء على طلبه ابتداء من يوم التبليغ.
لا يقيد تبليغ الحكم من طلبه ولو بدون تحفظ ".
وهناك التبليغ بناء على طلب رئيس المحكمة الوارد النص عليه في الفصل 504 من ق.م.م. والذي يتعلق بتبليغ إجراءات التوزيع بالمحاصة .

وبالإضافة إلى ذلك فإن تعبير المشرع في بعض فصول المسطرة والقوانين الخاصة على التبليغ التلقائي يفيد وجود مقابله وهو التبليغ بناء على طلب .

ويظهر من بعض النصوص اللاحقة لصدور المسطرة المدنية ، كالقانون المنظم لهيئة الأعوان القضائيين ومرسوم تحديد تعرفتهم وقانون المصاريف القضائية في الميدان المدني ، ومن الممارسة العملية بالمحاكم أنه قد تم التحول نحو التبليغ بناء على طلب فيما يتعلق بتبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن بدون نص صريح ، وربما هذا التحول أملته ظروف اقتصادية واجتماعية تتجلى في الرغبة في تنمية مداخيل الخزينة العامة للدولة وتدعيم مؤسسة العون القضائي التي تستقطب عددا لا بأس به من حاملي الشهادات.

غير أن هذا التحول لم يتم في إطار من التوافق والانسجام مع نصوص المسطرة المدنية ، وبعض النصوص الخاصة التي تفرض هذا التحول إلى درجة أصبحت معها حتى النصوص التي تنص صراحة على التبليغ التلقائي معطلة وحبرا على ورق.

وفـي اعتقـادي فإن هـذا ناتـج عـن عـدم التنسيـق بيـن الجهـات التـي تقتـرح القوانيـن وتطرحهـا للتصويت خاصة إذا علمنا أن قانون المصاريف القضائية في الميدان المدني والتجاري ، وظهير تعديل الفصول 428 و 429 و 433 من ق.م.م. لا يفصل بينهما زمن بعيد ، إذ صدر الأول في ابريل 1984 والثاني في اكتوبر من نفس السنة.

وختاما فإن هذه المداخلة ما هي إلا تساؤلات يطرحها التطبيق العملي لنصوص تبليغ الأحكام من أجل ممارسة الطعن. ومن أجل التنفيذ أعرضها على المهتمين والمختصين في هذا الميدان لعلها تنال ما تستحق من الدراسة والنقاش .

من إعداد احمد جدوي
رئيس المحكمة الابتدائية بايمنتانوت


هناك تعليقان (2):