الصفحات

مسطرة الشقاق لإنصاف الزوجة العاجزة عن إثبات وقائع الضرر

مسطرة الشقاق لإنصاف الزوجة العاجزة عن إثبات وقائع الضرر


الإثبات هو السعي إلى إقامة البرهان على أن واقعة معينة قد حدثت بالفعل أو لم تحدث. أو على أن ادعاء معينا يوافق الحقيقة أو يخالف الحقيقة.

وإذا كان الإثبات في المادة المدنية مقيدا إذ حدد المشرع وسائل محددة لإثبات الالتزامات و الاتفاقات المدنية ، فانه في مدونة الأسرة أعطى للزوجة إثبات الضرر بكافة وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود ، الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة *2 على أن العمل القضائي المتواتر اثبت أن الزوجة المتضررة من سلوكات الزوج غالبا ما تعجز عن إثبات الضرر. فما هو الحل الذي اختاره المشرع لإنصاف الزوجة أو الزوج الذي يكون قد تضرر من سوء معاشرة الطرف الآخر ؟ وهل مسطرة الشقاق تعفي الزوجة أو الزوج من إثبات الضرر ؟ وماهي أهمية الإثبات إذا كان ضروريا في مسطرة الشقاق؟
مسطرة الشقاق
تنص مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 100 من مدونة الأسرة { إذا لم تثبت الزوجة الضرر أو أصرت على طلب التطليق ، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق}.
ويظهر من خلال هذه الفقرة أن المشرع المغربي، ورغم إقراره في الفقرة الأولى بحرية إثبات وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات ، إلا انه أحال الزوجة التي لم تفلح في إثبات وقائع الضرر إلى مسطرة الشقاق. ، وعليه ، فانه يحق للزوجة تقديم طلب إلى المحكمة من اجل حل نزاع بينها وبين زوجها يخاف من الشقاق وعلى المحكمة أن تصلح ذات البين بين الطرفين*3. والطلب يقدم إلى المحكمة طبقا لمقتضيات المادة 31 و 32 من قانون المسطرة المدنية ويتم استدعاء الطرفين لغرفة المشورة طبقا لمقتضيات الفصل 36و37و38و39 من نفس القانون وبحضور الطرفين لغرفة المشورة تحاول المحكمة البحث عن سبب الشقاق والمشرع أعطى للمحكمة أن تقوم بكافة الإجراءات التي تراها كفيلة بحل النزاع بين الطرفين كانتداب حكمين أو عن طريق مجلس العائلة.غير انه في حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح فصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما *4. فما هي إذن السلطة المخولة للحكمين ؟
تجدر الإشارة إلى أن في هذه المسالة رأيين :
1-   الرأي الأول : انه ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضى الزوجين لانهما وكيلان عنهما ولابد من رضى الزوجين فيما يحكمان يه وحجة هذا الاتجاه أن الله سبحانه وتعالى لم يضف إلى الحكمين إلا الإصلاح.
2-   الرأي الثاني: يرى أن للحكمين أن يلزما الزوجين بدون اذنهما ما يريان فيه مصلحة. وحجة من قال بهذا أن الله اعطاهما صفة الحكم *5.وقد أخذت مدونة الأحوال الشخصية سابقا ومدونة الأسرة حاليا برأي الاتجاه الأول إذ تم تقييد سلطة الحكمين، وجعلتها مقتصرة على رفع تقرير إلى المحكمة بعد العجز عن الإصلاح. وهكذا تنص المادة 95 من مدونة الأسرة انه يقوم الحكمان أو من في حكمها باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين ببذل جهدهما لحل النزاع، فإذا توصلا إلى الإصلاح بين الزوجين حررا مضمونا في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان.ويرفعانه إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه وتحفظ الثالثة بالملف، لكن في حالة فشل محاولة الصلح تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق.
آثار مسطرة الشقاق:
وعليه ، فان دور الحكمين في مسطرة الشقاق هو محاولة إصلاح ذات البين بين الطرفين . والمحكمة من خلال المناقشة التي تجري في غرفة المشورة وما تضمنه تقرير الحكمين تحدد سبب الشقاق ومن المسؤول عنه، ومن هو الطرف الذي سوف يتضرر من التطليق ، فإنها تطبق مقتضيات المواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة آخذة بعين الاعتبار مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به عن المسؤول عنه من مستحقات لفائدة الزوج الآخر *7.
وبالرجوع إلى مقتضيات المواد 83 و 84 و 85 من مدونة الأسرة نلاحظ أن المشرع المغربي يتحدث عن مستحقات الزوجة والأطفال من نفقة وصداق ومؤخر ومتعة على إن يراعى في تحديد هذه الأخيرة فترة الزواج و الوضعية المادية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعدي الزوج في وقوعه . لكن إذا كانت الزوجة هي المتعسفة في التطليق فان الزوج كذلك سوف يتضرر ومن العدل و الإنصاف تعويضه عن الضرر الذي لحقه. وفي غياب التنصيص على ذلك في مدونة الأسرة تطبق مقتضيات الفصل 77 و 78 ومن قانون الالتزامات و العقود. غير انه وجب التذكير بان الأحكام الصادرة في دعوى الشقاق لا تقبل أي طعن تطبيقا لمقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة التي تنص على أن { المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو الفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية} ويظهر أن المشرع المغربي ورغبة منه في إنهاء النزاع الذي جعل عمره لا يتجاوز ستة اشهر *8انطلاقا من رفع الطلب من احد الزوجين إلى حين صدور الحكم غير قابل لأي طعن سواء كان عاديا أو غير عاد.ومن ثمة لا يبقى أمام الطرف الذي تضرر من الحكم القاضي بالتطليق إلا الطعن في مستحقاته. وهذا التطليق يكون يائنا*9.ومن المعلوم أن الطلاق البائن يزيل الزوجية حالا، ولا يمنع من تجديد العقد إلا إذا كان مكملا للثلاث.
وإذا كان من الواجب على كل من الزوجين أن يحسن معاشرة الأخر ويخلص له حتى تكون بينتهما سعادة وهناء. فانه في بعض الأحيان قد يتضرر احدهم من الآخر، وبتالي يصبح دوام العشرة بين الزوجين جحيما ، مما يدفع احدهما أو هما معا إلى رفع الأمر للمحكمة *10. معتمدا على وسائل الإثبات التي يقررها القانون من إقرار الخصم و الحجة الكتابية وشهادة الشهود و اليمين و النكول عنهما *11. فانه غالبا ما يصعب على احد الزوجين اثبات الضرر ،لان أسباب النزاع تكون في الأصل من الأسرار الزوجية والأمر هنا لا يثير إشكالا للزوج باعتباره هو من يوقع الطلاق سواء في مدونة الأسرة الحالية أو مدونة الأحوال الشخصية السابقة ، لكن في المقابل كانت الزوجة تجد صعوبة في مسطرة التطليق للضرر نظرا لصعوبة الإثبات . أضف إلى ذلك فان الطلاق الخلعي يبقى متوقفا على إرادة الزوجين. وقد يكون في بعض الأحيان سببا في ابتزاز الزوجة التي تود مخالعة نفسها بأي ثمن.
ويظهر من خلال كل هذا أن الزوجة أصبحت تتوفر على وسيلة ناجعة لتطليق نفسها دون حاجة لإثبات الضرر،وذلك للحد من عدوانية وبطش الزوج الذي كان يترك الزوجة معلقة ، غير أن أهمية إثبات الضرر في مسطرة الشقاق تبقى نسبية في تحديد المسؤوليات وما ينتج عنها من تعويض .

ذ.كمال زين العابدين
محامي بهيئة اسفي

المراجع المعتمدة
1-   الدكتور عياط ،"شرح المسطرة الجنائية" الجزء الأول ص 227.
2-   المادة 82 من مدونة الأسرة.
3-   المادة 94 من مدونة الأسرة.
4-   المادة 82 من مدونة الأسرة.
5-   شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية ، الطبعة الثانية ص 234 –ذ.عبد الكريم شهبون.
6-   المادة 95 من مدونة الأسرة.
7-   المادة 97 من مدونة الأسرة.
8-   الفقرة الأخيرة من المادة 97 من مدونة الأسرة.
9-   المادة 122 من مدونة الأسرة.
10-المادة 99 و 100 من مدونة الأسرة.
11-الفصل 404 من قانون الالتزامات و العقود.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق