الصفحات

عيوب الرضى في العقود على ضوء التشريع المغربي

ينص الفصل 39 من قانون الالتزامات والعقود على انه "يكون قابلا للابطال الرضى الصادر عن غلط ,او الناتج عن تدليس,او المنتزع باكراه." 

المدرسة القانونية المغربية Ecole Droit Marocaine


اولا : الغلط

لا يوجد تعريف تشريعي له.الا انه يمكن تعريفه بانه اعتقاد يجعل المتعاقد يتصور الامر على غير حقيقته ويدفعه الى التعاقد .

حالات الغلط في القانون المغربي
يبين القانون المغربي حالات الغلط في ظل الفصول المنظمة للغلط "من الفصل 40 الى الفصل 45 من قانون الالتزامات والعقود"ويمكن التمييز بين انواع من الغلط المنتجة وغير المنتجة وذلك تقريبا بنفس منطق النظرة التقليدية.

 أ-الغلط المنتج:

هو الذي يؤثر في سلامة المتعاقد وفي صحة العقد فيجعله قابلا للابطال.
وحالاته هي 
الغلط في القانون : حيث يتوهم المتعاقد قاعدة قانونية على خلاف حقيقة حكمها يخول له هنا الابطال وهذا لا يتعارض مع القاعدة "لا يعذر احد بجهله للقانون"
الغلط في مادة الشئ او في نوعه او في صفة فيه : مادة الشئ عبر عنها المشرع بذاتيته وقد اخفق في التعبير حيث ان الغلط في ذاتيته تبطل العقد ,كما ان المشرع ان تكون الصفة في مادة الشئ جوهرية وليست قانونية .
الغلط في شخص المتعاقد او صفة فيه: خاصة في العقود التي تقوم على اساس الاعتبار الشخصي كالهبة ويجب ان تكون الصفة جوهرية في الشخص.
الغلط الواقع من الوسيط:اذا تمسك المرسل بالغلط لطلب الابطال يمكن ان يطالب المتعاقد لالاخر بالتعويض الذي قد يكون الزاما بالعقد ويكون للمرسل ان يرجع على الوسيط بما اداه وبهذا يصبح الوسيط مسؤولا ازاء احد المتعاقدين.

ب-الغلط غير المنتج:

وفي هذه الحالة يبقى العقد صحيحا ولا يخول الابطال.
الغلط في القيمة :الفرق الفاحش بين المبيع والثمن ويعد مظهرا من مظاهر الغبن 
الغلط في الباعث : كسبب غير مباشر لا ينهض عنه سببا لاحق في الابطال
الغلط في الحساب :اكتفى المشرع بتقرير تصحيحه.
شروط الابطال للغلط المنتج
1- ان يكون الغلط هو السبب الاساسي والدافع الى التعاقد وقد فسر بالغلط الجوهري 
2- ان يكون ضحية الغلط معذورا في الوقوع فيه ويرجع تقدير ذلك للقاضي وقد مدد المشرع المغربي هذا الشرط للغلط في القانون وللغلط في الوقائع.
3- عدم وجود نص يمنع المطالبة بالابطال للغلط بحيث هناك نصوص تمنع ضحية الغلط في القانون من المطالبة بالابطال حفاظا على استقرار المعاملات مثل حالة عدم جواز الطعن في عقد الصلح وعدم جواز ابطال الاداء تنفيذا لدين طبيعي.
4-اتصال الغلط بالمتعاقد الاخر ولعل تقرير هذا الحكم قد يكون عائقا امام ضحية الغلط للمطالبة بالابطال ومراعاة لمصلحة المتعاقد الاخر ان كان حسن النية يمكنه المطالبة بالتعويض مقابل ابطال العقد 
ملاحظة:زاوج المشرع المغربي بين النظريتين الحديثة والكلاسيكية حيث تشبع بمظاهرهما معا.
وللمزيد من التفاصيل حول الغلط باعتباره احد عيوب الرضى المرجو زيارة الموضوع التالي صور وانواع الغلط باعتباره احد عيوب الرضى في القانون المغربي.



ثانيا :التدليس

ويقصد به الوسائل الاحتيالية التي يستعملها المدلس لدفع المتعاقد الاخر الى التعاقد مثل التلاعب باحرف البضاعة. 

خصوصيات التدليس

1- تمييزه عن الغلط :الغلط يكون تلقائيا بينما التدليس يكون وهما مدبرا والغلط لا يخول طلب الابطال الا في موضوعات محددة بينما التدليس يخول الابطال حتى لو كان الغلط الناتج عنه غير مؤثر كالغلط في الباعث و القيمة .
2- تمييزه عن الغش :التدليس يتعلق بعمل قانوني لم يتم بعد بينما الغش يحصل عادة اثناء تكوين العقد او تنفيذه ,والتدليس يخول لصاحبه الابطال بينما الغش فهو ملزم بالتنفيذ وابطال المخالف منه للقانون فحسب 
3- تمييزه عن النصب :التدليس يظل مجرد عمل مدني غير مشروع بينما النصب يرتقي لان يكون جريمة .

شروط الابطال بالتدليس

1-الشرط المادي الموضوعي 
هو الذي يتحقق باستعمال المدلس لوسائل احتيالية لايقاع المتعاقد ودفعه الى التعاقد .
مثلا 
الكتمان ,مبدئيا المتعاقد غير ملزم بالافصاح عن جميع ملابسات العقد تفاديا للاحراج الا عن امر يوجب القانون او حسن النية الافصاح عنه.
الكذب ,اذا انصب على واقعة جوهرية محل اعتبار اساسي في التعاقد ,مثل الذي يخفي مرضه في عقد التامين على الحياة .
حكم التدليس الصادر من الغير 
مبدا سلطان الارادة يخول للمدلس عليه حق طلب الابطال 
اما مبدا استقرار المعاملات يقضي بانه ليس من العدل ان يجازى المتعاقد الاخر بذنب لم يقترفه.
والمشرع المغربي وفق بين المبداين حيث لم يخول للمدلس عليه طلب الابطال الا في حالتين :في حالة التواطئ وفي حالة العلم بالتدليس والسكوت عنه.
2-الشرط المعنوي النفسي 
وهو الذي يتحقق بتوافر نية التضليل من جانب المدلس اذا كان هدفه تحقيق غرض غير مشروع ويقوم التدليس سببا لابطال العقد حسب الاجتهاد القضائي بمجرد اضمار المدلس لسوء النية وقيامه بتصرف بناء عليها يمكنه من الكسب غير المشروع ,اما اذا كان الغرض من التدليس مشروعا فلا يقوم التدليس.
ان يكون التدليس دافعا الى التعاقد بالنظر الى المدلس عليه اذ يجب ان يكون مؤثرا في ارادته بحيث لولاه لما اقدم على التعاقد ,ويرجع تقدير ذلك الى المحكمة وتحديد ما اذا كان التدليس هو الدافع او مجرد تدليس ثانوي عارض ينصب فقط في الجوانب الفرعية للعقد وهنا لا يخول لضحيته سوى الحق في طلب التعويض ,واذا وصل الضرر الى حد الغبن يمكن "توابع الالتزام"المطالبة بالابطال استثناء في عقد الشراء .
امكانية الاستغناء عن التدليس بالاكتفاء باحكام الغلط بحيث - من خلال مقتضيات احكام عيوب الارادة في التشريع المغربي - يبدو ضرورة الابقاء على نظرية التدليس بجانب الغلط ذلك ان الحالات التي حددها والتي لا يجوز طلب الابطال في الغلط يمكن فيها اذا اقترنت بالتدليس طلب الابطال .

ثالثا :الاكراه

لقد عرف المشرع الاكراه في الفصل 46 من قانون الالتزامات والعقود انه "اجبار يباشر من غير ان يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا اخر على ان يعمل عملا دون رضاه" في حين ان المكره ارادته تكون معيبة لا معدومة فغياب التراضي يعني تخلف ركن وبالتالي بطلان العقد ,والاكراه الذي يعنينا هو ضغط غير مشروع يباشره احد المتعاقدين على الاخر فيولد خوفا في نفسيته يدفعه الى التعاقد كالتهديد بالقتل مثلا.

شروط الابطال للاكراه 

1-استعمال وسائل الضغط على ارادته :
أ- وسائل الضغط المستعملة من طرف المكره : يمكن ان يكون الاكراه جسيما كالعنف او نفسيا وهو الاكثر شيوعا.
ب- وسائل الضغط المستعملة من طرف الغير : الاكراه الصادر عن الغير يخول لضحيته طلب الابطال دون اثبات تواطئ المتعاقد معه او علمه به ويخول له الرجوع على المتعاقد بالتعويض على اساس المسؤولية التقصيرية .
ج- مدى اعتبار الاكراه الناتج عن ظروف معينة معيبا للارادة: حيث يستغل المكره ظروفا معينة لابتزاز المتعاقد الاخر وقد الح المشرع المغربي على حصول عمل ايجابي "فعل الانتزاع" لطلب الابطال بينما في هذه الحالة يكون الفعل سلبيا وبالتالي ليس للمكره طلب الابطال.
د- مدى ارتقاء النفوذ الادبي الى درجة الاكراه : لم يعتبره المشرع اكراها الا اذا انضمت اليه تهديدات او افعال مادية .
2-ان تولد هذه الوسائل خوفا في نفس المتعاقد يدفعه الى التعاقد تفاديا للخطر الذي يشترط فيه :
أ-ان يكون جسيما : لا يعتد بالخطر الا اذا كان مؤثرا في نفسية المتعاقد ولم يشترط المشرع فيه ان يكون موجودا وقت ممارسة الاكراه مثل التهديد بالقتل بمسدس لا رصاص فيه وله ان يكون حالا او حتى وشيك الوقوع.
ب-ان يكون الخوف من حصوله هو الدافع الى التعاقد : ويعود ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة ذلك انه معيار ذاتي اما اذا كان الاكراه مقتصرا على تعجيل ابرام العقد يظل عملا غير مشروع يخول طلب التعويض .
ج-الحكم اذا لم يكن الخطر محدقا بشخصه : مدد المشرع الحكم باحقية طلب الابطال في هذه الحالة بكل من تربطهم مع المكره علاقة دم .
3-ان يهدف المكره تحقيق غرض غير مشروع :
اذا كان الغرض مشروعا لا يتوافر الاكراه اذا كانت الوسيلة مشروعة .ويتحقق الاكراه اذا استعملت وسيلة غير مشروعة للوصول الى غرض غير مشروع ,واذا استعملت وسيلة مشروعة للوصول الى غرض غير مشروع ويبقى الخلاف في استعمال وسيلة غير مشروعة للوصول الى غرض مشروع وذهب جل الفقه الى انه طالما لم تصل الوسيلة الى الفعل الجرمي لا يحق المطالبة بالابطال يبنما ذهب فريق الى وجود الاكراه طالما ان الوسيلة لا يجيزها القانون ولنفي العدالة الخاصة.

رابعا الغبن :

اي انعدام التوازن في الاداءات المتبادلة بين طرفي العقد.
والمشرع المغربي لا يجعل عيبا عاما في الارادة مثل باقي العيوب الاخرى .
المبدا:
الغبن لا يخول طلب طلب الابطال "النظرية التقليدية كاساس" حسب الفصلين 55 و56 من قانون الالتزامات والعقود .
و حفاظا على استقرار المعاملات لا يتدخل القانون لتضييق الحرية الاقتصادية ولا يعطي حق طلب الابطال للراشدين الذين عقهم الغبن.
الاستثناء :
الغبن المخول للابطال : ينهض الغبن سببا للابطال في جميع الحالات بالنسبة للقاصرين وفي بعض الحالات بالنسبة للراشدين .
الغبن الناتج عن التدليس :اذا اقترن بتدليس غير دافع "العراض"
الغبن الصرف : في بعض الصور مثل الفائدة في عقد القرض ,غياب العدل في عقد الاغاثة البحرية ,والملاحظ ان هذه الصور تخرج عن دائرة الغبن كعيب من عيوب الارادة الى دائرة البطلان.
الغبن اللاحق بناقصي الاهلية :في حال تعاقد ناقص الاهلية دون اذن نائبه الشرعي .
ان يتعاقد في اطار التصرفات الدائرة بين النفع والضرر بمساعدة نائبه الشرعي ويقع ضحية غبن والواقع ان في هذه الحالة تهديد لاستقرار المعاملات.
انفراد النائب الشرعي بالعقد ووقوعه في غبن يخول له الابطال حفاظا على مصلحة القاصر .
وتخويل حق المطالبة بابطال العقد لناقص الاهلية موقوف على شرط تجاوز مقدار الغبن الثلث.
اما بخصوص النظرية الحديثة "نظرية الاستغلال"فقد اثير نقاش حول ان كان المشرع المغربي اخذ بها في الفصل 54 "اسباب الابطال المبنية على حالة المرض والحالات الاخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة",والراجح بالرجوع الى المصادر التاريخية لقانون الالتزامات والعقود والتي اخذت بالنظرية التقليدية ولم تاخذ بالنظرية الحديثة في الغبن .

تحميل الموضوع ملف PDF



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق