الصفحات

مرحلة التحقيق الاعدادي وسلطات قاضي التحقيق بالمغرب

الفقرة الأولى: مجال التحقيق الإعدادي


إن التحقيق الإعدادي مرحلة من مراحل القضية الجنائية تتوسط البحث التمهيدي الذي تباشره الشرطة القضائية والتحقيق النهائي الذي تباشره المحكمة في الجلسة( ) وحسب رأي الفقه والقضاء تعد هذه المرحلة دعامة أساسية لحقوق الإنسان وركيزة مهمة وأساسية في تحقيق العدالة الجنائية القائمة على قرينة البراءة.

والمناوئة لكل الانتقادات الموجهة للنيابة العامة، ويعد التحقيق الإعدادي كذلك مجموعة من التحريات تستهدف استكمال المعلومات وجمع الحجج التي تكون في صالح المتابع أو ضده من طرف سلطة قضائية مختصة يحق لها في نهاية الأمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة.
وعليه فإن قاضي التحقيق قد أسندت إليه مهمة مزدوجة تتمثل من جهة أولى ي جمع الأدلة المتعلق بالجريمة التي توبع من أجلها الضنين ومن جهة ثانية في تقدير قيمة تلك الأدلة لمعرفة ما إذا كانت كافية أو غير كافية للاستمرار في المتابعة( ).
فإذا كان المشرع قد تبنى مؤسسة قاضي التحقيق في قانون المسطرة الجنائية الجديدة مع إجراء تغير في الوعاء الذي يشمل التحقيق الإعدادي بحيث بموجب قانون المقتضيات الانتقالية أصبح إلزاميا فقط في الجنايات والمعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد (المادة 7 من ظهير المقتضيات الانتقالية) وفي الجنايات التي يتم ارتكابها من طرف الأحداث وكذلك التحقيق في الجنح بنص خاص، اما إمكانية التحقيق في المخالفات فقد تم إسقاطها بل فقد تم إعفائها من التحقيق الإعدادي بالمرة. بالإضافة إلى الجنح التي تقل عقوبتها عن خمس سنوات.


الفقرة الثانية: سلطات قاضي التحقيق


باعتبار أن النيابة العامة الابن البار للسلطة التنفيذية تأتمر بأوامرها وتنفد التزاماتها، قد أسند لها المشرع مهمة وضع وصياغة قانون المسطرة الجنائية، وهذا ما جعلنا تبالغ نوعا ما في حماية نفسها من كل ما يضيق من نطاق سلطتها في المرحلة ما قبل المحاكمة أي مرحلة الاتهام عن طريق تمتيع نفسها بحصانة مهمة جدا، تتمثل هذه الضمانات في عدم قابلية هذا الجهاز بالإبعاد من القضية سواء أمام التحقيق الإعدادي الذي أسندت مهامه لقاضي التحقيق أو أمام المحكمة، وهذا ما يزيد من بؤس وضعية قاضي التحقيق في ممارسة السلطات المخول له للنهوض بأعباء التحقيق الإعدادي لما ينفع مبدأ تأسيسه، والمتمثل في تعميق البحث لإظهار الحقيقة التي تعتبر أحد أهم الضمانات التي يتمتع بها المتهم في تأسيس برائته وفقا لمبدأ قرينة البراءة.
وهذا لن يتأتى إلا عن طريق دراسة المسطرة المتبعة من طرف قاضي التحقيق للنهوض بأعباء التحقيق الإعدادي والمتمثلة في:

أولا: استنطاق المتهم
ثانيا: الاستماع للشهود
ثالثا: التنقل وتفتيش والحجز


أولا: استنطاق المتهم


يعتبر المتهم هو الحلقة الأساسية في مسلسل التحقيق الإعدادي، ولهذا فأول ما يبدأ به قاضي التحقيق عادة إذا كانت هويته الضنين معروفة هو الشروع في استنطاقه استنادا إلى مقتضيات المادة 134 ق م ج، بناء على الأهداف التي يسعى التحقيق التوصل إليها، وخاصة الوصول إلى الحقيقة التي تعتبر استنطاق المتهم من ضمن أهم الإجراءات على الإطلاق، ولكون هذا الإجراء على درجة قصوى من الأهمية، فإن الإشكال الذي يطرح بخصوص هذا الموضوع يتمثل في المفهوم الذي يعتمد عليه قاضي التحقيق في التعامل مع الضنين، هل هو مفهوم اتهامي مسايرا بذلك نهج سياسة النيابة العامة المتمثلة في تدعيم خطورة المتهم واعتباره عدوا لها يجب التصدي له، أو الاعتماد على أهم مبدأ أسست عليه المسطرة الجنائية( ) القائمة على ترسيخ المحاكمة العادلة والقائمة أيضا على أساس أن أصل الإنسان البراءة، ومبنى قرينة البراءة أن المتهم وهو برىء بإثبات تلك البراءة وإنما على من يدعي خلاف ذلك الأصل هو البراءة أن يثبت تلك الإدانة وتلك هي أبسط قواعد الإثبات، وهذا ما سارت عليه محكمة النقض بالرباط حيث جاء في أحد قراراتها أن «الإثبات بمعناه القانوني هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون فهو قوام الحق الذي يتجرد من قوته ما لم يقم الدليل عليه»( ) ويقع عبء الإثبات الجنائي دائما على عاتق الاتهام وليس على المتهم أن يثبت براءته وبالتالي لا يمكن أن يتخذ من مجرد سكوت المتهم دليل ضده ولا يجبر على أن يدلي بما لا يريد قوله، فالبراءة المفترضة في المتهم تقتضي معاملة صاحبها بوصفه حر بريئا ولا يتفق البتة مع افتراض تلك البراءة تكليف المتهم عبء إثبات براءته وعلى من يدعى خلاف ذلك إثبات أنه غير بريء وأن الإدانة تتوافر في حقه( ).
وتجدر الإشارة إلى أن شكليات مسطرة الاستنطاق ليست على صنف واحد، بل إنها تختلف حسب ما إذا كان استنطاق المتهم يتم في إطار الاستنطاق الابتدائي أو الأولي أو ما يعرف باستنطاق المقابلة الأولى، أو حسب ما إذا كان هذا الاستنطاق يتم في إطار شكليات ومسطرة الاستنطاقات اللاحقة للاستنطاق الأولي والابتدائي وهي ما يعرف بمسطرة الاستنطاق التفصيلي.
بحيث يتميز الاستنطاق الأولي عن باقي الاستنطاقات التي يخضع لها المتهم لاحقا من طرف قاضي التحقيق في كونه أنه في إطار التحقيق الابتدائي يمثل المتهم، وذلك لأول مرة أمام قاضي التحقيق وذلك بصفته متهما عن الأفعال المرتكبة والتي بسببها تم فتح التحقيق الإعدادي بشأنها ونظرا للحس المرهف للمشرع في تقدير الوضعية النفسية للمتهم وهو لأول مرة يتمثل أمام القضاء وما يصيبه من ذعر وخوف قد يجعله يتلفظ بأشياء قد يحاسب من أجلها فيما بعد، فلذلك واستنادا لمقتضيات المادة 134 ق م ج فقد عمد المشرع على تحديد موضوع هذا الاستنطاق بشكل محكم. معتمدا بذلك على النهج السياسي أكثر ما هو مكسب حقوقي لصالح العدالة الجنائية، فالتأكد من هوية المتهم ومن تم إشعاره بحقه في الدفاع، وبعد ذلك إشعاره بالتهم المنسوبة إليه مع حقه في التزام الصمت، حقا صياغة قانونية بعيدة من كل تدليس أو غبن، إلا أنه ما معنى قيام قاضي التحقيق باستدعاء المتهم والشروع في استنطاقه ابتدائـيا كما نصـت المادة 134 ق م ج، ومن ضمن بنود هذه المادة حق الضنين في مؤازرة الدفاع فهل يعتقد المشرع بأن مقر المحاسب داخل المحكمة، فما على المتهم إلا ليصرح بإيجابه وحتى ولو صرح بذلك فما معنى حضور الدفاع بعد انتهاء المرحلة الأولى من التحقيق التي قد تكون هي الحاسمة في بناء قناعة القاضي، هل لأخذ أتعاب التعين أو التمتع بوجه المتهم.
بحيث لو كان المشرع رتب البطلان على كل مخالفة هذا الفصل أي الفصل 134، وكذا كل الإجراءات اللاحقة له فإن الواقع العملي المرير بين على حقيقة لا خلاف فيها وتتمثل في موقع الضعف الذي يكون فيه المتهم في إثبات هذه الخروقات، فلا يعتد قانونا بمجرد القول بعدم تمتيع المتهم بأحد الضمانات التي خولها لها الفصل 134 ق م ج.
ولهذا أقر الفقه يخلو هذا الفصل من أي ضمانة قانونية على أرض الواقع، وقد ساير هذا الاتجاه المجلس الأعلى بحيث لم يرتب البطلان على أي إجراء مخل بإحدى الضمانات المقررة للمتهم متناقدا في ذلك مع المحاكم الوطنية التي ترتب البطلان على كل خرق أو تجاهل لبند من بنود المادة 134 ق م ج..


ثانيا: الاستماع إلى الشهود


الشهادة وسيلة إثبات هامة وخطيرة في آن واحد، هامة لأنها أكثر وسائل الإثبات استعمالا في الميدان الجنائي وفي مختلف المراحل، وخطيرة لأنها تتطلب كثيرا من الحذر من طرف القاضي الذي يقدرها، لأن الشاهد كثيرا ما يكون متحيزا أو قد تخونه ذاكرته.
وعلى الرغم من الاحتياطات التي تتخذ من طرف القانون، فإن الشهادة يمكن أن تكون غير صادقة ومتأثرة بالتهديد أو الوعيد. وإذا كانت الشهادة لا تختلف من حيث طبيعتها فإن أحكامها ليست واحدة تبعا لما إذا كانت ستؤدى أمام قضاء التحقيق أو أمام النيابة العامة خاصة أن المشرع وزع أحكام الشهادة في أماكن مختلفة من المسطرة الجنائية، فإذا كانت هذه هي المميزات الأدبية والمنطقية والأخلاقية لمفهوم الشهادة والشاهد فإن الواقع العملي أبان عكس مفهومه، بحيث اعتبره وسيلة من وسائل التحايل على القانون بمفهومه الحق، ونقول هذا ونحن من بين المنادين بالتضييق في مجال الشهادة ومجالها في الدعوة العمومية واعتبارها وسيلة للاستئناس طالما أن المواطن أصبحت تنعدم فيه المصداقية وأصبحت عمليا وسيلة لمعاناة القضاة وأداة لتضليلهم، كما أن الواقع المرير للقضاء المغربي أفرز ظاهرة الشهادة بالأداء أو بالمقابل وهي على أية حال ظاهرة يعرفها كل الممارسين في حقل العدالة المغربية.
وتطبيقا لمقتضيات المادة 117 م ج والتي أرست الإطار العام الذي بموجبه تم تنظيم الشهادة والشهود، بحيث نصت على أنه يمكن لقاضي التحقيق استدعاء أي شخص يرى فائدة لسماع شهادته( ).
إلا أن الإشكال الذي يطرح، ما هي الصفة التي يتعامل بها قاضي التحقيق مع هذا الشخص أي الشاهد هل هو دعامة من أجل إظهار براءة المتهم أم أنه يتعامل معه نصفة مسطرية إما استنادا لما ضمن في ملتمس إجراء التحقيق أو قناعته الشخصية.
ويعتبر هذا المجال من ضمن المبادئ العامة التي يمكن اعتبارها بمثابة مبدأ عام يحتكم إليه قاضي التحقيق وذلك في نطاق الاستماع للشهود من أجل تدعيم براءة المتهم وتمتيعه بحقه في انتزاع صفة الضنين.
فعلى الرغم من أن الشاهد لا يتمتع بأية ضمانات أمام قاضي التحقيق وذلك على غرار المتهم، إلا أنه إذا كانت هناك شكوك تحوم حوله أو أدلة قد تصنع منه متهم، فقد أقر الفقه مبدأ عام في هذه الحالة ينص على تمتيع الشاهد بجميع الضمانات التي جاءت بها مسطرة الاستنطاق الأولي التي تنص على ضرورة تمتع المتهم بكل الضمانات المنصوص عليها في الفصل 134 ق م ج.
وبالنظر إلى مسطرة استدعاء الشهود نجد المشرع بالإضافة إلى توجيه الاستدعاء إلى الشاهدة من أجل المثول أمامه للإدلاء بشهادته، وقد أجاز في المقابل في حالة عدم استطاعة هذا الشاهد للمثول أمامه بسبب من الأسباب أن يعين من ينوب عليه للقيام بعملية أو مهمة الاستماع له، فقد تكون هذه الإنابة موجهة لضباط الشرطة القضائية بحيث يمكن لهم أن يسمعوا لشهادة الشاهد ومحتواها وتأويلها وإنجاز محضر بذلك قد يكون هو الضريبة القاضية أو النقطة التي تفيض كأس الاتهام على الرغم من الانتقادات الموجهة لهذه الهيئة من عدم خبرة أو كفاية قانونية لإسناد إليها هذا الأمر الذي يتحكم ويحدد مصير حرية الإنسان.
فإذا كان المشرع قد أجاز لقاضي التحقيق استدعاء من الشهود ما شاء من أجل فك لغز أو ألغاز قضية موضوع التحقيق استنادا إلى الفصل 117 ق م ج، فإنه في المقابل أورد استثناء على هذه القاعدة والمتمثلة في مسطرة استدعاء أعضاء الحكومة وذلك للإدلاء بأفواههم وشهادتهم أمام قاضي التحقيق. فهي تخضع لقواعد خاصة استثنائية عبر تلك المعمول بها في الأحوال العادية وذلك تطبيقا للمادة 133 م ج.
وهكذا يمكن القول على أنه يمنع على قاضي التحقيق وذلك تحت طائلة إثارة مسؤوليته القانونية والتي يمكن أن تترتب عن ذلك استدعاء كل الأشخاص المشمولين بسر المهنة –كالمحامين مثلا- والذين قد يكونوا عملوا بصفتهم هذه بوقائع أو معطيات قد تفيد التحقيق.
وإذا كانت الشهادة تؤدى شفاهيا فهل يكون ذلك عن طريق السؤال والجواب أو عن طريق تمكين الشاهد من الإدلاء بما يريد ودون تدخل أو مقاطعة؟ نظرا للانتقادات الموجهة لهذا الموضوع بحيث قد عبر فيها بعض الفقهاء بوصفها سيف ذو حدين، إما أن تكون أداة أو وسيلة لإظهار الحقيقة في تدعيم براءة المتهم أو أن تكون أداة لتضليل العدالة لما يخدم أطراف الدعوة، والتطبيق العملي يسير نحو الجمع بين الطريقتين بحيث يعمد القاضي إلى طلب من الشاهد أن يدلي بما عنده من معلومات ثم بعد ذلك يستفهم من نقطة أو أخرى. وعلى كل فالشهادة لا تنصب إلا على الوقائع التي رآها الشاهد أو سمعها بحيث لا يطلب منه وجهة نظره فيها، كما يجب أن لا يوحي إليه بأي شيء في الموضوع كإستجراره إلى جهة أو نقطة معينة.
فالشهادة أمام قاضي التحقيق لا تكون محلا للمناقشة وإنما يدعى الشاهد لإعادة قراءتها والتوقيع عليها إذا كان لازال مصرا عليها، وهذا يعتبر حيف وخرق لحقوق المتهم خصوصا إذا كانت هذه الشهادات هي مصدر إدانته بالأفعال المنسوب إليه، فقاضي التحقيق بصفته القائم على إظهار الحقيقة كان متوجب عليه إعادة استنطاق هؤلاء الشهود للوقوع على كل تناقض قد يقع فيه هذا الشاهد ما بين ما أدلى به في الشهادة الأولى أمام الضابطة القضائية والثانية أمام قاضي التحقيق، فاكتفاء القاضي بجرد ما قيل في المرحلة الأولى يعتبر شيء غير منطقي بالمرة، فقاضي التحقيق بصفته هذه يعتبر أحد الركائز الموجهة لإظهار الحقيقة وترسيخ العدالة الجنائية وتدعيم قرينة البراءة كأصل في المتهم دون التقيد بما جاء في ملتمس النيابة العامة وما توصلت إليه وإلا أصبحت مهامه إلا تحصيل حاصل.


ثالثا: التنقل والتفتيش


لا ينحصر مجال عمل قاضي التحقيق في مكتبه ولا يقتصر دوره على التحقيق فيما تنقله محاضر الضابطة القضائية، بل إن ميدانه أوسع من مكتبه ومهمته أعظم من التحقيق الابتدائي مما يدعوه أحيانا إلى الانتقال إلى الميدان لإجراء معاينات مادية أو للقيام بعمليات التفتيش أو الحجز التي يراها مفيدة لإظهار الحقيقة( ) وقد خص المشرع المغربي في القانون الجديد لموضوع التنقل والتفتيش والحجز في المواد من 90 إلى 107 من الباب الرابع المشار إليه في القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي من الكتاب الأول تحت عنوان “التحري عن الجرائم ومعاينتها”.

أ- التنقل:

إذا كانت هذه الميزة قد كان معترف بها للنيابة العامة كأحد إجراءات التحقيق التمهيدي، فإنه بالمقابل قد تم الاعتراف بها لقاضي المحقق ليقف بنفسه على معلومات يصعب بل يمكن أحيانا أن تصل إليه من سبيل آخر( ) ولهذا فهي وسيلة يتمكن بواسطتها قاضي التحقيق من الإدراك المباشر للجريمة ومرتكبها.
إن مهمة قاضي التحقيق كمحقق لإظهار الحقيقة بكل حرية لاعتباره قاصا من القضاة الجالسين تفترض عليه أحيانا الانتقال إلى الميدان لإجراء معاقبات مادية لم تجرها الضابطة القضائية أو لتكميل معاينة قامت بها الشرطة القضائية وذلك لتأكد مما ضمته هذه الأخيرة من حيثيات. وعندما ينقل إلى عين المكان فإنه يكون ملزما دائما بأن يصحب معه كاتب الضبط الذي يسهر على تحرير محضر على كل العمليات التي تم إنجازها من تفتيش وحجز إلى غير ذلك، فإذا كان هذا موقف يعظم عليه المشرع، فإن هذا ليس على سبيل الإطلاق بحيث عمد في المقابل بتقيد مهمة قاضي التحقيق عن طريق لزوم وإجبارية استشارة النيابة العامة بذلك، وهذا ما يبرر الوضعية المزرية لقاضي التحقيق في تبعيته لسلطة النيابة العامة التي تعتبر اليد اليمنا للسلطة التنفيذية.

ب- التفتيش:

هو وسيلة الإثبات أدلة وعادية ويقصد به البحث مادي يفيد في مكان ما سواء كان مسكونا أو غير مسكونا وذلك لتبديد كل الشكوك التي توصل إليها في إطار الاستنطاق الابتدائي وما ضمن في ملتمس إجراء التحقيق من طرف النيابة العامة، وقد نصت المسطرة على هذا الإجراء في الفصل 101 من ق م ج.
ونظرا لخطورة هذا الإجراء ولحساسيته المفرطة بحيث تعتبر أحد مظاهر انتهاك حرية الضنين بحيث بمجرد الأمر بالتفتيش يعتير حيف بالنسبة للمتهم وإهانة له، بل والاعتراف له بصفة المتهم قبل صدور حكم بذلك وهذا إهدار لقرينة البراءة التي تضمن للمتهم كرامته وقيمته الاجتماعية خصوصا داخل مجتمع جمعوي كالمجتمع المغربي الذي يؤمن بما يقال أكثر مما يرى.
ونظرا لخطورة هذا الإجراء فقد عمل المشرع إحاطته بضمانات هامة تكرس لمفهوم قرينة البراءة، فاستنادا إلى الفصل 101 م ج «يجري التفتيش في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا لإظهار الحقيقة ويجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق تحت طائلة البطلان أن يتقيد بمقتضيات المواد 59 و60 و62.
وهكذا فإذا كان المشرع قد اعترف لقاضي التحقيق بالحقيقة بالتفتيش فإن ذلك لن يكون إلا بشروط أساسية لضمان كرامة وحرمة المسكن والمتهم وتتمثل هذه الشروط في:

الشرط الأول: أن يتعلق الأمر بجنية.

الشرط الثاني: ويهم من يقع التفتيش في منزله، ويجب أن يكون هو المتهم نفسه، فإذا كان رب المنزل شخص آخر أوجب تفتيشه كمبدأ عام داخل ساعات القانونية لإخراجها، وعلى خلاف هذا الحكم فإن الفصل 4 من القانون العدل العسكري يسمح بتفتيش أي منزل خارج الوقت القانوني حتى ولو كان منزلا غير منزل المتهم.

الشرط الثالث: ينفي أن يقوم بالتفتيش قاضي التحقيق شخصيا ولابد أن يكون برفقة كذلك النيابة العامة.
وعلاوة على ذلك ينفي على قاضي التحقيق أن يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على السر المهني إذا كان التفتيش واقعا بمنزل شخص ملزم.

تحميل الموضوع ملف Pdf

هناك تعليقان (2):