الصفحات

الإثبات في العقد الإلكتروني

 الإثبات في العقد الإلكتروني


في خضم الثورة الرقمية، والصحوة المعلوماتية التي يعرفها العالم اليوم، حيث تكنولوجيا المعلومات أصبحت تشكل الجهاز العصبي للمجتمعات الحديثة، عرفت العمليات التعاقدية مجموعة من التغيرات مست نظامها وبينتها القانونية، فأصبح

 إبرام العقود الذي يتم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة يثير اهتمام رجل القانون والقاضي على السواء.
وبمناسبة الحديث عن العقود المبرمة بوسائل الاتصال الحديثة، فقد أدى الانتشار المتنامي لهذه الظاهرة إلى شيوع ما يسمى بالعقود الإلكترونية، هذه الأخيرة باتت اليوم تطرح مجموعة من الإشكالات القانونية، لا سيما الشق المتعلق بالإثبات، وذلك بالنظر لتعقد العلاقات الناجمة عن مثل هذا النوع من العقود، واختلاف الوسيط المادي الذي يتم من خلاله تحرير العقد وتدوين بنوده. ففي مثل هذا النوع من التعاقد تثور مجموعة من الأسئلة الهامشية والمحورية في نفس الوقت من قبيل مدى اعتبار ما يتم تدوينه على الدعامات غير الورقية، هو من قبيل الكتابة المعتد بها في الإثبات، ومدى حجية هذه الكتابة، ويزداد الوضع تعقيدا فيما لو أراد أطراف العقد التمسك بالمحرر الالكتروني كدليل كتابي كامل، كما يطرح التوقيع الإلكتروني باعتباره وليد مثل هذا النوع من المعاملات بدوره مجموعة من المشكلات.
وفي ظل غياب تشريع ينظم المعاملات الإلكترونية وسبل إثباتها، فليس للباحث يد من ضرورة التنقيب والبحث في طلب القواعد العامة المضمنة في قانون الالتزامات والعقود للإجابة على التساؤلات المشار إليها.
وسنعمل بإذن الله من خلال هذا الموضوع، ملامسة أهم الإشكالات التي يطرحها الإثبات في العقود الإلكترونية، وذلك في ضوء القواعد العامة، لإدراك مدى استيعاب هذه القواعد للتعاقد بواسطة ورسائل الاتصال الحديثة، مع الوقوف بين الفينة والأخرى عند بعض التجارب المقارنة، وخاصة التجارب ذات السبق في الموضوع.
فسنبحث أولا، مسألة إثبات العقد الإلكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالدليل الكتابي، والاستثناءات الواردة عليه، ومدى صحة الاتفاقات (المبحث الأول)، قبل أن تقوم برصد لتطور التشريع المغربي والتشريعات المقارنة نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة، ومركز الإثبات من ذلك (المبحث الثاني).
المبحث الأول: إثبات العقد الالكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالسند الكتابي والاستثناءات الواردة عليه ومدى صحة الاتفاقات
اتبع المشرع المغربي نظام الإثبات المختلط، هذا النظام لا يتعارض مع تقييد وسائل الإثبات، حيث قام المشرع المغربي من خلال الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود1 بحل وسائل الإثبات التي يقررها القانون، وعليه فإن الأطراف لا يمكنهم أن يثبتوا إدعائهم إلا عن طريق الوسائل المضمنة في هذا الفصل، كما أن القاضي ملزم بها في يناء حكمه، حيث لا يمكن له أن يحكم بناء على علمه الشخصي.
أما بخصوص المادة التجارية فإن المشرع المغربي أخذ بمبدأ حرية الإثبات وهو ما تنص عليه المادة 335 من مدونة التجارة.2
ويلاحظ أن الدليل الكتابي يعتبر من أهم أدلة الإثبات في القانون المغربي، إنه يمتاز على غيره من الأدلة بإمكانية إعداده منذ نشوء الحق أي قبل قيام النزاع، كما أنه يوفر عدة ضمانات للأطراف من أهمها ضبط الحقوق القائمة والمتراضى عليها سواء قبل النزاع أو بعده، إضافة لكون الكتابة أقل تعرضا لتأثير عوامل الزمن.
وقد وضع القانون عدة شروط يجب توافرها في الدليل الكتابي للاعتداد به في الإثبات إن أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على الكتابة بمفهومها التقليدي في الإثبات سواء بنصوص صريحة في القانون المدني، أو ضمن مبادئ قانونية كمبدأ حرية الإثبات التجاري.
المطلب الأول: الشروط المتعلقة بالسند الكتابي حتى تم قبوله في الإثبات ومعنى توافرها في المحرر الالكتروني
يعطي نظام الإثبات في القانون المدني أفضلية للكتابة على باقي طرق الإثبات الأخرى، وبالتالي فإن ما يشترطه القانون لقيام سند كتابي حتى يتم قبوله في الإثبات يتمثل في أن يكون السند مكتوبا، وأن يكون موقعا.
الفقرة الأولى: وجوب أن يكون الدليل مكتوبا
هذا الشرط الأساسي ينص على ضرورة أن يكون الدليل مدونا كتابة، وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال الإحاطة بمفهوم الكتابة، وارتباطها بالمحرر، وما يشكله من عائق للإقرار بحجية المحرر الالكتروني، مع قراءة جديدة لمفهوم الكتابة وارتباطها بهذا المحرر.
يقصد بالكتابة اللازمة للإثبات حسب الفقه، المستند الأصلي. فهذا المستند قد يكون ورقة رسمية، وقد يكون ورقة عرفية، وينحصر الفارق الرئيسي – من حيث الشكل- بين الورقة الرسمية والورقة العرفية في أن الأولى تصدر عن موظف عام وشخص مكلف بخدمة عامة. وأن يكون مختصا في إنشاءها من حيث الموضوع والمكان، أما الأوراق العرفية فهي التي لا تتوافر فيها مقومات الورقة الرسمية من حيث أنها لا تصدر عن موظف عام.
أما فيما عدا هذا الفارق الشكلي، فإن الدليل الكتابي رسميا كان أو عرفيا يجب – حتى يعتد به قانونا- أن يتضمن كتابة مثبتة لتصرف قانوني، أو أن يكون موقعا من الشخص المنسوب إليه الدليل، فعنصرا الدليل الكتابي إذن هما: الكتابة من جهة والتوقيع من جهة أخرى.
وعليه، وحتى يمكن اعتبار الوثيقة الناتجة عن معاملة إلكترونية دليلا كتابيا فإن ذلك يستلزم مبدئيا تركيبة للعناصر السالفة، يظهر من الواقع الحالي للقانون أن تلك الوثيقة لا تستجيب لها1، لذا فإننا سنعرض للمفاهيم الموضوعية للكتابة والتوقيع لنرى مدى استيفاء الوثيقة المعلوماتية لها.
لقد جرى العرف واستقر العمل على تدوين المحررات الرسمية والعرفية على الأوراق وبالحروف الخاصة بلغة المتعاقدين أو اللغة التي يعتمدانها لتحرير العقد، فإن اللجوء إلى تدوين المحررات على وسائط إلكترونية من خلال ومضات كهربائية وتحويلها على اللغة التي يفهمها الحاسب الآلي يثير التساؤل عن مدى اعتبار المحرر الإلكتروني من قبيل الكتابة.
فمن الجدير بالتأكيد أنه ليس هناك في القانون أو في اللغة ما يلزم بالاعتقاد في أن الكتابة لا تكون إلا على الورق، وتأكد هذا المعنى في مرجع LAMY في قانون المعلوماتية حيث أشار إلى أن المشرع لم يشر إلى دعامة من نوعية معينة، هذا وتأكيدا لما سبق فإن الكثير من الاتفاقيات الدولية تتبنى هذا الرأي ومنها على سبيل المثال، اتفاقية الأمم المتحدة الموقعة فيها بشأن النقل الدولي للبضائع لسنة 1981 التي تنص المادة 13 منها على أنه فيما يخص أغراض هذه الاتفاقية ينصرف مصطلح الكتابة أيضا على المراسلات الموجهة في شكل برقية أو تلكس1، لذلك يتضح أن الكتابة لا ينظر إليها من حيث ارتباطها بالدعامة أو الوسيط المستخدم في التدوين على دعامة مادية محددة، بل بوظيفتها في إعداد الدليل على وجود التصرف القانوني وتحديد مضمونها بما يمكن الأطراف من ا لرجوع إليه في حالة نشوب خلاف وقد اتفق الفقه أنه وحتى تقوم الكتابة بهذا الدور فلابد أن يكون الوسيط مقروءا وأن تتصف الكتابة المدونة عليه بالاستمرارية والثبات.
لذلك وحتى يمكن الاحتجاج بمضمون المحرر المكتوب في مواجهة الآخرين فإن المحرر يجب أن يكون مقروءا، وبالتالي يجب أن يكون مدونا بحروفا أو رموز معروفة ومفهومة للشخص الذي يراد الاحتجاج عليه بهذا المحرر، فإذا ما رجعنا إلى المحررات الالكترونية نجد أنه يتم تدوينها على الوسائط بلغة الآلة لا يمكن أن يراها الإنسان بشكل مباشر وإنما لابد من إيصال المعلومات في الحاسب الآلي الذي يتم دعمه ببرامج لها القدرة على ترجمة لغة الآلة إلى اللغة المقروءة للإنسان، وعلى الرغم من ذلك، وبالنظر إلى أنه يضمن قراءة هذه المحررات في جميع الأحوال باستخدام الحاسب الآلي وهو ما يعني استيفاءها للشرط المتعلق بإمكان القراءة والفهم طالما أن اللغة التي تظهر على الشاشة هي لغة مفهومة ومقروءة لأطراف العقد.2
ورغم ذلك فإن بعض مخرجات الحاسب الآلي لا تثير أية صعوبة من هذه الناحية فالبطاقة والشرطة المثقبة، والدعامات الورقية المتصلة، تتضمن دون شك "كتابة" بالمعنى التقليدي في قواعد الإثبات إلا أن هناك في المقابل بعض المضرجات التي تبدو محل شك كالأشرطة الممغنطة، والأسطوانات الممغنطة، والميكرو فيلم.
فبالنسبة للميكرو فيلم يمكن القول أنه يأخذ قانونا حكم الكتابة التقليدية، فالفارق الوحيد بينهما كما يرى البعض، يكمن في مادة وركيزة الدليل فهي من الورق بالنسبة لكتابة العادية ومن مادة بلاستيكية للميكرو فيلم، أما بالنسبة للأشرطة الممغنطة وما في حكمها، فالأمر لا يبدو بهذه البساطة، فهي تحتوي على معلومات تم تخزينها مباشرة على ذاكرة الحاسب الالكتروني دون أن يكون لها أصل مكتوب ولا يمكن والأمر هكذا الإطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب، وقد يقال لذلك أنها لا تتضمن كتابة على الإطلاق بل هي أقرب على التسجيلات الصوتية.1
ورغم ذلك، وتأكيدا لما سبق ذكره فإن منظمة المواصفات العالمية ISO، وبخصوص المواصفات الخاصة بالمحررات أكدت أن المحرر هو: " مجموعة المعلومات والبيانات المدونة على دعامة مادية... يسهل قراءتها عن طريق الإنسان أو باستخدام آلة مخصصة لذلك".
وكذلك من أجل حسم هذه المسألة فقد أضاف المشرع الفرنسي في شأن الإثبات عن طريق الوسائل الالكترونية نص المادة 1316 من القانون المدني والذي تم تعريف المحرر المستخدم في الإثبات بأنه: " كل تتابع للحروف أو الرموز أو الأرقام أو أي إشارات أخرى تدل على المقصود منها ويستطيع المغير أن يفهمها..."
بالإضافة على اشتراط كون المحرر الكتابي مقروءا، يشترط أيضا للاعتداء بالكتابة في الإثبات أن يتم التدوين على وسيط يسمح بثبات الكتابة عليه واستمرارها بحيث يمكن الرجوع إلى المحرر كلما كان ذلك لازما لمراجعة بنود العقد أو لعرضه على القضاء عند حدوث خلاف بين أطرافه.
فإذا كانت الوسائط الورقية بحكم تكوينها المادي تسمح بتحقيق هذه الشروط فإن استخدام الوسائط الالكترونية يثير التساؤل عن مدة تحقق هذا الشرط فيها حتى يمكن اعتبارها من قبيل المحررات الكتابية، وفي هذا الصدد فإن الخصائص المادية للوسيط الالكتروني قد تمثل عقبة في سبيل تحقق هذا الشرط. ذلك أن التكوين المادي والميكانيكي للشرائح الممغنطة وأقراص التسجيل المستخدمة في التعاقد عن طريق الانترنت تتميز بقدر من الحساسية بما يعرضها للتلف السريع عند اختلاف قوة التيار الكهربائي أو الاختلاف الشديد في درجة حرارة تزين هذه الوسائط، وهي بذلك تعد أقل قدرة من الأوراق على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة.
ومع ذلك فإن هذه الصعوبة الفنية قد أمكن التغلب عليها باستخدام أجهزة ووسائط أكثر قدرة وبالتالي يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة ربما تفوق قدرة الأوراق العادية التي تتأثر هي الأخرى بعوامل الزمن وقد تتآكل بفعل الرطوبة نتيجة لسوء التخزين.
ويعني ذلك أن عقبة الاحتفاظ بالمحرر المكتوب لفترة طويلة من الزمن تسمح بالرجوع إليه كلما كان ذلك لازما أمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تتغلب عليها مما يعني أن المحرر المعرفي يستوفي بذاته ومتى استخدمت هذه التكنولوجيات شرط استمرارية الكتابة على الوسيط.
ويجب أيضا حتى يعتد بالدليل الكتابي في الإثبات بالإضافة إلى كونه مقروءا، ومتميزا بالثبات والاستمرارية، يجب كذلك أن لا تكون هذه الكتابة قابلة للتعديل إلا بإتلاف المحرر أو ترك أثر مادي عليه، فبخصوص المحررات المدونة على الورق فإنه لا يمكن تعديلها إلا بإتلافها أو إحداث تغييرات مادية يسهل التعرف عليها سواء بواسطة القراءة العادية أو من خلال الرجوع على الخبرة الفنية.
على أنه وبخلاف الأوراق التي تتحقق فيها هذه المواصفات، فإن الكتابة على الوسائط الالكترونية من أقراص وشرائط ممغنطة تفتقد بحسب الأصل لهذه القدرة، بل إن افتقادها هو سبب تفوقها على الوراق من ناحية الاستخدام العملي لها، فالأصل في التدوين على الوسائط الالكترونية هو قدرة كل طرف من الأطراف على تعديل مضمون المحرر وإعادة تنسيقه بالإضافة أو الإلغاء أو المحو بدون أن يظهر لهذا التعديل أي أثر مادي يمكن ملاحظته أو اكتشافه.
ويترتب على هذا الاختلاف المادي بين الأوراق والوسائط الالكترونية أن المحرر الالكتروني يفتقر بحسب الأصل على شرط من أهم الشروط التي تتصل بوظيفة المحرر الكتابي في الإثبات والتي تهدف إلى تحقيق الثقة في البيانات المدونة في المحرر.
ومع ذلك فإن التطور التكنولوجي قد أدى إلى حل هذه المشكلة أيضا عن طريق استخدام برامج حاسب آلي بتحويل النص الذي يمكن التعديل فيه إلى صورة ثابتة لا يمكن التدخل فيها أو تعديلها ويعرف هذا النظام باسم (Document image processing).
كذلك فقد أمكن حفظ المحررات الالكترونية في صيغتها النهائية وبشكل لا يقبل التبديل من خلال حفظها في صناديق الكترونية لا يمكن فتحها إلا بمفتاح خاص يهيمن عليه جهات معتمدة من قبل الدولة، بحيث تؤدي محاولة أطراف التعامل تعديل الوثيقة الالكترونية إلى إتلافها أو محوها تماما.
ومما لا شك فيه أن ترك تقييم مدى إمعان قبول المحرر الالكتروني الذي يتم تأمين بياناته بواسطة نوع معين من المحررات في الإثبات بالمقارنة بالمحررات المدونة على الأوراق والتي يلتزم القاضي بقبولها كدليل كامل متى كانت موقعة من أطرافها وحيث أن ذلك من شأنه إضعاف الثقة في المحررات الالكترونية، فإننا نعتقد في وجوب تدخل المشرع بالنص صراحة على التكنولوجيا المعتمدة في تأمين بيانات لمحررات بما يجعلها تستوفي شرط "عدم القابلية للتعليل" وبدون حاجة إلى تدخل القاضي في تقدير مدى توفر هذا الشرط.1
الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في التوقيع ومدى تحققها في التوقيع الإلكتروني
يشكل التوقيع العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي المتطلب قانون لمصلحة الورقة العرفية وكذلك بالنسبة للورقة الرسمية، وهو ما يؤكده الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه: << يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الملتزم بها بشرط أن تكون موقعة منه، ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم وأن يرد في أسفل الورقة، ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه>>.
يذهب الأستاذ Gerve Croze إلى أن اصطلاح التوقيع يستعمل بمعنيين: الأول أنه عبارة عن علامة أو إشارة تسمح بتمييز شخص الموقع، والثاني هو فعل أو عملية التوقيع ذاتها، بمعنى وضعه على مستند يحتوي معلومات معينة، ويعتبر المعنى الأول هو المعنى المقصود بالتوقيع في نطاق الإثبات ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية وهي أن يكون علامة خطية وشخصية لمن ينسب إليه المحرر، ثم أن يترك أثرا متميزا يبقى ولا يزول.1
والتوقيع إما أن يكون خطيا، وإما أن يكون بالبصمة ختما أو إصبعا، فالتوقيع الخطي يكون بيد من ينسب إليه المحرر بحيث يقوم محدد لشخصية الموقع حتى ولو لم يكتب المحرر بخط يده، وتجدر الإشارة على أن المشرع المغربي قد حصرا التوقيع في الإمضاء باليد على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي أتاحت إمكانية التوقيع باليد أو بالختم أو ببصمة الأصبع كالمشرع المصري.
أما التوقيع الإلكتروني أو الرقمي فهو إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء في الأمر بأن يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن ويسري بمنع استعماله من قبل الغير، ويعطي الثقة في أن صدوره يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
وتكمن وظيفة التوقيع الإلكتروني في وظيفتين أساسيتين:
أ- أن التوقيع الرقمي يثبت الشخص الذي وقع الوثيقة بانصراف إرادته إلى الالتزام بما وقع عليه.
ب- أن التوقيع الرقمي يحدد الشيء أو الوثيقة التي تم توقيعها بشكل لا يحتمل التغيير.2
والسؤال الذي يثار هنا، هو هل يحقق التوقيع الرقمي نفس الوظيفة التي يحققها التوقيع العادي؟
ويرجع هذا التساؤل إلى الخصائص المادية الفريدة التي يتميز بها التوقيع الالكتروني بالمقارنة بالتوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على المحرر الكتابي الذي يتم تهيئته ليكون دليلا في الإثبات.
ولعل أهم الأسباب التي تدعو إلى التشكك في قيمة التوقيع الالكتروني ترجع إلى انفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه وإمكان تكراره بدون موافقته أو عمله إذا لم يتم استخدام تقنيات تكنولوجية معقدة من أجل تأمينه.
كذلك فإن هذا التوقيع وحتى برفض استيفائه لذات الخصائص التي يتمتع بها التوقيع التقليدي لن يرتبط ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي الذي تتم تهيئته كدليل للإثبات إلا إذا وجدت تقنية تكفل ذلك يعترف بها القانون ويعتمدها القضاء، وفي ضوء ذلك فإن جانبا كبيرا من الفقه قد رفض اعتبار التوقيع الإلكتروني مماثلا للتوقيع التقليدي بخط اليد، رغم أن اختلاف التوقيعين يكمن في الوسيلة وليس في الهدف أو الوظيفة المبتغاة منه، وهو بذلك – التوقيع الإلكتروني- شأنه في ذلك شأن التوقيع التقليدي يصدر عن صاحبه للإفصاح عن شخصيته والتعبير عن إرادته بقبول التصرف الذي يتم التوقيع عليه والالتزام بما يرد فيه من شروط.
وهكذا فإن وجه الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في مدى تحقيق التوقيع للثقة التي يبني عليها المشرع حجية التوقيع في الإثبات، فإن توفرت ذات الثقة في التوقيع الإلكتروني فإنه يتساوى مع التوقيع التقليدي في حجيته في الإثبات، وتتعدد هذه الثقة في نوع التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع1. وذلك بالاعتماد على أدوات ووسائل التشفير بالمفتاح العمومي، وعلى إصدار شهادات مصادقة الكترونية من هيئات معترف بها يطلق عليها اسم الشخص الثالث المصادق ويمثل هذا الطرف الثالث المحايد في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الالكترونية، ودولارها بالإضافة على إصدار شهادات التوثيق بتحديد هوية المتعاملين في التعاملات الالكترونية، وتحديد أهليتهم القانونية للتعامل والتعاقد، والتحقق من مضمون هذا التعامل، وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.
كما تقوم أيضا بإصدار المفاتيح الالكترونية سواء المفتاح الخاص الذي يتم بمقتضاه تشفير التعاملات الالكترونية، أو المفتاح العام الذي ليتم بواسطته فك التشفير وقد أسند – مثلا- قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى "مراقب لخدمات التصديق" الذي يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام2. 
لهذا فإن التوقيع الالكتروني يتفوق على التوقيع التقليدي بالنظر إلى أن استيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتيني في كل مرة يتم فيها استخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص، وبالتالي فإنه لا مجال للانتظار حتى يحدث النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال بالنسبة للمحررات الموقعة بخط اليد3.
إلا أن الإشكال يثار حول قدرة التوقيع الالكتروني في التعبير عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من الفقه أنه لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الالكتروني، إذ يتعذر التثبت من حضور الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع اليدوي فلا يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا بعد من وراء الجاني الآلي هو بالفعل الشخص ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع حين لا يكون هذا الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.1
ولكن وللحيلولة دون وقع ذلك فإنه يتم اللجوء إلى التقنية المستخدمة في تأمين التوقيع الرقمي عن طريق الرقم الخاص المعتمد من طرف جهة التوثيق التي تتولى إصدار المفتاح الخاص ومن أهم أساليب استخدام المفتاح الخاصة للربط بين التوقيع وبين المحرر وتأمينها من التعديل اللجوء إلى التقنية المعروفة باسم "HACHAGE IRREVERISIBLE" والتي يتم من خلالها تحويل المحرر الالكتروني (مثله في ذلك مثل التوقيع) إلى معادلة رياضية لا يمكن فهمها ولا قراءتها إلا بالمفتاح الخاص الذي يتم تسليمه إلى العميل المتعاقد بصفة شخصية تحت رقابة الوسيط المتمثل في جهة التوثيق
وبهذه التقنية فإن المحرر يختلط بالتوقيع على نحو لا يمكن فصله ولا يمكن لأحد غير صاحب المحرر المدون على هذا النحو من التدخل بتعديل مضمونه وبهذا يكون في يد كل طرف من أطراف العقد النسخة المحررة والموقعة من الطرف الآخر، والتي يمكنه تقديمها كدليل كتابي كامل في الإثبات
وبالرغم من هذه الإمكانية في الربط بين المحرر وبين التوقيع وتأمينها من التلاعب فيهما فإننا نتحفظ على ذلك بأن قبول المحرر الإلكتروني بواسطة القاضي كدليل كتابي يقتضي في بادئ الأمر أن يقرر القاضي مدى كفاءة التقنية المستخدمة في استيفاء الشروط التي تؤهل التوقيع للقيام بدوره في الإثبات، وهو ما يضعف من قوة المحرر الإلكتروني ويؤدي إلى تهديد الثقة التي يجب توفيرها للمتعاملين به
وهكذا فبينما يعد المحرر العرفي الموقع دليلا كتابيا كاملا، فإن قبول المحرر الإلكتروني كدليل في الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يتساوى من الناحية العملية مع قلب عبء الإثبات في شأن صحة الدليل الكتابي
لذلك فلا بد من تدخل المشرع بتحديد التقنيات التي إذا ما تم استخدامها يكون التوقيع الإلكتروني صحيحا، والتي يتحقق بموجبها الارتباط المادي بين التوقيع وبين المحرر الإلكتروني1.
المطلب الثاني : إثبات العقود الإلكترونية بواسطة الاستثناءات القانونية المقررة على الدليل الكتابي والاتفاقات الخاصة
تعرفنا في المطلب الأول على الشروط الواجبة التوفر في الدليل الكتابي حتى يمكن الاعتداد به في الإثبات ،وهى الكتابة والتوقيع ، وخلصنا إلى أن الورقة العرفية لا يمكن أن تستوعب طرق الاتصال الحديثة لأن المشرع بصريح العبارة في مقتضي الفقرة الثانية من الفصل 426 من ق ل ع أشترط وجوبا أن يكون التوقيع بخط يد الملتزم، وهو مالا يمكن مجاراته عمليا مع تطور وسائل التعاقد عن بعد.
وعلى الرغم من أن القاعدة العامة في إثبات التصرفات في الميدان المدني هو التقييد، ووجوب إثباته كتابه إذا تجاوزت قيمة التصرف 250 درهم حسب مقتضيات الفصل 443 من ق ل ع، إلا أن المشرع أورد عدة استثناءات على هذه القاعدة ، يمكن من خلالها الاستغناء عن ضرورة التوفر دليل كتابي كامل والاكتفاء بأي وسيله أخرى من وسائل الإثبات، وهى واردة على سبيل الحصر<< الفقرة الأولى>> ومن جهة أخرى قد يعمد الأطراف إلى الاتفاق فيما بينهم على إعطاء الحجية لوسيلة معينه يتم اللجوء إليها في الإثبات عند النزاع، الشيء الذي يطرح الإشكال حول مدى صحة هذه الاتفاقات <<الفقرة الثانية >>. 
الفقرة الأولى : الاستثناءات القانونية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
سنقوم من خلال هذه الفقرة بعرض لمدى إمكانية الاعتماد على الاستثناءات القانونية لإعطاء الحجية للعقد الإلكتروني الذي يتم إبرامه عن طريق وسائل الاتصال الحديثة لعلها تسعفنا في استيعاب هذه الوسائل لإمكانية إعطاءها حجة في الإثبات، وذلك من خلال ثلاث نقط على التوالي:
أولا: بداية حجة كتابية
بداية حجة كتابيه أو مبدأ الثبوت بالكتابة كما تسميها بعض التشريعات العربية، نص عليها المشرع المغربي في صريخ الفصل 447 من ق ل ع والذي جاء فيه: (لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق عندما توجد بداية حجة بالكتابة وتسمى حجة بالكتابة كل كتابة كانت صادرة ممن يحتج بها عليه أو ممن أنجز إليه الحق منه أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كل حجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة في محرر أو حكم قضائي صحيحين شكلا).
ويستنتج من نص الفصل أعلاه أنه يستلزم لإعمال هذا الاستثناء شرطان، أولهما أن توجد كتابة، وثانيهما أن تكون صادرة ممن يحتج بها ضده، لكن ما المقصود بالكتابة في هذه الحالة؟ وما هي الحلول القانونية المتبعة في حالة إنكار هذه الورقة ممن يحتج بها ضده؟.
وبالرجوع إلى أغلب الفقه نراه يجيب على أن الكتابة هنا تؤخذ بأوسع معنييها، فهي تنصرف إلى أية كتابه دون اشتراط أي شكل خاص أو توقيع، ودون أن تكون معدة للإثبات، ولكن إذا ما أخذنا بهذا المفهوم يطرح تساؤل أخر بخصوص طبيعة الدعامة التي يجب أن تدون عليها الكتابة ؟
إذا ما تمعنا في الفصل السابق نجده خاليا من أي تحديد لطبيعة الدعامة، أي انه لا يوجد ما يلزم أن تكون الكتابة فوق ورق عادى، ولكن بشرط أساسي وأن تكون الكتابة الموجودة على الدعامة لا تقبل التعديل أو التغيير ،فإذا ما توافرت هذه الشروط يمكن الحديث عن توافر شرط الكتابة.
أما فيما يتعلق بالشرط الثاني أي بوجوب صدور تلك الكتابة عمن يحتج بها عليه، فإن طبيعة التعاملات الإلكترونية والتي تتم عن طريق وسائط ليس لها وجود مادي، فإنه تبرز صعوبة نسبة هذه الكتابة لأي الشخص المراد الاحتجاج بها ضده ، بالإضافة إلى الحالة التي ينكر فيها الشخص الكتابة التي صدرت منه، فلا يوجد من الوسائل ما يمكن أن تبرهن على أن هذه الكتابة قد صدرت منه فعلا، وذلك بخلاف الكتابة التقليدية والتي تتم على محرر مادي ملموس يمكن أن يحتج به في كل سهوله إذا ما كان موقعا منه أو مكتوبا بخط يده أو من ينوب عنه. 
لهذا نؤيد بعض الفقه الذي يذهب إلى استبعاد التعاملات الالكترونية من إعطاءها صفة بداية حجة كتابية للأسباب التي تم ذكرها ، وتفنيدا لما ذهب إليه بعض الفقه الأخر من إمكان إعطاء المحررات الالكترونية صفة بداية حجة كتابيه بشرط أن تكون موقعه إلكترونيا ممن صدرت عنه، وهو ما يتجافى إطلاقا مع صريح مع قانون الالتزامات والعقود من عدم الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني وعدم إعطاءه حجية التوقيع التقليدي.
ثانيا : حالة فقدان الدليل الكتابي
نص المشرع على هذه الحالة ضمن مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 448 من ق ل ع والتي تنص على أنه: (استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:
1. في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحليل من التزام عليه،...).
وباستقراء مقتضيات هذا الفصل نتوصل إلى الشروط المتطلبة لإعطاء التعاملات الالكترونية حجية في الإثبات، فينبغي بداية أن يثبت الشخص أنه قد حصل على الدليل الكتابي الذي يقتضيه القانون مسبقا ثم ضياع هذا السند لسبب أجنبي خارج عن إرادته.
بعدما تبينا فحوى هذه الشروط، نستخلص من خلال الشرط الأول أن المشرع قد تطلب وجود دليل كتابي كامل، وأن كلا الطرفين قد بذلا جهدهما من أجل هذا ولم يتوان عن توفير الشروط المتطلبة قانونا1 لهذا ومع عدم توفر شروط الدليل الكتابي في المحرر الإلكتروني أصلا. لا يمكننا الحديث هنا عن إعمال هذا الاستثناء، أي أن فقد احد الشروط يعني الاستثناء كله.
ثالثا :استحالة الحصول على دليل كتابي:
أشار المشرع إلى هذه الحالة في مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 448 من ق ل ع فجاءت تقضى بأنه:
( استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود :
1.......
2. إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها العقود ناشئه عن شبه العقود وعن الجرائم...).
انطلاقا من هذا النص يتضح لنا أن القانون حينما يفترض الكتابة في الإثبات، إنما يفترض إمكان الحصول على دليل كتابي، فإذا كانت هناك ظروف تحول دون ذلك، فإن الشهادة تجوز في الإثبات نزولا على ما يقتضيه العقل وتوجبه العدالة، وتعتبر هذه الحالة تطبيقا للقاعدة العامة (أنه لا يكلف شخص بمستحيل)2.
وينبغي أيضا لأعمال هذا الاستثناء وأن يكون السبب المانع خارج عن إرادة الشخص وليس له دور في حدوثه، وأن يعمل كل ما في وسعه للحصول على الدليل ولكن كل محاولاته قد باءت بالفشل، ومعظم الأمثلة الواردة تؤيد ما ذهبنا إليه من صوريه وغلط وتدليس...
وبالرجوع لبعض مواقف الفقهية3 والتي اعتبرت أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية قد تكون مانعا يجيز الإثبات بكافة طرق الطرق والوسائل ، فإنها تبقى محل نظر لعدة أسباب أهمها أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية لاتصل إلى درجة الاستحالة. لأن الانترنت لا يعتبر الطريق للتعاقد، وإرادة المتعاقد تبقى بارزه ومحل اعتبار مع علمها المسبق ووعيها التام بصعوبة الحصول على دليل يثبت التعاقدات التي سيقوم بإبرامها.
نستخلص من ما سبق أن اللجوء إلى الاستثناءات الواردة على مبدأ الإثبات الكتابي والتسلل منه يؤدى إلى إهدار المبدأ الأصيل لتعميم الاستثناء ليحل محل هذا المبدأ في جميع المعاملات والتعاقدات التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وتأكيدا لهذا الرأي يكمن الرجوع لتقرير مجلس الدولة الفرنسي في هذا الموضوع بتاريخ 2 يوليوز 1998 والذي جاء فيه أن: ( اللجوء إلى نظام الاستثناءات على مبدأ وجوب الإثبات بالدليل الكتابي ليس مقبولا لأنه ينظر إلى الإثبات عن طريق المحررات الالكترونية من منظور قاصر وغير حقيقي. فسواء كان التوجه إلى الاستناد إلى مبدأ بداية حجه كتابيه أو إلى الاستحالة المادية للحصول على محرر مدون بالطريقة التقليدية فإن ذلك ليس إلا متهربا من مواجهة الواقع الزى أصبح مفروضا في وقتنا الحالي، أي واقع التعامل بالمحررات الالكترونية)1.
الفقرة الثانية : الاستثناءات الاتفاقية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
من المعلوم أن قواعد الإثبات تنقسم إلى شقين أساسين، أولهما القواعد الإجرائية أو المسطرية، وثانيهما القواعد الموضوعية المنظمة لمحل الإثبات وعبئه وطرقه وحجيته.
ومما لاشك فيه أن القواعد الإجرائية في الإثبات بقسميها المدني والجنائي لها تعلق مباشر بالنظام العام، وبالتالي عدم جواز الاتفاق على مخالفة أحكامها2.
أما بالنسبة للقواعد الموضوعية في الإثبات فإن الفقه مختلف فيه فجانب يرى3 أنه غير متعلق بالنظام العام. أي أن كل اتفاق يتناول بالتعديل لهذه القواعد يعتبر اتفاقا صحيحا نافذا، بينما يرى جانب أخر من الفقه3 أن قواعد الإثبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة : أولا قبول أدلة الإثبات، وثانيا عبء الإثبات، ثالثا حجية دليل الإثبات، فيفتح الباب أمام الأطراف للاتفاق على قبول الأدلة الذين ارتضوها، مثل إحلال شهادة الشهود محل الكتابة إذا كانت هذه الأخيرة هي المطلوبة، أما بالنسبة لعبء الإثبات وحجية دليل الإثبات وحدود هذه الحجية وطرق إنكارها واثبات عكسها مع ضرورة ربط هذه المقتضيات بالنظام العام، وإخضاع هذه المقتضيات دائما للسلطة التقديرية للقاضي، وذلك تأكيدا لمهمته الأساسية وهى إحقاق الحق وإبطال الباطل وإعطاء الحق لأهله. ومن مؤيدات ما ذهب إليه هذا الاتجاه هو عدم بعض المبادئ العامة في ميدان الإثبات مثل عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه، بالإضافة إلى أن الاتفاق لا ينبغي أن يصل إلى درجة حرمان أحد طرفيه من حقه في ما يدعيه كليا ؟ أو إعطاء دليلا يملكه أحد الأطراف حجة قاطعة؟
وتعقيبا على رأى الجانب المعارض لفكرة تعلق قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام محيلا في ذلك على رأى غالبية الفقه والقضاء في فرنسا ومصر رغم صراحة النص في كلا التشريعين من خلال المادة 1341 من التقنين المدني الفرنسي وتقابلها نص المادة 60 من قانون الواثبات المصري والتي نورد نصهما للأهمية البالغة وهو ينص على: (في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عل مائة جنيه، أو كان غير محدد القيمة، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك)1.
فرغم عدم ربط قواعد الإثبات الموضوعية بشكل عام في مصر وفرنسا بالنظام العام، لكنها تمتلك من القواعد القانونية ما تستطيع به أن تحمى إرادة الطرف الضعيف وإرادة المستهلك بشكل عام يجنبها التعسف في فرض الشروط ، وكمثال على ذلك نذكر مضمون المادة 149 من القانون المدني المصري والتي تعطي بمقتضاه للقاضي سلطة تقدير مدى تعسفية الشرط من عدمه مع إعطاءه سلطه في تعديل هذه الشروط أو إعفاء الطرف الضعيف منها .
كما أن قراءة مقتضيات المادة 443 من ق ل ع المغربي بتمعن توحي على أن مقتضياتها تتعلق بالنظام العام لأن المشرع أورد كلمة يلزم وهى توحي بالوجوب.
نخلص من كل ما سبق إلى تبنى الرأي الفقهي الذي يربط قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام لما تحققه من حماية للطرف الضعيف في غياب أي نص قانوني مغربي يسمح للقاضي بالتدخل لتعديل أو إلغاء الشروط التعسفية التي يمكن أن تضمن في العقد، وتأكيدا لما ذهبنا إليه نورد التعامل مع البنوك عن طريق الشبابيك الأوتوماتيكية والتي تشترط فيه البنوك في عقودها مع زبناءها على إعطاء ذلك الشريط الورقي حجية قاطعه ومطلقه تفوق حجة المحررات العرفية، وهو ما يسلب القاضي سلطته في تقدير قيمة الأدلة المنازع فيها. 
المبحث الثاني: تطور التشريعي المغربي نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة في مجال إثبات العقود
إن التشريع المغربي وعلى غرار غيره من التشريعات المقارنة، لم يقف موقفا سلبيا من التطورات التي عرفتها نظم الإثبات، في ظل ثورة المعلومات وشيوع التقنيات الحديثة، والذي ساعد على ذلك هو تشبه لنظام الإثبات المختلط1 الذي يعطي للقاضي حرية التقدير بالنسبة للأدلة التي لم يجد لها القانون حجية معينة فهذه المرونة تضمن حسن سير العدالة وتوفر للمعاملات نوعا من الاستقرار، وتفسح المجال مبدئيا أمام إمكانية الأخذ بمستجدات التقنيات الحديثة في إثبات العقود لا سيما العقود الالكترونية.
والواقع أنه باستقراء بعض القوانين الخاصة نجد المشرع المغربي قد كان على قدر من الجرأة من خلال اعتماده على التقنيات الحديثة في الإثبات وإن كانت هذه المبادرة قد تصطدم أحيانا ببعض الأسس والمبادئ التي تفرضها قواعد الإثبات التقليدية المنظمة في قانون الالتزامات والعقود في الوقت الذي نجد فيه تشريعات أخرى وعلى رأسها القانون الفرنسي قد تثبت قواعد مضبوطة لإثبات العقد.
فنبحث أولا موقف التشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات الحديثة في مجال إثبات العقد الالكتروني (المطلب الأول)، قبل أن نستخلص حدود استيعاب القواعد العامة، لإثبات العقود الالكترونية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: موقف التشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات في مجال إثبات العقد الالكتروني
الفقرة الأولى: موقف التشريعات المقارنة
أولا: التشريع الفرنسي
استجابة منه لمتطلبات التعامل بوسائل الاتصال الحديثة تدخل المشرع الفرنسي بموجب القانون 80/525 المدني خاصة الجانب المتعلق بوسائل إثبات الوسائل القانونية فتبنى مفهوما جديدا للصورة من جهة، واعتبر المحررات الالكترونية دليلا كتابيا من جهة ثانية.
ولقد اعتبر ذلك بمثابة ارتقاء تشريعي بقواعد الأدلة الالكترونية إلى مستوى القواعد العامة، مع وجود استثناءات، وإذا كان القانون الفرنسي قد أقام التكافؤ بين المحررات الالكترونية والمحررات الورقية فإنه في المقابل تدخل ليضع حدودا وشروطا لهذا الاعتراف، فبمقتضى المادة 1316/1 اشترط أن تكون الرموز أو الأرقام أو العلامات على وضع يسمح بقراءتها، بمعنى أن تكون مكونات الكتابة ذات دلالة تعبرية مفهومة، كما اشترط كذلك لزوج ارتباط المحرر بتوقيع الالكتروني استوفى الشروط التي تجعله مؤديا لوظائف الترقيع بصفة عامة، وعلى نحو يمكن من الكشف على أي تلاعب في الكتابة، هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد قيد قبول الدليل الكتابي الالكتروني في الإثبات يفيد بينهما: تحديد سلامتها.1
أما بالنسبة لصورة فقد أخضع المشرع الفرنسي عن منحها حجية في الإثبات متى توافر على شرطين أساسيين هما:
+ التطابق: ومعناه أن تأتي الصورة مطابقة للأصل مطابقة تامة، بمعنى أن تكون المطابقة في الشكل والمضمون.
+ الـدوام: من خلال التعريف الوارد في الفقرة 2 من المادة 1348 من التقنين الفرنسي، يتضح أن المقصود بالدوام، الإثبات، وعدم القابلية لزوال، وعدم صلاحية الدعمات المستخدمة لإعادة استخدامها مرة أخرى.
وهكذا فمتى استوفت الصورة هذين الشرطين إلا واعتبرت ذات حجية في الإثبات إذا كان الأصل غير موجود، مع العلم أن هذه الحجية تبقى خاضعة لسلطة التقديرية للقاضي دون الرقابة عليه من محكمة النقض فإن شاء أخذ بها وإن شاء طرحها جانبا.2
ثانيا: موقف المشرع المصري
في ظل القانون الحالي أبى المشرع المصري إلا أن يمنح لوسائل الاتصال الحديثة حجية قانونية في الإثبات، فمعلوم أن القانون المصري يتطلب الكتابة في إثبات بعض التصرفات القانونية.
بيد أنه في نطاق هذه التصرفات القانونية أورد بعض الاستثناءات التي لا يلزم فيها وجود الدليل الكتابي الكامل، ثم أن المشرع المصري أخذ بمبدأ الإثبات الحرفي مواجهة التجار في المادة التجارية، وسمح للأطراف باستبعاد نظام الإثبات والاتفاق عل تنظيم حجية المستندات والوثائق التي يتعاملون بها، فقواعد الإثبات قواعد مكملة وليس آمرة، ومن تم يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها. ثم إن المشرع قد أجاز بنص صريح الإثبات بكافة الطرق والوسائل ما دام هناك مانع يتعذر معه إعمال الدليل الكتابي أيا كان نوع هذا المانع.
ويدخل في ذلك المانع بحكم عادة فمتى اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دون الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة يستسيغ الأخذ بهذه الوسائل حجة في الإثبات.
والمانع سيان أكان مانعا ماديا ناشئا من الظروف الجارحية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على دليل كتابي أو مانعا أدبيا ناشئا عن اعتبارات معنوية دون المطالبة بالكتابة، قلنا تحقق المانع بنوعيه يسعف الأخذ بوسائل الاتصال الحديثة في الإثبات كالحاسب مثلا خصوصا النسخة الالكترونية ومصفرات الفيلمية وموقع الويب وهي الصفحة التي تظهر على شاشة الحاسب الالكتروني.
الفقرة الثانية: قبول بعض القوانين المغربية الخاصة للتقنيات الحديثة
في خضم التطور الحادث في مجالات الاتصالات الالكترونية، مع ما صاحب ذلك من تغيرات جذرية على الطرق التي أصبحت تتم بها المعاملات التجارية. عرف التشريع المغربي بروز مجموعة من النصوص التي تجيز اعتماد بعض التقنيات الحديثة في الاثبات، وإن كان الأمر يحتاج إلى تدخل فعلي عبر قانون ينظم التجارة الالكترونية بشكل عام، والإثبات في المعاملات الالكترونية بشكل خاص، وسنحاول من خلال هذه الفقرة الوقوف قدر الإمكان عند بعض التطبيقات المتناثرة في بعض النصوص والقوانين الخاصة، محاولين استجلاء موقف التشريع المغربي من التقنيات الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ومن بين هذه القوانين نجد:
أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها
ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة
ثالثا: مدونة الشغل الجديدة
رابعا: قوانين خاصة أخرى
أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها
باستقراء القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، نستشف أن من بين المهام المسندة لمؤسسة الائتمان كما أشارت إلى ذلك المادة الأولى وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء والقيام بإداراتها، من دون أن تحدد هذه المادة ما إذا كانت هذه الوسائل تقليدية أو آلية حديثة، وهو الأمر الذي تجاوزته المادة 4 من نفس القانون أكدت صراحة بأن: " وسائل الدفع هي جميع الوسائل التي تمكن أي شخص من تحويل الأموال حينما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك".
فهذه المادة جاءت على صيغة العموم دون تحديد أكانت هذه الوسائل شيكا أو كمبيالة أو سند لأمر أو إذ ناب بالتحويل أو فاكسا أو بطاقة ائتمان أو وفاء أو وثيقة معلوماتية أو بيانات الكترونية، ولعل في ذلك أخذ صريح لمستجدات التقنيات الحديثة والأكثر من ذلك المادة 106 من نفس القانون اعترفت صراحة بالحجية القانونية لكشوف الحسابات والتي نعلم أنهتا أحد مستخرجات التقنيات الحديثة1، وهو ما كرسه العمل القضائي في أحد قراراته حينما اعتبر الكشوف الحسابية البنكية لها حجيتها رغم إنكار.2
ولأجل ذلك قيل بأن القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان مراقبتها، قانون رائد وإطارا قانونيا وتجريبيا لمدى نجاعة وسائل الإثبات الحديثة، خاصة وأنه يمس شريعة عريضة وحساسة من المجتمع.
ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة3
جاء القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بأحكام لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان رفاهية المستهلك، وتتجسد هذه الأحكام في تنظيم حرية الأسعار من جهة وتنظيم المنافسة الحرة من جهة ثانية. والهدف بطبيعة الحال هو ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
ومن الأمور التي تحسب لهذا القانون الجديد حرصه على التلائم مع مستجدات التقنيات الحديثة، وهو ما نلمسه من قراءة بعض مواده.
وهكذا فقد جاء في المادة 47: " يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقوم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أو لا تجاز خدمة".
فإعلام المستهلك بأسعار المنتوجات والخدمات وغيرها كما جاء في صريح المادة يمكن أن يتم بأي طريقة أخرى مناسبة، والتي قد تكون فاكس أو إنترنيت وغيرها من التقنيات الحديثة.
كما جاء فقي المادة 48 على أنه: " يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى يقوم مقامها على كل مستهلك بطلب ذلك" فالفاتورة قد تقوم مقامها أي وثيقة أخرى، حتى ولو كانت أحد مستخرجات التقنيات الحديثة.4
فالواضح إذن أن الصياغة العامة لهذه النصوص، تمنح لمستجدات التقنيات الحديثة إمكانية المساهمة في حماية المستهلك من جهة، وإضفاء الشفافية على العلاقات التجارية بين المهنيين من جهة أخرى. خاصة وأنها تمكن هؤلاء الأطراف من مجموعة من الوسائل التقنية التي تسهل عملية التعامل فيما بينهم.
ثالثا: مدونة الشغل الجديدة
من خصوصيات القانون الاجتماعي أنه لم يكتف بالقواعد العامة في الإثبات الواردة في ق.ل.ع فهكذا ومراعاة منه للمراكز الاقتصادي الضعيف للأجير في مواجهة المشغل فإنه حرص على تنظيم إثبات الأجر بمقتضى وسائل خاصة تسير عمل القضاء وتتمثل هذا الوسائل في ثلاثة وهي: ورقة الأداء، دفتر الأداء، وتوصيل تصفية كل حساب.
والملاحظ أن المشرع المغربي في المدونة الجديدة للشغل، اعتبر بعض التقنيات الحديثة وسائل الإثبات واقعة أداء الأجر، فقد جاء في المادة 372: " يمكن بطلب من المشغل الاستعاضة عن دفتر الأداء، باعتماد أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى بين وسائل المراقبة التي يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم ذلك الدفتر".
ثمن هنا، يجب على المشغل أن يحتفظ بمستندات المحاسبة الميكانوغرافية والمعلوماتية أو بوسائل المراقبة الأخرى التي تقوم مقام دفتر الأداء هذه لا تقل عن سنتين من تاريخ اعتماد ترك المستندات أو الوسائل مع وجوب وضعها رهن إشارة عون التفتيش ومفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يمكنهم طلب الإطلاع عليها في أي وقت.1
والواقع أن هذه المقتضيات إن دلت فإنها تدل على متى واحد، وهو انفتاح التشريع المغربي على التقنيات الحديثة، واعتبارها ذات حجية في الإثبات.
رابعا: قوانين خاصة أخرى
إن اعتماد التقنيات الحديثة، لم تقف فقط عند حدود النصوص القانونية المشار إليها، بل تتعداها إلى نصوص أخرى مثل:
1- قانون رقم 97-15: بمثابة مدونة التحصيل الديون العمومية، والذي جاء في مادته 20 أنه: "تؤدى الضرائب والرسوم والديون العمومية أخرى إما نقدا أو بواسطة تسليم شيك أو عن طريق تحويل الدفع لفائدة حساب مفتوح في اسم المكلف بالتحصيل أو بأي وسيلة أخرى للأداء منصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل..."
فأداء الديون العمومية قد يتم بأي وسيلة أداء، والتي قد تكون أحد مستجدات التقنيات الحديثة ما دام أنه من شأن هذه التقنيات الوصل إلى الغاية المتوخاة ألا وهي أداء الدين العام.
2- القانون رقم 9.88: المتعلق بالقواعد المحاسبة الواجب على التجار العمل بها والذي أوجب في مادته الأولى على: " كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة تاجر بمدلول هذه الكلمة في قانون التجارة أن يمسك محاسبته وفق القواعد التي ينص عليها القانون والبيانات الواردة في الجداول الملحقة به...".
فلكي تكون المحاسبة دقيقة وفعالة خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى، فإنه من الأفيد الاستعانة بمستحضرات ومستجدات التقنيات الحديثة لإنجاز مختلف العمليات التي ترتكز عليها المحاسبة، فتصبح تلك المستخرجات المضبوطة كوثائق محاسبية يمكن الاعتماد عليها في إثبات الحقوق .

تحميل الموضوع Document PDF

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق