الصفحات

جريمة التحرش الجنسي وفقا للمادة 503-1-1 من مسودة مشروع القانون الجنائي المغربي

يعرف التحرش بوجه عام على أنه شكل من أشكال الإيداء، لأنه يتضمن مجموعة من الأفعال تتحول من انتهاكات بسيطة إلى مضايقات جادة، التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية وصولا إلى النشاطات الجنسية.

وهو بمفهوم آخر صيغة من الكلمات غير المرحب بها، أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك حس أو مشاعر شخص ما، وتجعله يقشعر بعدم الارتياح أو التهديد أو عدم الأمان أو الخوف أو عدم الاحترام، أو الترويع أو الإهانة أو الإساءة، أو الترهيب أو أنه مجرد جسد لا غير.
وهو باختصار شديد إستثارة شخص ما جنسيا دون رغبة الطرف الآخر.
وعليه وبعد جهد جهيد استطاع المشرع المغربي أن يخرج للوجود مسودة مشروع القانون الجنائي التي عرفت تناقضات جد كبيرة بين مؤيد ومعارض، وما أثار الكثير من النقاشات تلك التي تحدث فيها المشرع عن موضوع التحرش، في المادة 503-1-1، من خلال فقرتين متباينتين، جاءتا بمصطلحات فضفاضة وتحتاج إلى أكثر من تفسير، وعنونها بالاستغلال الجنسي وإفساد الشباب في الفرع السابع من الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، وذلك ضمن الكتاب الثاني من مسودة المشروع(تحميل مسودة المشروع).
إذ اعتبر المشرع جريمة التحرش جنحة طبطية لا يتجاوز فيها الحبس الستة أشهر وغرامة مالية تتراوح بين 2000 إلى 10000، ويمكن للمحكمة أن تحكم بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

أولا: شرح المصطلحات الخاصة بالفقرة الأولى من المادة موضوع الدراسة مع بعض الاقتراحات والملاحظات

نص الفقرة الأولى: " كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛”
مرة أخرى يعتمد المشرع إسوة بمجموعة من نصوص التشريع الجنائي على العلانية كمبدأ للمسائلة والمتابعة الجنائية، إذ تضمنت الفقرة الاولى من النص السالف الذكر على مصطلح ذات حمولة كبيرة، ألا وهو:” الفضاء العمومي”، الذي فضله المشرع واختاره بدلا من مصطلحات أخرى من قبيل المكان والحيز.
فما المقصود بهذه المصطلحات؟
الفضاء العام اوسع من مفهومي المكان والحيز، إذ أنه:” المكان الواسع، وكل الفراغ الشاسع الذي يحيط بنا من الكون الخارجي، وهو أيضا كل هذا الفراغ الهائل الذي يمتد من حولنا مع اعتداد أبصارنا”- تعريف عماد هادي الخفاجي-.
ويحدد الفضاء العام مستويات الأرض والسماء وما بينهما.
أما الحيز فهو كل شيء متحرك، يمس او يلمس، ومن امثلته كل نهر أو وادي أو شجرة او نخلة باسقة أو طريق وغير ذلك…
فيما يعتبر المكان كل حيز جغرافي معروف.
ويشمل الفضاء العام وسائل النقل العمومي، الشوارع، المدارس، الجامعات، المطاعم، الانترنت…
فالاحتكاك مثلا عبر الحافلات وسيارات الأجرة، والقطارات وغيرها من وسائل النقل، إذا كان متعمدا ويكون هدفه غرض جنسي، او كانت طبيعته جنسية يعد تحرشا، وقد يقرن بجرائم أخرى أو يتحول إليها تصل إلى حد الجناية من قبيل هتك العرض، الذي يجيء عن طريق العنف، إذ لا يتصور تحرشا جنسيا دون عنف، على أساس أنه وسيلة من وسائل العنف، يخلف آثارا سلبية على نفسية المتحرش به، سواء أكان رجلا أم امرأة، أو راشد أم قاصر، رغم أن الآثار تختلف من جنس لآخر، ومن سن لآخر.
وعليه نقول أن الفضاء العام أحسن ما يمكن استعماله في النص المجرم لجريمة التحرش الجنسي، لأنه من جهة أوسع نطاقا من الحيز والمكان العامين كما تفضلنا ذكره، ومن جهة أخرى لأنه يتماشى مع فلسفة المشرع المغربي في اعتماده على نظرية العلانية دوما في مجموعة القانون الجنائي.
فيما اعتبر المشرع المغربي مصدر الإمعان من فعل أمعن في مضايقة الغير وسيلة أساسية للاعتداد بجريمة التحرش الجنسي، وهو ما نص عليه صراحة في الفقرة الأولى من نص الدراسة، ومعنى ذلك التركيز بانتباه وتيقظ واهتمام في التمادي في إيداء المتحرش به، وهو -أي الإمعان- بصيغة أخرى مبالغة وإطالة التفكير في مضايقة الغير كما تفضل المشرع بذلك.
لكن حسب اعتقادنا المتواضع كأن المشرع يقول للمتحرشين، لن يطالكم العقاب إلا إذا تماديتم في إيداء ضحاياكم، بمعنى لن تتعرضوا للعقاب الجنائي إذا تحرشتم خلال المرة الأولى والثانية، أو حتى الثالثة، وهذا هو معنى الإمعان، ومادمنا بصدد مسودة مشروع، نقترح إزالة مصطلح “أمعن”، والإبقاء على المضايقة دون غيرها، هذه الأخيرة تقتضي عدم الرضا بالطرف المتحرش، ومعاسرته، أما إذا تم الترحيب به، رغم استعمال أفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو أغراض جنسية، فلا يعد تحرشا، ويكون خارجا عن نطاق المتابعة المنصوص عليها الفصل 503-1-1 من مسودة مشروع القانون الجنائي.
ومن قبيل الأقوال التي تشكل فعلا ماديا لجريمة التحرش الجنسي، والتي يعتمدها المتحرش كوسائل لإثارة المتحرش به، يعتبرها هذا الأخير ترهيبا يحسه بعدم الأمان، نجد التصفير، الدعوة لممارسة الجنس…
ومن الإشارات او الحركات نجد إبداء ملاحظات جنسية عن جسد المتحرش به، كطريقة مشيه مثلا، أو غمزه، أو إرسال صور جنسية…
أما عن الأفعال فإن منها ما يدخل ضمن جريمة التحرش الجنسي، كالملاحقة أو المطاردة أو التتبع… ومنها ما يخرج عن هذا النطاق ليستقر ضمن جرائم أخرى، يكون فيها العقاب أشد قساوة، كجريمة هتك العرض كما سبق ذكره، والأمثلة فيها كثيرة، نذكر منها اللمس، أو النغز، او الاقتراب بشكل كبير، أو الشد أو التقبيل القسري.

ثانيا: بعض الوسائل الإلكترونية المستعملة لارتكاب جريمة التحرش الجنسي.

نص الفقرة الثانية:”… كل من وجه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو الكترونية، أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”
بداية نقول أن المشرع الجنائي ساير الركب الإلكتروني والمعلوماتي، وذلك بإضافته مصلطلحات ذات صلة بالموضوع محل الدراسة، وعيا منه بخطورة الفعل المكون لجريمة التحرش الجنسي عبر عالم افتراضي لا يؤمن بالحدود الزمانية ولا المكانية، ومن بين الوسائل الإكترونية التي من الممكن استعمالها للتحرش نذكر على سبيل المثال لا الحصر، البريد الإكتروني والفايسبوك…
البريد الالكتروني هو وسيلة لتبادل رسائل رقمية عبر الانترنت أو غيرها من شبكات حاسوبية متواصلة، التي تحتاج إلى برنامج عميل البريد مثل Microsoft outlook وتضع عنوان المستقبل وبعد أن تضغط زر الإرسال يقوم برنامج العميل بتنسيق الرسالة على هيكل بريد الكتروني، ويكون على صيغة معينة وبعدها يقوم البرنامج بإرسال الرسالة بواسطة بروتوكول (Smtp) إلى عميل الإرسال (MTA mail).
ومن مميزاته:
– إمكانية إرسال رسالة إلى عدة متلقين؛
– إرسال رسالة تتضمن نصا صوتيا أو فيديو والصور والخرائط؛
– السرعة في إرسال الرسائل، حيث لا تستغرق إلا بضع ثوان للوصول إلى المراسل إليه، وإن لم تصل فإن البرنامج يحيط المرسل علما بذلك؛
– إمكانية إستخراج الرسالة أو الاحتفاظ بها…
لكن رغم هذه المميزات التي من خلالها يتم اختصار الوقت والجهد بنسب مهمة، يتمكن ذووا النيات السيئة باستعماله لأغراض سلبية من قبيل التحرش الجنسي، مما يجعل المتحرش به يحس بعدم الأمان على معلوماته سواء المرسلة أو المستقبلة.
لكن هناك بعض المتحرشين يدخلون إلى بريد الكتروني لا يخصهم قصد التحرش من خلاله، مما يتطلب طرح السؤال الآتي ويتطلب أكثر من إجابة.
هل البريد الالكتروني آمن؟
باعتباره يستخدم لنقل الرسائل النصية، ونقل المستندات وقواعد البيانات، هذه الأخيرة تعد عملية وجد حساسة، وهذا يشكل مشكلة كبيرة التي تتمثل في وجود قدرات واسعة لتزوير هذه الرسائل، إحداها تحمل طابعا جنسيا محضا، وأخرى لا تشكل أي خدش للحياء، فمن يقع عبء الإثبات هنا، إذا ادعى شخص أن أن بريده الإلكتروني قد تعرض للاختراق؟
هذا السؤال سنجيب عنه خلال النقطة الثالثة الخاصة بإثبات جريمة التحرش الجنسي.
الأمر أيضا وكما سبق الذكر يهم حتى مستعملي الفايسبوك، لأن كثيرا من مستخدميه وبسبب قلة الخبرة والحنكة اللازمين، أو الدخول العشوائي على تطبيقات وألعاب الفايسبوك قد يتعرض حسابهم للاختراق، ومن أشهر حالات اختراق حسابات المستخدمين على موقع الفايسبوك هي الصفحات الوهمية، بحيث ينشئ الهاكر واجهة مشابهة تماما لواجهة موقع الفايسبوك ويقوم بتحويل الضحية إليها بطريقة أو بأخرى عن طريق رابط في التعليقات، أو رابط على صفحة الضحية على موقع فايسبوك، وبمجرد ضغط الضحية على الرابط تظهر له الواجهة الرئيسية لموقع الفايسبوك، فيظن الضحية أنه يحتاج إلى إعادة كتابة بياناته للدخول مرة أخرى لموقع الفايسبوك، ولكنه في تلك الحالة يقوم بكتابة بياناته وإرسالها للهاكر.
وقد يظل حساب الضحية على موقع الفايسبوك تحت سيطرة الهاكر دون علم منه، يقوم الهاكر خلالها بالدخول على حساب الضحية وقراءة الرسائل الخاصة بين الضحية وقراءة الرسائل الخاصة بين الضحية أو أقربائه … كما يتمكن من رؤية صور الضحية على موقعه… وكل هذا من الصور الخصوصية، دون أن يحس الضحية أن حسابه مخترق، فيقوم الهاكر في الغالب الأحيان بارسال صور أو فيديوهات خليعة أو تسجيلات صوتية تحمل مصطلحات تخدش بالحياء، قد لا تظهر للضحية على حائطه، لكن في الغالب الأعم تظهر لغيره خصوصا المنظمين لصفحته الخاصة، أما إن كانت عامة فإنها تظهر إلى كل من يزور صفحته، وهذه الصور أو الفيديوهات أو التسجيلات تفسر أنها ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.
كما يستغل الهاكر قلة تجربة الضحية بالعالم الأزرق، فيبدأ بتوجيه رسائل مكتوبة تحمل طابعا جنسيا محضا وكأن الضحية هو الذي عمد على إرسالها هذا من جهة.
أما من جهة ثانية، هناك الكثير ممن ينشؤون صفحات بشخصيات وهمية يستعملونها لإيذاء المتحرش بهم، أو يأخذون أسماء معروفة قصد التأثير بها على الغير، فيظن المتحرش به أن فلان المعروف بصفته وشخصه هو من يتحرش به، فتقل الثقة ويكثر الاحساس بعدم الاطمئنان.
عموما فإن كل هذه الأمور تشكل فعلا ماديا مكونا لجريمة التحرش الجنسي قائمة الأركان.
اعداد الاستاذ عبد الصمد شني عضو رابطة قضاة المغرب



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق