الصفحات

دور قضاء الأحداث في حماية الاطفال ضحايا الاجرام


في هذا الموضوع سوف لن نتحدث عن الدور الطبيعي والتقليدي الذي يقوم به قضاء الأحداث بوجه خاص المتمثل في محاكمة الأحداث الذين اقترفوا أفعال يعاقب عليها القانون الجنائي، ولا عن الأجهزة المتدخلة في هذه المحاكمة بدءا من اقتراف الفعل وإلى غاية صدور الحكم وتنفيذه، 


المدرسة القانونية المغربية Ecole Droit Marocaine

ولا عن خصوصية المساطر الجنائية المتبعة في هذه المحاكمة، ولا كذلك عن الضمانات المخولة للأحداث أثناء تطبيق هذه المساطر[1].
كما أننا لن نتحدث عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال المضمنة بمجموعة القانون الجنائي المغربي، ولا عن تدخل قضاء الأحداث لضبط المراقبة التربوية والمساعدة الاجتماعية لفائدة الأحداث الجانحين على مستوى مراكز الإيواء، ولا حتى عن حقوق هذه الفئة في التأهيل والإصلاح والتربية والإدماج في المجتمع .
ولكننا سنتناول في هذا الموضوع بالدرس ما عنوناه أعلاه ب" حالات تدخل قضاء الأحداث قبل وبعد ارتكاب الجريمة "، أي إبراز حالات تدخل قضاء الأحداث بعد ثبوت ارتكاب الجرائم قصد توفير الحماية اللازمة لفئة من الأحداث لم يقترفوا أفعال مجرمة قانونا، ولكنهم يستحقون الحماية والرعاية لكونهم ضحايا أشخاص اقترفوا أفعال إجرامية أدينوا من أجلها قضائيا، وكذا إبراز حالات تدخل قضاء الأحداث قبل حدوث الجريمة للحيلولة دون وقوعها، ويكون هذا التدخل لفائدة فئة من الأطفال يوجدون في وضعية وصفها المشرع بالصعبة التي قد تؤدي بهم إلى الانحراف والإجرام.
وسنحاول الوقوف على حالات تدخل قضاء الأحداث هذه من خلال قراءة في مقتضيات قانون المسطرة الجنائية التي تناولت الموضوع، مع إبراز الإشكاليات القانونية والعملية الناتجة عن تطبيق هذه المقتضيات، وذلك اعتمادا على التقسيم التالي:
المطلب الأول: اختصاص قضاء الأحداث في حماية الأطفال ضحايا الجرائم
المطلب الثاني: الحمايـة القانونيـة للأطفـــال في وضعية صعبـــة
كيف ذلك؟ 

المطلب الأول: اختصاص قضاء الأحداث في حماية الأطفال المعتدى عليهم


تدعيما من المشرع المغربي للحماية التي أولى بها الطفل في ظل القانون الجنائي[2]، عمل في قانون المسطرة الجنائية من خلال ما نص عليه بالمادتين 510 و511 منه على إحاطة الطفل، ضحية الجنايات أو الجنح بضمانات إجرائية[3]، ونفس المقتضى نجده في التشريع الفرنسي[4].

وأول ما يثير الانتباه، هو أن المشرع أدرج هذه المقتضيات الحمائية ضمن قواعد المسطرة الجنائية رغم أن هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا جرما، وقد كان من الأجدر والأولى توفير هذه الحماية لهم في إطار نظام خاص خارج قانون المسطرة الجنائية حفاظا على مجالات تنظيمه[5]. كما يتضح أن توفير الحماية للأطفال المذكورين يقتصر على الأطفال ضحايا جنايات أو جنح ( ضبطية وتأديبية)، مما يعني استبعاد الأطفال ضحايا المخالفات. 
وقد سبق وأن سجل بعض الفقه[6]، أن المشرع تحدث عن الطفل ضحية جناية أو جنحة بشكل يبقي دائما في الصورة الجاني وحده، الشيء الذي يعني إغفال حماية الحدث الضحية من طرف العاملين والمتدخلين في ميدان الأحداث. 
ومن جانبنا، نعتقد أن مفهوم الطفل ضحية جناية أو جنحة جاء شاملا حسب منطوق المادة 510 من قانون المسطرة الجنائية، مما يعني أنه يدخل ضمنه كل حدث تعرض لجناية أو جنحية سواء من طرف وليه أو من طرف الغير.
وعموما فإن الهيئة القضائية المختصة في توفير الحماية المتحدث عنها لفائدة الطفل ضحية جريمة تتحدد حسب طبيعة الجريمة التي كان الطفل ضحية لها، ذلك أن هذا الاختصاص يعود إلى قاضي الأحداث[7] إذا تعلق الأمر بجنحة من اختصاص المحكمة الابتدائية، أو إلى المستشار المكلف بالأحداث[8] عندما يتعلق الأمر بجريمة من اختصاص محكمة الاستئناف، ويضعان يدهما على القضية إما استنادا لملتمسات النيابة العامة[9] وإما تلقائيا دون إغفال حق المطالبة بتوفير الحماية للأطفال ممن يعنيه الأمر في ذلك علما أن رضى الضحية لا يكون له أي تأثير [10]، كما أعطى المشرع بصفة استثنائية لغرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية[11]، أن تتخذ في حق الحدث الذي تحكم ببراءته أحد تدابير الحماية المقررة للأطفال المعتدى عليهم, إذا تبين لها أن مصلحة هؤلاء تقتضي ذلك[12]، ومفهوم المصلحة هنا ينبغي تفسيره على ضوء المقتضيات المنظمة لضحية الجناية أو الجنحة حتى يمكن الأمر بالتدابير المذكورة.
وإذ ذاك، يكمن للنيابة العامة أو لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث حسب الأحوال، أن يأمر بعرض الطفل الضحية على خبرة طبية نفسية أو عقلية لتحديد نوع وأهمية الأضرار اللاحقة به، وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا ومستقبلا[13].
ويظهر من خلال المادة 511 من قانون المسطرة الجنائية، أن الحماية التي يوفرها قضاء الأحداث في هذا المجال نوعان[14]، الأولى مؤقتة وتتمثل في إيداع الطفل الضحية لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة مؤهلة لذلك، أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة.
ومادام هذا النوع من الحماية مؤقت بطبيعته، فإن المشرع جعل الأمر باتخاذ تدبير الحماية نافذا رغم كل طعن. ويجب التأكيد في إطار هذه الحماية، أن اتخاذ التدبير المناسب لمصلحة الطفل الضحية يجب أن يؤخذ بمفهومه الواسع، بحيث يمكن للقاضي المختص اللجوء إليه ولو ضد أحد والديه، كأن يتعرض الطفل لهتك عرضه من قبل أحدهما فإنه ينزع منه ويسلم لشخص جدير بالثقة، بل ويلزم والده بدفع مصاريف نفقته وتقتطع إن اقتضى الأمر من الأجرة[15]، ويستمر التدبير المؤقت المتخذ من طرف قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة، مما يفيد أن مدة إيداع الطفل الضحية تستمر إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة.
ويظهر لنا أن المشرع جانب الصواب، حينما لم يقرر استمرار تدبير الحماية إلى أن تزول الظروف التي كانت السبب في وقوع الطفل تحت طائلة الانحراف، والتأكد من تقويم سلوكه، وبعد ذلك يمكن للنيابة العامة أن تحيل القضية على الجهة القضائية المختصة, لتتخذ ما تراه من تدابير لحماية الطفل المعني بالأمر كما هو وارد بالمادة 511 السالفة الذكر، وهذا هو النوع الثاني من الحماية المتحدث عنها, التي لا تكون إلا بعد صدور حكم نهائي في الجناية أو الجنحة التي كانت سببا في إيذاء الطفل الضحية.
ولضمان السرعة والفعالية في تنفيذ التدابير الحمائية المتخذة، أعطى المشرع لقاضي الأحداث والمستشار المكلف بالأحداث، حسب الأحوال، إمكانية الأمر بالتنفيذ المعجل للأمر القاضي باتخاذ التدبير الحمائي.
وما يلاحظ من الناحية العملية، هو أن تطبيق هذه المقتضيات الحمائية ضئيل جدا -حسب علمنا- وذلك راجع بالأساس إلى كثرة الأعباء الملقاة على عاتق النيابة العامة إلى جانب قاضي الأحداث[16].
وتجدر الإشارة أن قرار الجهة القضائية المختصة باتخاذ التدبير الحمائي لمصلحة الطفل الضحية, يقبل الطعن بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف من طرف النيابة العامة، والحدث أو أبويه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافلة أو المكلف برعايته، داخل أجل عشرة أيام من صدور القرار.

المطلب الثاني: الحماية القانونية للأطفال الموجودين في وضعية صعبة

تعد مسألة حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، من مستجدات قانون المسطرة الجنائية التي أرساها المشرع انسجاما مع التزامات المغرب الدولية[17]، وتماشيا مع التشريعات المقارنة في هذا المجال[18]. بيد أن الطريق الذي سلكه المشرع بغية الوصول إلى هذه الحماية، أثار عدة تساؤلات تتعلق بوضع الأطفال الموجودين في وضعية صعبة ضمن المقتضيات القانونية للمسطرة الجنائية، وقبل أن نبدي بعض الملاحظات في هذا الشأن( الفقرة الثانية)، نورد أهم مستجدات المسطرة الجنائية بهذا الخصوص( الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الإطار القانوني لحماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة

إن الحماية المتحدث عنها لفائدة الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، هي تلك الحماية التي أفرد لها قانون المسطرة الجنائية ست مواد فقط من قانون المسطرة الجنائية (المواد من 512 إلى 517)، محددا من خلالها بعض الحالات التي تجسد مفهوم الوضعية الصعبة والمسطرة المتبعة في ذلك لإخراج الطفل من هذه الوضعية.
وهكذا، نجد المادة 513 من قانون المسطرة الجنائية، حددت مفهوم الطفل الموجود في وضعية صعبة، واضعة بذلك إطارا للحالات التي يمكن أن تدخل ضمن هذا المفهوم فنصت على أنه: " يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من ستة عشر (16) سنة في وضعية صعبة، إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام، أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته، أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع بها دراسته أو تكوينه، أو هجر مقر إقامته، أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر فيه".
وغني عن البيان، أن عمل قاضي الأحداث في معالجة هذا النوع من القضايا، تحكمه نفس المبادئ التي يتطلبها عمله عند النظر في قضايا الأحداث المرتكبين لأفعال مخالفة للقانون. وعليه، فإن كل ما يتعلق بالتدابير وعمل قاضي الأحداث مع الحدث المرتكب لأفعال يجرمها القانون، ينطبق على الأحداث الذين هم في وضعية صعبة[19]، مع بعض الاختلافات النابعة من كون الحدث في وضعية صعبة لم يرتكب جرما، عكس الحدث المنحرف الذي يشكل سلوكه جريمة تستوجب عقوبة في بعض الأحوال أو تدابير إصلاحية، كما أن جرائم الأحداث هي مما يصح أن يقع من المجرمين البالغين سن الرشد الجنائي، أما حالات وجود الحدث في وضعية صعبة فهي على العكس مما تقدم، إذ تنص المادة 513 المذكورة على أفعال أو ظروف معينة يوجد فيها الحدث دون غيره إلا نادرا، وتسبق مرحلة الانحراف الفعلي، إضافة إلى أن طبيعة الحدث الموجود في وضعية صعبة تختلف عن طبيعة الحدث المنحرف حيث ينتفي الميل إلى الإجرام بالنسبة للأول، ولولا الظروف التي وجد فيها ما كان موجودا في وضعية صعبة تعرضه لخطر الانحراف[20].
ولذلك، إذا تعلق الأمر بحدث في وضعية صعبة، يفتح له ملف خاص به بمقتضى ملتمس من وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية[21]، ويحال على قاضي الأحداث الذي يتولى دراسته واتخاذ الإجراءات المناسبة لإخراج الحدث من الوضعية الصعبة التي يعاني منها.
والجدير بالانتباه، أنه على خلاف القانون الفرنسي الذي وسع من دائرة الأشخاص الذين يحيطون النيابة العامة علما بكون حدث ما يوجد في وضعية صعبة[22]، فإن المشرع المغربي عمل, ضمن مقتضيات المادة 512 من قانون المسطرة الجنائية, على تقييد قاضي الأحداث بضرورة توصله بملتمس من النيابة العامة، مما قد يجعل حماية هذه الفئة من الأحداث تبقى محدودة نسبيا، إذ لم يسمح لقاضي الأحداث التدخل ولو بدون ملتمس من النيابة العامة، ولذلك يلاحظ أن عدم توفير الإمكانيات المادية والبشرية للتعامل مع الأحداث الموجودين في وضعية صعبة, هي التي جعلت المشرع يعمد إلى منح النيابة العامة, دون غيرها, حق التقدم بملتمسات لقاضي الأحداث لاتخاذ الإجراء اللازم, وذلك حتى يتم التقليص من عدد الملفات المعروضة أمام هذا الأخير[23].
ولذلك، فإن إدخال فئة الأحداث في وضعية صعبة في خانة الإصلاح, يتطلب بالضرورة توثيق أواصر الاتصال بين النيابة العامة في الشعبة الخاصة بالأحداث مع الضابطة القضائية في ذات الشعبة، كي يتم لم شتات هذه الشريحة الاجتماعية وإحالتها رأسا على الجهات التي نص عليها القانون[24]. 
ومن جانب آخر، يثار إشكال بخصوص الحالة التي تتقدم فيها النيابة العامة بملتمس لقاضي الأحداث، من أجل اتخاذ تدبير من التدابير لحماية حدث ظهر لها بأنه مشمول بمقتضيات الفصل 513 من مقتضيات المسطرة الجنائية، بينما تبين لقاضي الأحداث بعد دراسته للقضية أنه لا ينطبق عليه مفهوم الوضعية الصعبة كما أرستها مقتضيات الفصل 513 المذكور ، وبالتالي لا يستحق الحماية المقررة من طرف المشرع، فما هو الأمر أو القرار الذي سيصدره قاضي الأحداث بخصوص هذه الحالة؟
يبدو لنا أن قاضي الأحداث سيصدر، والحالة ما ذكر، قرارا برفض ملتمس النيابة العامة، نظرا لعدم توافر العناصر القانونية التي تمنحه صلاحية اتخاذ الإجراء المناسب للحدث المعني بالأمر، ولا نعتقد بأن له أن يقضي بعدم الاختصاص كما ذهب إلى ذلك بعض الممارسين[25]، ذلك أن اتخاذ مثل هذا القرار الأخير يقتضي أن تكون هناك جهة قضائية أخرى مختصة في حماية الحدث الموجود في وضعية صعبة، والحال أن الاختصاص يعود لقاضي الأحداث وحده، أو غرفة الأحداث في حالة استثنائية، دون أية جهة قضائية أخرى.
ذلك أنه، علاوة على اختصاص قاضي الأحداث للنظر في أمر الحدث الموجود في وضعية صعبة والتدخل بقصد توفير الحماية له، أعطى المشرع وبصفة استثنائية لغرفة الأحداث بالمحكمة الابتدائية أن تتخذ في حق الحدث الذي تحكم ببراءته أحد التدابير المقررة للحدث في وضعية صعبة إذا تبين لها أن مصلحته تقتضي ذلك (المادة 480 من ق.م.ج).

الفقرة الثانية: مظاهر تضييق المقاربة الحمائية للأحداث في وضعية صعبة

مما سبق، اتضح لنا أن قضاء الأحداث أصبح يقوم بدور وقائي وعلاجي في نفس الوقت، أو بمعنى آخر دور قضائي و اجتماعي يستهدف اتخاذ تدابير تروم حماية الحدث الموجود في وضع يمكن أن يؤدي به إلى الانحراف واقتراف أفعال يجرمها القانونن، وذلك من خلال تمديد مجال اختصاص هذا القضاء للنظر في قضايا الأحداث الموجودين في وضعية صعبة.
وهذه المقاربة – في تقديرنا- منتقدة، لما يترتب عنها من عرض أمر حدث لم يرتكب فعلا مخالفا للقانون، على أنظار عدالة تتوفر فيها كل المواصفات الجنائية[26]. خصوصا أن قضاء الأحداث في بلادنا غير مستقل هيكليا عن نظيره الخاص بالمتهمين الرشداء. فهل استنفدت جميع السياسات والتدابير الحمائية بخصوص من اعتبرهم المشرع أطفالا في وضعية صعبة، حتى يتم اللجوء إلى حكم القانون في إطار العدالة الجنائية للأحداث؟
إن المسألة من الأهمية بمكان، والأمر يتطلب مقاربة أخرى، غير المقاربة المسطرية الجنائية لوضعية أطفال هم في حاجة إلى رعاية أسرية بديلة أو مؤقتة[27] .
وفضلا عن ذلك، يظهر من خلال القراءة المتأنية لأحكام المادة 513 المشار إليها سابقا، أن المشرع حدد سن الحدث في وضعية صعبة في 16 سنة عكس ما تبناه بالنسبة لسن الرشد الجنائي والحدث الضحية، وهي مرحلة لا تكفي حماية الأحداث فيها من الوضعية الصعبة التي يعيشون فيها، ذلك أن الحدث حتى بعد تجاوز هذه السن قد يكون في حاجة إلى الرعاية، إنقاذا له من الظروف البيئية السيئة التي يعيش فيها، حتى يشتد عوده وتكتمل مداركه ويصل إلى درجة من التعليم أو التدريب المهني تعينه على مواجهة الحياة دون أن يتعرض لارتكاب الجريمة[28].
ومن ناحية أخرى، لم يتطرق المشرع المغربي إلا لحالة الحدث القاصر المعرض لمخاطر الانحراف بسبب سلوكه هو ومن يخالطهم، مع فرضية انتمائه إلى أسرة متماسكة تتوفر فيها كل الشروط الضرورية للقيام بالتزاماتها تجاهه من رعاية وتربية[29]، مع أن الواقع يظهر أن مفهوم الحدث في خطر أو المعرض لمخاطر[30] يشمل وضعيات أخرى غير هاته[31]، كالأطفال الذين تلتقطهم الشوارع[32]، أو الذين يجدون أنفسهم ضحايا الهجرة السرية[33].
ومن مظاهر تضييق المقاربة الحمائية كذلك، فحوى التدابير التي أراد لها المشرع حماية الحدث الموجود في وضعية صعبة، حيث يلاحظ من خلال مضمون المادة 512 أن معاملة الحدث الموجود في وضعية الصعبة، هي نفس معاملة الحدث المرتكب لفعل جنحي، فالمادة 471 تتحدث عن الحدث المرتكب لفعل له طابع جنحة وتعطي الصلاحية لقاضي الأحداث لاتخاذ أحد التدابير المنصوص عليها في ذات المادة في حق الحدث، والمادة 512 أيضا أجازت اتخاذ ذات التدابير في حق الحدث الذي لم يأت جرما.
فإذا كانت غاية المشرع عدم تكرار ذكر هذه التدابير، فإننا نعتقد أن عدم فرده لتدابير خاصة للحدث الموجود في وضعية صعبة يعد تضيقا للمقاربة الحمائية لهذا الأخير, حيث إن هذا الإجراء يعطي الانطباع بأن الحدث أتى سلوكا منحرفا وليس في وضعية صعبة.
وعلى أي، نؤكد في الأخير أن الغاية التي ينشدها قضاء الأحداث بالمحكمة الابتدائية، هي إخراج الحدث من الوضعية الصعبة التي يعاني منها لحمايته وذلك بالقضاء على الظروف والأسباب التي جعلته في تلك الوضعية، وهذا الأمر يمكن تحقيقه بإيجاد إطار عملي تركيبي ووظيفي يسهم فيه الجميع: الحدث، أسرته ومحيطه الاجتماعي والاقتصادي والمدرسي.. ذلك أن الحدث إذا وجد في وضعية صعبة تعرضه للانحراف فبفعل الجو والمحيط الذي يعيش فيه أو حوله.

خلاصـــة:

تلك إذن، كانت أهم الأدوار التي يقوم بها قضاء الأحداث بهدف توفير الحماية لفئة خاصة من الأطفال وهم الأطفال المعتدى عليهم نتيجة اقتراف جنح أو جنايات، وكذا الأطفال الموجودين في وضعية صعبة.
وأبرز ملاحظة يمكن إبدائها في هذا الإطار أن القانون المغربي وعلى غرار تشريعا دول أخرى أضاف اختصاصات جديدة لقضاء الأحداث يوفر بمقتضاها حماية خاصة لفئة من الأطفال، لم يصلوا إلى درجة الانحراف وإنما هم في وضعية صعبة قد تؤدي بهم إلى الانحراف، وهذا ما يؤكد على خصوصية قضاء الأحداث الذي أصبح أصبح اختصاصه لا يقتصر في البت في الأفعال الإجرامية المنسوبة للأحداث والتدخل عن طريق الزجر والعقاب عند الاقتضاء، بل أصبح له دوره وقائي وتربوي للحد من إجرام وانحراف فئة خاصة من الأطفال، وهو ما يعد تطبيقا للسياسة الجنائية في مفهومها الموسع، الذي يشمل الوسائل الوقائية الواجبة الاتباع قبل اقتراف الأفعال المجرمة بالإضافة إلى وسائل الزجر والعقاب المطبقة في حالة وقوع الأفعال المجرمة جنائيا.

الهوامش
1- هذه الموضوعات تناولناها بالدرس والتحليل والمناقشة بمناسبة البحث الذي أعدناه تحت عنوان " الضمانات الحمائية للأحداث وفق قانون المسطرة الجنائية المغربي "، في إطار رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص، نوقشت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط برسم الموسم الجامعي 2005/2006. 
[2] - جاء القانون رقم 03-24 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 207-03-1 بتاريخ 11نونبر 2003 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، بجملة من التعديلات والمستجدات بخصوص حماية بعض الفئات ومنها الأطفال الذين يقل سنهم على ثمان عشرة سنة، وذلك بخصوص أفعال مختلفة يمكن أن يكونوا ضحايا لها كالجرح أو الضرب، الحرمان من التغذية، الإهمال، العنف أو الإيذاء ، الاختطاف ، التحريض أو التشجيع على الدعارة أو البغاء، الاستغلال في مواد إباحية، هتك العرض أو الاغتصاب ، البيع أو الشراء أو الإجبار على ممارسة عمل لا يسمح به القانون أو مضر بصحتهم أو سلامتهم أو تكوينهم.
وقد حظيت هذه المقتضيات بترحيب واسع لدى الأوساط والفعاليات الحقوقية، لاحظ في هذا الصدد التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب برسم سنة 2003. منشورات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مطبعة كادرا، الرباط 2003، ص: 97.
وانظر كذلك بخصوص حماية الطفل في ظل القانون الجنائي المغربي: مراد دودوش : حماية الطفل في التشريع الجنائي المغربي ، جانحا وضحية- دراسة مقارنة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة الأسرة والطفولة، كلية الحقوق بفاس، السنة الجامعية 2002/2003 ص 111 وما يليها.
[3] - لقد جاءت هذه المقتضيات الحمائية نتيجة الانتقادات الموجهة من طرف المجتمع المدني المهتم بالطفولة والداعية إلى إيجاد قوانين واضحة قادرة على مواجهة المشكل ( لحسن بيهي، مرجع سابق، ص : 24).
[4] - راجع الفصل 375 من القانون المدني الفرنسي والفصل 760 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية، انظر الرابطين الالكترونيين:
[5] - انظر حميد الوالي، آفاق جديدة لعدالة الأحداث "، مجلة ندوات محاكم فاس الصادرة عن محكمة الاستئناف بفاس، عدد بعنوان:" مستجدات قانون المسطرة الجنائية"، العدد الثاني، يناير 2005، ص 136.
[6] - عبد الرحمان مصلح الشرادي ، "انحراف الأحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن"، مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة أولى 2002.، ص 264.
[7] - الجدير ذكره أنه وفقا لمقتضيات المادة 467 من قانون المسطرة الجنائية فإن وزير العدل هو الذي يعين قاضيا للأحداث من بين قضاة المحكمة، باقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية .
[8] - نصت المادة 485 من قانون المسطرة الجنائية الجديدة على أنه:" يعين بقرار لوزير العدل في كل محكمة استئناف مستشار أو أكثر للقيام بمهام مستشار مكلف بالأحداث[8] لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ويعفى من مهامه بنفس الكيفية".
[9] - في إطار تشكيل الأجهزة الخاصة بالأحداث على مستوى النيابة العامة[9]، نصت المادة467 من ق.م ج على أنه:" يكلف وكيل الملك بصفة خاصة، قاضيا أو عدة قضاة من النيابة العامة بالقضايا المتعلقة بالأحداث".
ونفس هذا المقتضى تبناه المشرع على صعيد محاكم الاستئناف, حيث قضت المادة 485 من نفس القانون في فقرتها الثالثة على أنه :" يكلف الوكيل العام للملك قاضيا أو عدة قضاة من النيابة العامة بقضايا الأحداث".
[10] - في هذا الإطار جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 5088 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1987 في الملف الجنائي رقم 198884/86 الذي نقض قرار محكمة الاستئناف حول اختطاف فتاة قاصرة بدون رضاها ليلا من طرف شخصين راشدين وقد= = جاء في هذا القرار:" ...لكن حيث إن عنصر الرضى ينعدم بقوة القانون لدى فتاة تبلغ من العمر 14 سنة الأمر الذي يبرر معه عنصر التدليس في حق المتهمين معا ويكون معه نقلها ليلا ولو برضاها من طنجة إلى الحسمية يشكل جريمة اختطاف قاصرة يقل عمرها عن 18 سنة باستعمال التدليس بشكل قابلا أن يضلل الطفلة والأشخاص الذين لهم سلطة عليه وتنزع موافقتهم..." ، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 41 ص: 220
[11] حسب مقتضيات المادة 477 من قانون المسطرة الجنائية تتشكل غرفة الأحداث تحت طائلة البطلان من قاضي الأحداث بصفته رئيسا و قاضيين اثنين، وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط .
[12] - راجع المادة 480 من ق .م.ج في فقرتها الأولى والثانية.
[13] - المادة 510 من ق .م.ج في فقرتها الثالثة.
[14] - حميد الوالي : مرجع سابق ، ص : 136.
[15] - راجع التقرير الختامي المشار إليه سابقا للدورة التكوينية المنظمة لفائدة قضاة الأحداث يومي 26 و 27 ماي 2003 بالمعهد العالي للقضاء.
[16] - بحيث تبين لنا من خلال المحاكم التي استطعنا زيارتها بمناسبة إعدادنا للرسالة المشار إليها سابقا في الهامش رقم 1 أن قاضي الأحداث غالبا ما يجمع بين مهمته كمكلف بالأحداث بوجه عام، وقاضي التحقيق فضلا عن قيامه بمعالجة ملفات أخرى جنائية ومدنية، ويعزى ذلك في نظرنا، إلى قلة الموارد البشرية والإمكانيات المادية المرصدة لقطاع العدالة ببلادنا .
[17] - راجع مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث المعروفة بقواعد الرياض، مرجع سابق، ص 7 وما يليها. 
[18] - نذكر على الخصوص القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 23 دجنبر 1958 المتعلق بحماية الطفولة والصبى المعرضين للخطر، والملاحظ أن معالجة هذه الوضعية يعرفها التشريع الفرنسي تحت مفهوم آخر وهو مفهوم الطفولة والصبي المعرضين للخطر إلا أن السند القانوني في القانون الفرنسي نجده في القانون المدني وليس في المسطرة الجنائية بحيث أن القانون المذكور الصادر في 23 دجنبر 1958 عدل بمقتضاه الفصل 375 من القانون المدني الفرنسي.
[19] - تقضي القاعدة الثالثة من قواعد بكين على أنه " لا يقتصر تطبيق الأحكام ذات الصلة الواردة في القواعد على المجرمين الأحداث وحدهم بل تطبق أيضا على الأحداث الذين قد تقام عليهم الدعوى لسلوك محدد لا عقاب عليه إذا ارتكبه شخص بالغ..."
[20] - انظر: حسن محمد ربيع: "الجوانب الإجرائية لانحراف الأحداث وحالات تعرضهم للانحراف"، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى 1991، ص: 17.
[21] - راجع المادة 512 من ق.م.ج.
[22] - راجع الفصل 375 من القانون المدني الفرنسي كما تم تعديله بالقانون الصادر بتاريخ 23دجنبر 1958 المتعلق بحماية الطفولة والصبي المعرضين للخطر،وبمقتضى هذا الفصل أصبح لقاضي الأحداث الفرنسي تحريك الدعوى بشأن أي صغير يوجد معرضا للخطر في صحته الجسمية أو النفسية...وذلك لتقرير تدبير يتخذ بشأنه من تدابير المساعدة التربوية، وقد يصل هذا التدبير إلى حد انتزاع الصغير من سلطة أبويه وتسليمه إلى شخص مؤتمن أو إيداعه مؤسسة تربوية أو وضعه تحت إشراف المساعدة الاجتماعية للطفولة.انظر للٍإطلاع على مضمون الفصل 375 المذكور.
[23] - لاحظ التقرير الختامي للدورة التكوينية لفائدة قضاة الأحداث المشار إليها سابقا.
[24] - رشيد مشاقة: الحدث في وضعية صعبة، العلم، ركن المجتمع والقانون ، العدد 19534 بتاريخ 12 نوبير 2003، ص 8.
[25] - انظر في ذلك، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، بوزارة العدل المغربية، سلسلة:الشروح والدلائل،العدد 2 ،مطبعة فضالة المحمدية، الطبعة الثانية 2004، ص: 269. وانظر كذلك ، حميد الوالي، مرجع سابق، ص 135.
[26] - انظر في نفس الإطار مقالنا بعنوان: إشكالية الحمائية القضائية للأحداث في وضعية صعبة ، المنشور في جريدة العلم العدد 20436 بتاريخ 2 يونيو 2006. ضمن صفحة مستشارك القانوني.
[27] - لاحظ مقترحات المرصد الوطني لحقوق الطفل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 01-22، مدونة المسطرة الجنائية، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس النواب يوم 29 مارس 2002، منشورات مجلس النواب 14، الولاية التشريعية 1997/2002، ص 302.
- انظر كذلك، أحمد شوقي بنيوب: الحماية الجنائية للأحداث"، مداخلة في ندوة السياسة الجنائية بالمغرب: واقع وآفاق ، أشغال الأيام الدراسية المنظمة من طرف وزارة العدل بمكناس أيام 9، 10، 11 دجنبر 2004، المجلد الثاني، مرجع سابق، ص : من 265 على 376.
[28] - راجع في هذا الشأن، فوزية عبد الستار:" المعاملة الجنائية للأطفال: دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1999، ص 79.
[29]- انظر تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 01-22 الجزء الثاني، مرجـع سابـق، ص: 237.
[30]-Voir le rapport de la session de formation des juges des mineurs qui est organise dans l’institut national des études judiciaires , les 16 ,17 et 18 décembre 2002.
[31] - فوزية عبد الستار: المرجع السابق،ص 79.
[32] - راجع بخصوص الوضعية القانونية لهذه الفئة من الأحداث، شكيب الرغاوي: الطفل المشرد بين الإدانة والرعاية ، دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، وحدة إعادة تربية الجانحين والتأهيل المهني، كلية علوم التربية ، الرباط، السنة الجامعية 1999-2000، ص 34 وما بعدها.
وانظر كذلك : محمد الدريج: الأطفال في وضعية صعبة، منشورات رمسيس ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، العدد 25 غشت- شتنبر 2002، ص 23 وما يليها.
[33] - انظر في هذا الصدد بحث بعنوان:" الهجرة السرية وعلاقتها بانحراف الأحداث " لحسن كوناتي، لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، كلية علوم التربية، السنة الجامعية 2003-



من إعداد: بوسلهام الشمعة، باحث في مجال المنازعات القضائية والإدارية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق