الصفحات

الحكامة الجيدة وموقعها من الدستور الجديد

الحكامة الجيدة وموقعها من الدستور الجديد



الرقابة والمحاسبة قيم وآليات تشكلان جزءا لا يتجزأ من منظومة الحكامة الديمقراطية الرشيدة، بل إنهما تخترقان كافة مكوناتها وأبعادها ومستوياتها، إذ لا ديمقراطية بدون رقابة ومحاسبة ونزاهة (مكافحة الفساد) ولا رقابة ومحاسبة ونزاهة بدون حكامة ديمقراطية ودولة قانون، فكيف كرس الدستور الجديد هذه المعادلة على ضوء المعايير المتعارف عليها عالميا؟


I-المعايير والممارسات الفضلى المتعارف عليها عالميا:

1- الحكامة الديمقراطية

الحكامة هي عبارة عن مسار أو مسلسل من خلاله تمارس السلطة بدون تحديد معلن للأهداف المنشودة، أي أن الحكامة منهج ووسيلة وليست غاية بحد ذاتها، ينصرف موضوعها إلى الطرق والآليات وليس إلى الأهداف والغايات. من وجهة نظر الأمم المتحدة تعني الحكامة "ممارسة السلطة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والإدارية في تدبير شؤون البلد على كافة المستويات، وهي تشتمل على الآليات والمؤسسات والممارسات التي من خلالها يبلور المواطنون مصالحهم، ويمارسون حقوقهم الشرعية، ويؤدون التزاماتهم ويديرون خلافاتهم" في سبيل النهوض بالتنمية الشاملة المستدامة، ذلك أن الحكامة العاجزة ديمقراطيا لن تكون قادرة على وقف تبديد الموارد والفساد والتسلط والتعسف والارتجال، وبالتالي تضيع بوصلة التنمية ويختل ميزان العدل وعندما يختل هذا الأخير يؤذن بخراب العمران على قول ابن خلدون.

وعليه أثبتت الدراسات المقارنة المحكمة أن التنمية المستدامة ولا سيما في بعدها البشري تقتضي التحول نحو الديمقراطية من خلال رسم الهدف التالي وهو، "الوصول إلى نمط لصناعة القرار حول مجمل القواعد والسياسات العمومية بما يسمح برقابة الشعب، الذي يتعين على أفراده أن يتمتعوا بحقوق متساوية في المشاركة في عملية صناعة القرار تلك بصفة مباشرة وغير مباشرة ".
وفيما يلي عناصر تثبيت الحكامة الديمقراطية حسب معايير الأمم المتحدة:
- تطوير التعددية
- تطوير وحماية واحترام حقوق الإنسان
- تدعيم حكم القانون
- تنمية وتغذية وتثبيت نظام انتخابي يتيح التعبير الحر والنزيه للشعب من خلال انتخابات دورية ذات مصداقية
- خلق وتطوير الأسس القانونية والآليات الضرورية التي تتيح مشاركة كافة أعضاء المجتمع في تنمية وتثبيت الديمقراطية،
- تقوية الديمقراطية من خلال الحكامة الرشيدة
- تقوية الديمقراطية من خلال تطوير تنمية مستدامة
- دعم التآلف والتضامن الاجتماعي.
2- الحكامة الرشيدة
لكي تتصف الحكامة بصفة "الرشد" وهي صفة أدق وأعمق وأوسع وأنبل من صفة "الجودة" فعليها أن تخضع للشروط والمتطلبات التالية:
• مأسسة الإصلاح: أن يكون الإصلاح منهج حكم، وعمل مؤسس، ونظام مستقر، وقوانين جارية، أي أن لا يكون معلقا على إرادة فرد أو جماعة.
• الرؤية الإستراتيجية: أي التوفر على منظور بعيد المدى لتطوير المجتمع والنهوض بموارده، مع ضمان وضوح الرؤية في تحديد الخطط ورسم البدائل والقدرة على التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية، الحالية والمستقبلية.
• المشاركة: جميع المواطنين رجالا ونساء لهم الحق في المساهمة في اتخاذ القرار، إما مباشرة أو بواسطة مؤسسات تمثيلية تعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم.
• حكم القانون: أن تكون المنظومة القانونية عادلة وأن يتم تطبيقها بنزاهة ولاسيما تلك القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان.
• الشفافية: ضمان التدفق والتبادل الحر للمعلومات، بحيث تصبح المؤسسات العمومية ومعاملاتها وحساباتها متاحة بصورة مباشرة لكل المعنيين بها بمن فيهم المواطنون، حتى يمكن متابعة عملها ومراقبتها ومحاسبتها.
• الرقابة والمحاسبة والمساءلة: وجود نظام متكامل للرقابة والمحاسبة والمساءلة وإمكانية تطبيق هذا النظام على جميع متخذي القرار.
• التوجه التوافقي: التوجه نحو تحري إجماع واسع حول مصلحة الجميع. والتوافق على الإجراءات المتخذة لتحقيق ذلك.
• تكافؤ الفرص: ويعني العدل الاجتماعي والاهتمام بالفئات في وضعية صعبة.
• تحقيق حاجات المواطنين: من خلال توظيف الموارد الوطنية باقتصاد وكفاءة وفعالية (دور الرقابة والمحاسبة).
3- محورية الرقابة والمحاسبة و النزاهة (مكافحة الفساد):
الرقابة والمحاسبة و النزاهة (مكافحة الفساد) نظام وقيم وآليات ومؤسسات أفقية وعمودية تشكل مربط الفرس في تحريك وضمان نجاح الحكامة التنموية في كافة أبعادها ومستوياتها وتفاعلاتها. إنها نسق أو بنية متكاملة الأضلاع والفعاليات والفاعلين، الغرض منها وضع مسلسل متماسك وفعال وذي مصداقية لطرح التصرفات والأعمال والإنجازات ذات الصلة بتدبير الشأن العام والمال العام رهن إشارة من لهم القدرة على فحصها وتقييمها والحكم على مدى صحتها ودقتها وجودتها، تتلوها المساءلة أي وضع المسئولين المخلين بواجباتهم أمام عواقب أفعالهم، أي الطلب منهم تقديم التوضيحات اللازمة لجميع الأطراف المعنية بمن فيهم المواطنون حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم.. وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش والانحراف والفساد.
وتتأسس الرقابة والمحاسبة والنزاهة على ثلاثة أركان، وذلك من منظور الحكامة الديمقراطية التنموية الشاملة:
- الرقابة والمحاسبة السياسية: ضمان آليات المشاركة والمراقبة والمتابعة والمعاقبة الشعبية بواسطة الانتخاب وحرية التعبير والاحتجاج.
- الرقابة والمحاسبة المالية: وتعني واجب تقديم الحساب عن الاستعمال الحالي والمخطط له للموارد العمومية وتحمل مسؤولية الفشل والأخطاء والانزلاقات.
- الرقابة والمحاسبة الإدارية: ضمان آليات الرقابة الداخلية من أجل تأمين حسن استعمال الموارد العمومية وسلامة تطبيق الإجراءات الإدارية، وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، مع وضع نظام فعال للثواب والعقاب.
- نظام النزاهة الوطنية : يساهم بشكل مستقل وفعال في كشف الفساد والتبليغ عن الفاسدين والمرتشين ومحاصرة تحركاتهم من خلال بث وترسيخ قيم وآليات الشفافية والمساءلة وحكم القانون وأخلاقيات تدبير الشأن العام والمال العام.
وأخيرا لا يمكن تطبيق نظام وآليات الرقابة والمحاسبة و النزاهة (=مكافحة الفساد) في غياب أمرين جوهريين متلازمين معهم ومرتبطين بهم وهما: الشفافية وحكم القانون أي المساواة أمام القاعدة القانونية .
وأما الفاعلون في مسلسل الرقابة والمحاسبة و النزاهة (=مكافحة الفساد) فهم على التوالي:
- البرلمان: المنتخب والنزيه والكفء وذو السلطات الرقابية الواسعة والمتفاعل مع الجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة.
- الجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة: المستقل والفعال والناهض بجميع اختصاصاته ولاسيما العقابية والمتفاعل مع البرلمان والقضاء والرأي العام.
- القضاء: المستقل والنزيه والعادل والفعال والشجاع والمؤهل بشريا وماديا وفنيا والقابل للنقد خارج طرق الطعن القانونية المعتادة.
- هيئة النزاهة أو مكافحة الفساد: القوية والفعالة والمستقلة والقادرة على كشف الفاسدين والتوعية بمخاطر الفساد وضمان الوقاية منه ومحاربته.
- الإعلام: الحر والمسئول والمتكافئ الفرص بين قطاعه الحكومي والخاص والمنفتح والتعددي، والخاضع للمراقبة الموضوعية المستقلة من قبل هيئة عليا للإعلام.
- المجتمع المدني: المستقل والحر والحي والحيوي والفاعل إيجابيا من خلال التوعية والتحسيس وتقديم الاقتراحات البناءة، مع مراقبة ومتابعة العمل الحكومي وكشف أخطائه وخروقاته.

II- المكتسبات الدستورية الجديدة
يتضمن الدستور الجديد هندسة مؤسسية منسجمة ومتناسقة في تعزيز منظومة وآليات الحكامة الديمقراطية الرشيدة قوامها نظام للرقابة والمحاسبة و النزاهة (مكافحة الفساد) متكامل وطموح وعصري.
1- الحكامة الديمقراطية:
تتمثل فلسفة الدستور الجديد في إقامة دولة الحكامة الديمقراطية في إطار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وينص الدستور الجديد على الديمقراطية ومبادئ الحكامة الرشيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارهما من المقومات الخمسة للنظام الدستوري، وينهي الدستور الجديد ما كان يسمى بالدستور الضمني أو غير المكتوب من خلال توضيح صلاحيات الملك وعلى أن هذه الصلاحيات يمارسها الملك كما هي منصوص عليها صراحة في الدستور، ويعيد توزيع سلطاته السابقة نحو تحويل جزء منها إلى الوزير الأول، ولاسيما سلطات هذا الأخير الحصرية في مجال وضع وتنفيذ السياسات العمومية والقطاعية ذات الصلة بالمعيش اليومي للمواطنين، ومع أن الدستور الجديد أبقى سلطة التعيين الملكي بالنسبة لبعض المؤسسات والمقاولات الإستراتيجية فإن هذا التعيين يتم بناء على اقتراح من الوزير الأول (رئيس الحكومة) وبمبادرة من الوزير الوصي على القطاع. وكل ذلك في إطار دسترة مجلس للحكومة، ورئيس للحكومة ذي صلاحيات شبه حصرية على الإدارة العمومية.
وينص الدستور الجديد على مبدأ سمو القانون باعتباره أعلى تعبير عن إرادة الأمة كما ينص على مبدأ المساواة أمام القاعدة القانونية، ويكرس الدستور الجديد التعددية الحزبية مع الدعوة إلى دمقرطة الشؤون الداخلية للأحزاب، ودور المعارضة البرلمانية المحفوظة المكانة والحقوق، مع تعزيز سلطات وهيبة البرلمان تشريعيا ورقابيا ومعنويا. وفيما يخص الانتخابات يضمن الدستور حريتها ونزاهتها وشفافيتها وطابعها الدوري المنتظم.
وفيما يتعلق بالإعلام يكرس الدستور حرية الصحافة مانعا الرقابة المسبقة عليها مع ضمان تعدديتها من خلال مراقبة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
وفيما يخص مشاركة المواطنين نص على تأسيس هيئات للتشاور تضمن مشاركة الفاعلين الاجتماعيين في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وكذا حق المواطنين في تقديم اقتراحات قوانين وعرائض.
كما يكرس دور المجتمع المدني من خلال إطلاق حرية تأسيس الجمعيات ورهن عملية حلها بمقرر قضائي وليس بقرار إداري.
ولضمان نفاذ جميع المبادئ والحقوق والحريات الدستورية نص في مقتضى لافت وجديد على جواز الدفع بعدم دستورية القوانين المتعارضة معها أمام المحكمة الدستورية.
2-الحكامة الرشيدة: التدبيرية والتنموية والتشاركية
تضمن الدستور الجديد بابا خاصا وجديدا حول الحكامة وعدة فصول متناثرة في الباب الأول وأبواب أخرى تؤسس لمبادئ ومؤسسات الحكامة الرشيدة في أبعادها التدبيرية والتنموية والتشاركية. وهكذا نص الدستور الجديد على مبدإ خضوع الإدارات العمومية ومرافق الدولة والجماعات الترابية في تدبيرها للمبادئ الديمقراطية والعقلانية والأخلاقية ومنها:
-المبادئ:
- الحق في الولوج إلى المعلومات التي تمتلكها الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة.
- تيسير الولوج على الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.
- منع تضارب المصالح الشخصية مع المسؤوليات والوظائف العمومية وزجر هذه الظاهرة.
- التوزيع المنصف للمرافق العمومية على عموم التراب الوطني.
- المساواة بين المواطنين في الاستفادة من خدمات المرافق العمومية.
- الشفافية والمحاسبة وحكم القانون والنزاهة وخدمة المصلحة العامة.
- التصريح بممتلكات ذوي المسؤوليات قبل تسلم المهام وخلال ممارستها وبعد الانقطاع عن ممارستها.
- ضمان حرية القضاة بمن فهيم قضاة المحاكم المالية في التعبير عن آرائهم وتأسيس أو الانخراط في جمعيات مهنية.
- المؤسسات:
- دسترة مؤسسة حقوق الإنسان: التحري عن الخروقات وكشفها وتتبع وضعية حقوق الإنسان.
- دسترة مؤسسة الوسيط: تلقي شكاوي المتضررين من سوء المعاملة الإدارية والسعي إلى حلول توفيقية.
- دسترة هيئة المناصفة ومكافحة التمييز: محاربة الإقصاء وتحسين وضعية المرأة.
- دسترة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري: ضمان تعددية وأخلاقيات الإعلام الوطني.
- دسترة مجلس المنافسة: محاربة الاحتكار والأعمال الماسة بالمنافسة الشريفة في المجال الاقتصادي.
- دسترة الهيئات التشاورية التالية: التربية والتكوين والبحث العلمي، الأسرة والطفولة، الشباب والعمل الجمعوي.
- دسترة المجلس الأعلى للأمن الوطني: لبلورة حكامة أمنية رشيدة.
3-الرقابة والمحاسبة و النزاهة (=مكافحة الفساد)
-المبادئ:
- الشفافية : إعلام الرأي العام بحقائق تدبير الشأن العام والمال العام.
- المراقبة والمحاسبة والتقييم من داخل الإدارة والمرافق العمومية ومن خارجها.
- حماية المنافسة الاقتصادية الشريفة.
- ربط تقلد مناصب المسؤولية بالمراقبة والمحاسبة.
- التصريح بالممتلكات وتتبعها.
- قدسية المال العام وزجر المنحرفين في استعماله.
- منع استغلال النفوذ والسلطة.
- الرقابة القضائية العليا المستقلة على المال العام وطنيا وجهويا، مع كشف نتائجها وتفعيل وظيفتها العقابية .
- النزاهة ومحاربة الفساد.
- دسترة اختصاص تقييم السياسات العمومية.
- تعزيز الأخلاقيات في تدبير الشأن العام والمال العام.
- تكريس مبدإ التفاعلية (Responsiveness) من خلال إلزام الإدارات العمومية بالجواب على أسئلة وتظلمات المواطنين.
- المؤسسات:
- البرلمان: من خلال تعزيز وظيفته الرقابية ودسترة اختصاصه التقييمي للسياسات العمومية ومد جسور التفاعل مع المجلس الأعلى للحسابات.
- المجلس الأعلى للحسابات: من خلال تعزيز شفافيته ودوره الرقابي والتخليقي وتفاعله مع البرلمان وباقي أصحاب الشأن والرأي العام.
- القضاء: من خلال ضمان استقلاله العضوي والتدبيري.
- مجلس المنافسة: من خلال العمل على تخليق الاقتصاد ومنع الاحتكار
- هيئة النزاهة: من خلال مكافحة الفساد والوقاية من الرشوة ومحاربتها
- الإعلام والمجتمع المدني والمواطنون.
-الآليات:
- الأسئلة البرلمانية وجلسات الاستماع ولجن تقصي الحقائق وملتمس الرقابة وملتمس المساءلة والطعن في القوانين ومناقشة القانون المالي السنوي ومشروع قانون التصفية في الوقت الدستوري المناسب.
- الرقابة القضائية على المال العام من خلال نشر التقارير الخاصة وتتبع التصريح بالممتلكات ومراقبة حسابات الأحزاب السياسية وعرض تقرير عام علني أمام البرلمان حول مجموع الأنشطة الرقابية وتفعيل الوظيفة القضائية من خلال نشر الأحكام والإحالة على القضاء لجميع حالات الفساد الإجرامي ضمانا لعدم الإفلات من العقاب.
- تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة ومتابعاتها لحالات الفساد وكشفه والسعي لتجفيف منابعه.
- تقييم السياسات العمومية من طرف البرلمان لفرز صالحها من طالحها واقتراح سبل التصحيح والتصويب.
- التقارير الكاشفة لحالات الاحتكار والمس بالمنافسة الشريفة في المعاملات الاقتصادية.
خصائص الانسجام والتناسق والوضوح والمسؤولية
- لضمان فعالية ومصداقية منظومة الرقابة والمحاسبة و النزاهة (مكافحة الفساد) ، وضع الدستور الجديد نسقا متفاعلا ومتكاملا قوامه الوضوح والمسؤولية والمؤسسية، وهكذا:
- تم ربط رقابة المجلس الأعلى للحسابات برقابة البرلمان ورقابة القضاء، ومن خلال مد جسور التواصل والتفاعل الوظيفي.
- ضمان استقلالية وفعالية وشفافية ومسؤولية المجلس الأعلى للحسابات وذلك من خلال التنصيص الصريح على الضمانة الدستورية لاستقلاله وإلزامه بالتفاعل مع البرلمان في جميع المجالات المتعلقة بمراقبة المال العام، والرد على أسئلة واستشارات البرلمان، ومن خلال تفعيل الوظيفة القضائية للمجلس الأعلى للحسابات الذي أصبح ملزما بنشر أحكامه القضائية ولا سيما في ميدان التأديب المالي والبت في الحسابات ومن خلال تقديم عرض أمام البرلمان حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات تتلوه مناقشة عامة.
- وتكرس هذه المكتسبات الدستورية الأخيرة انخراط المغرب والتزامه بأرقى المعايير المتعارف عليها عالميا فيما يتعلق باستقلال وفعالية وشفافية ومسؤولية الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة كما أقرتها المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة ولاسيما المعيار الدولي رقم 10 (الاستقلال والفعالية) والمعيار الدولي رقم 20 (الشفافية والمسؤولية)، علما أن المجلس الأعلى للحسابات عضو في هذه المنظمة الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي ملتزم بمقرراتها وتوصياتها.
- ضمان مسؤولية جميع مؤسسات الرقابة والحكامة والاستشارة والتنمية البشرية أمام البرلمان.
بقي أن أقول في خاتمة هذه المقالة التقييمية/التركيبية أن الدستور مهما تسلق من رتب في سلم المعايير والممارسات الفضلى المتعارف عليها عالميا يبقى مجرد إطار للعمل أي وسيلة (كما الحكامة مجرد منهج)، ترسم المبادئ التأسيسية والتوجيهية للدولة والمجتمع، والعبرة بتحويله إلى آليات للتحرك الميداني قدما نحو تفعيل مقتضياته وتحويلها إلى فعل تنموي ملموس.
إن هذا الدستور الجديد هو بمثابة إعلان نوايا حسنة معزز بتعهد شخصي من رئيس الدولة عن القطع نهائيا مع إستراتيجية التكيف والالتفاف السلطوي على مطالب التغيير والإصلاح، فهل يتطابق حساب الحقل مع حساب البيدر؟ علما أن المهمة عسيرة ومعقدة، وممتدة في الزمن وإن كانت قابلة للتنفيذ، وأن المسؤولية عامة ومشتركة، تفرض على جميع الفاعلين ، أقول جميع الفاعلين ، التحلي بالوعي التاريخي فضلا عن التوفر على شروط الإرادة الصلبة ، والقدرة على التطبيق، وذكاء تشخيص قابليته، وأولوياته وتحدياته، وجدوله المرحلي والزمني.. وعلى كل حال، هذا موضوع آخر يستأهل مبحثا آخر.

إعداد:ذ/محمد حمزة الهيلالي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق