الصفحات

حماية الشهود من خلال قانون المسطرة الجنائية


تقديم عام 
  
إن من أهم ما تهدف إليه جل التشريعات الدولية والوطنية هو حماية حقوق وحريات الأفراد داخل المجتمع للعيش في طمأنينة وسلام,  والسهر على الأمن والاستقرار, هذه الحماية كرسها المشرع في قوانينه الداخلية سواء الموضوعية أو الإجرائية والتشريع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات 


الأخرى أولى حماية خاصة لكل من تضرر من جريمة أو كان شاهدا على ارتكابها والحديث هنا عن حماية الضحايا هذه الفئة التي خصهاالمشرع أول مرة في  تاريخ التشريع المغربي حماية خاصة بمقتضى الظهير الشريف 1-11-164 بتاريخ 17 أكتوبر 2011، بتنفيذ القانون رقم 37.10 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5988 بتاريخ 20 أكتوبر 2011 ومما تجدر الإشارة إليه أن سبب نزول هذا الظهير هو تكريس حماية الحقوق والحريات التي عمل المغرب في السنوات الأخيرة على تكريسها في جل التعديلات التي ادخلها على ترسانته القانونية نظرا لما توفره من تحقيق للعدالة وتكريس سياسة عدم الإفلات من العقاب. 
كما انه للحديث عن أي قانون لابد وان نشير إلى إن الدول الديمقراطية والمتطورة كانت سباقة لتنظيم مثل هذه الحالات ومن بين هذه الدول نذكر على سبيل المثال فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغير من الدول سواء اللاتينية أو الانجلو سكسونية وقد استفاد المغرب من تجارب هذه الدول في هذا المجال. 
    
إن حماية الشهود بالتنصيص عليها ضمن نصوص قانونية شيء محمود لكن الإشكال الذي يطرح أمام اي نص قانوني هو تحريكه والعمل به على ارض الواقع وهذا هو بيت القصيد في معرض حديثنا عن حماية هذه الفئة فبالرجوع إلى الإطار العام الذي ينظم حماية هذه الفئة نجد المشرع نص عليه ضمن القسم الثاني مكرر من قانون م.جتحت عنوان حماية الشهود لكن الإشكال الذي يطرح في هذا الموضوع هو إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال تنصيصه على عدة تدابير لحماية هذه الفئة في تحقيق العدالة؟ 
إن من شان الحديث على هذا الموضوع أن يدفعنا إلى مناقشة التدابير التشريعية لحماية هذه الفئة ودور هذه الحماية في تحقيق العدالة المنشودة . 
  
وعلى ضوء الإحاطة بمختلف التساؤلات أعلاه، ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى فصلين أساسيين  : 
  
  
الفصل الأول : تجليات الاهتمام الدولي والوطني بموضوع حماية الشهود و تدابير حماياتهم. 
  
  
الفصل الثاني : شروط أداء شهادة الشهود وادوارها القانونية . 
  
    

الاطار المفاهيمي للبحث 
تعريف الشاهد: 
يختلف تعريف الشاهد من نظام قانوني للاخر، غير انه يمكن القول بكونه كل شخص يحوز معلومات مهمة ،تهم الدعوى الجنائية .ويمكن ان نميز بين ثلاتة أنواع من الشهود :
المتعاونون مع العدالة
الضحايا و الشهود
شهود اخرين (المارة، الفضوليين ، الخبراء)
وباستقراء التشريعات المقارنة نجد ان المشرع السويسري قد عرف الشاهد في المادة 162من قانون المسطرة حيت نص على كونه "كل شخص لم يشارك في الجريمة ويرجح ان يدلي بمعلومات او بيانات من شانها اظهار الحقيقة". 
اما على المستوى الفقهي فقد عرفSERGO   Brandoالشاهد على انه الشخص الطبيعي الذي يطلبه أحد طرفي الدعوى للمثول امام القاضي للإدلاء بشهادته حول القضية المعروضة على انظار المحكمة بعد أدائه القسم .  
ويرىJacques LEROY على ان مصطلح الشاهد يجب ان يبقى مقصورا على الشخص الذي يستمع اليه بعد أدائه اليمين او الشخص الذي يجري استجوابه بغرض الحصول على معلومات تتعلق ببحث قضائي, هذا واذا كانت Laetitia BONNET  تميز بين نوعين من الشهود : 

الشهود ضحايا الجريمة

الشهود الذين شاهدو أو عاينوا ارتكاب الجريمة
  
فأن Anne-Marie La ROSE  تميز بين مجموعة من الشهود فهناك :
الشاهد العادي او المألوف او الشاهد المادي الذي عاين الوقائع .
الشاهد الخبير الذي يقدم رأيه حول الوقائع أو حول القانون.
  
المفهوم العام لبرنامج حماية الشهود : 
  
قبل التطرق الى المفهوم القانوني لبرنامج  حماية الشهود كتدبير رسمي نرى الوقوف عند المعنى القانوني لكلمة حماية في سياقها العام. 
  
  
  
معنى كلمة حماية : 
  
تشتق كلمة حماية من الكلمة اللاتينية PROTEGER والتي تعني حماية أي مجموع التدابير الوقائية والمحاذير التي تلبي وتغطي حاجة الشخص الى الحماية ضد الاخطار ، المحدقة به، سواء بوسائل وقائية او مادية . 
وفي معاجم اللغة نجد حمى فلانا يحميه بمعنى نصره ودفع كل ما يضره  
  
برنامج حماية الشهود : 
ظهر برنامج حماية الشهود أول مرة بالولايات المتحدة الامريكية سنة 1976 فهو برنامج يقوم بحماية الشهود ومن شارك في كشف جرائم خطيرة وثبت أنه مهدد أو ان حياته معرض  للخطر بالتالي فـالهدف منه هو توفير حماية فعالة للشهود من أي انتقام او ترهيب محتمل أثناء ادائهم بشهادة  تتعلق بأفعال مجرمة من خلال مجموعة من التدابير الوقائية , التي سنتطرق لها في بحتنا هذا . 
  
  
ﺃﻫميةالموضوع : 
  
اذ كان نضج اي بحث جامعي يقاس بأهمية الموضوع الذي يعالجه فيؤثر فيه سلبا ﺃوإيجابا، فإن اهمية موضوع حماية الشهود من الناحية النظرية تبرز في قلة النصوص و المواضيع التي تتناوله مما يجعله جديرا بالبحث في عناصره و التنقيب عن اهمية الاشكالات التي يطرحويرجع اختيارنا للموضوع الى عدة اسباب من بينها : 

اثبات ان موضوع حماية الشهود له علاقة وثيقة بجهود مكافحة الفساد والجريمة المنظمة.

رصد التوجهات الحديثة للمجتمع الدولي.

استخلاص الملامح الرئيسية للتشريع المغربي في مجالحماية الشهود .

رصد العراقيل التي تواجه قانون حماية الشهود في التشريع المغربي.
  
  
دوافع اختيار هذا الموضوع 
  
توجد عدة أسباب وراء اختيارنا لهذا الموضوع  نذكر منها: 
  
السبب الأول يرجع أساسا الى ما صار لموضوع حماية الشهود من أهمية كبيرة باعتبار هذا الموضوع يمتل اهم انشغالات الرأي العام الدولي بكل مكوناته وتنظيماته من خبراء وباحثين ومؤسسات المجتمع المدني، ولاننسى كذلك المواطن العادي الذي اضحى يولي اليوم أهمية كبيرة  لهذا الموضوع. 
السبب الثاني هو رغبتنا فيخوض تجربة بحث اسثتنائية بإعتبار موضوع حماية الشهود من المستجدات القانونية الأخيرة التي طفت مؤخرا بالمغرب . 
  
  
الصعوبات التي واجهتنا اثناء إعداد بحتنا : 
  
كما سبقنا الذكر على أن موضوع حماية الشهود هو من المواضيع الجديدة التي ظهرت مؤخرا بالمغرب، الأمر الذي صعب علينا إيجاد مراجع كافية لإغناء وتثمين بحتنا ،كما صعب علينا ايجاد قرارات وأحكام صادرة عن المحاكم المغربية وكذا أطروحات تناقش هذا الموضوع. 
  
المنهجية المتبعة في هذا الموضوع : 
  
إن طبيعة البحث في هذا الموضوع تستلزم الاستعانة بمقاربات ومناهج من اجل الوصول الى احاطة اشمل بالإشكالية التي تم طرحها وعليه فإننا سنعتمد على :
المنهج النظري :وذلك بمقاربة مختلف الإشكاليات التي يطرحها موضوع حماية الشهود وذلك بتحليل المقتضيات القانونية المتعلقة بالموضوع واعتماد تقنية تحليل النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع.

المنهج التطبيقي:والذي سنحاول من خلاله تحديد بنية مختلف الأجهزة و الهيئات الكفيلة بحماية الشهود ورصد أهم الوظائف الموكولة لها
  
  
  
إشكالية الموضوع : 
  
أي حماية قانونية كفلها المشرع المغربي للشهود من خلال النظام الجنائي المغربي؟ 
  
  
تصميم الموضوع : 
  
  
الفصل الأول : تجليات الاهتمام الدولي والوطني بموضوع حماية الشهود و تدابير حماياتهم.
المبحث الأول: على المستوى الدولي 
المطلب الأول: المؤتمرات الدولية 
الفقرة الأولى :مؤتمرالأممالمتحدةالثالثعشرلمنعالجريمةوالعدالةالجنائية . 
الفقرة الثانية :  المؤتمرات العربية حول موضوع حماية الشهود. 
المطلب الثاني: الاتفاقيات الدولية 
الفقرة الأولى: اتفاقية الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. 
الفقرة الثانية: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة في 22 أبريل 1998. 
  
المبحث الثاني: تدابير ونطاق حماية الشهود 
المطلب الاول: تدابير حماية الشهود. 
الفقرة الأولى: تدابير حماية الشهود. 
الفقرة الثانية: الضمانات المكفولة للشهود في سبيل أداء شهادتهم. 
المطلب الثاني:نطاق حماية الشهود. 
الفقرة الأولى: من حيث الزمان. 
الفقرة الثانية: من حيث الأشخاص المكلفين بالحماية. 
الفصل الثاني : شروط أداء شهادة الشهود وادوارها القانونية . 
  
المبحث الأول: شهادة الشهود وشروطها. 
  
المطلب الأول:أنواع شهادة الشهود. 
الفقرة الأولى: الشهادة الشفوية والشهادة المكتوبة. 
الفقرة الثانية: الشهادة المباشرة والشهادةغيرالمباشرة 
المطلب الثاني  الشروط الواجب توفرها لصحة شهادة الشهود. 
الفقرةالأولى: الشروط الخاصة بالشاهد. . 
الفقرةالثانية: الشروط الخاصة بالشهادة. 
  
المبحث الثاني : الأثار المترتبة عن شهادة الشهود . 
  
المطلب الأول :دور حماية الشهود في احقاق العدالة. 
الفقرة الاولى: دور حمايةالشهود أثناء البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي. 
الفقرة الثانية :دور حماية الضحايا والشهود أثناء فترة المحاكمة. 
المطلب الثاني: العقوبات. 
الفقرة الأولى: الجزاء المدني في إطار قانون المسطرة المدنية. 
الفقرة الثانية : الجزاء الجنائي في قانون المسطرة الجنائية. 
  



    
الفصل الأول : تجليات الاهتمام الدوليوالوطني بموضوع حماية الشهود و تدابير حماياتهم.      

اهتم المجتمع الدولي و الوطني بكل مكوناته بموضوع حماية الشهود وأعطى له أهمية كبيرة ،لما له من دور أساسي في كشف الجرائم ومحاربة الفساد بكل اشكاله وخصه بانعقاد عدة مؤتمرات و المصادقة على عدة اتفاقيات في مجال حماية الشهود .وهذا ما سنتطرق له في هذا الفصل انطلاقا من مبحثين رئيسين وهما: 
  
المبحث الأول: على المستوى الدولي 
المبحث الثاني: تدابير ونطاق حماية الشهود على المستوى الوطني 
  
  
المبحثالأول: على المستوى الدولي 
  
يعتبر موضوع حماية الشهود من المواضيع التي لاقت اهتمام دولي كبير من قبل جل المنظمات الدولية حيت تم عقد مجموعة من المؤتمرات )المطلب الأول (و توقيع عدة اتفاقيات )المطلب الثاني(في هذا الصدد وسنحاول التطرق في هذا المبحث الى مطلبين رئيسين وهما : 
  
  
  
المطلبالأول: المؤتمرات الدولية 
  
من اهم المؤتمرات الدولية التي اهتمت بمجال حماية الشهود نجد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية وهو ما سنتطرق اليه في الفقرة الأولى في حين سنتطرق في الفقرة الثانية للأهم المؤتمرات العربية 
  
  
الفقرة الأولى:مؤتمرالأمم المتحدة الثالث عشرلمنع الجريمة والعدالة الجنائية : 
  
جاء مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية والذي أنعقد مؤخرا بالدوحة يوم 18 و 19 أبريل سنة 2015 بعدة نقاط بخصوص حماية الشهود نذكرها بحسب الترتيب المدرج في التقرير النهائي للمؤتمر: 

اعتماد تدابير فعَّالة للتعرُّف على الضحاي اوالشهود وحمايتهم وتقديم الدعم والمساعدة لهم ضمن إطار تدابير العدالة الجنائية التي تستهدف التصدي لجميع الجرائم،بما فيها الفساد والإرهاب ،بما يتوافق مع الصكوك الدولية ذات الصلة ومع مراعاة معايير الأمم المتحدة وقواعدها في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية.
  

إرساء ممارسات و تدابير لتشجيع الناس،لاسيما الضحايا ،على التبليغ عن الحوادث الإجرامية والفساد ومتابعة ما يجري بشأﻧﻬا،أو تدعيم الممارسات والتدابير الموجودة ﺑﻬذا الشأن ، واستحداث وتنفيذ تدابير لحماية المبلِّغين والشهود.[10]
  
  
  
الفقرة الثانية :المؤتمرات العربية حول موضوع حماية الشهود. 

مؤتمر إقليمي حول موضوع ﺤﻤﺎﻴﺔ ﺍﻟﺸﻬﻭﺩ ﻭﺍﻟﻤﺒﻠﻐﻴﻥ ﻓﻰﺍﻟﺭﺒﺎﻁ ﺒﺎﻟﻤﻐﺭﺏ ﻓﻰ ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ ﻤﻥ 2 ﺇﻟﻰ 3ابريل 2009 برﻋﺎﻴـﺔ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﻌـﺩل ﻭﺍﻟﻬﻴﺌـﺔ ﺍﻟﻤﺭﻜﺯﻴﺔ ﻟﻠﻭﻗﺎﻴﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺭﺸﻭﺓ ﻓﻰ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﻐﺭﺒﻴﺔ.

مؤتمر عــــــمان -  المملكة الأردنية الهاشمية الذي يعقد يوم 28 يوليو 2008والذي كان بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC )والجامعة الدول العربية،هذا المؤتمر عرف حضور وفود رفيعة المستوى من عدة دولة عربية تضم رؤوساء وممّثلين عن هيئات عربية معنية بمكافحة الفساد ،وممّثلين ع ن وزارات العدل ,وقد شكل هذا المؤتمر ركيزة  اساسية نحو اطلاق الشبكة العربية لتعزيز النزاهة و مكافحة الفساد و التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز وحماية الشهود و الخبراء والمبلِّغين.
  

مؤتمر إقليمي بالمملكة المغربية عقدتها "الشبكة العربية لتعزيز النزاهة و مكافحة الفساد" بتاريخ 19/ديسمبر سنة 2011 بمدينة فاس والذي حضرها ممثلون عن عدد من البلدان العربية وعدة وزراء وقد أوصى  ا لمؤتمر في مجال حماية الشهود بــضرورة
  

إتاحة الفرصة أمام الناس لتقديم الشكاوى والتبليغ عن الفساد ،أو الكشف عنه ،تعزيز المشاركة المجتمعية في مكافحة الفساد ،وكذلك تقديم المعونة والحماية لهم عند قيامهم بذلك. 
  
  
  
المطلب الثاني: الاتفاقيات الدولية 
  
  
يعتبر المغرب من البلدان الموقعة على عدد كبير من الاتفاقيات على المستوى الدولي في مجال حماية الشهود ومن بينها اتفاقية الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.( الفقرة الأولى) اتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة في 22 أبريل 1998.(الفقرة الثانية) 
  
  
  
الفقرة الأولى: اتفاقية الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. 
  
نصت اتفاقية الأطراف في الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.فيما يخص موضوع حماية الشهود على البنود التالية 

تتخذ كل دولة طرف تدابير ملائمة في حدود إمكانياتها لتوفير حماية فعالة للشهود الذين يدلون في الإجراءات الجنائية بشهادة بخصوص الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم، حسب الاقتضاء، من أي انتقام أو ترهيب محتمل.

يجوز أن يكون من بين التدابير المتوخاة في الفقرة الاولىمن هذه المادة، ودون مساس بحقوق المدعى عليه، بما في ذلك حقه في الضمانات الإجرائية:
  

وضع قواعد إجرائية لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلا، بالقدر اللازم والممكن عمليا، بتغيير أماكن إقامتهم، والسماح عند الاقتضاء بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن وجودهم أو بفرض قيود على إفشائها؛

توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح الإدلاء بالشهادة على نحو يكفل سلامة الشاهد، كالسماح مثلا بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، ومنها مثلا وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة.

تنظر الدول الأطراف في إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع دول أخرى بشأن تغيير أماكن إقامة الأشخاص المذكورين في الفقرة 1 من هذه المادة.

تنطبق أحكام هذه المادة كذلك على الضحايا من حيث كونهم شهودا.
  
  
الفقرة الثانية:الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة في 22 أبريل 1998. 

نصت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة.فيما يخص موضوع حماية الشهود على البنود التالية:

لا يجوز توقيع أي جزاء أو تدبير ينطوي على إكراه قبل الشاهد أو الخبير الذي لم يمتثل للتكليف بالحضور، ولو تضمنت ورقة التكليف بالحضور بيان جزاء التخلف.
إذا حضر الشاهد أو الخبير طواعية إلى إقليم الدولة الطالبة، فيتم تكليفه بالحضور وفق أحكام التشريع الداخلي لهذه الدولة.

لا يجوز أن يخضع الشاهد أو الخبير للمحاكمة أو الحبس أو تقييد حريته في إقليم الدولة الطالبة عن أفعال أو أحكام سابقة على مغادرته لإقليم الدولة المطلوب إليها، وذلك أيا كانت جنسيته، طالما كان مثوله أمام الجهات القضائية لتلك الدولة بناء على تكليف بالحضور
  

لا يجوز أن يحاكم أو يحبس أو يخضع لأي قيد على حريته في إقليم الدولة الطالبة أي شاهد أو خبير  أيا كانت جنسيته يحضر أمام الجهات القضائية لتلك الدولة بناء على تكليف بالحضور عن أفعال أو أحكام أخرى غير مشار إليها في ورقة التكليف بالحضور، وسابقة على مغادرته أراضي الدولة المطلوب إليها.

تنقضي الحصانة المنصوص عليها في هذه المادة إذا بقي الشاهد أو الخبير المطلوب في إقليم الدولة الطالبة ثلاثين يوما متعاقبة، بالرغم من قدرته على مغادرته بعد أن أصبح وجوده غير مطلوب من الجهات القضائية، أو إذا عاد إلى إقليم الدولة الطالبة بعد مغادرته.
  
  

تتعهد الدولة الطالبة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لكفالة حماية الشاهد أو الخبير من أية علانية تؤدي إلى تعريضه أو أسرته أو أملاكه للخطر الناتج عن الإدلاء بشهادته أو بخبرته، وعلى الأخص :
  

كفالة سرية تاريخ ومكان وصوله إلى الدولة الطالبة.

كفالة سرية محل إقامته وتنقلاته وأماكن تواجده.

كفالة سرية أقواله ومعلوماته التي يدلي بها أمام السلطات القضائية المختصة.
  
  
المبحث الثاني: تدابير ونطاق حماية الشهود 
  
تعد قدرة الدولة على حماية الشهود من أهم مكونات أي خطة لمكافحة الفساد خاصة وتفعيل سيادة القانون عامة , ويُعتَبر وجود نظام فعّال لحماية الشهود من أهم وسائل تضييق الخناق على الفساد وكافة الجرائم والانتهاكات. حيثإنه يوّفر مناخا آمنا ويبث جوا من الثقة يعد ضروريا للتشجيع على الإبلاغ عن كافة أشكال الجرائم. وسنتناول في هذ المبحث تدابير حماية الشهود في المغرب ونطاق حماية الشهود. 
  
المطلب الاول: تدابير حماية الشهود. 
أولى المشرع المغربي أهمية كبيرة لموضوع حماية الشهود ،وتتضح جليا هذه الأهمية في صياغته لعدة مواد في قانون المسطرة الجنائية والتي نصت بدورها على مجموعة من التدابير الحمائية للشاهد(الفقرة الأولى) و أيضا للضمانات المكفولة للشهود في سبيل أداء شهادتهم(الفقرة الثانية) 
  

  
الفقرة الأولى: تدابير حماية الشهود. 
  
على غرار الحماية التي وفرها المشرع للضحية نجد الشاهد قد خصه المشرع بحماية خاصة ضمن مقتضيات المادة 6-82 من قانون المسطرة الجنائية كما آن هذه الحماية تختلف عن ما كان مقررا ضمن القواعد العامة التي تهم الشهود  في الجرائم العادية بحيث جدوى الاهتمام بهذه الفئة هو دورها في بعض الجرائم التي يطبعها التستر وصعوبة الكشف عن مرتكبيها والحديث هنا عن جرائم الرشوة و استغلال النفوذ أو الاختلاس أو الغدر أو غسل الأموال أو الجرائم الإرهابية والعصابات الإجرامية وجرائم الاختطاف والتسمم والتزييف وتزوير النقود إلى غير ذلك من الجرائم التي عاقب عليها المشرع ضمن القانون الجنائي. 

ومن هذه التدابير نذكر مثلا إخفاء هوية الشاهد أو الخبير في المحاضر والوثائق التي تتعلق بالقضية المطلوب فيها شهادة الشاهد أو إفادة الخبير وذلك بشكل يخول دون التعرف على هويته الحقيقية. 

تضمين هوية مستعارة أو غير صحيحة للشاهد و الخبير في المحاضر والوثائق التي ستقدم أمام المحكمة بشكل يحول دون تعرف الغير على هويته. 

عدم الإشارة إلى العنوان الحقيقي للشاهدة أو الخبير والى مقر الشرطة القضائية التي تم فيها الاستماع إلى الشاهدة آو المحكمة المختصة للنظر في القضية إذا ما كان قد استدعي الأول مرة أمام قاضي التحقيق أو المحكمة ولكن التساؤل الذي يمكن أن يطرح هو ما العمل إذا كان هذا الشاهد هو الوسيلة الوحيدة للإثبات في قضية معينة  فهل سيظل التستر على هويته ممكنا؟ 

لقد أجاب المشرع على هذا الإشكال ضمن المادة 8-82 من قانون المسطرة الجنائية في الفقرة الثانية من نفس المادة بالتنصيص صراحة على انه " إذا كان الكشف عن هوية الشخص ضروريا لممارسة حق الدفاع جاز للمحكمة إذا اعتبرت أن شهادة الشاهد هي الوسيلة الوحيدة للإثبات في القضية السماح بالكشف عن هويته الحقيقة بعد موافقته شريطة توفير تدابير الحماية الكافية له". 

والملاحظ أن المشرع اشترط موافقة الشاهد قبل كشف هويته وهذه ضمانة فعلية له بحيث انه إذا أحس على أن تدابير الحماية سوف لن توفر له أن يرفض هذا الإجراء ولكن بالمقابل سوف يفلت الفاعل من العقاب لأنه الوسيلة الوحيدة للإثبات ورغم أن الإثبات في الجنايات غير مقيد فان هناك قاعدة جوهرية ضمن القانون الجنائي، أن الشك يفسر لمصلحة المتهم. 
  
  
الفقرة الثانية: الضمانات المكفولة للشهود في سبيل أداء شهادتهم. 
يحق للشاهد في أي قضية، إذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية  أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أومصالحهم الأساسية للخطر أو لضرر مادي أو معنوي إذا ما أدلى بشهادته أو إفادته، أن يطلب من وكيـل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضـي التحقيـق – حسب الأحوال - تطبيق أحد الإجراءات المنصوص عليها في البنود 6 و7 و8 من المادة 82-7 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك بعد بيان الأسباب المذكورة. 
يمكن لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق كل فيما يخصه، تلقائيا أو بناء على طلب، إذا تعلق الأمر بجريمة الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال أو إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون أن يتخذ بقرار معلل واحدا أو أكثر من التدابير التالية لضمان حماية الشهود  والخبراء: 
-1 الاستماع شخصيا للشاهد أو الخبير. 
 -2إخفاء هوية الشاهد أو الخبير في المحاضر والوثائق التي تتعلق بالقضية المطلوب فيها شهادة الشاهد أو إفادة الخبير، وذلك بشكل يحول دون التعرف على هويته الحقيقية؛ 
 -3تضمين هوية مستعارة أو غير صحيحة للشاهد أو الخبير في المحاضر والوثائق التي ستقدم أمام المحكمة بشكل يحول دون تعرف الغير على هويته الحقيقية. 
 - 4عدم الإشارة إلى العنوان الحقيقي للشاهد أو الخبير ضمن المحاضر والوثائق التي تنجز في القضية المطلوب فيها شهادة الشاهد أو إفادة الخبير، وذلك بشكل يحول دون التعرف على عنوانه. 
5  -الإشارة في عنوان إقامة الشاهد أو الخبير إلى مقر الشرطة القضائية التي تم فيها الاستماع إليه أو المحكمة المختصة للنظر في القضية إذا ما كان قد استدعي أول مرة أمام قاضي التحقيق أو المحكمة. 
- 6  وضع رهن إشارة الشاهد أو الخبير الذي يكون قد أدلى بشهادته أو إفادته، رقم هاتفي خاص بالشرطة القضائية حتى يتمكن من إشعارها بالسرعة اللازمة إزاء أي فعل قد يهدد سلامته أو سلامة أسرته أو أقاربه. 
7 - إخضاع الهواتف التي يستخدمها الشاهد أو الخبير لرقابة السلطات المختصة بعد موافقة المعني بالأمر كتابة ضمانا لحمايته. 
8  -توفير حماية جسدية للشاهد أو الخبير من طرف القوة العمومية بشكل يحول دون تعرض الشاهد أو الخبير أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه للخطر. 
إذا كانت تدابير الحماية المذكورة غير كافية، يمكن بقرار معلل اتخاذ أي تدبير آخر يعتبر ضمانة فعلية لفائدة مستحق الحماية. 
إلى جانب اتخاذ أحد التدابير المنصوص عليها في البنود من 2 إلى 5 من المادة السابقة، يتعين الاحتفاظ بالهوية الحقيقية للشاهد أو الخبير في ملف خاص يوضع رهن إشارة هيئة المحكمة لتطلع عليه وحدها عند الاقتضاء. 
غير أنه، إذا كان الكشف عن هوية الشخص ضروريا لممارسة حق الدفاع، جاز للمحكمة، إذا اعتبرت أن شهادة الشاهد أو إفادة الخبير أو المبلغ هي وسيلة الإثبات الوحيدة في القضية، السماح بالكشف عن هويته الحقيقية بعد موافقته، شريطة توفير تدابير الحماية الكافية له. 
  
  
  
المطلب الثاني:نطاق حماية الشهود. 
  
  
إن الحديث عن البحث الجنائي يدفعنا إلى الحديث عن جميع الإجراءات التي تتخذ للوصول إلى الحقيقة ومنها يمكن القول على أن البحث الجنائي تقوم به الضابطة القضائية في مرحلة البحث التمهيدي تحت إشراف النيابة العامة أو قاضي التحقيق وكذلك يمكن أن تقوم به هيئة الحكم للتثبيت من نسبة الجريمة إلى المتهم ومن هنا يمكن تقسيم نطاق الحماية إلى ثلاث نقط وهي: 
من حيث الزمان والحديث عن مرحلة البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي وصولا إلى مرحلة المحاكمة ومن حيث الجهة المكلفة باتخاذ تدابير الحماية ومن حيث الأشخاص المتوفرة لهم الحماية. 
  
  
الفقرة الأولى: من حيث الزمان. 
  
المقصود بالزمان ما هو زمن وصول الارتكاب الفعل المجرم إلى علم السلطات المختصة أما من طرف الضحية أو الشاهد فإذا تقدم الشاهد والضحية إلى التبليغ عن الفعل لدى مصالح الشرطة القضائية فإنها تستمع إليه بناء على تعليمات النيابة العامة التي تسير كل ما يخص عمل الضابطة القضائية ومن بين هذه الضمانات التي أوجبها المشرع للشاهد أو الخبير هو انه يمكن أن يستمع إليه شخصيا نظرا إلى خطورة الجريمة من طرف النيابة العامة. 
أما أثناء مرحلة التحقيق فان المشرع أعطى للضحايا الذي تضرروا من ارتكاب جريمة ما إن ينتصبوا كأطراف مدنية أمام قاضي التحقيق طبقا لمقتضيات المادة 92 من قانون المسطرة المدنية. 
كما أعطى للشاهد حماية أمام قاضي التحقيق كذلك تتمثل في عدم الإشارة إلى العنوان الحقيقي للشاهد أو الخبير ضمن المحاضر والوثائق التي ستقدم أمام المحكمة بشكل يحول دون تعرف الغير على هويته الحقيقية وهذا الإجراء من شان أن يمنع قاضي التحقيق من ممارسة مقتضيات المادة 125 من قانون المسطرة الجنائية التي تعطي إمكانية لقاضي التحقيق في مواجهة الشاهد مع المتهم تكريسا لحماية الشاهد وكذلك الآمر بالنسبة لمرحلة المحاكمة. 
  
الفقرة الثانية: من حيث الأشخاص المكلفين بالحماية. 
  
بالرجوع لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية الخاصة بتدابير حماية الضحايا الشهود والخبراء والمبلغين نجد المشرع اسند الاختصاص بالسهر عليها للنيابة العامة وكذا قضاء التحقيق كل حسب اختصاصه. 
  


  الفصل الثاني : شروط أداء شهادة الشهود وأدوارها القانونية
  
  
تحتل شهادة الشهود المرتبة الأولى في المادة الجنائية، وتستوجب هذه الأهمية الاعتناء كثيرا بشخص الشاهد، فبعض الدول المتقدمة كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية أصبحتا تنظران إلى الشهادة كعلم، إذ أن الشهادة يؤديها إنسان يمكن أن تكون شهادته عرضة للأخطاء و قد تكون غير إرادية كالنسيان وضعف الذاكرة ووفاة الشاهد، وقد تكون إرادية من فعل الإنسان، إذ يمكن أن يتعمد الشاهد في تغيير الحقيقة ويشهد زورا لمصلحة احد أطراف الدعوى أو ضده وبالتالي نكون أمام جريمة شهادة زور. 
وعلى هذا الأساس ، فما هي أنواع شهادة الشهود؟، وما هي الشروط الواجب توافرها في كل من الشاهد والشهادة لكي يعتد بها القضاء ويطمئن إليها كوسيلة إثبات؟(المبحث الأول) وماهي الأثار المترتبة عن شهادة الشهود(المبحث الثاني) 
  
  
المبحث الأول: شهادة الشهود وشروطها. 
  
إن الحديث عن نظام الشهادة يقتضي منا التطرق للأنواع الشهادة ( مطلب أول) وعن شروطها  ( مطلب ثاني ) . 
  
  
  
المطلب الأول:أنواع شهادة الشهود. 
هناك عدة أنواع من شهادة الشهود، فالقاعدة العامة تقضي بان تكون الشهادة شفويا، لكن استثناء يمكن أن تكون في شكل مكتوب (الفقرة الأولى)، كما قد تكون الشهادة كذلك مباشرة أو غير مباشرة.(الفقرة الثانية). 
  
الفقرة الأولى:الشهادة الشفوية والشهادة المكتوبة. 
  
إن الأصل في الشهادة أن تكون شفويا يدلي بها الشاهد أمام القضاء مستمدا إياها من ذاكرته، وقد نص الفصل 81 من قانون المسطرة المدنية على انه :" يجب أن يؤدي الشاهد شهادته شفاهيا ولا يمكن له أن يستعين بمذكرات إلا بصفة استثنائية وبعد إذن المحكمة له بذلك"، كما نصت المادة 216 من تقنين المرافعات المصري على انه:" تؤدى الشهادة شفاها ولا تجوز الاستعانة بمفكرات مكتوبة إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب وحيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى"، كما نصت المادة 205 منه على أن " من لا قدرة له على الكلام، يؤدي الشهادة إذا أمكن أن يبين مراده، بالكتابة آوبالإشارة". 
ومبدأ الشفوية هو شرط لشهادة الشهود، لكن تناول بعض الفقهاء مسالة الشهادة المكتوبة.
فالشهادة المكتوبة تعتبر هي الأخرى نوعا من أنواع الشهادة، وصورة غير تقليدية لإحاطة المحكمة علما بأقوال الغير، حيث في بداية الأمر كانت المحاكم الفرنسية تأخذ بها على سبيل الاستدلال بها، ثم تطورت المحاكم بعد ذلك لتأخذ بها كقرائن في الدعوى متروكة لفطنة القاضي وذكاءه، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بأنه:" يعد مخالفة لنصوص القانون رفض محكمة الموضوع الاعتداد بمستندات متضمنة أقوال الغير لكون هذا الأخير لم يتم سماعه في نطاق التحقيق  "، كما قضت في قرار أخر صراحة بقيمة هذه الشهادات المكتوبة في الإثبات، وأضافت إليها حجية الشهادة في نطاق التحقيق.
  

وقد كرس المشرع الفرنسي ما جرى به العمل في القضاء وذلك بإصدار مرسوم ينظم الشهادة المكتوبة وكافة المسائل المتعلقة بها. 
ولقبول الشهادة المكتوبة لابد من توفر الأمور التالية: 

-الإدلاء بواقعة معينة. 
-أن يكون الاعتراف صادرا من الغير. 
-لعلم الشخصي بالواقعة. 
-أن يكون الغرض من تحرير الشهادة هو تقديمها إلى القضاء. 

وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتوفر في الشهادة القانونية مجموعة من الشروط منها ما هو خاص بمحرر الشهادة، ومنها ما هو خاص بشكل الشهادة وكذلك ما هو خاص بمضمون الشهادة. 

فبالنسبة لمحرر الشهادة يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة التي يجب أن تتوفر في الشاهد كالسن القانوني وانعدام القرابة. 

اما فيما يخص شكل الشهادة، فيجب أن تكتب الأقوال وتوقع وتؤرخ بيد من حررها، كما يتوجب عليه أن يرفق الشهادة بوثائق ومستندات تبين هويته، ويكون عليها توقيع صادر منه، وذلك كله لكي يتحقق القاضي والخصوم من هوية محرر الشهادة المكتوبة. 
أما بالنسبة لمضمون الشهادة المكتوبة فيجب أن تتضمن بيانات خاصة بالشخص محرر الشهادة، كذكر اسمه كاملا ومكان ميلاده ومهنته ومكان إقامته والوقائع التي يعلم بها شخصيا آو عاينها بنفسه، كما يجب عليه أن يذكر في الشهادة انه حررها بقصد تقديمها للعدالة، وان يضمنها أيضا بأنه يعلم في حالة ثبوت كذب شهادته انه سيتعرض لعقوبات زجرية المقررة قانونا لشاهد الزور. 
ويرى البعض انه في حالة الشهادة المكتوبة نكون أمام كتابة خاصة، وان الشاهد لا يظهر أمام القضاء، فالشاهد دليل حي، أضف إلى ذلك أن حضور الشاهد يمكن أن يأتي بفائدة كبيرة وهي الحصول على معلومات جديدة كالإضافات والتفسيرات.
وتجب الإشارة  من الناحية العملية أن الشهادة المكتوبة نادرة الاستعمال، حتى وان توصل التقدم العلمي إلى تسجيل الشهادة بواسطة أجهزة تسجيل الأصوات والصور. 
ويرى الأستاذ عبد الرزاق السنهوري انه يكفي في ظروف استثنائية تلاوة الشهادة المكتوبة للشاهد آو ضمها إلى ملف القضية للاعتداد بها، كما يحدث أن يضم ملف تحقيق جزائي إلى ملف قضية مدنية، ويعتد بما ورد مكتوبا في التحقيق الجزائي من شهادة شهود. 
وإذا كان بعض الشراح يرون بان الشهادة المكتوبة لا قيمة قانونية لها أمام القضاء، لأنها لا تعدو أن تكون ألا مجرد تصريح لا يلزم إلا صاحبه، غير أن البعض الآخر يرى بأنه يمكن في حالة استثنائية الاعتداد بالشهادة المكتوبة وذلك في حالة عدم استطاعة الشاهد الحضور أمام القضاء لأسباب جدية 
تمنعه من ذلك كالمرض مثلا والبعد الكثير عن المحكمة، ففي مثل هذه الحالات يمكن للقاضي المختص في النظر في الدعوى أن ينيب عنه من يتلقى الشهادة، ويكون المنيب قاضيا أخر يعمل بالدائرة القضائية نفسها التي يوجد أو يقيم بها الشاهد المطلوب منه الإدلاء بشهادته كتابة.   

أما المشرع المغربي فانه قد حسم في هذه المسالة وذلك بصريح الفصل 78 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه:" إذا اثبت الشاهد انه يستحيل عليه الحضور في اليوم المحدد، جاز للمحكمة منحه أجلا آو الانتقال بنفسها قصد تلقي شهادته". 
  
  
الفقرةالثانية:الشهادة المباشرة والشهادةغيرالمباشرة.. 
  
الأصل في الشهادة أن تكون مباشرة، حيث يخبر الشاهد بما وقع تحت سمعه آو بصره، وقد يخبر بما رأى بعينه كواقعة تسليم مبلغ مالي، آو مشاهدته لحادث معين، ا وان يخبر بما سمعه بأذنه كما إذا كان قد حضر مجلس العقد وسمع البائع يتعاقد مع المشتري وحضر أمام القضاء ليشهد بما رآه آو سمعه.
والأصل في الشهادة المباشرة أن تكون شفوية، حيث يدلي الشاهد بشهادته دون الاستعانة بأية مذكرة، وان كان المشرع المغربي والمشرع المصري  يجيزان للشاهد الاستعانة بمذكرات مكتوبة وذلك متوقف على ضرورة صدور إذن من المحكمة أو القاضي المنتدب. 
أما الشهادة غير المباشرة آو ما يسمى لدى البعض بالشهادة  من الدرجة الثانية، فهي تلك الشهادة التي يدلي بها الشاهد دون أن يتصل بالواقعة المتنازع عليها شخصيا، وإنما 
يردد فقط ما سمعه من الغير، فهي شهادة نقلت إليه فقط عن طريق الغير. 
أما عن قيمة الشهادة غير المباشرة فهناك من يرى بأنها تجوز حيث تجوز الشهادة الأصلية، ولكن يبقى أمر تقديرها للقاضي لمعرفة قيمتها في الإثبات. 
ويرى احد الفقهاء الفرنسيين انه يجب لكي تكون الشهادة غير المباشرة صحيحة أن تتوفر فيها الشروط التالية: 

أن يكون الشاهد المباشر للواقعة محل الإثبات غير قادر جسديا أن يؤدي الشهادة كان يكون ميتا أو غائبا.

أن يكون الشاهد المباشر قد وكل احد الأشخاص في أداء الشهادة وان تسند إليه تلك الشهادة.
  

أن تكون لدى الشخص الذي يؤدي الشهادة أهلية كاملة.
  

أن يؤدي هذه الشهادة رجلان.

ألا يكون الشاهد المباشر الذي شاهد الواقعة قد تراجع عما شهده .
  
المطلب الثاني  الشروط الواجب توفرها لصحة شهادة الشهود. 
  
يجب على القاضي قبل الاستماع إلى الشاهد أن يتأكد من توفر مجموعة من الشروط، منها ما هو خاص بالشاهد كتمتعه بالأهلية اللازمة والتأكد من عدم وجود علاقة قرابة آو مصاهرة مع احد الخصوم,  
  
الفقرة الأولى: الشروط الخاصة بالشاهد. 

لم يعرف المشرع المغربي الشاهد على غرار اغلب التشريعات المقارنة، وان كان من وصف الشهود بأنهم أعين العدالة وأذانها، وللشاهد دور هام في مساعدة القضاء لإظهار الحقيقة في العديد من المنازعات، وقد جعل القانون أداء الشهادة واجبا على كل إنسان له علاقة بالواقعة المتنازع فيها أمام القضاء.
ونظرا للعيوب التي يمكن أن تتخلل شهادة الشهود، وأخذا ببعض اقتراحات الفقهاء والشراح، فان غالبية التشريعات وضعت شروطا مسبقة يجب أن تتوفر في الشاهد لكي تصح شهادته ويتم الاعتماد عليها، وهذه الشروط تتمثل أساسا في شرط الأهلية، وشرط عدم القرابة آو المصاهرة. 
  


 أولاشرط الأهلية. 

تعتبر الأهلية شرط مشترك يجب أن تتوافر لدى كل شاهد، إذ يجب أن تكون لدى هذا الأخير قدرة على تذكر الواقعة التي سيشهد فيها، وألا يكون ذا عاهة أو فاقدا للتمييز والإدراك، لان فقدان الإدراك والتمييز يجعلان الشخص غير أهل لأداء الشهادة. والأهلية نوعان: أهلية الوجوب وأهلية الأداء، وتعني أهلية الوجوب "صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها"، أما أهلية الأداء فهي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها آو انعدامها". 
ويرى غالبية الفقهاء وجوب توفر عنصرين لدى الشاهد، وهما الإدراك والتمييز، فالقدرة على التمييز هي أساس تحمل الشهادة لان التمييز يعني القدرة على فهم الفعل وتحديد طبيعته وما ينطوي عليه من اعتداء على حق آو مصلحة يحميها القانون. 
وبالرجوع إلى الفصل 75 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية، نجده نص على: 
" لا تقبل أيضا شهادة الأشخاص الذين نص القانون أو أمر قضائي بأنهم عديمو الأهلية لتأدية الشهادة في كل الإجراءات وأمام القضاء". 
وبمفهوم المخالفة للمادة أعلاه، يستنتج انه تقبل شهادة ناقص الأهليةأمام القضاء في كل الإجراءات ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك. 
ومن خلال تحليل المادة 75 من المسطرة المدنية نستنتج مايلي:
- انه لا يجوز سماع شهادة الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز الذي هو 12 سنة شمسية كاملة.
تسمع شهادة الصغير الذي بلغ سن التمييز  ولم يبلغ سن الرشد الذي هو 18 سنة شمسية كاملة.
يجوز سماع شهادة الأفراد الذين لم يبلغوا ست عشرة سنة على سبيل الاستئناس.
أما غير ذلك فانه يعتد بالشهادة كاملة وتعتبر صحيحة إذا بلغ الشخص سن الرشد ما لم يثبت حصول سبب من أسباب نقصان أهليته آو انعدامها. 
وإذا كان بعض الفقه يرى بان العبرة بسن الشاهد وقت أداءه الشهادة أمام القضاء لا وقت حصول الواقعة التي يشهد عليها،  فإننا لا نشاطره الرأي، إذ يجب أن تتوفر لدى الشاهد السن القانونية يوم حدوث الواقعة، وإلا سيحضر شخص في واقعة لما كان عمره 10 سنوات مثلا، ويشهد فيها لما يصل عمره 18 سنة.
  
  
تانياشرط عدم القرابة والمصاهرة. 
  
لم يترك المشرع المغربي أدنى شك في الموضوع، حيث نص الفصل 75 في فقرته الأولى على انه:" لا تقبل شهادة من كانت بينهم وبين الإطراف آو أزواجهم رابطة مباشرة من قرابة آو مصاهرة من الأصول آو الفروع آو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية عدا إذا قرر القانون خلاف ذلك". 
ومن خلال الفصل أعلاه نستنتج أن من لا تجوز شهادتهم هم كالأتي: 
  
ا- شهادة احد الزوجين. 
تمتنع شهادة احد الزوجين للأخر للعلة ذاتها التي تمتنع بها شهادة الأصل للفرع آو عليه، وذلك خشية للمحاباة بسبب المصلحة المشتركة آو بسبب العامل العاطفي، آو ما قد يترتب عن ذلك من توتر العلاقة بين الزوجين في حالة ما إذا كانت الشهادة في غير مصلحة الزوج، كما أن حكم المنع يبقى قائما حتى بعد انحلال الرابطة الزوجية وذلك لعلة وجود أولاد مشتركين بينهما. 
  
ب- شهادة الأصول آو الفروع آو الحواشي. 
يرجع السبب في عدم الشهادة في مثل هذه الحالات إلى الشك الكبير في صدقها بسبب وجود مصلحة آو عاطفة آو الكراهية التي يمكن أحيانا أن تسود بين الأقارب، ومن ناحية أخرى يعتبر الامتناع عن أداء الشهادة آو الإدلاء على وجه غير مفيد للقريب قد يكون سببا للنفور والانشقاق بين أفراد العائلة وتشتت روابط القرابة. 
  

ج- شهادة الخادم والوكيل والشريك والكفيل. 
لم ينص المشرع المغربي على صراحة على مثل هذه الحالات، غير أن المعمول به قضاء انه لا تجوز شهادة الخادم لمخدومه مادام في خدمته، وذلك راجع للسلطة المباشرة التي تكون للمخدوم على خادمه، أما إذا ترك الخادم تلك الخدمة فتقبل شهادته مع مخدومه السابق، ما لم يكن ترك الخدمة بالتواطؤ معه فترفض شهادته. 
كما تقبل شهادة الوكيل لموكله وذلك في حدود الأمور التي لها علاقة بالوكالة،  والشيء نفسه بالنسبة للشريك فيما يتعلق بالشركة وذلك بسبب المصلحة المالية التي تجمعهما في الشركة. 
وتمنع شهادة الكفيل فيما يخص التزامات المكفول، إذ تكون له مصلحة مباشرة في براءة ذمة هذا الأخير باعتبار أن براءة الأصيل بشهادة الكفيل تؤدي إلى تبرئة هذا الأخير أيضا من كفالة الدين وإسقاط هذه الكفالة  .
  
الفقرةالثانية: الشروط الخاصة بالشهادة 
  
يضاف إلى الشروط الواجب توفرها في الشاهد مؤدي الشهادة، شروطا أخرى يجب توفرها في الشهادة نفسها وهذه الشروط تتمثل أساسا في وجوب أداء الشهادة أمام القضاء، ثم شرط تأدية الشهادة بحضور الخصوم. 

أولاوجوب أداء الشهادة أمام القضاء. 

يجب أن تصدر شهادة الشاهد أمام القاضي، أما الشهادة التي يمكن أن تؤدى خارج مجلس القضاء فلا يعتد بها ولو كان المجلس مجلس تحكيم، بل ولو كان ذلك أمام موظف عمومي طالما ليست له ولاية القضاء. 
وقد ورد استثناء على القاعدة المذكورة والذي يتمثل في تعذر الشاهد عن الحضور أمام المحكمة لأسباب جدية كالمرض مثلا، فعندما يكون الشاهد مريضا ولا يستطيع بسبب مرضه أن يتنقل إلى المحكمة، جاز للمحكمة في حالة إذا كانت شهادته مهمة جدا ويتوقف عليها الحسم في الواقعة، أن تنتقل إليه بنفسها قصد تلقي شهادته. 
وقد نص الفصل 78 من قانون المسطرة المدنية على انه:" إذا أتبث الشاهد انه يستحيل عليه الحضور في اليوم المحدد، جاز للمحكمة منحه أجلا آو الانتقال بنفسها قصد تلقي شهادته. 
إذا كان الشاهد يقيم خارج دائرة اختصاص المحكمة، آمكن الاستماع إلى شهادته بواسطة إنابة قضائية". 
يفهم من نص الفصل أعلاه انه في حالة استحالة الحضور على الشاهد، فانه يجوز للمحكمة أن تحدد له أجلا أخر آو تنتقل لسماع شهادته إذا كان مقيما في نفس دائرة اختصاص المحكمة، أما إذا كان مقيما في دائرة اختصاص محكمة أخرى فهنا خول المشرع للمحكمة إمكانية إتباع إجراءات الإنابة القضائية. 
أما إذا كان الشاهد يقيم خارج إقليم الدولة، فهنا يتعين رفع الآمر إلى وزارة العدل  من اجل إحالته أمام السلطة المختصة للبلد الذي يقيم فيه. 
  
ثانيااداء الشهادة بحضور الخصوم. 


نصت الفقرة الأولى من الفصل 76 من قانون المسطرة المدنية على انه:" يستمع إلى الشهود على انفراد سواء بمحضر الأطراف آو في غيبتهم". 
من خلال القراءة الأولى والبسيطة لهذه الفقرة من الفصل يمكن القول بان المشرع لم يعتبر أداء الشهادة بحضور الخصوم واجبا، ولكن - في نظرنا- هذا يتعارض مع نص الفصل 82 من نفس القانون الذي نص في الفقرة الأولى منه على انه:" لا يجوز للطرف أن يقاطع الشاهد أثناء إدلائه بها، آو أن يوجه إليه أسئلة مباشرة"، وعليه ندعو المشرع إلى إعادة صياغة الفقرة الأولى من الفصل 76 من قانون المسطرة المدنية بشكل يفهم منه انه يجب تأدية الشهادة بحضور الخصوم. 
فهناك من يرى بان تأدية الشهادة دون حضور الخصوم يجعلها باطلة، ذلك انه للخصم حق توجيه أسئلة للشاهد، فقانون الإثبات المصري نص في المادة 87 على ذلك، وإذا كان احد الخصوم يعلم قانونا بتاريخ الجلسة المحدد لسماع الشاهد وتغيب يوم الجلسة رغم توصله بالاستدعاء، فانه لا يمكنه التمسك بان الشاهد سئل في غيبته، إلا إذا كان لغيابه عذرا مقبولا قانونا، وفي هذه الحالة يحق له إعادة سماع الشاهد. 
وإذا انتهى الخصم من استجواب الشاهد، فانه لا يجوز له إبداء أسئلة جديدة إلا بإذن المحكمة، ويؤدي كل شاهد شهادته بانفراد دون حضور الشهود الآخرين. 
ولما نقول عبارة " بحضور الخصوم" فإننا نعني بذلك إما أطراف النزاع أنفسهم آو من يمثلهم. 
  
المبحث الثاني:الأثار المترتبة عن شهادة الشهود . 
  
للحديث عن الأثار المترتبة عن شهادة الشهود ارتأينا تقسيم هذا المبحث الى مطلبين ; 
المطلب الأول :دور حماية الشهود في احقاق العدالة 
المطلب الثاني: العقوبات. 
  
  
  
المطلب الأول :دور حماية الشهود في احقاق العدالة.
  
إن الهدف الرئيسي الذي أراد المشرع تحقيقه من وراء توفير الحماية للضحايا والشهود في البحث الجنائي هو الوصول إلى الحقيقة لتحقيق السلم والأمن الاجتماعيين وعدم الإفلات من العقاب وتوقيع الجزاء على مرتكب الأفعال التي تكون مخالفة للقانون. 
لذلك وجب مناقشة دور هذه الحماية في جميع مراحل المحاكمة بدءا من البحث التمهيدي مرورا بالتحقيق والإعدادي وصلا إلى المحاكمة وصدور حكم يكون عنوانا للحقيقة. 
  
الفقرة الاولى :دور حماية الشهود أثناء البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي. 
  
إن من شان توفير الحماية لهذه الفئة التي تعتبر مهمة في مساعدة الشرطة القضائية وهيئة التحقيق في الوصول إلى الحقيقة و توفير محاكمة عادلة متوفر على جميع ضمانات القانونية والقضائية وكما هو معلوم فالمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية تنص على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته قانونا بحكم  مكتسب لقوة الشيء المقضي به. 
يعتبر البحث التمهيدي المرحلة الأولى لجمع الحقائق والمعطيات عن كل قضية تشكل جريمة، بمقتضى القانون وتقوم به الشرطة القضائية تحت إشراف وكيل الملك أو الوكيل العام للملك حسب نوع الجريمة المرتكبة (جناية آم جنحة). 
فالضحية في بعض الأحيان لا يود التبليغ عن الفعل الذي سببه له شخص  أخر نظرا للتهديدات التي قد يتلقاه في حالة تبليغه عن الجريمة التي ارتكبت ضده مثال جرائم الاغتصاب التي غالبا ما يعمد مرتكبها إلى تهديد الضحية بشتى وسائل التهديد في حالة التبليغ عنه وكثيرة هي الجرائم التي لا تصل إلى علم الجهات المختصة لتوقيع الجزاء على مرتكبها خوفا منه أو من انه شخصية له نفوذ معينة داخل المجتمع. 
فحسنا فعل المشرع بتوفير الحماية للضحية لكي يشجعه على التبليغ عن الجرائم التي ارتكبت ضده من طرف الجني. 
وكذلك هو الأمر بالنسبة للشاهد الذي يمكن أن يلاحظ ارتكاب جرائم أمامه ولا يستطيع التبليغ عنها وخير مثال على هذه الجرائم اختلاس المال العام والتي يرتكبها المسئولين وهذا الشاهد يكون مرؤوس ولا يعقل انه سوف يبلغ عن رئيسه لأنه يخاف من ضياع مورد رزقه فكان توفير الحماية القانونية إليه  شيء ضرورة لكي تصل هذه الأفعال إلى علم الجهات القضائية المختصة لكي ينال جزاء على ما ارتكبه من أفعال وضمان حماية للشاهد الذي يبلغ عن هذه الأفعال. 
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء المغربي كان يعرف صعوبة كبيرة في الوصول إلى اتهام شخص معين لعدم قدرة الأشخاص على أن يشهدوا أو يبلغوا عن مرتكبي الجرائم والحديث هنا عن القضاء الواقف (النيابة العامة) لأنه يجب أن تثبت أن الشخص المتهم هو من ارتكب الجريمة لان النيابة العامة تكون طرفا في مواجهة الطرف الأخر وهو المتهم. 
لذلك كان من الضروري توفير حماية للضحايا والشهود أثناء مرحلة البحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي تمهيدا لمرحلة المحاكمة وصدور الحكم. 
  

الفقرة الثانية :دور حماية الضحايا والشهود أثناء فترة المحاكمة. 
  
إن مرحلة المحاكمة هي أخر مرحلة قبل صدور الحكم الذي يكون عنوانا للحقيقة وبما أننا نتحدث عن البحث الجنائي فإننا نكون أمام جنائية أو جنحة فقضاء الحكم كذلك يقوم بتحقيق أثناء الجلسة لكي يرى مدى مطابقة تصريحات المتهم مع ما أدلى به في جميع مراحل الدعوى العمومية واستماع إلى كل من ملتمسات النيابة العامة وكذا دفاع المتهم نظرا لما يضمنه له القانون من حقوق الدفاع أثناء المحاكمة وجدير بالذكر آن الضحية  في هذه المرحلة لا يطالب إلا بحقوقه المدنية لان المطالبة بتوقيع الجراء والعقاب هو من اختصاص النيابة العامة وهذه الحقوق المدنية تتمثل في التعويض عن ما لحقة من أضرار جراء الفعل الذي ارتكب ضده. 
أما بالنسبة لدور الشاهد أثناء مرحلة المحاكمة ونظرا لما وفره له المشرع من تدابير للحماية فانه يدلي بشهادته بعد أدائه اليمين المنصوص عليها ضمن المادة 325 من قانون المسطرة الجنائية ويستدعى الشاهد تلقائيا من طرف المحكمة  أوبناء على طلب النيابة العامة أو الطرف المدني أو المتهم أو المسؤولية عن الحقوق المدنية طبقا للإجراءات المعمول بها قانونا لاستدعاء الشهود ولكن تمييزا لهذه الفئة من الشهود عن ما هو منصوص عليها ضمن القواعد العامة لاستماع إلى الشهود العاديين . 
ويتجلى هذا التمييز في طريقة الاستماع إلى الشاهد لأنه في أتناء أداء الشاهدة في الجرائم المشار إليهاأعلاه والتي لا يود الشاهد الكشف عن هويته فيها فانه يتم الاستماع إليه في مكان خاص لا يراه فيه احد وبصوت غير صوته الحقيقي حماية له ولكن في حالة استثنائية يمكن للمحكمة أن تكشف عن هويته بعد اخذ موافقة منه إذا كان هو الوسيلة الوحيدة في الإثبات لان القاضي الجنائي يحكم حسب اقتناعه الصميم ومن شان الشكل إن يفسر لصالح المتهم (المادة1 من ق.م.ج). 
لذلك فان هذه الفئة لها دور رئيسي وفعال في البحث الجنائي في جميع مراحل المشار إليها أعلاه لأنها السبيل الوحيد للوصول إلى مرتكبي أفعال إجرامية تضر بالفرد خاصة وبالمجتمع عامة. 
فكانت هذه الحماية خطوة ايجابية نحو تحقيق الحق والإنصاف والعدالة التي يتطلع إليها واضع النصوص القانونية. 
لكن لازالت هذه النصوص تعرف شيء من الركوض وعدم العمل بها نظرا لقلة الآليات المعتمدة في الرقابة وعدم استيعابها من طرف مكونات المجتمع مما يؤخر بشكل  ملحوظ العمل بهذه الإجراءات ولكن تبقى نقطة تحسب لتشريعنا الحديث  مجال تحقيق العدالة وسمو القانون لان الاهتمام بهذه الفئة يلعب دورا كبير في تكريس سياسية عدم الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة 
  
المطلب الثاني : العقوبات. 
نظرا لأهمية شهادة الشهود على حقوق الناس ومكانتها كوسيلة من وسائل الإثبات فإن تخلف الشاهد أو رفض الإدلاء بشهادته يعرضه لجزاء قانوني يختلف حسب نوعية القضايا موضوع الشهادة. 
  
الفقرة الأولى: الجزاء المدني في إطار قانون المسطرة المدنية 
  
حسب ق م م فإنه إذا ما تخلف الشهود عن أداء الشهادة يمكن الحكم عليهم بحكم قابل للتنفيذ رغم التعرض أو الاستئناف بغرامة لا تتعدى 50 درهم وإذا ما تخلف مرة ثانية ، بعد استدعائه من جديد يحكم عليه بغرامة لا تتعدى 100 درهم إلا إذا أدلى الشاهد بعذر مقبول كسبب لعدم حضوره فيتم إعفاءه من العقوبة بعد إدلاءه بها غير أن المشرع جعل هذا الجزاء فقط من باب الإمكانية وليس من باب الإلزامية. 
  
الفقرة الثانية : الجزاء الجنائي في قانون المسطرة الجنائية 
  
حسب مقتضيات ق م ج فإنه إذا لم يحضر الشاهد ثم وجه إليه استدعاء بدون جدوى جاز لقاضي التحقيق تسخير القوى العمومية لإحضاره بطلب من النيابة العامة والحكم عليه بأداء غرامة تتراوح ما بين 1200 درهم و 12000 درهم ونفس العقوبة تسري على الشاهد الذي لم يحضر وامتنع عن أداء اليمين أو من الأداء شهادته ويمكن إعفاء الشاهد المتخلف عن الحضور بعد تقديمه لاعتذار أو مبرر وإعفاء الشاهد الممتنع عن أداء اليمين إذا تراجع عن امتناعه.


  
 خاتمة
  
الشهادة وإن كانت دليلا ووسيلة إثبات أو نفي في الميدان الجنائي، فإنها تعتبر نتيجة للنفس البشرية، وبهذا المعنى فهي تخضع للتأثير والهواجس ولسائر العوامل السيكولوجية وغيرها. ونظرا لأهمية الشهادة سعت غالبية الأنظمة القانونية إلى صياغة مقتضيات تشريعية وبرامج تكفل حماية الشهود بهدف الحصول على شهادتهم بكيفية موضوعية وصحيحة تحقق العدل بين أفراد المجتمع ولقد أملت ذلك ظروف معينة، كانت فيها حقوق الشهود أكثر استهدافا و كانت لا تحظى بالقدر الكافي من الاحترام، إلا انه خلال الانفتاح الذي دشنه المغرب على المواثيق و المعاهدات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، قد شهدت البلاد طفرة نوعية أعطيت خلالها لكلمة الإنسان معناها الكامل و ذلك بتوفير الضمانات الكافية للجميع إلا أن العمل في هذا الميدان لا زال يحتاج إلى المزيد من الجرأة والبناء القانونيين فبالنسبة للشهود ينبغي ان يحاطوا بضمانات كاملة تزكي حماياتهم خلال  البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي و أثناء فترة المحاكمة. التي قد تشهد في بعض الأحيان خروقات خطيرة تمس بحقوقهم و حرياتهم، و أملنا في أن يواصل المشرع المغربي سلسلة الإصلاحات و المبادرات الجريئة في مجال حقوق الشهود، حتى يتسنى  للشاهد القيام بواجبه على أكمل . وجه وتنبغي الإشارة في ظل القراءة الأولية للقانون الجديد أن المشرع أغفل إحداث برنامج حماية الشهود والضحايا، علما أنه لم يتطرق إلى أمد أو زمن انتهاء هذه الحماية، خاصة إذا استغرقت المحاكمة أو التحقيق سنوات، فضلا على ذلك لم يتعرض القانون رقم 37-10 إلى الجهات التي يمكن أن تعمل إلى جانب الأشخاص المؤهلين لاتخاذ التدابير الفعلية للحماية (قاضي التحقيق، وكيل الملك أو الوكيل العام) أو أن يستعين بها هؤلاء لكون إقامة الضحايا والشهود في أماكن متعددة تتطلب مصاريف ونفقات سكت القانون عن الإتيان بمصدرها أو ذكر كافلها أو الملتزم بها، هل يتحملها الضحية أم الشاهد أم الدولة؟. 
  
  
الملاحظات التي وقفناعليها أثناء إنجازنا لهذا البحث :    
  

قلة النصوص القانونية المقننة لموضوع   حماية الشهود

قلة المراجع
  
عدم مواكبة المشرع المغربي للتعديلات التي طرأت في الدول الغربية والتي قننت بشكل كبير موضوع حماية الشهود وأولته  أهمية كبيرة.
  

الاقتراحات :
   
بعد خوضنا في هذا الموضوع المتواضع ،فإننا نناشد المشرع المغربي بشكل خاص والمشرع العربي  بشكل عام بالالتحاق بركب التطور من اجل تقنين حماية الشهود،لما للشهادة من أهمية في تقرير الإدانة أو البراءة .


اعداد ياسين النمساوي - زكرياء حساني

تحميل الموضوع ملف Pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق