الصفحات

الحق في الحصول على المعلومة

يعتبر حق الوصول إلى المعلومة، وبالتحديد التي تحتفظ بها الدولة، حقا أساسيا من حقوق الإنسان وجزءا من حق حرية الرأي والتعبير. 
وقد قامت العديد من الدول التي تسير في نهج تعزيز الديمقراطية والحريات بتبني قوانين حرية المعلومات أو هي في خضم عملية الإعداد لذلك.

ويأتي هذا التوجه العام انطلاقا من مبدأ أن توفر المعلومات ضروري للديمقراطية، فهذه الأخيرة من حيث الأساس تتعلق بقدرة الأفراد على المشاركة بشكل فاعل في عملية صناعة القرارات التي تؤثر بهم. كما أنها تتجلى بحق كل مواطن بمراقبة أعمال قادته وتقدير أداء الحكومة و الإدارات التابعة لها، وذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتمكن من الحصول على المعلومات بكل الأمور ذات الاهتمام العام، وتجدر الإشارة أن حرية الاطلاع على المعلومات بإمكانها أن تشكل أداة رئيسية في محاربة الفساد[1] والأخطاء التي تقع في الإدارات،إذ بوسع الصحفيين الذين يعملون في مجال التحقيق والمنظمات غير الحكومية استخدام حق الحصول على المعلومات لكشف الأخطاء والمساعدة على اجتثاثها، كذلك من خلال تقوية أدوار مؤسسات الرقابة وتكريس استقلالها
وتفعيل توصياتها، والعمل على تخليق الحياة العامة ونشر قيم النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولا يعتبر الحقّ في الحصول على المعلومة حاجة للمواطن فحسب، بل هـو أيـضا حاجة أساسية لأية دولة ترغب في إثبـات صـلاحها. فإصـلاح مؤسسات الدولة وجعلها أكثر كفاءة وشفافية يعتبر ركناً أساسياً مـن أركان الحكم الصالح، ولا يتأتى هذا إلا من خلال توفير المعلومـات وتسهيل الوصول إليها.
لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور،وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.”
وفي إطار استكمال مسلسل التنزيل الفعلي لمضامين الدستور عمل المشرع المغربي في 22 فبراير 2018 على تنفيذ القانون رقم31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، من أجل تأكيد سمو المواثيق الدولية التي لا تخالف النظام العام و الأخلاق الحميدة التي صادق عليه المغرب.
وبالنظر إلى المكانة، التي يكتسبها هذا الحق ضمن منظومة حقوق الإنسان وحرياته يطرح سؤال بريء، هل كرست المواثيق الدولية والتشريعات الداخلية آليات فعالة لممارسة وحماية حق المواطن في الحصول على المعلومة؟ أم انه ضمن قائمة القوانين الأخرى التي تبقى حبر على ورق؟، ماهي أهم الضمانات الدستورية، والقانونية، لهذا الحق؟ ما هي القيمة المضافة لقانون31.13 المتعلق بحق الحصول على المعلومة بالمغرب؟ وهل الوصول إلى المعلومة له دور في محاربة الفساد؟ وما هو دور المجتمع المدني و الإعلام في تعزيز الوصول إلى المعلومات؟
على العموم ومن أجل الغوص في تحليل مضامين هذا القانون من خلال الرؤيا الدولية و الوطنية و الواقع العملي نعرج إلى إتباع التصميم التالي :
_
المبحث الأول : حق الحصول على المعلومة والاستثناءات الواردة عليه.
_
المبحث الثاني : دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تعزيز حق المواطن في الوصول إلى المعلومة.

المبحث الأول : حق الحصول على المعلومة و الاستثناءات الواردة عليه
حق الوصول إلى المعلومة له أهمية كبرى على الفرد و المجتمع وهو ليس مطلق، حيث أجازت الاتفاقيات الدولية و المعاهدات فرض استثناءات تنظيمية على ممارسة هذا الحق من خلال إعطاء الدول سلطة رفض الكشف عن أية معلومة أو أوراق رسمية ووثائق سرية بهدف المحافظة على النظام العام وحماية الأمن القومي و المصالح الداخلية العليا، لكن شريطة أن تكون هذه الاستثناءات واضحة ومحددة المعالم على سبيل الحصر في التشريعات الوطنية بحيث لا يجوز التوسع في تفسيرها و القياس عليها.
والمغرب كغيره من الدول التي صادقت وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان،وتفعيلا لهذه المواد صدر قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة أيا كانت مع مراعاة الاستثناءات الواردة في هذا القانون. وكذلك الفقرة الثانية من الفصل 27 من الدستور المغربي الصادر في29  يوليوز 2011 وضعت الاستثناءات المتعلقة بحق الحصول على المعلومة ونظرا لأهمية حق الحصول على المعلومة و الاستثناءات الواردة عليه نخصص ( المطلب الأول) للحديث عن مفهوم وأهمية الحصول على المعلومة، و(المطلب الثاني) للحديث عن الاستثناءات الواردة على حق الحصول على المعلومة.
المطلب الأول : مفهوم حق الحصول على المعلومة وأهميته
وبداية من قيمة الحق على الحصول على المعلومة ” من يمتلك السلطة يمتلك المعلومة”، تلك قاعدة مؤسسة لكل أشكال السلط في التجمع البشري من الأسرة و المدرسة إلى الاقتصاد و الحكم، ومن تم فإن النقاش حو مد الناس بالمعلومات التي تحيط بهم علما بما يجري في المجتمع الذي يعيشون فيه، ليتخذوا القرارات و المواقف السلمية اتجاه القضايا التي تعترضهم في حياتهم اليومية بناء على المعارف التي تعتبر حقا من حقوق الإنسان، هذا النقاش ليس ترفا فكريا في المجتمع لديه أولويات ضاغطة ومتزاحمة في قمة سلم الترابية، بل هو جزء أساسي من تحقيق التنمية الديمقراطية و العدالة الاجتماعية[2].
ونظرا للأهمية التي تحضا بها المعلومة سوف نغص في تحليل مضامين هذا المطلب من خلال الحديث عن مفهوم حق المعلومة ( الفقرة الاولى) و أهميته ( الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى : مفهوم حق الوصول إلى المعلومة
يندرج حق الحصول على المعلومة ضمن الحقوق المدنية و السياسية، ودأبت الدساتير العالمية التي تعترف بوجود هذا الحق إلى جعلها تدخل ضمن خانات الحقوق و الحريات.
وقد نص عنه المشرع الدستوري في الباب الثاني المتعلق بالحقوق و الحريات الأساسية  وتحديدا الفصل 27 منه.
ويقصد بالحق في الحصول على المعلومات ذاك الحق الذي يتيح للمواطن حرية السؤال عن كل معلومة توجد في حوزة الإدارة العمومية، وتلقي الإجابة عنها بصورة أو بأخرىين فهو حق إنساني،طبيعي، أساسي للفرد و الجماعة، وهو حاجة بيولوجية، نفسية، اجتماعية،اقتصادية،سياسية يعبر عن تمدن المجتمعات، واحترام عقلية الفرد، ومنهجية تفكيره، إشراكه في الأدوار و المسؤوليات، وتحمله لمسؤوليته تجاه مجتمعه وقضاياه المختلفة، فالمعلومة يجب أن تكون متاحة وميسرة تبسط أمام من سعى لها[3].
وقد عرفها قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات في مادته الثانية ” المعلومات هي مجموعة من المعطيات و الإحصائيات المعبر عنها في شكل أرقام أو رسوم أو صور أو تسجيل سمعي بصري أو أي شكل أخر، و المضمنة في وثائق و مستندات وتقارير ودراسات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات وغيرها من الوثائق ذات طابع عام التي تنتجها أو تتواصل بها الهيئات المعنية في إطار مهام المرفق العام كيفما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية أو إلكترونية أو غيرها[4].
إن أهمية هذا الحق يأتي ليؤكد الالتزام الدائم للمملكة المغربية بنهج الدولي المتعلق بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها، وبرجوع إلى فحوى الفصل 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي ألزمت  الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير الكفيلة لممارستهم لهذا الحق، تعزيزا للشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة.
الفقرة الثانية : أهمية الحق في الحصول على المعلومة
تأتي أهمية إقرار حق الحصول إلى المعلومات دستوريا في سياق الاختيار الديمقراطي الذي تنتهجه المملكة المغربية، وفي سياق تكريس الحقوق و الحريات الأساسية الفردية منها و العامة التي فتئت بلادنا تؤكد على التزامها باحترامها كما هي متعارف عليها عالميا، وهو ما من شأنه أن يعمق الاختيار الديمقراطي وشفافية العمل الحكومي، ويوضح خارطة  الطريق ووضع حد مع زمن الكتم و السرية في تنفيذ السياسات العمومية وحجبها عن الرأي العام الوطني بما فيه الإعلام.
ولهذا فعملية دسترة حق الوصول إلى المعلومة جاءت من أجل تعزيز أسس المسار الديمقراطي من خلال تمكين الرأي العام الوطني من إحدى الآليات المهمة في ممارسة العمل الديمقراطي، ألا وهي الحصول على المعلومات، و التي بدونها يبقى المواطن خارج عن أية مشاركة في تخليق الحياة العامة[5].
فالتنصيص على هذا الحق في مضمون الوثيقة الدستورية، لم يأتي من فراغ أو من طواعية المشرع، بل جاء من طرف الضغط الاجتماعي الذي قامت به هيئات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية و الإعلام وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان…، فهذا الحق كان في صلب اهتمامات العديد من الجمعيات المغربية العاملة في ميدان الشفافية ومحاربة الرشوة وتخليق الحياة العامة، ويعتبر حق الوصول إلى المعلومة احد الأعمدة الأساسية لأي نظام وطني للنزاهة.
والحق في المعلومة له أهمية وأهداف كبرى تتمثل في :
تطعيم و تقوية البحث العلمي
إشاعة ودعم قواعد الانفتاح و الشفافية
تعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمرتفقين
إرساء إجراءات كفيلة بتخليق الممارسة الإدارية.
ضمان المصداقية و النزاهة في تدبير وتسير الشأن العام.
تنمية الوعي القانوني و الإداري
جذب الاستثمار وتنشيط الاقتصاد
ربط المسؤولية بالمحاسبة[6]
ونظرا لأهمية الحق في الوصول إلى المعلومة نجد جل المواثيق الدولية تحث على حق المواطنين في الحصول عليها، الشيء الذي أكدته توصيات الأمم المتحدة أن الحق في الحصول على المعلومات هو اختيار لتحقيق باقي الحقوق. ومن هنا فإن بناء الفكر العقلاني على المنطق الديكارتي ” أنا أفكر إذن أنا موجود”، فإن حراك التقنية اليوم يجعل العالم ينبني على منطق أخر ” أنا أعرف إذن أنا موجود”[7].
المطلب الثاني :الاستثناءات الواردة على حق الوصول إلى المعلومة
لكل قاعدة استثناء، وحق الحصول على المعلومة من بين القواعد التي جاء التنصيص فيه على بعض الاستثناءات التي لا يمكن الحصول عليها وهذا ما يظهر أيضا على المستوى الدولي، وذلك برفض تسليم الدولة أو كشف بعض المعلومات أو أوراق أو وثائق سرية بهدف الحفاظ على الاستقرار و النظام العام[8].
شريطة أن تكون هذه القيود واضحة ومحددة على سبيل الحصر في القوانين الداخلية بهدف عدم التوسع في تفسير مفهوم المنع، والمغرب على نهج الدول التي صادقت وانضمت إلى الاتفاقيات و المعاهدات الدولة الناظمة لحقوق الإنسان،حيث نص في الفصل 237 من الدستور على أن ” للمواطنات و المواطنين حق الحصول على المعلومات…” مع مراعاة الاستثناءات الواردة على هذا الحق، التي تكون بعض منها مقررة لصالح المرفق العام ( الفقرة الاولى) و الاستثناءات المقررة لصالح الأفراد ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الاستثناءات المتعلقة بالإدارة
وكما سبقت الإشارة فإن حق الحصول على المعلومة ليس حق مطلق وإنما ترد عليه قيود. فلا يمكن تقيد الحرية إلا لضمانات الاعتراف بحقوق الغير في مجتمع ديمقراطي[9]. وبالتالي فحق الحصول على المعلومة هو الأصل وهذا الأخير ترد عليه استثناءات، ومن هذا المنطلق جاءت التشريعات الدولية و الوطنية لتنظيم هذا الحق بصورة متوازنة تتيح فرصة الاطلاع على المعلومات بشكل يضمن حق الدولة في الحفاظ على أسرارها من جهة وحماية الحياة الخاصة و حقوق وحريات الآخرين من جهة أخرى.
ولكل هذا عملت المواثيق الدولية وبعض التشريعات الوطنية على فرض استثناءات من الحق في الوصول إلى المعلومات لفائدة الدولة التي غالبا ما كانت تحت ذريعة حماية الأمن و النظام العام.
وتوزعت هذه الاستثناءات ما بين العلاقات الخارجية للدولة ومنها ما يتعلق بأمن الدولة، وكذلك ما يتعلق بالجانب المالي و الاقتصادي و بالجوانب الخاصة بحسن إدارة العدالة.
وبخصوص الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي و الخارجي باعتباره من بين الاستثناءات التي وردت في المادة 7 من قانون 31.13، ومفهوم الدفاع الوطني مفهوم عام غير محدد في جملة من التشريعات الشيء الذي يسمح للمشرع باستعمال هذا المفهوم وتكيف استخدامه وفق ما يخدم مصالحه بالدرجة الاولى.
كما يوجد أيضا اختلاف كبير في تحديد أسرار الدولة فهناك بعض الدول لم تضع تعريفا لها وإنما تكتفي بوضع نص تشريعي عام يشمل جميع ما ينبغي كتمانه حرصا على سلامة الدولة ودون ذكر تعداد لها، كالقانون المغربي وغيرهما[10].
ومن بين مقومات الدفاع الوطني وأمن الدولة نجد الأسرار العسكرية التي تحاول الدولة قدر المستطاع صيانتها و الحفاظ عليها وبقائها قيد الكتمان حتى تحافظ على قوتها، وتكون ضمانا من الاعتداء على سيادتها، وسدا منيعا من العبث باستقرارها. و الأسرار العسكرية كثيرة منها التي تتعلق بتكوين أو حجم القوات المسلحة، والقوة المعدة للقتال عاملة أو احتياطية كل هذا يدخل في جزء السر العسكري الذي لا يمكن الاطلاع عليه وهي عديدة لا يمكن حصرها…[11]
ورغم أن للمعلومات العسكرية حساسية خاصة، فإنه يشترط الدفع بسرية الإسرار العسكرية أن تكون هذه المعلومات محصورة النطاق، أما إذا ذاعت وانتشرت وأصبحت على كل لسان فهي بذلك لا تعتبر سرا ولا يجب اعتبارها كذلك، ولعل أبرز مثل على ذلك أن المعلومات التي يتحصل عليها أي شخص أثناء عرض عسكري تقوم به القوة المسلحة أو رجال الأمن، فهي لا تدخل ضمن مفهوم أسرار الدفاع[12].
وتتمة للاستثناءات المقررة لصالح الإدارة الواردة في المادة 7 من القانون 31.13 المتعلق بالحف في الحصول على المعلومات هناك استثناء الحصول على ” سرية الأبحاث و المساطر التمهيدية المتعلقة بها” وتم التأكيد على هذا المعطى من خلال المادة 15 من ق م ج المغربي الذي ينص على ”  تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث و التحقيق سرية…”.
الفقرة الثانية :الاستثناءات المقررة للأشخاص الذاتيين
تطرقت المادة 7 من قانون حق الحصول على المعلومات، هذه الأخيرة المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد و التي تكتسي طابع معطيات شخصية و المعلومات التي من شأنها المس بالحريات و الحقوق.
ولمناقشة هذا الاستثناء لابد من الإشارة إلى أن التشريعات الوطنية لم تعرف الحق في الحياة الخاصة، باستثناء قانون الصحافة و النشر الذي حدد في المادة 88 الأفعال التي تعد تدخلا في الحياة الخاصة، ورتب جزاء بين الغرامة و التعويض عن هذه التدخلات إذا ما تم النشر دون موافقة المعني بالأمر.
كما هناك استثناءات لا يمكن الاطلاع عليها بمقتضى نصوص خاصة كالمعلومات التي من شأن ألاطلاع عليها الإخلال بسرية مداولات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، فحسب بعض الباحثين فهذا المقتضى الذي تمت إضافته يشكل خرق للفصل 27 من الدستور الذي  يحدد بدقة ما يمكن استثنائه من حق الحصول على المعلومة، خصوصا وأن هذا المقتضى يهدف إلى التعسف في استعمال السرية وتقيد حق دستوري، مما يطرح إشكالية تراتبية النص الدستوري مع النص التشريعي[13].
وفيما يتعلق بسير المساطر القضائية و المساطر التمهيدية تم اعتبارها من الأمور المستثناة من حق الإطلاع بمقتضى نصوص خاصة، ذلك لأن الأبحاث تبدأ سرية حفاظا على قرينة البراءة وضمان تحقيق العدالة المنشودة.
وتأسيا على ما سلف جاب القول أن الاستثناءات تعد أكثر الأمور جدلا في معظم القوانين المنظمة لحق  الحصول على المعلومات. فمن جهة يعد من الطبيعي أن تحجب بعض المعلومات التي يشكل الكشف عنها ضررا بالمصلحة العامة و الخاصة، ومن جهة أخرى فإن التوسع في الاستثناءات، وخاصة التوسع في تأويلها من شأنه أن يفرغ الحق في الوصول إلى المعلومة من محتواه. ولهذا وجب البحث عن توازن يحمي الملحة العامة دون أن يضر بالمصالح المشروعة الخاصة[14].

المبحث الثاني : دور المجتمع المدني والإعلام في تعزيز حق المواطن في الوصول إلى المعلومة
تتعدد الوسائل الفاعلة في مجال حق المواطن في الوصول إلى المعلومة، على الصعيد الدولي و الوطني، ونجد منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام تحتل مكانة أساسية بين تلك المؤسسات، وهذا لما توفره من دعم في مجال تعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة، مستغلة في ذلك وزنها في ساحة السياسة، وبتالي تملك من الضغط ما يمكنها من ممارسة دور لا غنى عنه في الحياة العامة.
وتبعا لذلك أخذت منظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام جانبا من واجب تعزيز حق الجمهور في الوصول إلى المعلومة التي بحوزة الهيئات العامة، وتمكين المواطن من التأثير في السياسة العامة ومساءلة ممثليه و المسؤولين في الحكومات.
وعلى ضوء الأدوار التي تضطلع بها منظمات المجتمع المدني ( المطلب الأول) و وسائل الإعلام( المطلب الثاني) في تكريس وحماية حق المواطن في الوصول إلى المعلومة[15]
المطلب الأول : دور المجتمع المدني في حماية حق الحصول على المعلومة
يعمل المجتمع المدني على تبني مرجعية حقوق الإنسان في إطاره العام، وحق الحصول على المعلومة بصفة خاصة، وهذا بداية بالتوعية بتلك الحقوق على المستوى القاعدي، وصولا إلى التفاعل مع الهيئات العامة و الخاصة التشريعية منها من أجل سن قوانين تنظم وتحمي هذا الحق، ومراقبة التنفيذ الفعلي لتلك القوانين و التشريعات. وفيما هو أتي نفصل القول :
العمل الميداني لمنظمات المجتمع المدني من أجل إتاحة المعلومة
تلعب منظمات المجتمع المدني دورا مهما في تشكيل السياسات العامة و القوانين، وفي ترويج لاحتياجات المواطنين، وهي بذلك تعزز حق المواطن في المشاركة في إدارة الشأن العام. و الذي يضمن تمكن الناس من التعامل مع المشاكل التي تؤثر على حياتهم بشكل مباشر، ويمكن السلطات من تفعيل قدراتها بكفاءة أكبر. وحيث انه في الغالب يصعب على المواطنين الوصول بشكل فردي لصناع القرار و المشاركة في صنعه، ينظر لمنظمات المجتمع المدني على أنها الجسر الربط بين السلطة و المواطن مما يساعد على توضيح الرؤى[16]
دور المجتمع في صياغة وتبني قوانين الحق في المعلومات
تبين تجارب جملة من الأوطان أنه بمقدور المجتمع المدني أن يقوم بعدد من الأدوار المهمة في الترويج لحق الحصول على المعلومة. وبإمكان جماعات المجتمع المدني تعبئة الضغط من شرائح الأدنى للإسهام في صياغة هذا التشريع وتشجيع تمريره مع تكوين تحالفات، التي يمكن أن تكون هذه الجماعات مصدرا للخبرات المستقلة أو المساعدة القانونية القادرة على إسداء المشورة للمسؤولين العموميين بشأن مختلف جوانب القانون.
وتعمل منظمات المجتمع المدني على تشجيع هذا القانون من خلال شرح مزاياه وعيوبه الى الجمهور و المسؤولين العموميين، كما يمكن أن تكون هذه القنوات لتبادل المعلومات و المعارف، وموردا مهما للتدريب، ومنبعا للأفكار الجديدة ، وذلك من خلال عقد لقاءات و دورات وندوات.
المطلب الثاني : دور وسائل الإعلام في ضمان حق المواطن في الحصول على المعلومة
إشاعة حرية المعلومة
تعتبر وسائل الإعلام الحرة المستقلة و المسؤولة مصادر أساسية للمعلومة بالنسبة للمواطنين الذين يتطلعون إلى ممارستهم لحقوقهم كاملة واختيار أفضل القادة لأوطنهم، واتخاذ قرارات سليمة حول القضايا التي تمس الشأن العام.
وتؤكد جملة من الدراسات على وجود لحمة وثيقة بين حرية وسائل الإعلام و القدرة على الوصول إلى المعلومة، وبين توافر مؤشرات الحكم الرشيد المتمثل في الاستقرار السياسي وحكم القانون، والفاعلية الحكومية وانخفاض مستوى الفساد، فالمجتمعات التي يتمتع فيها الجمهور العام من الوصول إلى الصحف الحرة المستقلة ووسائل الإعلام الأخرى، لديها استقرار سياسي كبير، ويسود فيها حكم القانون، وتتمتع فيها الحكومة و النظام السياسي بالقدرة و الفعالية في معالجة القضايا المختلفة، كما تنخفض فيها مستويات الفساد. فكلما كان الإعلام حرا أكثر كلما كان انسياب أكثر إلى المعلومة، وتجاوز أقل للحقوق و الحريات[17]
وتلعب وسائل الإعلام دور الحارس و الرقيب في المجتمع لضمان حق المواطنين في المعلومات في مواجهة السلطة، فالمعلومات التي توفرها تلك الوسائل تمثل أهم أسس تشكيل الرأي العام المساعد للمواطنين، أفراد وجماعات، في اتخاذ المواقف والاختيار الحر.
ولكي تعزز وسائل الإعلام حق المواطنين في الحصول على المعلومات، ينبغي تمتع الصحفيين بالحرية، وتوافر أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومات، وهم بذلك أيضا يشجعون الدول على وضع السياسات الأكثر قدرة على تخفيف من حدة التوتر داخليا ودوليا.
مبادئ الإعلام الحر في خدمة حق الوصول إلي المعلومة
إلى إن وجود صحافة حرة مستقلة ضرورة لنشوء ديمقراطية حقيقية وكاملة. فالصحافة الحرة هي الوحيدة القادرة على تزويد الموطنين بالمعلومات التي يحتاجونها لاختيار أفضل القادة.
وتستخدم الحكومات أحيانا كثيرا من وسائل الإعلام الخاضعة للدولة لتقدم مجموعة مشوهة من الوقائع. كذلك،وفي حال غياب الحمايةّ، بإمكان الحكومات الضغط على وسائل الإعلام الخاصة لكي تنشر أو لا تنشر معلومات حيوية. تؤكد وسائل الإعلام الحرة أن الحكومات سوف تمثل مصالح مواطنيها، وأن المواطنين يمكن محاسبة حكوماتهم. ومن خلال النقاش العام تتيح الصحافة الحرة التعبير عن أراء متعددة. حيث يختار المواطنون ويؤيدون الأفكار التي يفضلونها عن غيرها.[18]
ويعتمد الإعلام الحر على ما يلي :
المصداقية و الأمانة
الحياد
الاستقلالية
الشفافية
أضحت المعلومة رأسا ماليا ومعنويا رئيسيا ومحددا وخيطا ناظما بين السلط الثلاث وعلاقتها بالمواطن؛ وعليه فإن السلطة الرابعة بكل تشعباتها تقدمت أو استقدمت بالضرورة الحتمية وبالعوامل الجديدة التي فرضت نفسها على الجميع، ولضرورة المرحلة، إلى الصف اﻷول، مما يتحتم على الجميع اتخاذ القدر الكافي من الحكمة والتبصر والمسؤولية والموضوعية في تسريب وتقديم تناول الخبر وتحليل الحدث، بعيدا عن الدوغمائية والديماغوجية واﻷدلجة المتزمتة ودغدغة العواطف والحماسة التائهة والتضليل المرحلي من أجل هدف ضيق مبطن ومؤجل إلى حين، لا يخدم البتة الوطن ولا المواطن، وأي عبث بمعلومة خاطئة أو استغلالها سياسويا من أجل النيل، لا المنال، قد يبعثر عقولا ويشتتها ويزعزع حقائقا تحققت بعد جهد جهيد، وتحت أشعتها المسمومة المعروفة إعلاميا ب”تسليط اﻷضواء” تنتج ردود أفعال قد تعصف ببناء مشيد وتغذي خلايا نائمة مقيتة وقاتلة وتضيئ الطريق لنعرات عمياء حكم عليها المجتمع بالمؤبد.
وفي المقابل، على كل مواطن أن يستغل المعلومة المتاحة له في إبداء رأيه بكل حرية دون المس باﻵخر ماديا أو معنويا، جسديا أو لفظيا، وأن يفضح الفساد ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بما أتيحت له من فرص وإمكانات.
وفي أفق الوصول إلى “حق الوصول إلى المعلومة”، من حيث هو حق دستوري، على كل المهتمين بالشأن اﻹعلامي والثقافي والسياسي في البلد، القيام بمهامهم في توعية المواطنين وتمكينهم من سبل التمييز بين الشأن الخاص والشأن العام، ومن أدوات النقد البناء في التناول والاستيعاب، لخلق نقاش عمومي جاد حول كافة القضايا اللحظية الملحة، وكذا قضايا الوطن الاستراتيجية، في جو سليم يخلو من كل أساليب التجريح والاستهزاء والاستخفاف بقدرات اﻵخرين وفهمهم الخاص المختلف، لتضمحل كل طرق الغلو والتطرف في طرح قضايا الشأن العام والمشترك؛ فالحقيقة في الوطن لا تملك ولا تحفظ كعقار.
[1]
وقد عملت الحكومة منذ توليها المسؤولية، على تفعيل التزاماتها في هذا المجال من خلال مجموعة من الإجراءات والتدابير
على المستوى المؤسساتي نذكر منها :
قانون رقم 113.12 بشأن إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي ستحل محل الهيئة المركزية
للوقاية من الرشوة. بموجب هذا القانون ستعزز استقلالية الهيئة وتتسع صلاحياتها لتشمل مكافحة الفساد والوقاية منه، خصوصا
من خلال المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة، وتلقي ونشر المعلومات، والمساهمة
في تخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.
قانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة الذي يحدد العلاقات بين المجلس ومختلف هيآت التقنين الأخرى، والاختصاصات التي سيضطلع بها للسهر على ضمان احترام المنافسة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين. ويدخل القانون الجديد في إطار تفعيل مقتضيات الدستور الجديد، إذ أصبح مجلس المنافسة بصلاحيات واسعة وتقريرية مؤسسة دستورية مكلفة بتنظيم منافسة حرة ومشروعة، وبضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
إحداث لجنة مشتركة بين الوزارات على مستوى وزارة العدل والحريات تتكلف بدراسة وتفعيل توصيات
المجلس الأعلى للحسابات، وذلك تفعيلا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
[2] _
سمير صميري” حماية حق المعلومة وفق القانونين الدولي و المغربي” دراسة مقارنة- أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس بالرباط 2017_2018 ص 48.
[3] _
حمو زراح، مداخلة حول حق الحصول على المعلومات في المواثيق الدولية وبعض الدساتير الديمقراطية وفي المغرب في الندوة التي نظمت من طرف العصبة المغربية فرع زاكورة. تاريخ الاطلاع عليها 10/11/2018 الساعة 13.
[4] _
المادة الثانية من القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات
[5] _
يونس بنهندي، مقال ” حق الحصول على المعلومات وسياق دسترة وآفاق التفعيل.
[6] _
وزارة إصلاح الادارة و الوظيفة العمومية تقديم عام حول قانون الحق في الحصول على المعلومة موجود بموقع //
https://www.mmsp.gov.ma/ar/decline.aspx?r=320&m=
[7] _
ميمون خراط، مدير مجلة العلوم القانونية، مقال حول ” الحق في الحصول على المعلومة بين صضرورة المجتمع والتعامل الرسمي بعد إقرار الدستور الجديد.
[8] _
قانون الحق في الحصول على المعلومة في التشريع الاردني.
[9] _
المادة 29 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بتاريخ 10 دجنبر 1948.
[10] _
ع الرحمان عبييد عطا الله الوليدات الحماية الجنائية للأسرار المهنية في القانون الأردني، قدمت هذه الرسالة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في القانون العام،ص 96
[11] _
وليد بن سعد عوشن” الحماية الجنائية لأسرار الدولة في النظام السعودي” أطروحة دكتوراه ص 83.
[12] _
موسى محمد سليمان ” الجاسوسية و الأمن القومي في القانون الدولي و التشريعات الوطنية” المكتب العربي الحديث الطبعة الأولى 2009، ص 251.
[13] _
ع الرحيم فكاهي رئيس المركز المغربي من أجل الحق في الحصول على المعلومة، تصريح لموقع اليوم 24.
[14] _
مبررات وأوليات قانون من أجل الحق في الحصول على المعلومات في المغرب، وثائق موجودة في الموقع الرسمي لترنسبرانسي المغرب.
[15] _
زعبط الطاهر، حق المواطن في الوصول إلى المعلومة،مذكرة التخرج لنيل شهادة ماجستير حقوض الإنسان و الحريات العامة 2014، ص 107.
[16] _
اندرو بوديفات، استكشاف دور المجتمع في صياغة وتبني قوانين الوصول إلى المعلومات. حالات بلغاريا و الهند و المكسيك و جنوب إفريقيا و المملكة المتحدة، معهد البنك الدولي،واشنطن2009.ص30
[17] _
محمد السماك، الإعلام العربي وحقوق الإنسان، مجلسة الدراسات الإعلامية العدد 2003.110، ص26
[18] _ council of europe , conference of : the media in a democratic society : reconciling
freedom of expression with the protection of human rights, Luxembourg:30 septemper-
1 octobre 2002, p 45.

إعداد:ذ/نور الدين الفلاق_ محامي بهيئة تطوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق