الصفحات

حول مؤسسة الوسيط


حول مؤسسة الوسيط


في مسار تحديث القضاء، أحدثت على مستوى المحاكم المغربية تجربة -مؤسسة الوسيط- وذلك بغية تجسيد استراتيجية جديدة تعتزم وزارة العدل من وراءها تفعيل وتبسيط الإجراءات في وجه المتقاضين.




فتجربة الوسيط تهدف على مستوى أخر، إلى تكريس قيم ومبادئ الحكامة الجيدة ميدانيا ، وتتمثل أساسا في :



1- تبسيط المساطر وتذليل الصعوبات أمام المتقاضيـن:

إن تعقيدات المساطر من جهة، وواقع محيط المحاكم وطبيعة الفئات الاجتماعية التي تسعى إلى خدماتها تتصف نسبة مهمة منها بعدم الوعي القانوني، مما ينعكس سلبا على كيفية مسايرة الإجراءات من هاته المصلحة الحيوية التي هي أساس استقرار المجتمع.

فالمؤكد أن هاجس اعتماد مبادئ الحكامة الجيدة أصبح يحتل الصدارة في الوقت الراهن باعتبارها أسلوبا ناجعا لتدبير جيد، وإن تبسيط المساطر في وجه المتقاضين يضمن الولوج الفعال لخدمات المحاكم.

ومن هنا، فإن فمؤسسة الوسيط كخلية أحدثت من اجل تبسيط وتسهيل الإجراءات بالشفافية التي تجعل منهج العمل واضحا، شفافا وباعثا على اطمئنان المتقاضين بما ينعكس إيجابا على المتقاضين .

وفي هذا السياق، فإن مجال تدخل الخلية مقتصرا على التوجيه والإرشاد السليم وتذليل المعيقات في وجه هاته الفئة.

كما يندرج عمل مؤسسة الوسيط في مستوى آخر لتدعيم أسس الحكامة الجيدة وهو :

2- تعزيز الثقة لدى المواطن في القضـاء:

بالوقوف على مسار التجربة القضائية في المغرب، نجدها في حاجة الى المزيد من التحديث جهازها وأسلوب عملها بما يضمن رفع رواسب عدم الثقة لدى المتقاضين وتجنب الممارسات السلبية.

وفي هذا الإطار، فإن خوض تجربة مؤسسة الوسيط على مستوى المحاكم حتما ستخلق تصورا جديدا حول المؤسسة القضائية بما يعزز الثقة لدى المواطن في القضاء بالالتجاء إليه لحماية حقوقه ومصالحه، بالتواصل الذي يضمن التوجه الصحيح .

3- التواصل الدائم والمستمـر:

إن إحداث مؤسسة الوسيط يذكي منهجا تواصليا بامتياز لتشكيل خليته من هيئة تضم قاض ونائب وكيل الملك ومحام وكاتب للضبط يناط بها توجيه وإرشاد المتقاضين مما يبرز مستوى جد متميز للتواصل بين الإدارة القضائية والمتعاملين معها، فالتواصل بالمؤسسات العمومية للإدارات يعتبر من مؤشرات التحديث والعصرنة، ينضاف هذا المجهود إلى جانب إدخال المعلوميات في تقديم المعلومات والإخبار.

ولخلية الوسيط مهام تواصلية مزدوجة أولها وهي الأساسية موجهة نحو المتقاضين والوافدين على المحكمة، وثانيها موجهة نحو الموظفين العاملين بهاته المحاكم، وذلك بمناسبة توجيه المتقاضين وإرشادهم على نحو يخدم ويكرس مبدأ آخر ألا وهو :

4- تدبير الوقت :

إن أهمية الوقت وتدبيره أصبحت من أسس ومرتكزات علم الإدارة ونهج الحكامة الجيدة.

ففي ظل مناخ تنافسي يؤمن بالجودة، والدقة، والسرعة، فالقضاء بدوره أصبح مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتجاوز الوضعية السابقة من أجل ضمان تصريف الخدمات في وقت معقول ومناسب، وإن إحداث خلية الوسيط ستسهم لا محالة في ضمان تبسيط الإجراءات وتوجيه وإرشاد المتقاضين إلى الوجهة الصحيحة بدل ضياع الوقت بين مرافق المحكمة، وهذا سينعكس أيضا على تخفيف الاكتظاظ، ومن التماطل والتباطؤ والتلكؤ في إطار من الشفافية والوضوح.

5-ضمان الشفافية والوضوح :

إن خلية الوسيط والأدوار المنوطة بها ستؤدي لا محال إلى غرس قيم الشفافية والوضوح في التعامل مع المتقاضين، بما يتطلبه القانون بعيدا عن كل ما يمكن أن يستغل في إطار خارج عن القانون جراء عدم فهمهم للإجراءات والمساطر التي يتوجب إتباعها، على أن لا يغيب عن أذهاننا مستوى الأمية القانونية المرتفع في كثير من بوادي دائرة نفوذ هذه المحكمة، مما كان يجعل هاته الفئة عرضة لبعض أشكال الممارسات غير القانونية، وان إحداث هاته الخلية ستضع حدا للعديد من السلوكات المشينة التي أثرت سلبا على القضاء المغربي لفترات زمنية مهمة، بل وتعتبر درجة من درجات الإصلاح القضائي التي تساهم فيها الإدارة القضائية ميدانيا في تيسير الولوج إلى المحاكم، وجعل القضاء في خدمة المتقاضين وتكسير التصورات السابقة من قبيل التخوف من المحاكم والسكوت على إهدار الحقوق، فالخطوات التي أقدمت عليها وزارة العدل تظل ايجابية، وفي نفس الوقت غير كافية، إذ لا يزال مسار الإصلاح وإرجاع الثقة إلى المواطن في اللجوء إلى القضاء بمجرد المساس بحقوقه يحتاج إلى المزيد من الجهد والأوراش الإصلاحية التي انخرطت فيها وزارة العدل.

إن المبادئ السالف ذكرها والتي تندرج كما سبق ضمن مرتكزات ومبادئ الحكامة الجيدة تصب جلها في العمود الفقري لهذا النهج وهو:

6- تحقيق النجاعة والفعالية والجودة في الخدمات:

إن المقياس الذي تقاس به مردودية إدارة عمومية كانت أو مؤسسة، يرتبط بمستوى النجاعة التي تحققها، وعلى هذا النحو، فإن تحقيق هذا المبتغى لا يرتبط فقط بإحداث مؤسسة الوسيط، وإنما تظل التجربة عنصرا من العناصر التي يمكن أن تسهم في تحقيق هذا المبتغى المنشود، فجوهر العمل القضائي هو الأحكام التي تصدرها، أما الخلية فدورها يعتبر من مجموعة روافد تصب في اتجاه جعل الأحكام مستوفية لكل مقومات الإنصاف والعدالة.

وعلى مستوى آخر، فإن جوهر عمل هاته الخلية مقترن بمدى سرعة وسلامة تصريف الإجراءات التي تجعله واضحا وبيانه على النحو الصحيح وإماطة الغموض على التصورات الخاطئة، وترجمة صورة ايجابية للعمل القضائي وترسيخها في ذهنية المتقاضي والمواطن عموما.

وقد اعتمدت هاته التجربة في بعض القطاعات الخاصة والشركات الكبرى في الدول الأنكلوساكسونية، بغاية ضمان تواصل فعال وناجع مع المتعاملين معها وربح ثقتها ووقتها.

وستظل هاته التجربة التي انطلقت في محاكم المملكة لها مؤشرات النجاح إذا ما توفرت لها مقومات ذلك، نظرا لعدة اعتبارات وهي:

أولا : كثرة وصعوبة تعقد المساطر القانونية بالمغرب إضافة إلى الثغرات التي تتصف بها .

ثانيا: وجود محيط وبيئة لا تزال نسبة الأمية فيها إلى حد ما مرتفعة.

ثالثا: انخراط قوي لكل القوى الحية في البلاد في ضمان وترسيخ العدالة والإصلاح القضائي استجابة للمتغيرات الوطنية المتمثلة في تكريس دولة الحق والقانون، والدولية في ضمان المغرب لمكانته في المنتظم الدولي كجهة مستقطبة للاستثمارات الاقتصادية الكبرى.

إعداد:ذ/بوزيان الفهمي وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالقنيطــــرة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق