الصفحات

دور المحكمة الرقمية في الرفع من جودة أداء المحاكم

دور المحكمة الرقمية في الرفع من جودة أداء المحاكم



إن إصلاح العدالة ورغم ما بذل من جهود  أمام تحد كبير يتمثل في التخليق لاستعادة الثقة المفقودة.


      وعلى هذا الأساس سنحاول من خلال هذه المقالة العمل على إبراز أهم ما يمكن أن تغيره المحكمة الرقمية على مستوى جودة أداء المحاكم

إن النهوض بالإدارة القضائية وتحديثها شكل و لا زال خيارا إستراتيجيا في برامج وزارة العدل و



 الحريات، وذلك إستجابة منها لأوامر جلالة الملك الذي يولي اهمية كبيرة بقطاع العدل بدءا من خطاب صاحب الجلالة في افتتاح دورة المجلس الأعلى للقضاء بالرباط بفاتح مارس 2002 حيث عبر عن إرادته في إصلاح القضاء بقوله:

" بإلزامية التعبئة الكاملة و القوية للقضاة و لكل الفاعلين في مجال العدالة للمضي قدما بإصلاح القضاء نحو و جهته الصحيحة و انتهاء زمن العرقلة و التخاذل و التردد و الانتظارية".
     ولم تقف إرادة إصلاح القضاء عبر هذا الخطاب، وإنما تعززت عبر عديد من الخطب الملكية فيما بعد، فبمناسبة عيد العرش لسنة 2008 سيؤكد جلالة الملك على منهجية
إصلاح القضاء بقوله:
"ولهذه الغاية ندعو حكومتنا للإنكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق بقضاء ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية مؤكدين بصفتنا ضامنا لاستقلال القضاء حرصنا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث و نجاعة في إطار من النزاهة و التجرد و المسؤولية."

      وقد تواتر هذا التوجه في عديد من الخطب الملكية، تأكيدا على العزم في تحقيق قضاء أفضل، وهو ما تم تأكيده أيضا عند افتتاح الدورة الأولى للبرلمان بتاريخ 8 أكتوبر 2010 و الذي تميز بتأسيسه للمفهوم الجديد لإصلاح العدالة انطلاقا من قاعدة  " القضاء في خدمة المواطن"
                                               
فإرادة إصلاح القضاء إذا حظي بأولوية عبر مختلف المحطات الكبرى، وتتويجا لهذه الإرادة قد جاء الميثاق بأهداف كبرى لإصلاح هذا القطاع في المغرب، .

فمن بين هذه الأهداف هو تحديث القضاء و الرفع من جودته، من أجل تحقيق المكننة الشاملة لإدارة القضايا، و الوصول إلى غاية حددت كهدف سيتم بلوغه في متم سنة 2020 كأجل أقصى لتحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر و الإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية، و تجاوز مرحلة إزدواجية العمل اليدوي و العمل المحوسب.

إن العمل بمحكمة رقمية سيتم عن طريق استخدام تقنيات المعلومات و الإتصال في إنجاز إجراءات التقاضي أمام المحاكم.

وذلك من خلال تحويل الإجراءات الإعتيادية (الورقية) إلى إجراءات إلكترونية.

ولابد  من الإشارة إلى أن ملفات الدعاوى الإلكترونية تختلف بالضرورة عما هو موجود حاليا، فتزول الآلية التقليدية في التدوين لإجراءات التقاضي، وتحل محلها آليات برمجية متطورة تختلف من حيث الشكل و المضمون، كما تختلف آلية تقديم البيانات، الأمر الذي يؤدي الى سرعة البت في الدعاوى من جهة، و توفير الجهد و المال على المتقاضين و محاميهم من جهة أخرى.

هذا وقد تمت تغطية حاجيات القضاة من الحواسيب المحمولة سيسهل عملية تحرير و طبع الأحكام و كذى جهاز كتابة الضبط لأجل مواكبة هذا التطور.

فعلى مستوى تطوير البرامج المعلوماتية:

سيمكن من التدبير الجيد للملفات بما فيها السجل العدلي في إطار برامج الطلبات عبر الإنترنيت و السجل التجاري عبر برنامج السجل التجاري الوطني و برنامج إنشاء مقاولات عبر الإنترنيت وإدخال تقنية المراسلات الإدارية بين مختلف محاكم و مصالح الإدارية المركزية، موقع web الخاص بكل محكمة، ومشروع المكتب الإفتراضي للمحامي، كلها تطبيقات و برامج ستؤدي دورها في الرفع من جودة العمل القضائي.

كما سيساعد أحداث شبابيك الإستقبال بمحاكم المملكة من تقديم خدمات ذات جودة و بالسرعة و الشفافية المطلوبة.

هذا دونما إغفال دور التقاضي عن بعد في حسن تقديم الخدمات القضائية و تقريبها من زبناء العدالة.

وتمكين المحامين من الإطلاع وتتبع مآل ملفاتهم و قضاياهم عبر الموقع الإلكتروني للمحكمة.

هذا مع العلم أن إعتماد التوقيع الإلكتروني من شأنه خلق نوع من الشفافية زيادة على التقليل من إجراءات التبادل المادي للمعلومات عبر الأوراق التي تتطلب التصوير، وتبادل الإطلاع عليها من قبل أطراف الدعوى .

مما سيؤدي إلى نوع من السرعة و الدقة بالنسبة إلى المتقاضين و محاميهم، وهناك من التجارب العديدة التي إستحسنت التعامل مع الآلة أفضل من التعامل مع الإنسان، فهي لا تفرق بين متقاض و آخر، لا من حيث المظهر ولا المركز الإجتماعي، كما أنه لا يمكنها تلقي الرشوة لتغليب طرف على آخر.

من جهة أخرى ستخفف المحكمة الرقمية الازدحام في المحاكم، كما ستقلل الاحتقانات والتوتر و المشاحنات بين الخصوم؛ خصوصا في الدعاوى التجارية والمالية، والدعاوى الأسرية.

أما على مستوى توفير الجهد بالنسبة الى القضاة:

ستسهم المحكمة الرقمية بادخار نشاط القاضي الذي يهدر كثير منه في تهدئة الخصوم، وسيساعده إستخدام التقنيات الحديثة في زيادة عدد الدعاوى التي ينظرها القاضي في اليوم الواحد؛ لأن تعامله سيكون مع المستندات الإلكترونية في المراحل الأولى للدعوى.

كما يهدف العمل من خلال هذه التطبيقات في الإرتقاء بأداء القضاة، فعندما يستخدم القاضي برامج إلكترونية قانونية، تحتوي على النصوص القانونية، والإجتهادات القضائية لإصدار حكمه، فإن ذلك سيساعده في التغلب على ضيق الوقت، وضخامة المهام المسندة إليه باستخدامه التقنيات الحديثة.

   كما أن عمل المحكمة الرقمية سيسهل عملية تدقيق الدعاوى عبر الإتصال بملف الدعوى عن بعد، وتمكن محاكم الإستئناف والنقض من الدخول الى ملف الدعوى الأصل عند اللزوم؛ دون أعباء مالية، ولا مراسلات بريدية، ولا تأخير في الرد المطلوب.

 أما على مستوى تحسين شروط العمل بالنسبة إلى الجهاز الإداري القضائي:

فسيؤدي إلى إرتفاع مستوى أمان سجلات المحكمة،لأن الوثائق و المستندات الإلكترونية أكثر صدقية؛ فمن السهل إكتشاف أي تغيير فيها، إلى جانب سهولة الإطلاع عليها و الوصول إليها.

التعجيل في إصدار الصكوك القضائية وكذا الإسراع في تنفيذ الأحكام.

كما تهم التقنيات المعلوماتية في الإستغناء عن الأرشيف القضائي الضخم، وإدخالها معلوماتيا بإستعمال أقراص ونسخ إحتياطية منها، بحيث لا تشغل إلا حيزا مكانيا بسيطا، بدلا من المستودعات الضخمة التي تشغل أماكن واسعة.

وفي نفس الوقت ذاته يقلل هذا الإستخدام من فقد ملفات الدعاوى، أو تلفها، أو حفظها في مكان خطأ.

كل هذه المميزات في ظل تكييف تكنولوجيا المعلومات للتأقلم مع العمل القضائي؛ في ظل محكمة رقمية سيساعد على بلوغ الأهداف المرسومة من خلال الرفع من جودة الأداء في مرفق العدالة.

وفي ختام هذه النقطة نود أن نشير إلى ما جاء في إحدى مداخلات الهيئة المشرفة على هذا المشروع في جل الندوات التي قامت بتنظيمها وزارة العدل و الحريات وذلك إثر تقديمهم لأهم مميزاته، وبدأ العمل بمجموعة من التطبيقات التي من شأنها إرساء دعائم محكمة رقمية في أفق 2020.

فحسب ما جاء في مداخلته أكد وزير العدل و الحريات أن الهدف من رقمنة المحاكم هو أن تكون قادرة على إعطاء المعلومة في وقتها، ليتابع المواطن القضايا بتفاصيلها مع إمكانية القضاء على الورق والإعتماد على الفضاء الإلكتروني.

كما أن إطلاق الوزارة لأهم هذه التطبيقات من قبيل السجل الوطني للإعتقال الإحتياطي وتتبع التنفيذ على شركات التأمين ومكتبة عدالة سيساهم في تكريس المزيد من الشفافية وضمان الحقوق الضرورية للمواطن، علاوة على تحصين وتوفير المادة القانونية و القضائية وجعلها متاحة أمام العموم.

كما أبرز مدير التحديث والدراسات أن تطبيق تدبير السجل الوطني للإعتقال الإحتياطي سيمكن من الربط المعلوماتي بين مختلف المحاكم والتخلي عن الدعامات والسجلات الورقية، فضلا عن كونها تعد أداة إحصائية فعالة لرسم خريطة الإعتقال الإحتياطي.

وأضاف أن هذا التطبيق يروم أيضا ضبط إجراءات الإعتقال الإحتياطي بالنيابة العامة ومؤسسة التحقيق و المحكمة، والوقوف على وضعية الملفات المحالة على المؤسسات السجنية و تصنيف المعتقلين حسب الجرائم المرتكبة، علاوة على تدبير الإحالة الإلكترونية للمعتقلين وإجراءات ترحيل ونقل المعتقلين.

أما بخصوص تطبيق تتبع التنفيذ على شركات التأمين بتنفيذ الأحكام عن طريق إرسال قائمة الملفات، و ضبط إجراءات التنفيذ داخل المحكمة سواء المحلية أو المنابة منها، وضبط تصفية الملفات بعد التوصل بها من شركات التأمين، وإحالة قائمة الملفات المنفذة على هيئة المحامين.

وفي معرض تقديمه لتطبيق مكتبة عدالة فقد أبرز مدير التشريع بالوزارة أن الأمر يتعلق بخزانة قانونية تتشكل من وثائق و مدونات قانونية بالإضافة إلى اتفاقيات دولية، حيث أشار إلى أن هذا التطبيق سيوفر تقنية بحت متقدمة ويمكن من التحديث التلقائي للمحتويات وتقديم خدمة نقل محتويات الموقع الإلكتروني للوزارة وجعله متاحا أمام المحاكم ونقابات هيآت المحامين.

هذه كانت جملة من الأهداف والتي تروم وزارة العدل و الحريات من خلال هذه التطبيقات تحقيقها سعيا منها في الرفع من جودة الأداء القضائي.

وإذا كانت المحكمة الرقمية كمشروع عرفت بزوغ فجرها مع منطلقات ميثاق إصلاح منظومة العدالة فإن أمامها عدة رهانات وجب تحقيقها تارة و تخطيها تارة أخرى، فماهي إذن أبرز هذه الرهانات؟

إعداد:ذ/البوكريني عبد الحق



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق