الصفحات

احكام وتطبيقات الاثراء بلا سبب على ضوء التشريع المغربي

الإثراء بلا سبب يعد مصدرا من مصادر الالتزام، ويقصد به أن كل شخص يثري على حساب شخص آخر يلتزم بتعويض هذا الشخص الذي لحقه من خسارة، وأنه عبارة عن انتقال جزء من ذمة مالية الى أخرى،



 فتنقص تلك مما يؤدي الى زيادة هذه دون موجب من تعاقد قانوني، مثلا اذا دفع شخص لآخر مبلغا من النقود على أساس أنه يدفع دينا عليه والواقع أنه غبر مدين، 
أو من ناحية أخرى كما لو قام شخص ببناء مسكن في أرض بمواد مملوكة لغيره ، ويمكن في هذه الحالة لمن افتقرت ذمته حق الرجوع على الطرف الذي أثرت ذمته بهدف تعويض هذا المفتقر عما أنفقه في شراء تلك المواد ن فان لم يفعل ذالك ؟أقام عليه دعوى الإثراء.
نظرية الإثراء بلا سبب في حد ذاتها معروفة منذ قديم الزمان بكونها أول مصادر الالتزام بالإضافة إلى أنها تمثل روح الإنصاف والعدالة ، وقد عرفت تطورا مهما بداية بالقانون الروماني الذي اعتمد على طائفتين
من الدعاوى، الاولى دعاوى الاسترداد لما دفع دون سبب ، والثانية دعاوى الإثراء بلا سبب، وقد سار على هذا النهج بعده القانون الفرنسي القديم الى حدود القرن 17 والذي لم يعترف بكون الإثراء بلا سبب كقاعدة عامة وهذا ما سجله الفقيه " دوما" في كتابه المشهور حول القوانين المدنية .
القانون الفرنسي الحديث مر بثلاثة مراحل، بداية بانكار المبدأ العام أ القاعدة العامة للاثراء بلا سبب ، ثم المرحلة الثانية الفضالة الناقصة، أما المرحلة الثالثة الاعتراف بالمبدأ العام ، وذالك على أثر الحكم الشهير لمحكمة النقض الفرنسية لتقرير الشروط المطلوبة في دعوى
الاثراء بلا سبب في أحكام لاحقة ، خاصة في تاريخ 12 ماي 1914 و 2 مارس 1912.
ويمكن تمثيل ذالك في شرطين أساسيين:
 الأول أن دعوى الاثراء بلا سبب هي دعوى احتياطية ، اما الثاني هو أن يكون الاثراء بلا سبب قائما وقت رفع الدعوى، وهذا ما قاله الفقهاء الفرنسيين كبل من "بوتييه" و " رو" و "أو بري".
من جهة قانون الالتزامات والعقود المغربي ، فقد تطرق الى موضوع الاثراء بلا سبب فيالباب الثاني من القسم الاول المخصص لمصادر الالتزامات ، حيث بحث دفع غير المستحق في الفصول من 66 الى 75، أما الفضالة فقد بحثهما في الباب الخامس من القسم السادس وجعلها من أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة وخصها بالفصول من 943 الى 958.
من جانب الفقه الإسلامي، فهو لم يعترف بكون الاثراء بلا سبب مصدرا للالتزام الا في حدود ضيقة، ذالك بأنه اعترف فقط بالدفع غير المستحق ولم يعترف بالعمل الفضولي مصدرا للالتزام، أما الاثراء بلا سبب كقاعدة عامة لم يعترف به الفقه الإسلامي.
انتماء قاعدة الاثراء بلا سبب الى القانون المدني ، ونظرا لأهمية موضعه في حياتنا اليومية من جهة وندرة الدراسة حوله من جهة أخرى ، خاصة لدى الفقه والتشريع المغربي.
من جهة المنهج الذي سوف نعتمده في بحثنا هو منهج تاريخي مقارن، وهكذا انطلاقا من مما سبق يمكن طرح الأسئلة التالية: فماهو الاثراء بلا سبب؟ ومتى يتحقق؟ وما هي أحكامه وتطبيقاته؟ وما هي الأحكام والجزاءات المترتبة عن هذه التطبيقات؟ . وهذا ما يقودنا في حد ذاته الى دراسة البحث من خلال فصلين:
القاعدة العامة للاثراء (الفصل الأول)
تطبيقات الاثراء بلا سبب( الفصل الثاني)

الفصل الأول: القاعدة العامة للإثراء


يعتبر الإثراء في حد ذاته واقعة قانونية، اذا من خلالها يجعل أن يثري شخص ما فتزداد ذمته المالية على حساب شخص آخر ، فهي أما ان تكون مبنية على أساس ويكون لها سبب مشروع ، كما في اثراء الموهوب الذي يتسلم هدية، أو في اثراء البائع الذي يقبض لقاء ثمن البيع مبلغا يفوق قيمة هذا المبيع، واما أن يفتقر هذا الاثراء الى مبرر قانوني ولا يعتمد على سبب مشروع كما في اثراء من يقبض مبلغا من المال دون وجه حق مثل الشخص الذي ياخذ مال الغير باعتباره دائنا لهذا الاخير الا أنه ليس كذالك. وقد تناول
المشرع المغربي الاثراء بلا سبب في الفصول 66 و67و 75 و76 من ق.ل.ع [1]
ولكي يكون هذا الاثراء واقعة صحيحة لا بد أن يتوفر على شروط معينة
(المبحث الاول):
الى جانب ما يصدر عن هذه الشروط من أسباب ( المبحث الثاني).

المبحث الاول: شروط الاثراء بلا سبب.


ان الاثراء بلا سبب يكون صحيحا ، لا بد من أن تتوفرلا فيه عدة شروط وهذه الاخيرة تعرف اختلاف وتباين فيما بينها، اذ كل واحد منها يكمل الرخ أي في إطار علاقة وطيدة وتكاملية، وقد استقر أغلب الفقه والقضاء خاصة في المرغب وفرنسا على وجود أربعة شروط أساسية ورئيسية ، وفي نفس الوقت حتى يمكننا أن نقول لكون الاثراء بلا سبب واقعا بالفعل، اذا لابد أن يكون المدين في حالة اثراء (المطلب الاول) بالمقابل افتقار الدائن (المطلب الثاني)الى جانب انعدام السبب القانوني لهذا الاثراء ( المطلب الثالث) وكذا الدعوى الاحتياطية التي يلجأ اليها الدائن في حالة تعذر الحلول الأخرى لاسترجاع حقه (المطلب الرابع).

المطلب الاول: اثراء المدين.
ان الاثراء بلا سبب باعتباره عملا غير مشروع يجب لقيامه أن يحقق الاغتناء
والاثراء في جانب المدين ذالك أن هذا النوع من الاثراء بال سبب هو مصدر الالتزام الذي ينشا في ذمته فلا بد من قيام الاثراء حتى يقوم هذا الالتزام ، والاثراء مرده قد يكون ماديا أو معنويا (الفقرة الاولى) أو ايجابيا أو سلبيا من جهة (الفقرة الثانية) ومن جهة أخرى قد يكون مباشرا وغير مباشر
(الفقرة الثالثة).

الفقرةالأولى: الاثراء المادي أو المعنوي.
الاثراء المادي: يتحقق في حالة الكسب المالي الذي يحصل عليه المثري دون وجهن كما في حصوله على مبلغ مالي دون سببن او انتفاعه من سكن دار دون عقد ايجار ولا دفع أجرة.
وهكذا اعتبر المجلس الاعلى في قراره تحت عدد 86 بتاريخ 26-11-1976 في ملف المدني 55090 "...أن الطاعنة انتفعت من رافعة المطلوب في النقض في بناء عمارة لها دون أن يكون هناك اتفاق مسبق يبرر هذا الانتفاع تشكل صورة الاثراء بلا سبب المنصوص عليها في الفص 67 من ق.ل.ع..ولهذا فان المطلوب في النقض الذي اثبت انتفاع الطاعنة برافعته دون مبرر يكون قد أثبت حقه في الحصول على التعويض في حدود الاثراء وكان على الطاعنة التي تدعي أن الانتفاع كان بدون مقابل أن تثبت عقد التبرع أو كارية الاستعمال.." 
الاثراء المعنوي: كأن يكون اثراء عقليا أو أدبيا أو صحيا، فالمدرس وهو يعلم التلميذ يجعله يثري اثراء عقليا ، والمحامي وهو يحصل على حكم ببراءة المتهم يجعله يثري اثراء أدب وهو اثراء يقبل التقويم بالنقود ويجب فيه الاسترداد بقدر الافتقار والانتفاع.

الفقرة الثانية: الاثراء الايجابي أو السلبي.
الاثراء الايجابي هو الاثراء الذي يجني فيه الشخص كسبا ماديا أو معنويا، بحيث تزداد ذمته المالية او المعنوية بعد الاثراء عما كانت عليه من قبل لدخول عنصر جديد مادي أو معنوي في هذه الذمة، كالمستأجر ينتفع بالعين المؤجرة ثم يحكم ببطلان إجارته.
أما الاثراء السلبي ،فيكون بتجنب الشخص كان عليه أن ينفقها ن ومثاله أن يفي شخص بدين واجب على غيره ، وهذا ما قضت به محكمة الاستئناف المصرية، بأن الشخص الذي أدى ثمن الدين عن أرض مرهونة ، والتي كان على الأشخاص الذين اشتروها من قبله بأداء ذالك الذين، لذا قضت المحكمة وفق المادة 800 من القانون المدني بالرجوع عليهم بدعوى الاثراء على حساب الغير عملا بالمادة 179.

الفقرة الثالثة: الاثراء المباشر أو الغير المباشر.
الاثراء المباشر هو الذي يكون فيه الافتقار بسبب مباشر متمثل في اثراء المدين ، وتقوم السببية المباشرة ما بين الافتقار والاثراء اذا كانت واقعة واحدة هي السبب المباشر لكل منهما، فاذا دفع شخص دين غيره او ينتفع شخص بمنزل بمكله غيره من دون عقد ولا انفاق.
أما الاثراء غير المباشر فهو الاثراء الذي يقع نتيجة لتدخل شخص وسيط ينقله من ذمة المفتقر الى ذمة المثري.
كربان السفينة يلقي ببعض ما تحمل الى البحر لانقاذ الباقي من الغرق.
وقد يكون المتدخل الأجنبي بعمل مادي هو ناظر الوقف يقترض مالا بدون اذن القاضي يدخل به تحسينات على العين الموقوفة ن فيبطل القرض ويرجع المقرض على الوقف بدعوى الاثراء.

المطلب الثاني: افتقار المدين
ان الافتقار اذا نظرنا اليه من جهة فهو الخسارة التي تصيب الشخص نتيجة خروج شيء من ذمته المالية أو فوات كسب مشروع، أو من جهة أخرى يتمثل الافتقار في نقص أموال المدعى، أو في التزامه بدين أو أي تكليف عيني
أو فوات منفعة عليه تقدر بمال ، أو في قبضه ثمن خدمة أداها للغير 
ولكي يكون هذا الاثراء واقعا بالفعل يجب أن يؤدي الى اثراء المدين بجانب افتقار الدائن(الفقرة الاولى)، كما أن هذا الافتقار في صميمه يتميز بتنوع أشكاله(الفقرة الثانية)، وكذالك بتواجد علاقة سببية بين افتقار الشخص المفتقر واثراء الشخص المثري ( الفقرة الثالثة).

الفقرة الاولى: وجوب افتقار المدين
يجب أن يتحقق افتقار شخص حتى يتمكن من ممارسة دعوى الاثراء بلا سبب، ففي حالة حصول الاثراء في جانب شخص ما لم يقابله افتقار في جانب آخر فلا تطبق القاعدة هنا.
كان يتولى ناقد منح عمل أدبي او فني ، أو علمي فينتج في ازدياد عدد النسخ المبيعة للمؤلف أو يتزايد الإقبال على مسرحية أو شريط سينمائي. هنا لا يعد الجهد المبذول من قبل الناقد بمثابة افتقار، ولا يحق للناقد أن يرجع على المثري.
وهذا ماجاءت به محكمة النقض في سورية بعدما أكدت على ان دعوى الاثراء بلا سبب مشروع تقوم على ثلاثة أركانك الاثراء من جانب المدين وخسارة
لاحقة بجانب الدائن وانعدام السبب القانوني لهذا الاثراء ، لذا قررت أنه"اذا توفر الاثراء للجانب الاول ولم يتم شرط لحوق الخسارة الى الجانب الثاني فلا مجال لتطبيق قاعدة الاثراء بال سبب مشروع والحكم بالتعويض" .

الفقرة الثانية: أشكال الافتقار.
ان افتقار المدين في حد ذاته كالإثراء قد يكون ماديا أو معنويا كما يكون ايجابيا أو سلبيا او مباشرا أو غير مباشر.
أ-
الافتقار المادي والمعنوي: فالنوع الاول يحدث اما بنقصان الجانب الايجابي للذمة المالية، أو عدم زيادة هذا الجانب.
وهذا ما جاء به القضاء المغربي في قراره عدد 444 بتاريخ 31 /1/2001 بالملف المدني عدد 1457 بأن:
المحكمة أيدت قرارها بأن الطاعنة لا تنازع في كون المطلوبين أديا واجبات التسجيل عوضا عنها قسرا في إتمام إجراءات نقل ملكية المبيع أو تسلمه دون أن تنصرف ارادة الجهة السابقة الى أداء تلك الواجبات تبرعا وترتبا عليه فان المستأنف عليهم 'البائعين' محقين في استرداد ما أثرت به المثرية على حسابهم بالفصل 69 من ق.ل.ع ويتمثل في أداء واجب التسجيل فكان قرارها معللا تحليلا سليما.
أما الافتقار المعنوي فهو فقد حق من الحقوق المعنوية، كأن يفتح شخص متجرا بصلاته التجارة الواسعة، أو افتقار المهندس الذي يعمل في مصنع فيعثر على اختراع يفيد منه المصنع.
ب-الافتقار
الايجابي أو المعنوي: فالنوع الاول هو الذي يحصل بمقتضى انتقاص في ذمة المفتقر المالية كما في حالى الشخص يدفع دينا غير مترتب عليه أما النوع الثاني فيشتمل في فوات منفعة على المفتقر كان من حقه ان يحصل عليها فيكون له الرجوع على المثري بقدر ما ما فاته من منفعة، كأن يسكن شخص في منزل لغيره من دون عقد ايجا ر فيفتقر المالك بما فاته من منفعة عي أجرة العين. 
ج-الافتقار
المباشر او الغير المباشر: فالنوع الاول يحدث انتقاص في ذمة المفتقر دون وساطة أحد، كأن يدفع زيد مبلغا غير مستحق عليه لعمرو؟، أما النوع الثاني يتمثل في انتقال هذه القيمة المالية بتدخل أجنبي تدخلا ماديا او قانونيا ، كأن ياخذ زيد أدوات لعمرو ليبني بها بناء في أرض بكر .

المبحث الثاني: أحكام الاثراء بلا سبب.

انطلاقا من الشروط السابقة نجد أن المثري يلتزم بتعويض المفتقر وذالك مما لحق به من ضرر حيث يكون هذا التعويض في حدود ما أثرى به،وهذا يعني أن الاثراء لا يعد حاصلا الا في حدود حصول الافتقار وبذالك يكون للمفتقر أن يرفع دعوى الاثراء ضد المثري. وهذا ما سنعالجه في (المطلب الاول) باعتبارها أي دعوى الاثراء كطريق الى حق التعويض عند الافتقار الذي يعد كجزاء على ذالك الاثراء وهذا ما سنتطرق اليه في(المطلب الثاني).

المطلب الاول: دعوى الاثراء.
راينا فيما سبق أنه لكي يتحقق الاثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الالتزام يجب أن يثري شخص وهو الذي يصبح مدينا بالالتزام ، وان يترتب على الاثراء افتقار شخص آخر سيصبح دائنا بالالتزام، وألا يكون هناك سبب مشروع للالتزام.
وانطلاقا من ذالك فاننا سنتحدث عن أطراف الدعوى وذالك في الفقرة الاولى اما الفقرة الثانية فسنخصصها للحديث عن تقادم هذه الدعوى

الفقرة الاولى: أطراف الدعوى.
عندما تتحقق الأركان السالفة ذكرها ،كان للمفتقر أن يرفع دعوى الاثراء ونجد بان طرفا هذه الدعوى هما الدائن أي المدعي وهو المفتقر ن ولا
يشترط فيه توفر أية أهلية فاذا كان قاصرا ناب عنه وليه أو وصيه. والمدعى عليه أي المدين وهو المثري ولا يشترط فيه أية أهلية فقد يكون غير مميز.
وعبئ الإثبات يقع على الدائن أي المفتقر ان يثبت الاثراء من جانب المثري ومقداره والافتقار من جانبه ومقداره وأنه ليس للاثراء سبب قانوني.
فالمفروض كما سبق أن للاثراء سبب قانوني وهو الملكف بأن يثبت أن لا سبب له وبما أن الاثراء والافتقار وانعدام السبب هي وقائع مادية فان يجوز له الإثبات بجميع وسائل الإثبات بما فيه البينة والدائن.

الفقرة الثانية: تقادم الدعوى.
نجد أن هناك بعض التشريعات سارت بالنسبة لدعوى الاثراء
بلا سبب على نفس المنحى الذي سارت عليه دعوى المسئولية التقصيرية .
فقد نصت المادة 180 من القانون المصري على مدتين لتقادم دعوى الاثراء حيث يبدأ التقادم القصير (3 سنوات) من اليوم الذي يعلم فيه المفتقر بحقه في التعويض وبالشخص المسئول عن التعويض ام لا.
ويلاحظ أن المشرع المصري سار في نفس الاتجاه الذي عليه بالنسبة لتقادم دعوى المسئولية التقصيرية وذالك في المادة 172 من نفس القانون.
وقد وردت نفس المقتضيات في كل من القانون السوري في المادة 171 وكذالك القانون العراقي في المادة 244 منه،اما من ناحية المشرع المغربي فقد نص الفصل 387 من ق.ل.ع على أن" كل الدعاوي الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمسة عشر سنة فيما عدا الاستثناءات الواردة من بعد والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة".

المطلب الثاني:الجزاء والتعويض عن الاثراء بلا سبب.
متى توافرت أركان الاثراء بلا سبب ترتب عن ذالك نشوء التزام في ذمة المثري برد ما أثرى به، لان ما حصل عليه من اثراء ليس له سبب يبرر احتفاظه به، فيلزم برده للمفتقر الذي حدث الاثراء على حسابه، ولا يعد
الاثراء حاصلا على حساب الغير الا في حدود قيمة الافتقار اما ما يجاوز ذالك فهو اثراء بدون سبب ولكن ليس على حساب المفتقر فلا يستحق الاخير شيئا عنه.
وتتركز الآثار التي تترتب على الاثراء بلا سبب في رد الشيء الى المفتقر مع التعويض عليه عند الاقتضاء أو التعويض على المفتقر وحسب ، عندما يتعذر رد الشيء لسبب من الأشياء ومن أجل كل ما ذكرناه يتعين علينا ان نبحث التزام المثري برد العين وذالك في الفقرة الاولى ومن ثم في التزامه بالتعويض عن المفقود في الفقرة الثانية.

الفقرةالاولى: التزام المثري برد العين.
تنص المادة 66 من ق.ل.ع على أن " من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أرخى مما هو مملوك للغير دون سبب يبرر هذا الاثراء التزام برده لمن أثرى على حسابه" كمال نصت المادة 75 على : "من اثرى بغير حق اضرارا بالغير لزم أن يرد له عين ما تسله اذا كان ما زال موجودا او أن يرد له قيمته في
يوم تسلمه اياه، اذا كان قد هلك او تعيب بفعله أو بخطئه ، وهو ضامن في حالة التعيب أو الهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول الشيء اذا كان قد تسلمه بسوء نية يلتزم أيضا برد الثمار والزيادات التي جناها وتلك التي كان واجبه أن يجنيها لوا حسن الادارة وذالك منم يوم حصول الوفاء له او من يوم تسلمه الشيء بغير حق واذا كان المحرز حسن النية فانه لا يسال الا في حدود ما عاد عليه من نفع ومن تاريخ المطابة.
ومن هنا يتضح ان أنه يترتب على المثري برد العين التي حازها بدون سبب اذا كانت مازالت موجودة بحوزته كما يظهر الفرق جليا بالنسبة للالتزام بملحقات العين من ثمار وغيرها بين المثري سيئ النية والمثري حسن النية.

الفقرة الثانية: التعويض.
من خلال منطوق المادة 75 من ق.ل.ع على أن" من اثرى بغير حق اضرارا بالغير لزم أن يرد له عين ما تسله اذا كان ما زال موجودا او أن يرد
له قيمته في يوم تسلمه اياه، اذا كان قد هلك او تعيب بفعله أو بخطئه ، وهو ضامن في حالة التعيب أو الهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول الشيء اذا كان قد تسلمه بسوء نية يلتزم أيضا برد الثمار والزيادات التي جناها وتلك التي كان واجبه أن يجنيها لوا حسن الادارة وذالك منم يوم حصول الوفاء له او من يوم تسلمه الشيء بغير حق واذا كان المحرز حسن النية فانه لا يسال الا في حدود ما عاد عليه من نفع ومن تاريخ المطالبة."
اذا ومن خلال منطوق هذه المادة سنقسم هذه الفقرة الى
ثلاث بنود.
البند الاول: الحكم في حالة
هلاك العين وتلفها،اذا هلكت العين أو تلفت فيتعين التعويض بين الحالة التي يكون فيها الهلاك أو التلف نتيجة فعل المثري أو خطئه ، وبين الحلة التي يكون فيها التلف أو الهلاك قد حصل بقوة قاهرة.
حيث أنه اذا هلكت العين أو تلفت بفعل المثري أو خطئه ، فهل يلزم بان يرد لصاحبها قيمتها يوم تسلمه اياها دون ما تمييز بين المثري حسن النية والمثري سيء النية مع الابقاء على التمييز الذي حددته المادة 75 من ق.ل.ع الذي أشرنا اليها آنفا.
أما اذا هلكت العين او تلفت نتيجة أو تلفت نتيجة قوة قاهرة فالمقري سيء النية يضمن التلف او الهلاك ويلزم في هذه الحالة بان يرد لصاحبها قيمتها في يوم تسلمه اياها مع الزيادات والثمار والمنافع التي جناها وتلك التي قصر في جنيها من يوم تسلمه العين حتى تلفها او هلاكها أما المثري حسن النية فلا يضمن التلف أو الهلاك الحاصل ولا يسال في هذه الحالة عن شيء باستثناء المنافع التي عادت عليه ترتبت على هذا الهلاك او التلف.
البند الثاني: الحكم في حالة تعذر رد العين لبيعها.
نجد أن المادة 76 من قانون الالتزامات والعقود قد نصت على أنه:
"اذا كان من تسلم الشيء بحسن نية قد باعه فانه لا يلتزم برد ثمنه أو بتحويل ماله من حقوق على المثري اذا استمر حسن النية الى وقت البيع"
حيث يتضح لنا من هذا النص انه اذا تعذر رد العين الى المفتقر بسبب بيعها من قبل المثري حسن النية ، فان هذا الاخير لا يسال الا فير
حدود الثمن الذي تم به البيع ، حتى لو كانت قيمته تفوق ذالك فان المثري حسن النية تبرأ ذمته اذا ما حول المفتقر الحقوق المترتبة له على المثري[12].أما
اذا كان المثري سيء النية فانه يلتزم بقيمة الشيء وقت تسلمه اياه وذالك قياسا على حالة الهلاك أو التلف اذا كانت هذه القيمة أصلح للمفتقر من الثمن الذي بيع بهالشيء.
البند الثالث: الحكم في حالة كون الاثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير.
نصت المادة 67 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:
" من استخلص، بحسن نية، نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع التزم بتعويض من أثرى على حسابه، في حدود ما أثرى به من
فعله أو شيئه."
وقد أوضحت لنا هذه المادة انه في حالة ما اذا كان الاثراء عليه المثري حسنا للنية عبارة عن نفع جناه من عمل المفتقر أو شيئه فانه يلتزم بتعويض ما أثرى على حسابه في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه، فاذا انتفع شخص من دار عن طريق السكن فيها عن حسن النية فانه يلزم باجر مثل هذه الدار ليس الا، اذ العبرة في تقدير التعويض .
في حالة كون الاثراء نفعا جناه المثري حسن النية عن عمل الغير أو شيئه هي لقيمة الاثراء الذي حصل عليه المثري حسن النية ويلزم الا بقدر هذا الاثراء حتى لو كانت الخسارة تزيد على ذالك.
أما حكم المثري سيء النية بالنسبة للنفع الذي يجنيه بدون سبب من عمل الغير أو شيئه فقياسا على النهج الذي سار عليه المشرع في التشديد من حيث الحكم على المثري سيء النية ولا سيما من حيث الزامه بكامل الثمار لا في حدود ما دخل عليه منها فحسب فانه يلتزم بالتعويض عن كامل ما افتقره المضرور أي كامل خسارة هذا الاخير حتى لو كان النفع الذي حصل عليه المثري أقل من ذالك.
انطلاقا مما سبق، يمكننا أن نستخلص بان الاثراء بلا سبب في جوهره ناتج عن علاقة غير متكافئة وعادلة بين طرفي الكفة القانونية بكونه يحدث افتقار في جانب الدائن واغتناء في جانب المدين ، وذالك عندما تتحقق شروط هذا النوع من الاثراء، والتي بتوفرها يمكن رفع دعوى الاثراء بلا سبب والمطالبة في نفس الوقت بالتعويض، الا ان هذا الاثراء في حد ذاته له تطبيقات يمكن تمثلها من حيث الموضوع في صورتين أساسيتين هما دفع غير المستحق والفضالة، وهذا ما سنعالجه في الفصل الثاني.


الفصل الثاني: تطبيقات الاثراء بلا سبب.


ان أهم تطبيقات الاثراء بلا سبب يمكن تمثلها في دفع غير المستحق والفضالة، وهما يعدان في حد ذاتهما متميزتان لهذا النوع من الاثراء.
فمن جهة دفع غير المستحق فهو يعد صورة متميزة من صور الاثراء، فلان المفتقر يدفع دينا ليس واجبا عليه ولكن يعتقد أنه ملزم بدفعه ، فيرجع على المدين الحقيقي بدعوى الاثراء في صورتها العادية، أو يرجع على الدائن الذي دفع له الدين بدعوى غير المستحق وهذه هي الصورة المتميزة لدعوى الاثراء.
أما من ناحية الفضالة فهي ايضا صورة متميزة من صور الاثراء، فذالك لان الفضولي وهو يفتقر ليثري غيره قد فعل ذالك متفضلا عن عمد، فكان أحق بالرعاية من المفتقر الذي لا يتعمد هذا التفضل ولهذا كانت حقوق الفضولي
قبل المثري، وهو رب العمل ، أوسع من مدى من حقوق المفتقر في دعوى الاثراء.
لهذا سنعمل على توضيح هذان الصورتان السابقتان وفق التصميم الآتي:
دفع غير المستحق (المبحث الأول) الفضالة (المبحث الثاني)

المبحث الاول: دفع غير المستحق.


دفع غير المستحق هو أن يدفع شخص ما ليس متوجبا عليه، ظنا منه أنه مدين به بنتيجة غلط في القانون، أو في الواقع، وهو صورة من صور الاثراء بلا سبب، فالمفتقر هنا يسمى الموفي يدفع دينا ليس واجبا عليه، ولكنه يعتقد أنه ملزم بدفعه، فيرجع على الدائن الذي دفع له الدين بدعوى دفع غير المستحق.
وقد عالجت هذا الموضوع مجموعة من التشريعات العربية على راسها التشريع المصري في المادة 181، والسوري ي المادة 182، والليبي 184، واللبناني 143، والعراقي 233، وأخيرا المشرع الأردني في المادة 296،
أما من جهة المشرع المغربي فاه تطرق إلى فكرة دفع غير المستحق بجانب الاثراء بلا سبب اذ اعتبره من تطبيقاته، وقد خصص له المواد من 68 الى 74 من قانون الالتزامات والعقود.
إلا أن هذا دفع غير المستحق يكون موجودا فعلا ، وذالك عندما تتوفر شروطه ( المطلب الاول) كما انه بتواجده يترتب عنه جزاءات (المطلب الثاني).

المطلب الاول:شروط دفع غير المستحق.
ان دفع غير المستحق لا يعطي للشخص الحق في رفع دعوى الاسترداد ، الا بتوافر ثلاثة شروط، ألا وهي أن يكون هناك وفاء (الفقرة الاولى) كما يجب أن يكون هذا الوفاء غير مستحق( الفقرة الثانية) الى جانب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه انه مدين (الفقرة الثالثة).

الفقرة الاولى: يجب أن يكون هناك وفاء.
الوفاء واقعة مختلطة تجمع ما بين التنفيذ من طرف المدعي لما في ذمته من التزامات، أي قيامه بأعمال مادية، مثل بناء عمارة أو تسليم مبلغ من المال أو نقل شخص بضاعة من مكان لآخر .
 وبين إجراء تصرف قانوني أي الاتفاق مع الطرف الدائن على قضاء الدين
وابراء ذمة المدين.
ان هذه الحالة تطرقت إليها مجموعة من التشريعات العربية والأوروبية ، وقد خصص لها المشرع المغربي الفصل 68 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاءت تقضي في مستهلها: " من دفع ما لم يجب عليه، ظنا منه أنه
مدين به كنتيجة في الغلط أو القانون، كان له حق الاسترداد على من دفعه له..".
وسواء كان هذا الوفاء عينيا ، بأن يدفع مبلغا من النقود محل الالتزام أو يسلم الشيء الذي ينصب الالتزام على تسلمه، أم كان وفاء بما يقوم مقام التنفيذ العيني كالاتفاق على تجديد الالتزام أو الاتفاق على المقاصة بين الالتزام وبين حق الموفى له كما قد يكون تصرفا معادلا للوفاء، كالوفاء بمقابل، أو التجديد، أو الإنابة، أو المقاصة، وهذا يعني انه ليس من الضروري أن يكون المفتقر قام بوفاء الدين وفاء مباشرا، بل يكفي أن يكون قد أعطى مقابلا للوفاء، أو طلب تحديد الدين، أو لكف أحدا من الغير بالوفاء عنه، ولو لم يكن هذا الغير مدن له، وهو ما يعر بالإنابة أو قاص الدين بدين له على المثري .
وهكذا نجد أن المشرع الموريتاني تطرق الى بعض الحالات التي تعتبر بمثابة الوفاء، وخصص لها المادة 94، بينما نجد المشرع المغربي نص على ذالك في الفصل 74 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيها " يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه بـمقابل إقامة إحدى الضمانات وتسليم حجة تتضمن الاعتراف بدين أو أية حجة أرخى تهدف الى إثبات وجود
التزام أو التحلل منه".
وهذا ما جاء به القضاء المصري في إحدى أحكامه، حيث اعتبر أن الدين كذالك لا وجود له أصلا، اذا تقاضى شريك أرباحا لا يستحقها من
الشركة.
الفقرة الثانية: يجب أن يكون الوفاء غير مستحق.
ان الوفاء في خد ذاته هو تصرف قانوني، ومن ثم فان صحته مشروطة بتحقيق جميع أركان وشروط صحة التصرفات القانونية عامة، حيث اذا اختل واحد منها يضحى له الوفاء في حكم غير المستحق، ولمن قام به أن يسترد الموفى به وعدم استحقاق الوفاء عادة ما يتحقق في صورتين هما: انعدام سبب الوفاء
وانتفاء رضا الموفى أو تعيبه بأحد عيوب الرضا.
1- انعدام سبب الوفاء:
يقصد بانعدام السبب هنا هو أداء الموفي لدين غير مستحق، وهو ما يؤدي الى بطلان الوفاء ويصير بذالك من حق الموفي استرداد ما أوفى به، والغالب أن ينشا هذا الحق في خمس حالات ، وهي أن يكون الوفاء بدين غفير موجود أصلا أو معلق على شرط، أو أن يكون الدين قد انقضى قل الوفاء به أو أن يكون الدين موجودا بالفعل ولكن أجل الوفاء به لم يحل بعد، وأن يكون الوفاء بين يدي الغير.
أ‌- الوفاء بدين
غير موجود أصلا: وهو أن يقوم الشخص بأداء دين ظنا منه أنه موجود ومثاله أن يظن الوارث أن مورثه قد أوصى لشخص معين بمبلغ معين ، فيدفعه
له، فيتبين له أن المتوفى لم يوصي بالمبلغ، أو أنه كان قد رجع عن وصيته ، أو أن السند الذي يثبته مزور، ففي هذه الحالة له أن يسترد ما دفعه ، وفق المادة 296، من القانون المدني الأردني، وكذا ما قضت به المحكمة الفرنسية.
ب‌- الوفاء بدين معلق على شرط 
 أي توفر السبب الحقيقي لأداء الدين، سواء كان هذا الشرط واقف لم يتحقق بعد ، أو أن يكون الدين معلقا على شرط فاسخ وتحقق بعد الوفاء.
فمن جهة الشرط الواقف فقد أورد المشرع المغربي في المادة 70 من ق.ل.ع والذي جاء فيها: " يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق، أو لسبب كان موجودا ولكنه زال" وهذا ما قضت به المحكمة المغربية في احدى قراراتها كالآتي:" يعتبرا لجفاف قوة قاهرة تعفي المكتري من أداء الكراء للدولة كليا أو جزئيا، حسب ما نص عليه الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود، تكون المحكمة قد عللت قضاءها بما فيه الكفاية حيث صرحت بان النقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع الى حالة الجفاف التي أصابت
السنة الفلاحية وأن هذا السبب الأجنبي الذي لم يكن في الوسع ولا توقعه يكون قوة قاهرة تعفي من تنفيذ الالتزام بتمامه.
أما من ناحية الشرط الفاسخ فهو دين نافذ اذا دفعه المدين فانه يكون قد دفع دينا مستحقا، وإذا تحقق الشرط الفاسخ صار هذا وفاء مستحقا وقت الوفاء ثم أصبح غير مستحق، فيجوز له استرداده.
ج-انقضاء
الدين قبل الوفاء: ففي هذه الصورة وجد الدين في ذمة الموفي للموفي له، ولكنه انقضى قبل الوفاء به.
ومثال ذالك أن يقوم الوارث بسداد دين على مورثه ثم يتبين له أن المورث سبق له أن وفي بالدين قبل وفاته، أو ان يقوم شخص بالوفاء بدين سبق أن انقضى بسبب آخر من أسباب الانقضاء كالمقامة، والوفاء بالدين
بالرغم من انقضائه يجعل الموفي قد وفى دينا غير مستحقا الأداء ، ومن ثم يجوز له استرداده.
د- وجود الدين فعلا ولكن أجل الوفاء به لم يحل بعد
 أي أن يؤدي المدين دينا قبل حلول الأجل، وهكذا يكون دفعه لدين غير مستحق وقت الوفاء، لذا له الحق أن يسترد ما وفى به. وهذا ما جاء في
المادة 183 من القانون المدني المصري:" يصح كذالك استرداد غير المستحق  اذا كان الوفاء قد تم تنفيذ الالتزام لم يحل أجله وكانت الوفي جاهلا قيام
الأجل" بمعنى أن المدين وفى بدين مؤجل وهو جاهل قيام الأجل أو مكره على ذالك لانه لو رضي وهو عالم بقيام الاجل غير مكره عد نزولا عن الاجل، فلا يرجع بشيء على الدائن والأصل أنه في حالة الوفاء قبل حلول الاجل يكون للمدين أن يسترد ما دفع بدعوى غير المستحق ثم يوفي الدين عند حلول
الاجل.
ع- الوفاء بدين الغير
 تتحقق هذه الصورة في حالة قيام المدين بالوفاء بين يدي شـخـص غيـر دائنه كأن ينفذ وريث وصية مورثه
لصالح شخص غير الموصى له الحقيقي، ففي هذا المثال للوريث استرداد ما
أوفى به حتى يتمكن من تبرئة ذمته اتجاه الموصى له الحقيقي.([20])
2- انتفاء رضا الموفي أو تعيبه
يمكن تمثيل ذالك في حالتين:
بالنسبة للحالة الاولى وهي دفع غير مستحق، وذالك عن طريق القيام بعمل من أعمال الوفاء قد شابه عيب جعله قابل للابطال: سواء أكان العيب في
ارادة الشخص كغلط أو تدليس أو اكراه، أو أن يقع الوفاء من شخص ناقص الاهلية، كالمجنون مثلا أو صبي غير مميز.
وهذا ماجاء في مضمون المادة 306 من قانون الالتزامات والعقود المغربي بأن:
" الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي اثر الا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له. ويكوون الالتزام باطلا".
 بقوة القانون:
أ‌- إذا كان ينقصه احد الأركان اللازمة لقيامه.
ب‌- اذا قرر القانون في حالات خاصة بطلانه.
كما تجدر الاشارة الى أن من استغل حاجة شخص آخر او ضعف ادراكه او عدم تجربته وجعله يرتضي من أجل الحصول على قرض ، أو لتجديد قرض قديم عند حلول أجله فوائده أو منافع أخرى تتجاوز الى حد كبير السعر العادي للفوائد وقيمة الخدمة المؤداة، وفقا لمقتضيات المكان وظروف التعامل، ويمكن أن يكون محلا للمتابعة الجنائية ويسوغ ابطال الشروط والاتفاقيات المبرمة بمخالفة هذا الحكم بناء على طلب الخصم، بل حتى من
تلقاء نفس المحكمة ويجوز انقاص السعر المشترط، ويحق للمدين استرداد ما دفعه زيادة على السعر الذي تحدده المحكمة على أساس
أنه دفع ماليس مستحقا عليه، واذا تعدد الدائنون ، كانوا مسئولون على سبيل التضامن وفق المادة 878 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
أما من ناحية الحالة الثانية، يمكن إسنادها الى قاعدة الاثراء بلا سبب، التي يفي الشخص من خلالها بدين غير مستحق زال سبب استحقاقه وذالك بتحقق الشرط الفاسخ، أو بفسخ العقد او ابطاله كما تم توضيحه سابقا.

الفقرة الثالثة:يجب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين.
يجب لقيام دفع غير المستحق، أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين، بمعنى أنه لكي يقوم دفع غير المستحق، يجب أن يكون قد أوفى وهو ضحية عيب الغلط، سواء كان هذا الغلط هو غلط في القانون ، أو غلط في الواقع، وهذا ما تضمنته المادة 68 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والتي جاء في مستهلها بان " من دفع مالم يجب عليه دفعه ظنا منه انه مدين به، نتيجة غلط في القانون أو في القانون أو في الواقع كان له حق الاسترداد على من دفع له...." فلو أن أحد الشركاء على الشيوع دفع نصيبه من نفقات زينة وترف أنفقها شريك آخر ظنا منه خطأ أنه ملزم بها قانونا
 مع أن القانون لا يلزمه بمثل هذه النفقات وفق المادة 970 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، ومن هنا جاز له استرداد ما دفع
لأنه قد قام بالوفاء ظنا منه أنه مدين بما أوفاه نتيجة غلط في القانون.
أما اذا كان الدافع عالما حين الدفع بعدم وجوب ما يدفعه، فلا يستطيع الرجوع على المدفوع له بدعوى استرداد ما دفع دون حق، وهذا ما أعلنته المادة 69 اذ جاء فيها أنه" من دفع باختياره مالا يلزمه،
عالما بذالك، فليس له أن يسترد ما دفعه".
مثل
الشخص الذي دفع دينا سقط بالتقادم، وأنه محيط بهذه الواقعة وعالم بأنه غير ملزم بالوفاء بمثل هذا الدين، فالشخص في هذه الحالة لا يعتبر أنه دفع ماليس مستحقا عليه، ولا يستطيع بالتالي المطالبة باسترداد ما دفع.
كما ان هناك حالة لا يعتد فيها بغلط الموفي ، ولا يكون له بالتالي حق الاسترداد، وذالك اذا كان الموفي المتمتع بأهلية التصرف على سبيل
التبرع، قد أوفى دينا يجهل أنه ساقط بالتقادم أو أدى التزاما معنويا، كنفقة لقريب ، ظنا أنه ملزم بوفاء مثل هذا الالتزام الطبيعي.
وقد تضمنت هذا الحكم المادة 73 من قانون الالتزامات والعقود المغربي تقتضي بان:
"الدفع الذي يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو الالتزام المعنوي، لا يخول الاسترداد اذا كان الدافع متمتعا باهلية التـصرف على سبيل التبرع، ولو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع، كان يجهل واقعة التقادم".
بجانب ذالك يعتبر الوفاء بمقابل ، أو التجديد أو المقاصة، أو الإنابة أو تقديم إحدى الضمانات أو تسليم سند يتضمن إقرار بالدين أو أي سند آخر يثبت وجود الالتزام او التعلل منه وهذا ما جاء في المادة 74 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه " يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه الوفاء بمقابل واقامة إحدى الضمانات وتسليم حجة تتضمن الاعتراف بدين او أية حجة أخرى تهدف الى إثبات وجود التزام او التحلل منه".
زيادة على ما سبق فانه لا محل لاسترداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق كالوفاء بدين معلق على شرط واقف، اذا كان من قام بالوفاء يعلم عند الوفاء استحالة تحقق هذا السبب أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه،
وهذا ما تضمنه الفصل 71 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي جاء فيه " لا محل لاسترداد ما دفع مستقبل لم يتحقق، اذا كان الدافع يعلم عند الدفع استحالة تحقق هذا السبب، أو كان هو نفسه قد حال دون تحققه".
ويلاحظ القرينة القانونية الخاصة لدفع المدين دينا غير مستحق عن طريق الغلط، قرينة تبررها الظروف، فليس مفهوما لأول وهلة أن يدفع شخص دينا غير مستحق عليه الا أن يكون هذا الشخص قد اعتقد أن الدين مستحق واجب الاداء ولذالك قام بوفائه ، ومن ذالك يتضح ان الغلط هو السبب الذي يشوب الوفاء عادة مفروض لا يكلف الدافع إثباته، ولن هذه القرينة القانونية على الغلط هي قرينة قابلة لإثبات العكس، لا من جانب المدفوع له الذي يستطيع نقضها بان يثبت أن الدافع كان يعلم وقت الدفع أنه لم يكن ملزما بما دفع، كما أن هذا الدافع بإمكانه ان أن ينقض هذه القرينة باحد الامرين: 
(أولا) ان يثبت أنه كان ناقص الاهلية وقت الدفع (ثانيا) أو انه قد اكره على الوفاء، وهذا ما قضت به محكمة الاستئناف المصرية بكونها:
" استبانت فحوى خطابات المطالبة برسم الدفعة الصادرة عن مصلحة الضرائب للشركة الطاعنة، استضمنت بما لها من سلطة في التقدير ، أن تالك الخطابات لاستضمن أي تهديد للشركة الطاعنة، او ان هذه الاخيرة لم تكن مكرهة على أداء رسم الدفعة، فلا يحق لها بالتالي استرداده واذا
كان هذا الاستخلاص سائغا، فانه يكون على غير أساس".

المطلب الثاني: جزاءات دفع غير المستحق.
ان دفع غير المستحق كما هو معلوم بتوفر شروطه تترتب عنه جزاءات، وبالتالي يؤدي الى نشوء دعوى الاسترداد دفع يغر المستحق ، والتي
بتواجدها تقوم في نفس الوقت علاقة بين المدعي والمدعى عليه (الفقرة الاولى)، وذالك عن طريق التزام الموصى له برد ما حصل
عليه من الوفاء غير الواجب، وهذا الالتزام في حد ذاته يختلف حسب الأحوال، اذ يتأثر بعامل حسن النية أو سوء النية (الفقرة الثانية) كما هذه الدعوى تعرف تقادما في مدتها والتي بانقضائها ينتج عنها سقوطها (الفقرة الثالثة) .

الفقرة الاولى: المدعي والمدعى عليه في دعوى الاسترداد.
المدعي هنا هو الدائن الذي يسترد ما دفع دون حق، والدائن هو من حصل الدفع من ماله لانه هو الذي افتقر، ويغلب أن يكون هو الذي تولى الدفع فعلا ، فيفتر أنه دفع من ماله.
وقد يكون الوكيل هو الذي تولى الدفع، فان كان قد دفع من مال الأصيل فالأصيل هو الدائن، وان كان قد دفع من ماله الخاص ولم يجز الاصيل الدفع كان الوكيل هو الدائن، والمفروض في الوكيل اذا دفع عن الاصيل أنه يدفع من مال الاصيل لا من ماله هو، وقد يكون النائب – الوصف أو القيم أو ناظرا للاوقاف- هو الذي تولى الدفع عن الاصيل وحكمه في ذالك حكم الوكيل على النحو السابق.
واذا دفع الكفيل أكثر من الدين الذي في ذمة المكفول، كان هو الدائن بقدر زيادة، ويجوز لدائني الدائن أن يستعملوا حقه فيطالبوا باسترداد المدفوع دون حق طبقا للقواعد الدعوى غير المباشرة، ويجوز كذالك لورثة الدائن بعد موته أن يستعملوا هذا الحق آل إليهم بالميراث.
أما المدعى عليه فهو المدين في دعوى غير المستحق، وهو المدفوع له بغير وجه حق، ولو حصل الدفع لوكيله أو نائبه.
على أنه متى كان المدفوع له ناقص الاهلية، قاصرا أو محجورا عليه، فانه يحاط بالرعاية ولا يلتزم الا بقدر ما عاد عليه من نفع، أي ما انتفع به فعلا لا حكما.

الفقرة الثانية: مدى الاسترداد وتأثره بحسن او سوء نية المثري
ان من تسلم شيء غير مستحق يجب عليه أن يرده، وفق ما جاء في كتاب وزارة العدل " تتغير أثار دفع غير المستحق بالنظر الى حسن او سوء نية الشخص الموفى له ، وبالنظر الى محل الوفاء"، وقد تناولت هذا الموضوع مجموعة من التشريعات على راسها التشريع الفرنسي في المادة 1378 والاسباني في المادة 1896 والتونسي في المادة 80 والمصري في المادة 185 والأردني في المادة 300 والعراقي في المادة 233 من القانون المدني، بينما
المشرع المغربي تطرق اليه في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود، حيث جاء فيه " من أثرى بغير حق إضرار بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه، اذا كان مازال موجودا أو أن يرد له قيمته في يوم تسلمه اياه، اذا كان قد هلك او تعيب بفعله أو بخطئه، فهو ضامن في حالة التعيب والهلاك الحاصل بقوة قاهرة من وقت وصول لاشيء اليه اذا كان قد تسلمه بسوء نية، والمحرز بسوء النية يلتزم أيضا برد الثمار أيضا والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه ان يجنيها لو أحسن الادارة وذالك من يوم حصول الوفاء له أو من تسلمه الشيء بغير حق، واذا كان المحرز حسن النية، فانه لا يسأل الا في حدود ما عاد عليه ومن تاريخ المطالبة"
1- المدفوع له حسن النية: 
والذي معناه هنا، أن المدفوع له يعتقد انه يتسلم ما هو مستحق له،
وعلى الدافع هنا أن يثبت سوء نية المدفوع له.
واذا كان المدفوع نقود فان المدفوع له يرد مثل هذا المبلغ لا يلتزم برد الفوائد الا من يوم رفع الدعوى، أي اذا أصبح سيء النية. وهذا ما قضت به المحكمة المصرية ، والتي جاء في مقالها بانه " متى قضى بحكم جائز
لقوة الامر المقضي بزوال سبب التزام الزوج باداء النفقة التي تعهد بأدائها فان مؤدى ذالك ان تلتزم الطاعنة (الزوجة) برد ما قيمته تنفيذا لحكم النفقة ، وأن وفاء المطعون هذه المبالغ يعتبر بعد زوال التزامه وفاء بما ليس مستحقا، ولا يفترض فيه التبرع اذا لم يكن هذا الوفاء عن اختيار وانما عـن اكراه وتـحـت تأثير وأمر الاداء الصادرة بهذه النفقة بالنفاذ المعجل".
اما اذ كان محل الوفاء أو المدفوع عين معينة بالذات، فانه يجب أن يرد فحسب عن الشيء الذي تسلمه، وهو على الحالة التي يوجد عليها وقت تقديم الطلب ،وبمقتضى هذا فانه لا يكون ملزما بتعويض الدافع عن انخفاض القيمة المترتبة عن القدم ، أو من استعمال الشيء أثناء وجوده في حوزته. سواء كان هذا الشيء سيارة أو فرسا أو أرضا او منزلا، فان ملكية العين تعود الى الدافع، ولو في استرداد العين دعويان، دعوى عينية هي دعوى الاستحقاق، ودعوى شخصية هي دعوى غير المستحق.
بينما اذا كان الشيء مثمرا فلا يلتزم بردها مادام حسن النية، لانه تملكها بالقبض ،ويلتزم بردها اذا أصبح سيء النية ومن وقت أن اصبح كذالك.
وهذا ماجاءت به محكمة النقض المصرية بانه: " في نطاق تطبيق أحكام القانون المدني يقضي التفريق بين لاشيء المأخوذ وثمرته وبين الأخذ بحسن نية ، مع العلم بذالك والاخذ بحسن نية دون العلم فيقتضيه
في كل حال رد الشيء المأخوذ، اما الثمرة فتبقى اذا كان أخذ الشيء بسوء النية وعالما بذالك واجبة الرد، اذا كان وقع بسلامة النية ودون علم فلا رد للثمرة.
الا أنه اذا أنفق على الشيء مصروفات، وكانت لازمة لحفظه وصيانته، فانه يستردها جميعها من الموفي المسترد، أما اذا كان المصروفات تزيد في
قيمة الشيء دون أن تكون ضرورية لحفظه أو صيانته، فان المسترد يختار بين دفعها بين دفع ما زاده الشيء بسبب انفاقها، اذا طلب الموفى له نزع ما أضيف له بانفاق هذه المصارف وما يكون قد أنفقه متلقي الوفاء من مصارف
كمالية لتزيين الشيء، لا يلتزم المسترد أن يدفع منها شيئا، ويجوز للموفى له أن يطالب نزع ما أضيف بها اذا اختارها المسترد استبقاءه في مقابل دفع قيمة مستحق الإزالة.
أما في حالة هلاك العين أو تلفها أو ضياعها، فالمدفوع له اذا كان حسن النية لا يكون مسئولا الا اذا وقع بخطأ منه وعلى الدافع اثباته، أما اذاكان انتفع بالعين فلا يسال الا بقدر المنفعة، كما اذا انتفع بأنقاض منزل، وللدافع أن يسترد الشيء التالف بحالته، أما اذا خرجت العين من يد المدفوع له وكان حسن النية فلا يسال الا بقدر ما أخذ منه عوض، فان كان التصرف تبرعا لم يسأل في لاشيء.
- المدفوع له سيء النية:
 ويكون ذالك عندما يثبت الدافع ان المدفوع له سيء النية وقد نص المشرع المغربي على ذالك في الفصل 75 من قانون الالتزامات والعقود كما سبق ذكره، فإذا كان هذا المدفوع نقودا التزام المدفوع له هنا برد مبالغ هذه النقود بجانب فوائدها من يوم قبضها، أو بتغير سعرها، وهذا ما
جاء في طيات ملفات القضاء المصري بأنه " تطبيقا لرد الفوائد عن النقود التي أخذت بغير حق، قضت محكمة النقض بأنه لا مخالفة للقانون في القضاء بإلزام المقرض بالربا الفاحش بفوائد المبالغ المحكوم عليه بردها محسوبة من تاريخ قبضها" بينما اذا كان المدفوع له أشياء مثلية، ردها
بالمقدار الذي أخذ  أما اذا تسلم المدفوع له سيء النية شيئا له معينا بذاته، التزم برده، وكذا رد ثماره التي جناها فعلا وكذا تلك التي قصر في جنيها، واذا كان قد أنفق على الشيء مصروفات ضرورية كان له مطالبة المسترد بها كلها، بحسن نية، أما المصارف النافعة فالمسترد الخيار بين مطالبته بإزالة ما اضيف بها الى لاشيء، دون أن يحدث فيه تلفا
وبين أن يؤخذ الإضافة باقل قيمتين قيمتها مستحق الإزالة وقيمة ما زاد يف الشيء بسببها الا أنه من ناحية هلاك العين أو تلفها اذا كان نتيجة قوة قاهرة، فان المثري سيء النية في هذه الحالة يضمن التلف أو الهلاك
ويلزم في هذه الحالة بأن يرد لصاحبها قيمتها في تسلمه أيها مع الزيادات والثمار والمنافع التي جناها وتلك التي قصر يف جنيها، من يوم تسلم العين حتى تلفها او هلاكها الا اذا أثبت أنها كانت تستهلك في يد صاحبها أما اذا اخرج هذه العين من ذمته بالتصرف فيها معاوضة كان عليه أن يرد قيمتها أو المقابل الذي حصل عليه من التصرف فيها باختيار صاحبها، أما
ان كان تبرع بها، فهو يلتزم بقيمتها.

الفقرة الثالثة: سقوط دعوى الاسترداد.
ان سقوط دعوى الاسترداد غير المستحق في حد ذاتها لا يمكن أن نقول انها موجودة بالفعل، الا عندما يكون الموفي له حسن النية ، غير ملزم بالرد في حالة اذا ما أتلف او ابطل سند الدين، أو تجرد من ضمانات دينه، أو ترك دعواه هذا المدين الحقيقي تتقادم، وقد نصت على هذا الامر مجموعة من التشريعات العربية وعلى المشرع المغربي في الفصل 68
من ق.ل.ع والذي جاء في قوله" ولكن هذا الأخير لا يلتزم بالرد، اذا كان
قد أتلف أو ابطل حاجة الدين، أو تجرد من ضمانات دينه أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم وذالك عن حسن النية، ونتيجة للوفاء الذي حصل له وفي هذه الحالات لا يكون لمن دفع الرجوع على المدين الحقيقي ".
بينما المشرع الموريتاني من خلال المادة 88 جاء مطابقا لمقتضيات التشريع المغربي وفق الفصل السابق الذكر، أما من ناحية المشرع المصري فقد
تطرق الى هذا الموضوع من خلال 184 من القانون المدني، ففي مثل هذه الحالة كما تم الإشارة اليها في الفصل 68 يفقد الموفي كل الحق له الموفى له ولا يكون له الا الرجوع على الدائن الحقيقي ويلتزم هذا الأخير في هذه الحالة بتعويض الشخص الذي قام بالوفاء، الا أنه لكي تحصل هذه الحالة ، لا بد أن يكون هناك دائن بدين حقيقي في مواجهة شخص معين، وأن يقوم شخص آخر بوفاء هذا الدين للدائن، أن يضيع الدائن حاجة أو أن يفقد الدائن
الضمانات التي كانت تضمن الوفاء بالدين، كان يتنازل عن الرهن الضامن له أو يترتب على الوفاء أن بهمل الدائن ومطالبته بحقه فيسقط بالتقادم.
الا أنه اذا توفرتا هذه الشروط وسقطت دعوى المدعي فأن حقه عندئذ بصفة نهائية، بل له الحق أن يطالب باسترداد ما دفعه لا في مواجهة الموفي له ، ولكن في مواجهة المدين الحقيقي ، وذالك على اساس القاعدة العامة في الاثراء بلا سبب، لذا أشار المشرع المغربي الى مدة تقادم الحق في الفصل 389 من قانون الالتزامات و والعقود، والذي جاء في مقتضياته على أنه " كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة في ما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة"
يلاحظ من هذا الفصل أن المشرع المغربي حصر مدة التقادم في الدعاوى الناشئة عند الالتزام من خمسة عشر سنة، ما عدا في الحالات
الاستثنائية.
على خلاف التشريع المغربي، نجد أن المشرع المصري تناول مسالة تقادم دعوى غير المستحق في المادة 187 من قانونه المدني والتي نصت على أن " تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذالك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشر سنة من اليوم الذي ينشا فيه هذا
الحق".
يتضح من خلال المادة السالفة الذكر ان سقوط دعوى غير المستحق تتمثل في أقصر المادتين الآتيتين:
1- ثلاث سنوات تسري من اليوم الذي يعلم الدافع بحقه في الاسترداد.
2- خمس عشر سنة تسري من يوم قيام الالتزام من يوم دفع غير المستحق.
وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأنه " متى كانت مبالغ المعاش التي استولى عليها الطاعن قد دفعت ونشا الحق في استردادها في ظل القانون الملغى، واستمر هذا لاحق قائما الى تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد، فان الدعوى باستردادها لا تسقط الا بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه بدفع غير المستحق بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشر سنة من تاريخ نشوء هذا الحق، أي المدتين أقصر".
ان الاثراء بلا سبب أن ذكرنا يعد احدى مصادر الالتزام بجانب كونه يتمثل في تطبيقين هما الدفع غير المستحق والفضالة، الا أنه ما يلاحظ أن
المشرع المغربي وعلى اختلاف التشريعات الاخرى العربية والاجنبية تناول مسألة الاثراء بلا سبب من خلال كتاب قانون الالتزامات والعقود في بابين مختلفين رغم كون الموضوع يعد لحمة واحدة ، اذ انه تناول القاعدة العامة للثراء بلا سبب في الباب الثاني من القسم الاول لمصادر الالتزام والذي بحث فيه مسالة غير المستحق كتطبيق للنظرية من الفصل 66 الى 76، أما الفضالة فقد بحثهما في الباب الخامس من القسم السادس وجعلها من اشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة وخصها بالفصول من 943 الى 958 من قانون الالتزامات والعقود.


المبحث الثاني: الفضالة.

تعد الفضالة تطبيقا من تطبيقات الاثراء بلا سبب، ويقصد بالفضالة أن يتولى شخص عن قصد القيام بشان عاجل لحساب شخص آخر دون إلزام عليه بذالك ، كأن يقوم شخص بجني محصول أرض جاره المسافر، ففي هذه
الحالة الفضولي يقوم بهذا العمل ليحقق منفعة لجاره مع أنه لا يوجد إلزام قانوني يوجب عليه القيام بذالك.
ونجد أن المادة 301 مدني أردني على أن من قام بعمل الغير دون أمره ولكن أذنت به المحكمة أو أوجبته ضرورة أو قضى به عرف فانه يعتبر نائبا عنه، وتسري عليه قواعد الوكالة إذا أقر رب العمل ما قام به الفضولي.
كما نجد بان قانون الالتزامات والعقود المغربي ونظيره الموريتاني يستعرضان التزامات الفضولي في مواجهة رب العمل والتزامات رب العمل إزاء الفضولي ويمنحان الفضولي حق حبس الأشياء المملوكة لرب العمل من أجل ضمان المبالغ التي قد يكون قد أنفقها لحساب رب العمل وفق الفصل 949 من
قانون الالتزامات والعقود والمادة 888 من نظيره الموريتاني.

المطلب الأول: أركان الفضالة.

ينص الفصل 943 من قانون الالتزامات والعقود المغربي،
الذي تقابله المادة 882 من نظيره الموريتاني أنه " اذا باشر شخص باختيار أو بحكم الضرورة شؤون احد من الغير في غيابه أو بدون علمه، وبدون ترخيص منه او من القاضي قامت هناك علاقة قانونية مماثلة للعلاقة الناشئة عن الوكالة، وخضعت لاحكام الفضالة" ولقيام الفضالة يتعين أن تتحقق ثلاثة أركان: 
 وهو قيام الفضولي بشان مستعجل لفائدة الغير مالم يكن ملتزما به ، وسنتحدث عنه في (الفقرة الأولى) 2) الركن المادين وهو إتيانه شانا مستعجلا لفائدة الغير( الفقرة الثانية) 3) الركن المعنوي، وهو قصده
العمل لفائدة الغير (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى:الركن القانوني.
بالنسبة للركن القانوني يشترط لقيامه أن يتم ذالك العمل في غياب رب
العمل، او بدون علمه، أو بدون أن يرخص له في ذالك منه أو من القاضي. وعلى هذا الأساس لا يعتبر فضوليا من يكون ملتزما بتولي شؤون الغير بمقتضى عقد كالوكيل أو بمقتضى أمر من المحكمة او بمقتض ى نص كالقانون كالوصي ، ويلاحظ في الكثرة أنه في الكثرة الغالبة من الأحوال يكون رب العمل غير عالم بان الفضولي قد تولى شأنا عاجلا من شؤونه لأنه يكون بعيدا عن هذا الشأن فلا يتمكن من أن يتولاه بنفسه، فيتولاه الفضولي عنه ولكن قد يقع أن رب العمل يكون عالما بان الغير يتولى شأنا من شؤونه العاجلة، فاذا كان هو الذي دعاه الى ذالك، كان الغير وكيلا لا فضوليا، فيجوز
أن رب العمل لا يدعو الفضولي الى تولي شؤونه، ولكنه يجيز عمله بعد ذالك، فيصبح الفضولي بهذه الاجازة وكيلا.
أما اذا كان رب العمل لم يدع الغير لتولي العمل الذي قام
به، بل بالعكس من ذالك نهاه عن التدخل في شؤونه فلا يكون الغير فضوليا كذالك، ويجب الامتناع عن التدخل، والا ارتكب خطأ قد
يستوجب المسئولية التقصيرية اذا عاد تدخله بالضرر على رب العمل واذا عاد بالمنفعة فانه لا يرجع بدعوى الفضالة بل بدعوى الاثراء بلا سبب.
وبانه ليس من الضروري أن يكون الفضولي ذا أهلية كاملة التصرف القانوني الذي تولاه باسم رب العمل شانه في ذالك شان الوكيل، ويكفي أن يكون من اهل التمييز، وعلى عكس هذا يجب ان يكون رب العمل أهلا للتصرف القانوني الذي تولاه الفضولي عنه، لأنه يقع نافذا مباشرة في حقه.

الفقرة الثانية: الركن المادي.
يتوفر الركن المادي اذا ما تولى الفضولي شانا من شؤون
غيره باختياره، وان يكون هذا الشأن ضروريا، فليس يكفي لتبرير الفضالة أن يكون ما تصدى له الفضولي نافعا أو مفيدا، بل لا بد أن يكون أمرا لازما ضروريا، ومعنى الضرورة هنا، ان يكون العمل الذي قام به الفضولي
من الشؤون التي ما كان رب العمل ليتوانى في القيام بها، فقام به الفضولي ناظرا الى مصلحة رب العمل ونرى ذالك في الأمثلة
التالية: 
قبول الهبة عن رب العمل، إيجار عين شائعة لرب العمل ما كانت تستغل بغير هذا الإيجار، بين محصولان يسرع إليها التلف، دفع ضريبة توقيا الحجز الإداري، قطع التقادم في حق مهدد بالسقوط، اطفاء حريق، جني محصول يخشى عليه من التلف، تنقية الزراعة من دودة القطن.
ويتبين من استعراض هذه الأمثلة ان هذه الاعمال قد تكون قانونية
أو مادية وكلها من الشؤون العاجلة لرب العمل، وما كان هو ليتوانى في القيام بها.

الفقرة الثالثة: الركن المعنوي.
نجد أن هذا الركن أي الركن المعنوي يتوفر ، بان تتصرف نية الفضولي الى القيام بما تصدى له لمصلحة رب العمل ونفعه، فاذا لم تتوفر هذه النية بان اعتقد الفضولي وهو تولى شان الغير أنه يقوم بشؤون نفسه حزم الأمر من نطاق الفضالة، حتى لو عاد ذالك على الغير بالنفع ولا يرجع في هذه الحالات بدعوى الفضالة وإنما يرجع بدعوى الاثراء اذا توفرت شروطها، مثل ذالك أن يقوم المستأجر بإصلاحات ضرورية في العين المؤجرة حتى يستوفى منفعة العين لنفسه فهو بالنسبة الى المالك لا يعتبر فضوليا لانه يعمل لمصلحة لنفسه ويرجع على المالك بدعوى الاثراء بلا سبب، هذا وقد تنصرف نية المتدخل الى العمل لمصلحة نفسه فاذا به يعمل لمصلحة غيره، فلا يكون فضوليا في هذه الحالة لان العبرة بالنية، فمتى انصرفت نيته الى العمل لمصلحته الشخصية ارتفعت عنه صفة الفضولي حتى لو كشف بعد ذالك انه يعمل لمصلحة غيره او لمصلحة نفسه ومصلحة غيره في وقت واحد، فلو ان منزلا كان في حيازة شخص واعتقد الحائز انه يملك المنزل، فأجرى فيه اصطلاحات ضرورية لمصلحته هو، ثم تبين بعد ذالك أن المنزل ملك لغيره أو أنه شائع بينه وبين غيره، فلا يعتبر فضوليا بالنسبة لهذا الغير، ولا يرجع عليه بدعوى الفضالة بل
بدعوى الاثراء اذا توفرت شروطها.
اذن يجب أن يعمل الفضولي لمصلحة رب العمل، ولا تكون هنا فضالة اذا لم توجد هذه النية، حتى لو عاد العمل بالدفع على الغير لارتباط شؤون هذا
الغير بشؤون من تم العمل لمصلحته.

المطلب الثاني: أحكام الفضالة
انطلاقا مما ذكرناه نجد أنه متى توفرت أركان الفضالة ثبت للفضولي قوة القانون النيابة القانونية عن رب العمل وهذا ما نصت عليه المادة 301 من القانون المدني الأردني وتسري عليه قواعد الوكالة وذالك اذا أقر رب العمل فقام به الفضولي " المادة 303" مدني أردني من خلال هذا المطلب
سنقوم بدراسة التزامات الفضولي والتزامات رب العمل وكذا المسائل المشتركة بينهما وذالك من خلال فقرتين( الفقرة الاولى) سنخصصها لالتزامات الفضولي، اما ( الفقرة الثانية) فسندرس فيها التزامات رب العمل.

الفقرة الاولى: التزامات الفضولي.
التزامات الفضولي هو ما نص عليه الفصل 944 موضوع الشرح ،بقوله: على الفضولي أن يمضي في العمل الذي بدأه الى أن يتمكن رب العمل الاستمرار
فيه بنفسه، اذا كان من شان انقطاع العمل أن يضر برب العمل "بمعنى يجب على الفضول ي أن يسير في العمل الذي بداه لصالح رب العمل، الى أن يتمكن هذا الأخير من مباشرته بنفسه، سيما اذا كان من شان انقطاع العمل ان يلحق ضرر برب العمل وبهذا الغير الذي بدأ الفضولي العمل لصالحه.
وقد أراد المشرع بهذا الالتزام أن يمنع التدخل في شؤون
الغير عن خفة واستهتار، فمن تدخل في شان لغيره من غير أن يدعى لذالك ، واجب عليه الا يتخلى عن العمل متى بدا له ان يتخلى، بل يلتزم بالمضي فيما بداه رعاية لمصلحة رب العمل، خصوصا اذا كان الانقطاع عن العمل سيؤدي لا محالة الى الاضرار برب العمل ومصلحته.
ونجد انه اذا كان العمل الذي تولاه الفضولي عملا ماديا، كتنقية زراعة من دودة القطن أو اطفاء حريق، واجب على الفضولي المضي في تنقية
الزراعة أو في إطفاء الحريق حتى يأتي رب العمل ويباشر العمل بنفسه أما اذا كان العمل الذي تولاه تصرفا قانونيا سواء عقد
باسم رب العمل وباسمه الشخصي فواجبه أن يمضي في عمله فيتم ابرام التصرف القانوني ويقوم بالإجراءات التي يوجبها القانون كتسجيل التصرف أو قيده ثم يباشر تنفيذ التصرف اذا اقتضى الأمر.
البند الأول: التزامات الفضولي الأربعة و المدفوع عينا معينة بالذات
انطلاقا مما سبق نجد ان الفضولي يلتزم بعدة التزامات وهي كالتالي:
-المضي في العمل الذي بداه حتى يتمكن رب العمل من
مباشرته بنفسه: وعلة هذا الالتزام هي أن المشرع قد أجاز التدخل في شؤون الغيرتحقيقا لمصلحته، وتلك المصلحة لا تتحقق الا باستمرار الفضولي في القيام بالعمل الذي بدأه حتى يتمكن رب العمل من
مباشرته بنفسه ويترتب على ذالك أن الفضولي اذا توقف عن العمل قبل أن يتم او قبل ان يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه، عد ذالك خطا يستوجب مساءلة عن الاضرار التي تلحق برب العمل، ما لم يكن هذا التوقف راجعا الى سبب أجنبي، أو يكون الاستمرار في العمل من شانه أن يلحق به ضررا جسيما.
-التزام الفضولي ببذل غاية الشخص العادي:
نجد من خلال هذا الالتزام أنه اذا اقتصر الفضولي في قيامه بالعمل عن بذل غاية الشخص العادي، كلن مخطئا ومسئولا عن تعويض الضرر الذي يترتب على هذا الخطا على انه " يجوز للقاضي أن ينقص التعويض المترتب على هذا الخطا اذا كانت الظروف تبرر ذالك".
واذا عهد الفضولي الى غيره بكل العمل أو ببعضه كان مسئولا عن تصرفات نائبه بحيث سيستطيع رب العمل ان يرجع على الفضولي بتعويض الاضرار المترتبة على أعمال نائبه ولو لم يترتب الفضولي أي خطا شخصي.
ولرب العمل الى رجع مباشرة على نائب الفضولي بتعويض هذه الاضرار، وفي حالة تعدد الفضوليين في القيام بعمل واحد، ووقع خطأ بالمعنى السابق
كانوا متضامنين في المسئولية.
-التزام الفضولي بإخطار رب العمل عن تدخله ويعني أنه من واجب الفضولي اخطار رب العمل بتدخله متى استطاع ذالك، هذا لان العمل الذي يقوم به الفضولي هو لمصلحته رب العمل فيجب إخطاره حتى يقرر ما يراه من اتمام العمل لنفسه أو عدم اتمامه.
حيث لا يكفي ان يمضي الفضولي في العمل الذي بدأ به حتى يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه بل يجب بذالك أن يبادر الى اخطار رب العمل بتدخله بمجرد أن يتمكن من ذالك، فيستطيع رب العمل بعد هذا الاخطار من مباشرة العمل بنفسه، وقد راينا ان هذه المباشرة اذاكانت واجبة عليه فهي أيضا حق له، وغني عن البنيان أن الفضولي ليس مطالبا بأن يبذل جهدا غير معتاد لاخطار رب العمل بتدخله، وانما هو مطالب بانتهاز اول فرصة معقولة تتاح له حسيب الظروف التي تحيط به للقيام بهذا الاخطار.
رب العمل حسابا لرب العمل ورد ما استولى عليه بسبب الفضالة: نجد أن الفضولي يلتزم بما يلتزم به الوكيل من رد ما استولى عليه بسبب الفضالة وتقديم حساب عما قام به ، حيث أنه اذا أقام الفضولي بتصرف قانوني عقده نيابة عن رب العمل، فان هذا التصرف ينفذ مباشرة في حق رب العمل كما سبق القول، واذا مضى الفضولي في تنفيذ هذا التصرف باسم رب العمل كما اذا استوفى حقا ، فانه يقبض الحق كالوكيل ولا يجوز له ان يستعمل المال لصالح نفسه وان فعل فعليه فوائد المبالغ التي استخدمها لصالحه بالسعر
القانوني (4%) من وقت استخدامها ، لا من وقت المطالبة القضائية ولا من وقت الاعذار أما اذا لم يستعمل المال لصالح نفسه فان فوائده بالسعر القانوني تجب عليه من وقت اعذاره برد المال.
واذا قام الفضولي بتصرف قانوني عقده باسمه الشخصي لصالح رب العمل فان هذا التصرف ينفذ في حقه لا في حق رب العمل كما سبق القول، ويجب عليه ، ويجب عليه أن يمضي في العمل وينفذ التصرف عند الاقتضاء ، فاذا باع محصولات يسرع اليها التلف ن وقبض الثمن فلا يجوز
له أن يستعمله لصالح نفسه ، ولا وجبت عليه فوائده بالسعر القانوني من وقت استخدامه وعليه ان يرد لرب العمل . واذا لم يستخدمه لنفسه وجبت عليه فوائده القانونية من وقت الاعذار. واذا قام الفضولي بعمل مادي ن
كما اذا جنى محصولا لرب العمل فعليه أن يسلمه اياه بمجرد التمكن من ذالك ولا يجوز له أن يستولي عليه لصالح نفسه وإلا لزم التعويض.
البند الثاني: ما تشترك فيه التزامات الفضولي من أحكام.و المدفوع عينا معينة بالذات
سنتحدث في هذا البند عن أهلية الفضولي بالنسبة الى التصرف القانوني الذي يتولاه وحتى يتبين بوضوح الأهلية اللازمة للفضولي يجب التمييز بين أهليته بالنسبة الى ما عسى أن يتولاه من تصرف قانوني وأهليته بالنسبة الى أعمال الفضولي باعتبارها أعمالا مادية كما سبق القول .
فاذا كان العمل الذي يتولاه الفضولي تصرفا قانونيا عقده باسم رب العمل نيابة عنه، فقد قدمنا ان اهلية الفضولي بالنسبة الى التصرف هي أهلية الوكيل فيكفي فيه التمييز ولا تشترط فيه الاهلية الكاملة للتصرف الذي يتولاه، وانما تشترط هذه الاهلية الكاملة في رب العمل الذي ينصرف اليه مباشرة أثر التصرف .
واما اذا كان العمل الذي يتولاه الفضولي تصرفات قانونيا عقده باسمه الشخصي ، فلا بد أن تتوفر فيه الاهلية الكاملة لهذا التصرف لانه هو الذي يلتزم به كما راينا ولا يشترط في رب العمل أية أهلية بالنسبة الى هذا التصرف لذا يعتبر من غير فيه.
أما فيما يخص أهلية الفضولي بالنسبة الى أعمال الفضالة باعتبارها جميعا اعمالا مادية فنجد بان أعمال الفضالة باعتبارها أعمالا مادية
بالنسبة لرب العمل وقد راينا منها تقدم أن جميع الأعمال التي يقوم بها الفضولي حتى التصرفات القانونية التي يعقدها باسمه أو باسم رب العمل، تعتبر بالنسبة الى رب العمل أعمال مادية – فان اهلية الفضولي للالتزام بهذه الاعمال تقتضي دائما أن يكون من اهل التمييز لذا يشترط فيه كما قدمنا القصد في أن يعمل لمصلحة رب العمل ثم هي بعد ذالك تختلف باختلاف ما يلتزم به ود علمنا ان التزامات الفضولي أربعة اثنان منها، المضي في العمل وإخطار رب العمل وهما لا يقتضيان أكثر من أهلية التمييز فيجب على الفضولي ولو لم يكف بالغا سن الرشد ما دام مميزا أن يمضي في العمل الذي بدأ فيه وأن يخطر رب العمل متى استطاع ذالك واذا هو اخل بأخذ هذين
الالتزامين كان هذا إظلال بالتزام قانوني واعتبر خطأ تقصيريا يوجب المسئولية التقصيرية كاملة والالتزامان الاخران هما بذل العناية الواجبة في ادارة المحل وتقديم الحساب وهما التزامان يتعلقان بحسن ادراة مال الغي، ويشترط فيمن يطلب منه حسن إدارة مال الغير ان يكون كامل الاهلية، أما اذا لم تكن الاهلية الكاملة متوفرة فيه فلا يكون الرجوع عليه الا بدعوى الاثراء بلا سبب وهذا مالم يرتكب خطا تقصيريا فتكون المسئولية التقصيرية كاملة.
وفيما يتعلق بموت الفضولي فنجد ان الفضالة تنقضي بموت الفضولي كما تنقضي الوكالة بموت الوكيل ، وبذالك تنقضي كل من التزامات الفضولي والوكيل أما ورثة الفضولي فيلتزمون التزاما شخصيا مباشرا بما يلتزم به ورثة الوكيل وهؤلاء اذا توافرت منهم الاهلية وكانوا على علم بالوكالة يلتزمون بالمبادرة في اخطار الموكل بموت الوكيل وباتخاذ
التدبيرات المناسبة لصالح الموكل تبعا لما تقتضيه الحال، وبذالك يلتزم ورثة الفضولي اذا كانوا كاملي الاهلية وعلى علم بالفضالة، فعليهم ان يخطروا رب العمل بموت مورثهم وعليهم أيضا ان يحافظوا على ما تم من عمل بان يصلوا به الى حالة لا يتعرض للتلف حتى يتمكن رب العمل من انت يباشر العمل بنفسه. 
أما من ناحية موت رب العمل: نجد بان هنا تختلف الفضالة عن الوكالة، فالوكالة تنقضي بموت الموكل ومتى انقضت وجب على الوكيل ان يصل بالاعمال التي بداها الى حالة لا تتعرض معها للتلف.
اما الفضالة فلا تنقضي بموت رب العمل بل يبقى الفضولي قائما بالتزامه نحو الورثة كما كان قائما بها نحو ر العمل ولا تكفي ان يصل الفضولي بالاعمال التي بداها الى حالة لا تتعرض معها للتلف، كما يفعل ورثة الوكيل وكما يفعل ورثته اذا مات هو بل يحب عليه ان يستهل في العمل لصالح ورثة رب العمل الذين حلوا محل مورثهم.
اما ناحية تقادم التزامات الفضولي فنجد ان المادة 197 تنص على انه " تسقط الدعوى الناشئة عن الفضالة بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه كل طرف بحقه، وتسقط كذالك في جميع الاحوال بانقضاء خمسة عشر سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق".
ويستخلص من هذا النص ان الفضولي اذا لم يقم بالتزاماته، فلم يمضي في العمل او لم يخطر رب العمل بتدخله، ولم يبذل العناية الواجبة، ولم يقدم
حسابا عن العمل فان العمل يستطيع مقاضاته ليلزمه بتنفيذ التزاماته هذه عينا او بطرق التعويض. وتسقط هذه الدعوى الناشئة عن
الفضالة باقصر المدتين :
 ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم رب العمل فيه بحقه ، أو
بخمسة عشر سنة من نشوء هذا الحق، ومدة التقادم هذه هي عينها مدة التقادم في دعوى الاثراء بلا سبب وفي دعوى غير المستحق.
ونشير هنا الى ان ما ذكرناه في الدعوتين، أن التقادم بثلاث سنوات يتم غالبا قبل التقادم بخمسة عشر سنة ولكن قد يقع ان رب العمل لا يعلم
بحقه الا بعد مدة طويلة اذا فرضناها اكثر من اثني عشر سنة . فان الدعوى تتقادم في هذه الحالة بخمس عشر سنة من وقت قيام الالتزام قبل تقادمهما بثلاث سنوات من وقت علم بالعمل بحقه فبالرجوع على الفضولي.
الفقرة الثانية:التزامات رب العمل.
اذا تحدثنا عن التزمات ر ب العمل، سنجد أن الفصل949 من
قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي تقابله المادة 888 من نظيره الموريتاني تنص على أنه " اذا باشر الفضولي في مصلحة صاحبه
وعلى وجه ينفعه، كسب هذا الاخير كل الحقوق، وتحمل مباشرة كل الالتزامات
التي تعاقد الفضولي عليها لحسابه، ويجب عليه أن يبرئ الفضولي من كل العواقب المترتبة على مباشرة العمل وان يعوضه عن المبالغ
والمصروفات التي انفقها والخسائر التي تحملها، وانطلاقا مما ذكرنا تتضح لنا التزوامات ر العمل التي سنتحدث عنها في البند الاول، ، اما فيما يخص ما تشترك فيه التزامات رب العمل من احكام فسنقوم بدراسته في البند الثاني.
البند الاول: التزامات رب العمل الاربعة و المدفوع عينا معينة بالذات 
ان كل ما ذكرناه سابقا يجعلنا أو بمعنى أصح تتشح لنا التزامات رب العمل وهي كالتالي:
1-الالتزام بتحمل الالتزامات التي تعاقد عليها الفضولي: 
وفي هذا الصدد نجد أن العمل يلتزم بتحمل الالتزامات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه، وهذا الالتزام مصدره القانوني في بعض.
التشريعات، كالتشريع المصري، الذي نصت فيه المادة 195 من القانون المدني: " يعتبر الفضولي نائبا عن رب العمل متى كان قد بذل في ادارته
عناية الشخص العادي، ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة".
وعليه فان ما يبرمه الفضولي من عقود وما يتحمله من التزامات، يسري أثره مباشرة في حق رب العمل، فيعتبر رب العمل ملتزما، كما لو كان هو الذي اقدم على هذا العقد ان تحمل ذالك الالتزام.
2-الالتزام بتبرئة الفضولي من كل العواقب المترتبة عن مباشرة العمل:
العمل بالاضافة الى الالتزام السابق، تبرئ ذمة الفضولي من كل ما يمكن أن يعود به الغير نتيجة العمل الذي أقدم عليه لفائدة رب العمل، فاذا
تعاقد الفضولي مع مهندس بخصوص عقار يعود لرب العمل وترتيب أي مطالبة عن هذا العقد، فان رب العمل يتحملها واذا التزم الفضولي باداء معين، رجع على رب العمل.
وقد يحدث ان يتعاقد الفضولي لمصلحة رب العمل ولكن باسمه و شخصيا كان يتفق مع مقاول على اصلاح العمل فطالما ان الفضولي قد تعاقد
باسمه، فان أثر التصرف ينصرف اليه، ويصبح هو دائنا بالحقوق ومدينا بالالتزامات اللازمة عن هذا العقد. فاذا وفى هذه الالتزامات للمقاول مثلا، كان له ان يرجع بها على رب العمل.
3- النفقات الضرورية والنافعة ودفع اجر الفضولي: ومعنى هذا
ان يرد النفقات الضرورية والنافعة يقع على رب العمل شريطة الا يكون مبالغا فيها من قبل الفضولي، فعلى رب العمل أن يؤدي الى الفضولي جميع ما اقتضت الضرورة من نفقات ضرورة أو نافعة.
 والاصل ان الفضولي لا يستحق اجرا على عمله، اذا الفروض فيه أنه متبرع
بتفضله لان هذه القرينة تسقط اذا كان ماقام به الفضولي من قبل وجوه الانفاق الحقيقية بالنسبة اليه. ويحصل أن هذا العمل الذي اداه وتدخل في نطاق مهنته كما هو الشان في طبيب يقوم بمعالجة مريض، فعندئذ يصبح من حقه يؤجر على عمله.
4- تعويض الفضولي عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل: يلتزم رب
العمل بتعويض الفضولي عن ما لحقه من ضرر بسبب قيامه بالعمل، ومثال ذالك من يصاب اثناء محاولة اطفاء حريق.
 اما اذاكان الضرر راجعا الى خطا الفضولي فلا يلتزم رب العمل بتعويضه، ويعتبر الضرر راجعا الى خطأ الفضولي اذا كان يمكنه أن يتوقاه ببذل
جهد معقول. او بمعنى آخر رب العمل يلزم " بتعويض الفضولي تعويضا عادلا عن ما لحقه من ضرر بسبب قيامه بالعمل.
ويتحقق معنى العدالة في التعويض متى كان مناسبا مالا يستطيع الفضولي انقاذه مع بذل المألوف من أسباب العناية ويقوم حق الفضولي في اقتضاء التعويض على ما يتمثل في الضرر الحادث له من الافتقار".
وعلى ذالك اذا اصاب الفضولي ضرر اثناء قيامه بالعمل العاجل بغير خطا منه وبحيث ما كان يستطيع تلافيه ببذل العناية المألوفة، كان من حقه أن يعوض عنه، باعتباره يدخل ضمن ما تجسمه الفضولي من نفقات في سبيل القيام بالعمل النافع لمصلحة رب العمل ، مثل ذالك ان يتلف بعض أمتعته اثناء قيامه باطفاء حريق شب في منزل جاره أو ينقذ شخصا موشكا على الغرق فيصا بضرر وهو ينقذه، ففي هذه الحالة يدخل ما أصاب الفضولي ضمن التكاليف التي تكبدها في سبيل القيام بالعمل، ويكون له ان يطالب رب العمل بتعويضه عنه بشرط ان يكون الضرر الذي أصابه ما كان يستطيع أن يتوقاه ببذل المألوف من العناية.
ويلاحظ بان هذا الالتزام بدوره يعدل التزام الموكل قبل الوكيل بتعويضه عما يصيب الاخير من ضرر بسبب تنفيذ الوكالة تنفيذا معتادا دون خطأ
منه.
البند الثاني: ما تشترك فيه التزامات رب العمل من احكام و المدفوع عينا معينة بالذات
وفي هذا البند أي ما تشترك فيه التزامات رب العمل من أحكام ، سنتحدث أو بمعنى أصح سنحدد هذه الاحكام في ثلاث أحكام، هي كالتالي:
1- أثر موت رب العمل أو موت الفضولي على هذه الالتزامات
2- مبدأ أثر أهلية رب العمل على التزاماته
3- تقادم التزامات رب العمل
4- اثر موت رب العمل او موت الفضولي على هذه الالتزامات: ونقول في
هذا الصدد بأن القواعد العامة تطبق في شان موت رب العمل أو موت الفضولي على التزامات رب العمل، ذالك أن المادة 194 من
القانون المدني المصري اقتصرت على بيان هذا الاثر في التزامات الفضولي، ولم يرد نص خاص ينظم أثر هذا الموت على التزامات رب العمل.
وتطبيق القواعد العامة يرتب في حالة موت رب العمل أن
تبقى التزاماته في تركته التي تتحمل بما يستحق للفضولي. 
اما اذا مات الفضولي، فان رب العمل يظل ملزما نحو ورثته بحيث تعد هذه الالتزامات عناصر ايجابية بأن يرد اليه المصروفات الضرورية والنافعة وأجر الفضولي ان استحق اجرا، وتعويضهم عن
الالتزامات الشخصية التي عقدها الفضولي باسمه عن ما لحق به من ضرر.
1- مدى اثر أهلية رب العمل على التزاماته: نجد ان مسئولية رب العمل تبقى كاملة ولو لم تتوافر أهلية التعاقد، ومعنى ان
الالتزامات لا تتاثر بنقص أهليته، فاذا قام الفضولي بعمل لمصلحة من لم يبلغ سن الرشد والمحجور عليه بل وغير المميز، التزموا نحو الفضولي رغم عدم توفر الاهلية لديهم، فالاصل يلزم باداء ما تحمله الفضولي
من نفقات وتعويض ما أصابه من ضرر بمقتضى قواعد الاثراء بلا سبب، وتطيقا
لقواعد الاثراء بلا سبب ، يلتزم المثري برد ما اثرى به حتى لو كان غير مميز ونلفت النظر أن الفضولي اذا ابرم تصرفا باسم رب العمل
ونيابة عنه، فانه يجب ان تتوافر لدى رب العمل الواجبة بالنسبة لهذا التصرف حتى ينصرف اليه مباشرة أثر التصرف.
2- تقادم التزامات رب العمل: ان الدعوى الناشئة عن الفضالة تسقط
بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه كل طرف – الفضولي او رب العمل- بحقه وتسقط كذالك في كل الاحوال بانقضاء خمسة عشر سنة من اليوم الذي ينشا فسه هذا الحق – معنى ذلالك ان التزامات رب العمل تسقط بمرور ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الفضولي بحقه، وبانقضاء خمسة عشر سنة من اليوم الذي ينشا فيه حقه، واذا انقضت هذه المدد لا تقبل الدعوى التي يرفعها الفضولي لمطالبة رب العمل بحقوقه .
وفي ذالك يختلف تقادم الالتزامات في الفضالة، ومصدرها عمل مادي – عنها في تقادم التزامات كل من الوكيل والموكل وهي خمسة عشر سنة من وقت نفاذ هذه الالتزاماتـ،لانها التزامات تكون على ارادة المتعاقدين، وهذا ما جرى عليه القانون المدني المصري الجديد في انشاء تقادم قصير للالتزامات التي ليست الارادة مصدرها كما في العمل غير المشروع وفي القاعدة العامة في لاثراء بلا سبب وفي تطبيقها في دفع غير المستحق والفضالة. وذالك خلافا للالتزام الارادي الذي يخضع كالقاعدة العامة في تقادم مدته خمسة عشر سنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق