الصفحات

دور تبسيط المساطر الإدارية في تحديث الإدارة العمومية بالمغرب

دور تبسيط المساطر الإدارية في تحديث الإدارة العمومية بالمغرب



إن انخراط المغرب في مسيرة استكمال دولة الحق والقانون والنهوض بالازدهار الاقتصادي للبلاد يدعو أن تكون الإدارة في خدمة المواطن والمقاولة وأن تنظر إلى هذه الأخيرة كعنصر فاعل وعامل منتج يتمتع بكل الحقوق ويستفيد من الخدمات الضرورية


 التي توفرها مختلف المصالح الإدارية ولقد أصبح من البديهي اليوم أن تبسيط المساطر الإدارية يشكل الخطوة الأولى للوصول إلى تحديث وإصلاح الإدارة إذ بدونه تبقى الإجراءات الرامية إلى تحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين بلا فعالية سيما وأن المغرب محكوم عليه بالانخراط في مسلسل الرهانات الوطنية والدولية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، لذا أضحى التبسيط الإداري ورشا قائما بذاته يتعين إنجازه بكامل الفعالية من طرف الإدارة التي يجب أن تبرهن عن مقدرتها وجدواها سيما بعد أن أصبح احتكارها لإنتاج الخدمات في عدة مجالات موضع انتقاد لاذع، ومن ثمة فإن كفاءتها أصبحت تقاس بمدى قدرتها على النهوض بمهامها وليس بالسلطة التي تتمتع بها.انطلاقا من هذا سيتم التطرق لأهمية تبسيط المساطر الإدارية على أن نطرح في محور ثاني حصيلة تبسيط المساطر الإدارية في المغرب ،فإلى أي حد ستساهم المساطر الإدارية في تحديث الإدارة العمومية بالمغرب؟ 



الفرع الأول: أهمية تبسيط المساطر الإدارية



   لم يتم وضع المسطرة الإدارية عبثا، وإنما جاءت لتحقيق مجموعة من الأهداف نذكر منها: 


تحقيق الفعالية والدقة والمرونة الواجب توافرها في كل عمل إداري.
تنظيم وضبط طريقة تعامل الإدارة مع المرتفق.
حماية حقوق وحريات الأفراد ضد أي تلاعب.
إضفاء الشرعية والعقلانية على القرارات المتخذة.

ويقصد بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، إزالة التعقيد والتكرار والتداخل والتبذير في الوقت والجهد والمال وعادة ما تتم عملية تبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية من خلال دراسة عملية لمحاولة تشخيص وتحليل العمل للوصول إلى الحلول المناسبة لها بقصد الوصول إلى أحسن الطرق المؤدية إلى تحقيق الأهداف بالفعالية والكفاية الممكنة وذلك في ظل الإمكانيات المتاحة[2]. 

فالتبسيط الإداري يهدف إلى التخفيف والإنقاص من عبء المساطر والإجراءات الإدارية، فهو يرمي بالتالي إلى تسيير الحياة اليومية للمرتفق بكل سهولة ويسر، كما أنه من جهة أخرى يهدف إلى تغيير وتحسين العمل الإداري، فلقد أصبح الاهتمام برسم سبل تحديث الأجهزة الإدارية والرفع من كفايتها الإنتاجية ونمائها يشكل لا محال ضرورة من الضرورات الملحة والحتمية لمواجهة الأزمات التي تشعبت في هذه الأجهزة فأبعدتها عن تحقيق دورها المنشود. وهذا ما أكده جلالة الملك محمد السادس بقوله: "إن هدف الإجراءات العمومية التسهيل والتيسير وليس التعقيد والتعسير، وهو منهاج لترسيخ روح الاستقامة والوضوح والشفافية والتعجيل في إيصال النفع للناس لذلك أمرنا بتبسيط الإجراءات وتحيين النصوص الإدارية وتحديث وسائل التدبير والعمل على التوفيق المستمر بين المقتضيات الإدارية وروح العصر التي طبعت اليوم كل العلاقات البشرية". 

كما أن تبسيط المساطر الإدارية يشكل خطوة مهمة نحو تحديث العمل الإداري، نظرا لكونها تعتبر أدوات لتنفيذ القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل، وممارسة الصلاحيات والسلطات المخولة للجهاز الإداري وقناة رئيسية تمرر من خلالها الخدمات للمواطنين والمستثمرين ووسيلة أساسية للتدخل في عملية التنمية. 

فتعقد الإجراءات الإدارية يؤدي إلى تفشي مجموعة من السلوكات والممارسات السلبية التي تؤثر على صورة الإدارة من جهة وتعيق مسلسل التنمية من جهة أخرى، لهذا نجد أن مسألة التبسيط شكلت أحد أهم المواضيع في الدول المتقدمة لتحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين، حيث في معظمها رفع شعار "درجة الصفر من الوثائق الإدارية" من خلال ما تعتمده من تقنيات ووسائل حديثة في مجال تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، ففي فرنسا مثلا عملت على إدخال إصلاحات مهمة في هذا المجال على آراء واقتراحات المرتفقين وعلى كل الذين لهم دراية مدى تعقد المساطر والإجراءات الإدارية، حيث نجد أن 84% منهم يطالبون بتبسيط المساطر الإدارية للمرتفقين و92% منهم يطالبون بالرد السريع والمستعجل على طلبات المواطنين وذلك بغية خلق مرفق إداري يتسم بالجودة في تقديم خدماته. ولتحقيق تبسيط إداري فعال ،عملت فرنسا إلى إدخال الخدمات الضرورية عبر الإنترنيت، 

وهذا ما يساهم فعلا في تقريب الإدارة من المواطنين في إطار الإدارة الإلكترونية، كما عملت سنة 1997 بمراجعة بعض التراخيص الإدارية، حولي 4000 نظام ترخيص إداري فألغت منها 300 ترخيص، كما اتخذت 37 قرارا  لتبسيط تمت المصادقة عليها بتاريخ 5 دجنبر 1997، ولأن تسريع النشاط الإداري يقوم على تبسيط الشكليات وتسريع المساطر، فلقد عمدت فرنسا إلى الإعلان عن إجراءات جديدة تهم إنجاز مخططات شفوية لتبسيط المساطر الإدارية وذلك للاطلاع وتتبع المشاكل التي تطرحها المساطر في علاقة الإدارة بالمواطن، وفي اتجاه ذلك فقط صدر قانون رقم 2000.321 بتاريخ 12 أبريل 2000، الذي ينظم علاقة الإدارة بالمواطن حيث ينص في المادة 7 منه على تسهيل عملية حصول المواطن على الوثائق الإدارية حسب ما يقتضيه القانون، كما تنص المادة 160 منه على احترام آجال الرد على طلبات المرتفقين. 

وفي المغرب كذلك شكل تبسيط المساطر محور اهتمام السلطات العمومية ببلادنا منذ السبعينات، إلا أن الكلام عنه تم بطريقة محتشمة إلى حدود الثمانينات حيث أحدث الوزير الأول آنذاك المعطي بوعبيد لجنة وطنية كلفها بالإصلاح الإداري، حصرت مسألة الإصلاح الإداري في خمس نقاط: 

إصلاح الهياكل الإدارية.
تبسيط المساطر الإدارية.
تحسين وسائل وظروف العمل.
دور الإعلام والتوجيه في إنجاح عملية الإصلاح الإداري.
مراجعة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

وهكذا، تم  إيلاء أهمية كبرى لمحور تبسيط المساطر الإدارية، يتزايد الاهتمام به بتزايد الحكومات المتعاقبة، خاصة منذ نهاية التسعينات شكل أحد أولويات عمل الحكومة المغربية ضمن برامج تحديث الإدارة، ويحظى اليوم بأهمية استراتيجيه في مجال تطوير جودة الخدمات العمومية ودعم شفافية العلاقة بين الإدارة والمرتفقين وتحسين مناخ الأعمال ببلادنا. وقد انصبت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة على العمل لتبسيط المساطر ذات الارتباط ببعض الخدمات الأساسية المقدمة وتخفيف العناء على المرتفقين. 

فعملية التبسيط ينبغي أن ترتكز على مبادئ أساسية تضمن استمراريتها وتسهل مأمورية المواطن والتعامل مع الإدارة على وجه الخصوص، وهذه المبادئ تتمثل في: 

التوحيد: الذي يقتضي بتجميع المساطر وتقليص عدد الاستمارات والمسالك الإدارية فضلا عن حذف الإجراءات الضرورية، واعتماد إجراءات أكثر قربا، بتبني مساطر نموذجية يمكن استعمالها في العديد من المعاملات الإدارية اليومية.
التنسيق: ويهم هذا المبدأ كل العناصر المشابهة، وعمليات تكوين الملفات وسير المساطر ذات الصبغة المشتركة، فالتبسيط عن طريق التنسيق قد يشمل الوحدات الإدارية داخل نفس الوزارة، يحكم استعمالها لنفس القنوات والإجراءات الإدارية، كما قد يهم التنسيق مصالح مشتركة بين عدة قطاعات وزارية حينما تتقارب مجالات تدخلها أو تعد مكملة لبعضها البعض.
التواصل: يهدف إلى تخفيف الإجراءات، عن طريق إعلام العموم في شكل دلائل ومنشورات مصاغة بلغة سهلة وواضحة، وإحداث مصالح مختصة باستقبال المرتفقين.
التدوين:ويبقى تدوين المساطر الإدارية من الآليات المهمة لتبسيطها،وذلك لما يوفره التبسيط من ضمانات لحقوق المواطنين وتباين لالتزاماته،وتفعيل لحقوقه،فالتدوين يمكن من مرجعية واحدة تتمثل في معايير واضحة تهم الشروط والشكليات والآجال الواجب احترامها والالتزام بها من طرف الإدارة والمرتفق على حد سواء

الفرع الثاني: حصيلة تبسيط المساطر الإدارية

انطلاقا من التوجيهات الملكية الداعية إلى إصلاح وتحديث الإدارة العمومية، جعلت وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة من التبسيط أحد المحاورالأساسية ضمن الإستراتيجية المعتمدة في مجال تحديث الإدارة وتضع هذه الأخيرة في خدمة المواطن والمقاولة من خلال الرفع من أدائها والارتقاء بها إلى مستوى النجاعة والفعالية والمردودية. وقد انصب العمل على تبسيط المساطر ذات الارتباط ببعض الخدمات الأساسية المقدمة وتخفيف العناء على المرتفقين وعليه تم: 

دراسة وتبسيط عدد من المساطر، تخص في جانب مهم منها البطاقة الوطنية للتعريف الإلكتروني، فطبقا للمادة السابعة المحدثة للبطاقة الوطنية، فإن المرتفقين المتوفرين على هذه البطاقة، يعفون من الإدلاء بعدد من الوثائق، كعقد الازدياد، وشهادة السكنى وشهادة الحياة، وشهادة الجنسية، مقابل اكتفاءهم بتقديم نسخة مطابقة للأصل من البطاقة المذكورة.
تخويل الصلاحية للمصالح الإدارية التي تتولى إنجاز مسطرة إدارية معينة، لكي تقوم بعملية الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها التي تطلبها هذه المصالح من المرتفقين من أجل إنجاز المسطرة وتقديم الخدمة وذلك بتمكين الأعوان والموظفين من مزاولة صلاحية إنجاز هذا الإجراء.
جرد وتدوين 720 مسطرة إدارية الأكثر تداولا تم إدراجها ببوابة الخدمات العمومية .servicepublic.ma
دراسة مسطرة إحداث الشركة ذات المسؤولية المحدودة في إطار مجموعة العمل المكلفة بتبسيط المساطر الإدارية التي تترأسها هذه الوزارة والمنبثقة عن اللجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال، حيث تم تحديد مجموعة من الإجراءات التبسيطية، بالتنسيق مع الإدارات المتدخلة في هذه المساطر والتي ستمكن من التخفيف من التعقيدات الإدارية على المستثمرين.

كذلك تم اعتماد مقاربة جديدة في تبسيط المساطر تقوم على تدوين وتبسيط المساطر وإدراجها ضمن نماذج إدارية مصادق عليها وموحدة على الصعيد الوطني، وقد تم خلال أكتوبر 2012 إعطاء انطلاقة تدوين وتبسيط عينة أولى من المساطر ذات الأولية بالنسبة للمواطن والمقاولة وتهم هذه المقاربة 100 مسطرة أكثر تداولا منها 70 مسطرة تهم الأشخاص الذاتيين و30 مسطرة تهم المقاولات. 
+ إعداد إطار مؤسساتي ملائم لتبسيط المساطر، يتمثل في وضع آليات على الصعيد الأفقي وعلى المستوى القطاعي، الكفيلة بتحقيق الفعالية والتنسيق فيما بين جميع المتدخلين فيما يخص إنجاز برامج التبسيط. 

+ في مجال التعمير تم تبسيط المساطر المتعلقة بالحصول على تراخيص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وشواهد السكن والمطابقة ومذكرة المعلومات وغيرها،حيث تم إصدار المرسوم المتعلق بضابط البناء والذي ينص على إحداث الشباك الوحيد  للتعمير في الجماعات التي يفوق عدد سكانها 50 ألف نسمة. 

+ دراسة عدد من المساطر الإدارية الأساسية بالنسبة للمواطنين، كالوثائق الشخصية والحالة المدنية، وبعض المساطر المرتبطة ببعض المجالات الأخرى كالجمارك، والضرائب، والسجل التجاري، وتركزت الدراسة على مراجعة الوثائق الإدارية المطلوبة، والرسوم، وآجال الحصول على الخدمات، والمتدخلين في المسطرة وملائمة هذه المساطر مع النصوص القانونية. 

+ تبسيط مسطرتي رخصة السياقة والبطاقة الرمادية من خلال عدد من التدابير التي ستخفف العناء على المواطنين، وذلك في إطار لجنة ضمت ممثلين عن الإدارات المتدخلة في هاتين المسطرتين. وعليه تم الاتفاق على تقليص الوثائق المطلوبة بالنسبة للرخص السالفة الذكر وذلك باعتماد مطبوعات والنماذج المطلوبة في إنجاز مسطرة الحصول على رخصة السياقة والبطاقة الرمادية ووضعها على الإنترنيت وتقليص عدد من الإجراءات لسحب هذه الوثائق. 

هذا الاتفاق يندرج في  إطار تنفيذ البرنامج الحكومي في مجال تبسيط المساطر الإدارية الرامية أساسا إلى تسهيل ولوج المواطنين للخدمات العمومية. وبالتالي سوف تصبح عدد الوثائق المطلوبة بالنسبة للحصول على رخصة السياقة في 3 وثائق بدلا من 9، وبالنسبة لإنجاز البطاقة الرمادية تم تقليص عدد المطبوعات الإدارية إلى نسخة واحدة بدل ثلاث، كما تم حذف إجراء المصادقة على التصريح بالشرف للفحص الطبي وبطاقة التعريف الوطنية. 

وختاما:

لبلوغ عملية التبسيط الهدف المتوخى منها، لابد من قيامها على المبادئ التي سبق ذكرها، وذلك لتسهيل تعامل المواطن مع الإدارة العمومية، وبالتالي سيؤدي التبسيط إلى إحداث تقليص في مسافات التعقيد المحدثة بفعل الممارسات العملية وإلى ربح في الوقت والتكلفة رفع الجودة. وبالتالي تيسير الحياة اليومية للمرتفق وللمقاولة  وتحسين مناخ الأعمال ببلادنا من خلال استعمال الإدارة لمساطر مبسطة سليمة وفعالة. 

ومن ناحية أخرى تشكل المسطرة الإدارية الأداة الأساسية لنجاح سياسة الاستثمار بالمغرب، وفي هذا الصدد جاءت الرسالة الملكية الموجهة للوزير الأول لتبسيط المساطر الإدارية، بتاريخ 9 يناير 2002، سواء بالنسبة للمواطن المغربي أو المستثمر الأجنبي خاصة، لأجل إنجاح عملية الاستثمار لتنمية الاقتصاد الوطني في ظل العولمة والتنافسية. من خلال ما يوفره الاستثمار من عملة صعبة وتشغيل اليد العاملة والمساهمة في الاقتصاد الوطني. لهذا فمعظم الدول ومنها المغرب تعمل بكل جهد على توفير الظروف الملائمة والمواتية للمستثمر الأجنبي سواء إداريا أو قانونيا أو سياسيا أو ماليا. ومن أهم الإجراءات المتخذة لتطوير الاستثمار ببلادنا تم إنشاء المراكز الجهوية للاستثمار والتي تعبر فلسفتها وطريقة اشتغالها  عن مدى الاهتمام بتبسيط المساطر الإدارية في الميدان الاستثماري ودوره في تشجيع المستثمرين. 

إعداد:الدكتورة مريم فضال






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق