مضامين التوجهات الكبرى لميثاق إصلاح منظومة العدالة
أولا : توطيد استقلالية السلطة القضائية
في السابق و قبل مجيء دستور 2011 كان تنظيم المجلس الأعلى للقضاء بموجب الفصل 86 من الدستور و كان أعضائه يتألفون من السلطة القضائية بإستثناء وزير العدل الذي أسندت إليه بموجب الفصل المذكور مهمة رئيس المجلس و الحال أنه ينتمي إلى السلطة التنفيذية،
ومن تم فإن هاته الأخيرة كانت تتمتع بمهمة التسيير الكامل و المباشر لجهاز القضاء عبر صلاحيات هامة التي كان يتوفر عليها و زير العدل ومن تم فإن وزير العدل كانت له قوة قانونية للتأثير على القضاء بمقتضى الفصل 86 و 87 من دستور 1996 _1_
بعد مجيء دستور 2011 و الإرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية و التشريعية أصبحت تلك المهمة التي كان يتمتع بها وزير العدل متناقضة _2_
و بمقتضى الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة تحددت معالم إستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية عن طريق الأهداف المسطرة .
حسب الميثاق فإنه لا يمكن تحقيق مسألة الإستقلالية للسلطة القضائية دون ضمان إستقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلا إذا تحقق لهذا المجلس قانون تنظيمي خاص به يكرس له ميزانية سنوية تضمن له الإستقلال المالي و الإداري، بالإضافة إلى توفره على مقر يحتوي في تنظيمه على أمانة عامة و مفتشية عامة تسير بنظام داخلي.
وقد عزز الميثاق هذا التوجه بضرورة ضمان تمثيلية شاملة و فعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فتمثيلية العنصر النسوي ضمن المؤسسات الوطنية أصبحت مسألة أساسية، ولهذا فإن الميثاق قد تعرض لهذه النقطة بالإضافة إلى وضعه لمعايير واضحة لترشيح القضاة بالمجلس للتفرغ، و تطرق كذلك إلى مدة إنتخاب القضاة و التي حددها في مدة أربع سنوات، و خمس سنوات لأعضاء معينين من الملك.
تحدث الميثاق كذلك في هذا الهدف عن مسألة التدبير الأمثل للمسار المهني للقضاة، وقد تعرض الميثاق إلى ضرورة وضع القانون التنظيمي الخاص بالقضاة، و تعيين الرئيس الأول لمحكمة النقض و الوكيل العام للملك لديها من قبل الملك، وتطرق كذلك إلى ضرورة النهوض بالوضعية المادية للقضاة، مع إسناد المسار المهني للقضاة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووضعه معايير لإختيار القضاة .
وقد عزز الميثاق توجه إصلاح القضاء على مستوى تحقيق ذلك أيضا، بضرورة تأليف المفتشية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تكون مهمتها التحري و التحقق و المراقبة ، وفيما يخص التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية و باقي السلطات فقد تم إسناد رئاسة مجلس وإدارة معهد تكوين القضاة إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مع تقديم سلطات التسهيلات اللازمة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية،و ضرورة تواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع محيطه، بوضع آليات لإعداد التقارير و الدراسات ، ووضع تقرير سنوي سيرصد تشخيصا كاملا لتوجهات السلطة القضائية .
وتعد نقطة إستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، من أهم النقط التي عرفت جدالا واسعا في الماضي، فإسناد الميثاق رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، هي نقطة إيجابية تعزز مسألة الإستقلالية، فوزير العدل لم تبقى له أية سلطة على القضاء ماعدا مهمته في وضع السياسة الجنائية و تبليغها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وهذا الأخير يكون معنيا بتقديم تقرير سنوي إلى المجلس العلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة.
ثانيا : تخليق منظومة العدالة دون تحقيق مدخل التخليق لمنظومة العدالة لا يمكن الحديث عن تكريس تطبيقي لإستقلالية السلطة القضائية، ودون تخليق لا يمكن ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و الأمن القضائي.
فالتخليق هدفه بالأساس توفير مناخ الثقة و الأمن القضائي على عكس المناخ الذي تميز به القضاء المغربي في السابق، وقد جاء الميثاق بمقتضيات هامة في هذه النقطة، منها تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة و شفافية منظومة العدالة، وذلك عن طريق التصريح بالممتلكات و إحداث هيئة مستقلة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية و المجلس الأعلى للحسابات مع سن مقتضيات تشريعية بشأن المخالفات، ووضع إطار للتوصيف القانوني للمخالفات، و تعزيز مبادئ الشفافية و المسؤولية في المهن القضائية، وحضور الوكيل العام للملك في المجلس التأديبي للمحامين دون مشاركته في إتخاذ القرار، وإحداث هيئة قضائية مختلطة للبت في القرارات التأديبية، فهي إذا تعتبر إجراءات إيجابية في تعزيز مسألة التخليق القضائي، بالإضافة إلى ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية لمنظومة العدالة بالإضافة و وضع مدونة سلوك المهن القانونية، ونشر الأحكام و القرارات المتعلقة بالتأديب في كل مهن منظومة العدالة.
وهو التوجه الذي يراعي الإرادة الملكية في إصلاح القضاء، و التي أشار إليها جلالة الملك في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2008 بقوله " إن النهج القويم للإصلاح يرتكز على ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و الأمن القضائي "
تالثا : تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات هنا يطرح سؤال مهم حول كيفية حماية القضاء للحقوق و الحريات دون تدخل السلطة التنفيذية في ذلك، أو بمعنى أخر كيف سيصبح دور وزير العدل أمام السلطة القضائية، في إطار من الموازنة بين مبدأ إستقلال السلطة القضائية، وعضوية وزير العدل داخل الجهاز التنفيذي و ما يتطلب منه ذلك من تنفيذ السياسة الجنائية للحكومة .
وحسبما يدل عليه مصطلحا السياسة الجنائية :من كلمة السياسة وهي ممنوحة للحكومة، و الجنائية التي هي ميدان من عمل السلطة القضائية، ومن تم فلا بد من التعاون بين الطرفين بما يتماشى أولا مع السياسة العامة للحكومة في مجال حماية القضاء للحقوق والحريات، ووفقا لإعتبار السلطة القضائية من المؤسسات العامة في مجال العدل، وقد أعنى الميثاق هذا المدخل بأهداف هامة ترتكز على نهج سياسة جنائية جديدة،
وهو النهج الذي يقوم على ملائمة القوانين و التنسيق بين السياسات و إستحضار مقاربة النوع مع تعزيز حماية الأحداث و إستكمال ملائمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، مع تطوير سياسة التجريم عن طريق توسيع الجرائم القابلة للصلح و نزع التجريم عن بعض الأفعال، و إقرار نظام الغرامات التصالحية، وقد عزز الميثاق هذه الرؤية بإرساء سياسة عقابية ناجعة، و إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحريات، مع إعتماد ضوابط محددة في ممارسة السلطة التقديرية .
وحسب الميثاق سيتم تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، بمراجعة ضوابط و ضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية، وتعزيز مراقبة النيابة العامة وتوحيد الإطار القانوني لشكليات و بيانات وحجية محاضر الشرطة القضائية، وترشيد الإعتقال الإحتياطي، و رفع من مستوى التكوين الأساسي للموظفين و الأعوان المكلفين بمهام الشرطة القضائية.
وهو التوجه الذي سيعتمد على ضرورة تحقيق نجاعة العدالة الجنائية، بإقرار مبدأ إختيارية التحقيق في الجنايات، و إسناد تعيين قضاة التحقيق للرئيس الأول لمحكمة الإستئناف ضمن دائرة نفوذها، وتعزيز إشراف قضاة النيابة العامة و قضاة التحقيق على عمل الشرطة القضائية، مع حوسبة محاضر الضابطة القضائية .
رابعا : الإرتقاء بفعالية ونجاعة القضاء إن تحقيق هذا المدخل يرتبط بالأساس في إرساء و حدة القضاء قائم على التخصص قمته محكمة النقض، والمحكمة الابتدائية هي التي تكون الوحدة الرئيسية في التنظيم القضائي، من أجل دعم فعالية الأداء القضائي و تقريب القضاء من المتقاضين و عقلنة الخريطة القضائية، تحقيقا لخريطة القضائية مبنية على معايير موضوعية.
ودون شك يعتبر الطاقم البشري لجهاز القضاء مدخلا مهما في هذه النقطة، الأمر الذي يحتم إعادة توزيع الموارد البشرية، والبت في القضايا و تنفيذ الأحكام خلال آجال معقولة، مع مراجعة القوانين الإجرائية لاسيما قانون المسطرة المدنية و المسطرة الجنائية، ولن يأتي ذلك دون الرفع من جودة الأحكام و ضمان الأمن القضائي، وإعتماد آليات لتوحيد الإجتهاد القضائي، و إقرار آليات قانونية تتعلق بالتعويض عن الخطأ القضائي.
وهي إجراءات ستساهم في تسهيل الولوج إلى القانون و العدالة من جهة، وستمكن من وضع آليات لتدعيم هذا التوجه من قبيل تطوير المساعدة القضائية، وإحداث نظام المساعدة القضائية، و تحسين ظروف إستقبال المواطنين بالمحاكم و تعميم المعلومة القانونية، بالإضافة إلى تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات من قبيل الوساطة و الصلح و التحكيم لحل النزاعات.
خامسا : إنماء القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة الغاية من هذا الهدف هو تحقيق الجودة و ضمن التميز، و السبيل إلى ذلك هو مراجعة نظام التكوين الأساسي للقضاء، وإحداث مركز البحوث و الدراسات القضائية، وإحداث المدرسة وطنية لكتابة الضبط، وإحداث مؤسسة لتكوين المحامين و معهد وطني للتوثيق و مركز لتكوين العدول و المفوضين و الخبراء القضائيين.
فالإرتقاء بمعايير القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة، من الشروط الأساسية التي تراعي ولوج و ممارسة مهن منظومة العدالة، ومراجعة مستوى السن للمشاركة في مباريات وولوج القضاء، و تنظيم مباريات بشروط خاصة مع إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تنظيم مباريات الإلتحاق بسلك القضاء، فهي من المسائل الإيجابية و المهمة في تحقيق فاعلية أفضل لمنظومة القضاء.
فتوجه الميثاق في مسألة الفاعلية، لا يمكن فصله عن مسألة السن لولوج مهنة القضاء ورفع مدة التكوين، مع وضع برامج التكوين التخصصي، مع إلزامية التكوين، من أجل تعميق المعارف المهنية، و رفع قدرات الموارد البشرية، لتقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية و القانونية، وقد عزز الميثاق هذا التوجه بإقراره إحداث مجلس وطني لهيئة المحامين، الذي سيتمتع بنظام داخلي موحد، مع إعادة مراجعة شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض، وتوسيع صلاحيات المفوضين القضائيين، من أجل الارتقاء بخطة العدالة وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، وإحداث هيئة و وطنية للخبراء القضائيين، من أجل دعم الثقة في المهن القضائية و القانونية.
سادسا : تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها من المبادئ الدولية لإستقلال السلطة القضائية وجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة على صعيد المسائل الداخلية للإدارة القضائية بما في ذلك إسناد القضايا إلى قضاة في إطار المحكمة التي ينتمون إليها، ووجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة بالنسبة للمسائل المالية و تتوفر على موارد كافية لأداء مهامها على النحو الأمثل.
فإقامة إدارة قضائية إحترافية و مؤهلة، حسب الميثاق لا يمكن فصله عن مراجعة إختصاصات وزارة العدل و تحديت إختصاصات المفتشية العامة، وتحديث الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، مع إحداث مناصب جديدة في هذا الصدد، كإحداث منصب مسير إداري بالمحكمة لتطوير الأساليب القضائية، الذي سيساهم في تعزيز الحكامة الجيدة للإدارة القضائية.
وقد إستحضر الميثاق في هذه النقطة مسألة اللاتمركز الإداري و المالي للإدارة القضائية بتسليطه الضوء على ضرورة توسيع مجال التفويض الإداري و المالي للوحدات الإدارية اللاممركزة، وإعادة هيكلة وتنظيم المديريات الفرعية الجهوية، وهيكلة المراكز الجهوية للحفظ و الأرشيف.
لن ينسى الميثاق التوجه الرقمي الذي إنخرط فيه المغرب، وقد تحدث عن آليات لإرساء مقومات المحكمة الرقمية بضرورة وضع مخطط مديري لإرساء مقوماتها مع تقوية البنية التكنولوجية للإدارة القضائية، وتأهيل الموارد البشرية، وإعتماد التوقيع الإلكتروني، وهو التوجه الذي يدخل في تحديث خدمات الإدارة القضائية، و الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم وإنفتاحها على المواطن، من أجل الإرتقاء بمستوى المحاكم .
تلكم إذا هي أهم الأهداف المحددة والتحديات المرفوعة اليوم أمام القضاء، والتي تعتبر في رأينا مسألة إيجابية لم تكن من قبل، ينبغي تحقيقها بتعاون كافة الجهات و المؤسسات الوطنية من أجل جهاز قضائي أفضل، لا محيد عنه في تفعيل دولة الحق و القانون و إحترام المؤسسات، و هي أهداف تنطلق من عمق الرغبة الأكيدة في تحصيل مؤسسة حقيقية مستقلة و متمتعة بكل صلاحيات السلطة القضائية، و التي تعتبر أحد الأعمدة الأساسية لضمان الحقوق و الحريات، ومقومات الدولة الحديثة و مركزا أساسيا في البناء الديمقراطي و مدخلا لا محيد عنه لتحقيق المغرب الأفضل.
الهوامش :
_1_ الظهير الشريف لتنفيذ دستور 1996 رقم 1.96.157 صادر في 23 من جمادى الأولى 1417،موافق 1996، الجريدة الرسمية عدد4420 بتاريخ 10 أكتوبر 1996.
_2_ الظهير الشريف الصادر في 27 شعبان1432 (29 يوليوز 2011) بشأن تنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية ، عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)
إعداد:ذ/ سعيد الفشتالي
ومن تم فإن هاته الأخيرة كانت تتمتع بمهمة التسيير الكامل و المباشر لجهاز القضاء عبر صلاحيات هامة التي كان يتوفر عليها و زير العدل ومن تم فإن وزير العدل كانت له قوة قانونية للتأثير على القضاء بمقتضى الفصل 86 و 87 من دستور 1996 _1_
بعد مجيء دستور 2011 و الإرتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية و التشريعية أصبحت تلك المهمة التي كان يتمتع بها وزير العدل متناقضة _2_
و بمقتضى الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة تحددت معالم إستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية عن طريق الأهداف المسطرة .
حسب الميثاق فإنه لا يمكن تحقيق مسألة الإستقلالية للسلطة القضائية دون ضمان إستقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلا إذا تحقق لهذا المجلس قانون تنظيمي خاص به يكرس له ميزانية سنوية تضمن له الإستقلال المالي و الإداري، بالإضافة إلى توفره على مقر يحتوي في تنظيمه على أمانة عامة و مفتشية عامة تسير بنظام داخلي.
وقد عزز الميثاق هذا التوجه بضرورة ضمان تمثيلية شاملة و فعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فتمثيلية العنصر النسوي ضمن المؤسسات الوطنية أصبحت مسألة أساسية، ولهذا فإن الميثاق قد تعرض لهذه النقطة بالإضافة إلى وضعه لمعايير واضحة لترشيح القضاة بالمجلس للتفرغ، و تطرق كذلك إلى مدة إنتخاب القضاة و التي حددها في مدة أربع سنوات، و خمس سنوات لأعضاء معينين من الملك.
تحدث الميثاق كذلك في هذا الهدف عن مسألة التدبير الأمثل للمسار المهني للقضاة، وقد تعرض الميثاق إلى ضرورة وضع القانون التنظيمي الخاص بالقضاة، و تعيين الرئيس الأول لمحكمة النقض و الوكيل العام للملك لديها من قبل الملك، وتطرق كذلك إلى ضرورة النهوض بالوضعية المادية للقضاة، مع إسناد المسار المهني للقضاة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووضعه معايير لإختيار القضاة .
وقد عزز الميثاق توجه إصلاح القضاء على مستوى تحقيق ذلك أيضا، بضرورة تأليف المفتشية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تكون مهمتها التحري و التحقق و المراقبة ، وفيما يخص التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية و باقي السلطات فقد تم إسناد رئاسة مجلس وإدارة معهد تكوين القضاة إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مع تقديم سلطات التسهيلات اللازمة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية،و ضرورة تواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع محيطه، بوضع آليات لإعداد التقارير و الدراسات ، ووضع تقرير سنوي سيرصد تشخيصا كاملا لتوجهات السلطة القضائية .
وتعد نقطة إستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، من أهم النقط التي عرفت جدالا واسعا في الماضي، فإسناد الميثاق رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، هي نقطة إيجابية تعزز مسألة الإستقلالية، فوزير العدل لم تبقى له أية سلطة على القضاء ماعدا مهمته في وضع السياسة الجنائية و تبليغها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وهذا الأخير يكون معنيا بتقديم تقرير سنوي إلى المجلس العلى للسلطة القضائية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير جهاز النيابة العامة.
ثانيا : تخليق منظومة العدالة دون تحقيق مدخل التخليق لمنظومة العدالة لا يمكن الحديث عن تكريس تطبيقي لإستقلالية السلطة القضائية، ودون تخليق لا يمكن ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و الأمن القضائي.
فالتخليق هدفه بالأساس توفير مناخ الثقة و الأمن القضائي على عكس المناخ الذي تميز به القضاء المغربي في السابق، وقد جاء الميثاق بمقتضيات هامة في هذه النقطة، منها تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة و شفافية منظومة العدالة، وذلك عن طريق التصريح بالممتلكات و إحداث هيئة مستقلة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية و المجلس الأعلى للحسابات مع سن مقتضيات تشريعية بشأن المخالفات، ووضع إطار للتوصيف القانوني للمخالفات، و تعزيز مبادئ الشفافية و المسؤولية في المهن القضائية، وحضور الوكيل العام للملك في المجلس التأديبي للمحامين دون مشاركته في إتخاذ القرار، وإحداث هيئة قضائية مختلطة للبت في القرارات التأديبية، فهي إذا تعتبر إجراءات إيجابية في تعزيز مسألة التخليق القضائي، بالإضافة إلى ترسيخ القيم والمبادئ الأخلاقية لمنظومة العدالة بالإضافة و وضع مدونة سلوك المهن القانونية، ونشر الأحكام و القرارات المتعلقة بالتأديب في كل مهن منظومة العدالة.
وهو التوجه الذي يراعي الإرادة الملكية في إصلاح القضاء، و التي أشار إليها جلالة الملك في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2008 بقوله " إن النهج القويم للإصلاح يرتكز على ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون و الأمن القضائي "
تالثا : تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات هنا يطرح سؤال مهم حول كيفية حماية القضاء للحقوق و الحريات دون تدخل السلطة التنفيذية في ذلك، أو بمعنى أخر كيف سيصبح دور وزير العدل أمام السلطة القضائية، في إطار من الموازنة بين مبدأ إستقلال السلطة القضائية، وعضوية وزير العدل داخل الجهاز التنفيذي و ما يتطلب منه ذلك من تنفيذ السياسة الجنائية للحكومة .
وحسبما يدل عليه مصطلحا السياسة الجنائية :من كلمة السياسة وهي ممنوحة للحكومة، و الجنائية التي هي ميدان من عمل السلطة القضائية، ومن تم فلا بد من التعاون بين الطرفين بما يتماشى أولا مع السياسة العامة للحكومة في مجال حماية القضاء للحقوق والحريات، ووفقا لإعتبار السلطة القضائية من المؤسسات العامة في مجال العدل، وقد أعنى الميثاق هذا المدخل بأهداف هامة ترتكز على نهج سياسة جنائية جديدة،
وهو النهج الذي يقوم على ملائمة القوانين و التنسيق بين السياسات و إستحضار مقاربة النوع مع تعزيز حماية الأحداث و إستكمال ملائمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، مع تطوير سياسة التجريم عن طريق توسيع الجرائم القابلة للصلح و نزع التجريم عن بعض الأفعال، و إقرار نظام الغرامات التصالحية، وقد عزز الميثاق هذه الرؤية بإرساء سياسة عقابية ناجعة، و إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحريات، مع إعتماد ضوابط محددة في ممارسة السلطة التقديرية .
وحسب الميثاق سيتم تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، بمراجعة ضوابط و ضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية، وتعزيز مراقبة النيابة العامة وتوحيد الإطار القانوني لشكليات و بيانات وحجية محاضر الشرطة القضائية، وترشيد الإعتقال الإحتياطي، و رفع من مستوى التكوين الأساسي للموظفين و الأعوان المكلفين بمهام الشرطة القضائية.
وهو التوجه الذي سيعتمد على ضرورة تحقيق نجاعة العدالة الجنائية، بإقرار مبدأ إختيارية التحقيق في الجنايات، و إسناد تعيين قضاة التحقيق للرئيس الأول لمحكمة الإستئناف ضمن دائرة نفوذها، وتعزيز إشراف قضاة النيابة العامة و قضاة التحقيق على عمل الشرطة القضائية، مع حوسبة محاضر الضابطة القضائية .
رابعا : الإرتقاء بفعالية ونجاعة القضاء إن تحقيق هذا المدخل يرتبط بالأساس في إرساء و حدة القضاء قائم على التخصص قمته محكمة النقض، والمحكمة الابتدائية هي التي تكون الوحدة الرئيسية في التنظيم القضائي، من أجل دعم فعالية الأداء القضائي و تقريب القضاء من المتقاضين و عقلنة الخريطة القضائية، تحقيقا لخريطة القضائية مبنية على معايير موضوعية.
ودون شك يعتبر الطاقم البشري لجهاز القضاء مدخلا مهما في هذه النقطة، الأمر الذي يحتم إعادة توزيع الموارد البشرية، والبت في القضايا و تنفيذ الأحكام خلال آجال معقولة، مع مراجعة القوانين الإجرائية لاسيما قانون المسطرة المدنية و المسطرة الجنائية، ولن يأتي ذلك دون الرفع من جودة الأحكام و ضمان الأمن القضائي، وإعتماد آليات لتوحيد الإجتهاد القضائي، و إقرار آليات قانونية تتعلق بالتعويض عن الخطأ القضائي.
وهي إجراءات ستساهم في تسهيل الولوج إلى القانون و العدالة من جهة، وستمكن من وضع آليات لتدعيم هذا التوجه من قبيل تطوير المساعدة القضائية، وإحداث نظام المساعدة القضائية، و تحسين ظروف إستقبال المواطنين بالمحاكم و تعميم المعلومة القانونية، بالإضافة إلى تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات من قبيل الوساطة و الصلح و التحكيم لحل النزاعات.
خامسا : إنماء القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة الغاية من هذا الهدف هو تحقيق الجودة و ضمن التميز، و السبيل إلى ذلك هو مراجعة نظام التكوين الأساسي للقضاء، وإحداث مركز البحوث و الدراسات القضائية، وإحداث المدرسة وطنية لكتابة الضبط، وإحداث مؤسسة لتكوين المحامين و معهد وطني للتوثيق و مركز لتكوين العدول و المفوضين و الخبراء القضائيين.
فالإرتقاء بمعايير القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة، من الشروط الأساسية التي تراعي ولوج و ممارسة مهن منظومة العدالة، ومراجعة مستوى السن للمشاركة في مباريات وولوج القضاء، و تنظيم مباريات بشروط خاصة مع إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تنظيم مباريات الإلتحاق بسلك القضاء، فهي من المسائل الإيجابية و المهمة في تحقيق فاعلية أفضل لمنظومة القضاء.
فتوجه الميثاق في مسألة الفاعلية، لا يمكن فصله عن مسألة السن لولوج مهنة القضاء ورفع مدة التكوين، مع وضع برامج التكوين التخصصي، مع إلزامية التكوين، من أجل تعميق المعارف المهنية، و رفع قدرات الموارد البشرية، لتقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية و القانونية، وقد عزز الميثاق هذا التوجه بإقراره إحداث مجلس وطني لهيئة المحامين، الذي سيتمتع بنظام داخلي موحد، مع إعادة مراجعة شروط قبول الترافع أمام محكمة النقض، وتوسيع صلاحيات المفوضين القضائيين، من أجل الارتقاء بخطة العدالة وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، وإحداث هيئة و وطنية للخبراء القضائيين، من أجل دعم الثقة في المهن القضائية و القانونية.
سادسا : تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها من المبادئ الدولية لإستقلال السلطة القضائية وجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة على صعيد المسائل الداخلية للإدارة القضائية بما في ذلك إسناد القضايا إلى قضاة في إطار المحكمة التي ينتمون إليها، ووجوب أن تكون السلطة القضائية مستقلة بالنسبة للمسائل المالية و تتوفر على موارد كافية لأداء مهامها على النحو الأمثل.
فإقامة إدارة قضائية إحترافية و مؤهلة، حسب الميثاق لا يمكن فصله عن مراجعة إختصاصات وزارة العدل و تحديت إختصاصات المفتشية العامة، وتحديث الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، مع إحداث مناصب جديدة في هذا الصدد، كإحداث منصب مسير إداري بالمحكمة لتطوير الأساليب القضائية، الذي سيساهم في تعزيز الحكامة الجيدة للإدارة القضائية.
وقد إستحضر الميثاق في هذه النقطة مسألة اللاتمركز الإداري و المالي للإدارة القضائية بتسليطه الضوء على ضرورة توسيع مجال التفويض الإداري و المالي للوحدات الإدارية اللاممركزة، وإعادة هيكلة وتنظيم المديريات الفرعية الجهوية، وهيكلة المراكز الجهوية للحفظ و الأرشيف.
لن ينسى الميثاق التوجه الرقمي الذي إنخرط فيه المغرب، وقد تحدث عن آليات لإرساء مقومات المحكمة الرقمية بضرورة وضع مخطط مديري لإرساء مقوماتها مع تقوية البنية التكنولوجية للإدارة القضائية، وتأهيل الموارد البشرية، وإعتماد التوقيع الإلكتروني، وهو التوجه الذي يدخل في تحديث خدمات الإدارة القضائية، و الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم وإنفتاحها على المواطن، من أجل الإرتقاء بمستوى المحاكم .
تلكم إذا هي أهم الأهداف المحددة والتحديات المرفوعة اليوم أمام القضاء، والتي تعتبر في رأينا مسألة إيجابية لم تكن من قبل، ينبغي تحقيقها بتعاون كافة الجهات و المؤسسات الوطنية من أجل جهاز قضائي أفضل، لا محيد عنه في تفعيل دولة الحق و القانون و إحترام المؤسسات، و هي أهداف تنطلق من عمق الرغبة الأكيدة في تحصيل مؤسسة حقيقية مستقلة و متمتعة بكل صلاحيات السلطة القضائية، و التي تعتبر أحد الأعمدة الأساسية لضمان الحقوق و الحريات، ومقومات الدولة الحديثة و مركزا أساسيا في البناء الديمقراطي و مدخلا لا محيد عنه لتحقيق المغرب الأفضل.
الهوامش :
_1_ الظهير الشريف لتنفيذ دستور 1996 رقم 1.96.157 صادر في 23 من جمادى الأولى 1417،موافق 1996، الجريدة الرسمية عدد4420 بتاريخ 10 أكتوبر 1996.
_2_ الظهير الشريف الصادر في 27 شعبان1432 (29 يوليوز 2011) بشأن تنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية ، عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)
إعداد:ذ/ سعيد الفشتالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق