مقدمة :
يشكل العنف ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الدول،المجتمعات،الثقافات والأديان ، بل انه يمثل ظاهرة محايثة للوجود الانساني وملازمة له([1])،لذلك نجد ان الاهتمام به ليس جديدا ضمن المباحث المعرفية ،حيث يلاحظ ان هناك كثافة في تناول الظاهرة في ابعاد متعددة ،منها السياسي وما يتصل به من افراط الدولة في استعمال العنف ،او ما تواجهه الدولة من عنف الجماعات ،ومنها ،العنف الاسري ،والعنف ضد المرأة وضد الطفل ،والعنف في مجال العمل ،والعنف في الوسط المدرسي.
يشكل العنف ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الدول،المجتمعات،الثقافات والأديان ، بل انه يمثل ظاهرة محايثة للوجود الانساني وملازمة له([1])،لذلك نجد ان الاهتمام به ليس جديدا ضمن المباحث المعرفية ،حيث يلاحظ ان هناك كثافة في تناول الظاهرة في ابعاد متعددة ،منها السياسي وما يتصل به من افراط الدولة في استعمال العنف ،او ما تواجهه الدولة من عنف الجماعات ،ومنها ،العنف الاسري ،والعنف ضد المرأة وضد الطفل ،والعنف في مجال العمل ،والعنف في الوسط المدرسي.
ان خطورة العنف ،بوجه عام ،جعل المنتظم الدولي يوليه عناية فائقة من حيث تعريفه ،نذكر في هذا المجال تعريف منظمة الصحة العالمية الذي يذهب الى ان العنف هو “الاستعمال المتعمد للقوة المادية او القدرة ،سواء بالتهديد او الاستعمال الفعلي لها،من قبل شخص ضد نفسه او ضد شخص اخر او مجموعة او مجتمع ،بحيث يؤدي الى حدوث او احتمال حدوث اصابة او موت او اصابة نفسية او سوء النماء او الحرمان ” ([2]).
وإذا كان هذا التعريف يشمل العنف كظاهرة انسانية عامة تمس الاشخاص والمجتمعات والثقافات([3])،فان هناك فئات اكثر تعرضا من غيرها للعنف والاضطهاد ،لما تحمله من هشاشة فيزيولوجية واجتماعية واقتصادية،كالأطفال والفقراء والنساء وغيرهم ، لذلك حضي العنف ضد النساء ،بوجه خاص ،الذي لا يقتصر على ثقافة معينة او منطقة محددة او بلد بحد ذاته([4])،باهتمام زائد من طرف المنتظم الدولي ، اذ انه من منطلق الحاجة الى وجود تعريف واضح للعنف ضد المرأة ، نص الاعلان العالمي بشان القضاء على العنف ضد المرأة في مادته الاولى على ان تعبير العنف ضد المرأة([5]) “يعني اي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عليه ،او يرجح ان يترتب عليه اذى ،او معاناة للمرأة،سواء من الناحية الجسمانية او الجنسية او النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل او القسر او الحرمان التعسفي من الحرية ،سواء حدث ذلك في الحياة العامة او الخاصة”.
وبعد ما يزيد عن عشرين عاما من اعلان الامم المتحدة الاطار العام لمناهضة ظاهرة العنف ضد المرأة ، لازالت واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض للعنف الجسدي او الجنسي غالبا من قبل الزوج او الشريك الحميم ،كما ان معدلات العنف الجسدي والجنسي قد تصل الى 70 في المائة بين النساء في العديد من دول العالم ..
وفي المغرب ،فان الارقام التي صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2011 ،اعتبرت صادمة بالنظر لحجم انتشار العنف ضد المرأة ،حيث اشارت الى ان 62.8 في المائة من النساء اللواتي تتراوح اعمارهن ما بين 18و64 كن ضحايا عنف خلال السنة السابقة ،وان ما يربو على نصف هذه الاعمال (55 في المائة) ارتكبها ازواج للضحايا ،بل انه ،وفق المعطيات المسجلة لدى وزارة العدل والحريات ،عرف العنف الجسدي ضد النساء في المغرب ارتفاعا ملحوظا بين سنتي 2013و2014 ،حيث انتقلت نسبته من 54.8 بالمائة الى 63.3 بالمائة ،وحسب اخر تقرير لمكتب الامم المتحدة للمرأة بالمغرب خلال نونبر 2016 ،فقد بلغ عدد النساء المغربيات اللواتي تعرضن للتعنيف والتحرش بالأماكن العامة 2.4 مليون مغربية.
ان هذا الواقع بقدر ما يبرز خطورة ظاهرة العنف ضد النساء وتطورها في المغرب ،بقدر ما يثير اهمية الموضوع ويبرر طرح الاشكالية المتمثلة في مدى توفر المغرب على اطار مرجعي كفيل بمناهضة العنف ضد النساء ؟
لقد افرزت حركة التشريع الدولي مجموعة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان ،وطورت معايير دولية في مجال مناهضة العنف ضد النساء،لم يكن المغرب بعيدا عنها ،اذ ساهم في اعداد معظمها ،كما اصبح طرفا فيها ،فباتت تشكل مرجعية اساسية ومصدر رئيسي لالتزاماته باحترام حقوق الانسان (المطلب الاول) ،ورتبت على كاهله،التزاما باتخاذ الاجراءات التشريعية لتطبيقها وتحويلها الى واقع ملموس في النطاق الوطني ، خاصة على مستوى قانونه الأسمى من خلال تضمين الوثيقة الدستورية مقتضيات سامية تشكل مرجعية مهمة في هذا المجال (المطلب الثاني).
المطلب الاول: المرجعية الدولية
انها المرجعية التي يمكن الالمام بها من خلال ابراز مفهوم العنف ضد النساء من منظور القانون الدولي لحقوق الانسان،والكشف عن اهم المعايير الدولية المرتبطة بمناهضة العنف ضد النساء.
اولا: مفهوم العنف ضد النساء من منظور القانون الدولي لحقوق الانسان
ان التعريف الشمولي للعنف ضد النساء ([6])، ينبغي ان يتضمن من منظور القانون الدولي لحقوق الانسان التنصيص على التهديد بارتكاب اعمال العنف بوصفه مكونا لهذا التعريف من جهة ،وكذا مفهوم الاضرار بمختلف اشكالها ، الناتجة عن ارتكاب العنف ضد النساء او التهديد بارتكابه .
على هذا الاساس نجد ان الفقرة (113) من منهاج بيجين عرفت بالعنف ضد المرأة بوصفه “اي عمل من اعمال العنف القائم على نوع الجنس يترتب او يحتمل ان يترتب عليه اذى بدني او جنسي او نفسي او معاناة للمرأة ،بما في ذلك التهديد بالقيام بأعمال من هذا القبيل او الاكراه او الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة او الخاصة” ([7]).
واذا كان هناك من لاحظ بان الاعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء ([8])،يركز على ان العنف لا يتجسد فقط في العنف الجسدي بل ايضا النفسي والجنسي ،و ان العنف تترتب عنه انتهاكات لحقوق اخرى اساسية مدنية سياسية اقتصادية واجتماعية ،انطلاقا من شمولية حقوق الانسان ،فان مجلس حقوق الانسان في الفقرة الاولى من قراره رقم 29 / 14 ([9])،اكد على ان “العنف ضد المرأة يعني اي عمل قائم على نوع الجنس ويفضي ، او قد يفضي ،الى تعرض النساء من جميع الاعمار والفتيات الى ضرر او الم جسدي او نفسي ،ويشمل التهديدات بارتكاب افعال من هذا القبيل ،او الاكراه ،او الحرمان التعسفي من الحرية،سواء وقع ذلك في الحياة العامة او الخاصة،ويلاحظ ايضا الضرر الاقتصادي والاجتماعي الذي يخلفه هذا العنف”.
وإذا كانت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة قد عملت على تحديد طبيعة العنف القائم على اساس الجنس بوصفه شكلا من اشكال التمييز من خلال توصيتها العامة رقم 19([10])،فإنها اعتبرت ان “العنف القائم على اساس نوع الجنس والذي ينال من تمتع المرأة بحقوق الانسان والحريات الاساسية بموجب القانون الدولي العام او بمقتضى اتفاقيات محددة لحقوق الكانسان او يبطل تمتعها بتلك الحقوق والحريات ،يعتبر تمييزا في اطار معنى المادة 1 من اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ([11])، بحيث انه يترتب على اعتبار العنف القائم على اساس الجنس شكلا من اشكال التمييز ضرورة تعريفه بشكل عام ليشمل جميع اشكال العنف.
ثانيا: المعايير الدولية لمناهضة العنف ضد النساء
ان طبيعة المعايير الدولية الواردة في التشريع الدولي لحقوق الانسان تقتضي ان تتخذ الدولة مجموعة من التدابير والإجراءات الفعلية لضمان الوفاء بتعهدها باحترام حقوق الانسان كما هو متعارف عليها عالميا.
من هذا المنطلق نجد ان الجمعية العامة في قرارها رقم 63/ 155 المعتمد بتاريخ 18 دسمبر 2008 والمعنون “تكثيف الجهود الدولية للقضاء على جميع اشكال العنف ضد المرأة” ([12])،قد حثت الدول “على وضع حد لإفلات مرتكبي العنف ضد المرأة من العقاب ،عن طريق التحقيق مع جميع مرتكبيه ومقاضاتهم وفقا للإجراءات القانونية الواجبة ومعاقبتهم ،وكفالة المساواة للمرأة في التمتع بحماية القانون والوصول الى القضاء،ولفت الانظار الى المواقف الاتي تعزز العنف بجميع اشكاله ضد النساء والفتيات او تبرره او تتسامح معه والقضاء على تلك المواقف”.
وفي نفس السياق اكد مجلس حقوق الانسان في قراره رقم 17/11 المعتمد بتاريخ 17 يونيو 2011 على ان “واجب الدول المتمثل في بدل العناية الواجبة لتوفير الحماية للنساء والبنات الللائي تعرضن للعنف او المعرضات له يشمل استخدام جميع الوسائل المناسبة ذات الطابع القانوني والسياسي والإداري والاجتماعي التي من شانها ضمان امكانية الوصول الى العدالة والرعاية الصحية وخدمات الدعم التي تلبي احتياجاتهن المباشرة ،وحمايتهن من التعرض لمزيد من الاذى ،ومواصلة معالجة عواقب العنف المستمر عليهن،مع مراعاة تأثير العنف على اسرهن ومجتمعاتهن المحلية .”
فإذا كانت الغاية من وضع معايير دولية هو ضمان احترام حقوق الانسان في جميع الظروف ،فانه في مجال مناهضة العنف ضد النساء ،نجد ان مفهوم العناية الواجبة يتضمن مستويان ينبغي استحضارهما من قبل المشرع في اي عملية لصياغة الاطار القانوني لمكافحة العنف ضد النساء ،حيث تأكد المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة ([13])،السيدة : مانكو ،ان المستوى الاول من مفهوم العناية الواجبة على مستوى الافراد يحيل الى التزامات الدول ازاء افراد معنيين او مجموعة من الافراد ،بمنع العنف والحماية منه والمعاقبة عليه وتقديم سبل الانتصاف الفعالة منه على اساس محدد ،وذلك من خلال توفير خدمات للنساء كتوفير الخطوط الهاتفية المباشرة ،والرعاية الصحية،مراكز المشورة والمساعدة القانونية ،ودور الايواء،وإصدار اوامر جزرية وتقديم المساعدة المالية ،حيث ان معيار بذل العناية الواجبة على مستوى الافراد يوقع التزاما على عاتق الدول بمساعدة الضحايا في اعادة حياتهم والمضي قدما فيها وقد يشمل ذلك الالتزام على التعويض المادي ،وكذالك المساعدة في الانتقال للعيش في مكان اخر وإيجاد عمل .ويتطلب معيار بذل العناية الواجبة على مستوى الافراد ايضا من الدول لا معاقبة الجناة فحسب ،وإنما معاقبة الجهات التي قصرت في اداء واجبها في التصدي للانتهاك كذالك .
اما المستوى الثاني من مفهوم العناية الواجبة والذي يتمثل في بذل العناية على مستوى الانظمة فيحيل على “الالتزامات التي ينبغي على الدول ان تتعهد بها لضمان اتباع نموذج شامل ودائم المنع عن افعال العنف ضد المرأة والحماية منها والمعاقبة عليها وجبر الضرر الناجم عنها،حيث ترى المقررة الخاصة في نفس التقرير انه يمكن للدول،على مستوى الانظمة ،ان تفي بمسؤولياتها في الحماية والمنع والمعاقبة بوسائل منها اعتماد او تعديل التشريعات،ووضع استراتيجيات وخطط عمل وحملات توعية وتقديم خدمات ،وتعزيز قدرات وسلطات الشرطة والمدعين العامين والقضاة،وتوفير التمويل الكافي لمبادرات التغيير التي تؤدي الى تحولات ،ومحاسبة من لا يكفل الحماية والمنع،ومن ينتهك حقوق الانسان للمرأة ،ويتعين على الدول ايضا ان تشارك بصورة ملموسة اكثر في التحول المجتمعي الشامل بغية التصدي لأوجه اللامساواة والتمييز بين الجنسين الهيكلية النظمية.
على هذا الاساس فان المستويين الذين يتضمنهما التزام الدولة بمكافحة العنف ضد النساء كما حددهما القانون الدولي لحقوق الانسان يفيد بان التزام الدولة لا ينصب فقط على اتخاذ التدابير القانونية وتدابير السياسات العمومية الملائمة لمنع ومكافحة العنف ضد النساء وإنما يتضمن ايضا امكانية قيام مسؤولية الدولة عن عدم بذل اجهزتها الادارية والقضائية للعناية الواجبة في حالات العنف الذي يقوم به اشخاص خواص ([14]) حيث ان مجلس حقوق الانسان يؤكد ان “الدولة تتحمل المسؤولية الاولى عن حماية النساء والفتيات اللائي تعرضن لأي شكل من اشكال العنف،سواء في المنزل او في مكان العمل او في المجتمع المحلي او في المجتمع عموما ،ومقاضاة مرتكبيها ومعاقبتهم وجبر الضحايا ،بما في ذلك عن ضمان الوصول الى سبل انتصاف وافية وفعالة وسريعة وملائمة “([15]).
المادة([16]) وتعويضه بتصريح تفسيري ينص على أن” المغرب يفسر مقتضيات الفقرة الأولى من نفس المادة على ضوء الدستور والقواعد الأخرى للقانون الداخلي ،خصوصا فيما يتعلق باختيار الديانة”([17]).
المطلب الثاني: المرجعية الدستورية
إذا كان ميلاد دساتير صك الحقوق يعبر عن تغير في الافكار السياسية والفلسفية التي تحرك الوثيقة الدستورية،فان تحول الدساتير الى بيانات للحقوق ستنقل النص المقدم الى عهد قريب باعتباره الية للسلطة الى حامل لفكرة الحقوق والحريات عبر دسترتها وضمان احترامها ومنحها الاولوية على مستوى الهندسة الدستورية بعد الديباجة وقبل مكونات السلطة والتنظيم ([18]) ، في هذا السياق نجد ان هناك من اعتبر الدستور المغربي لسنة 2011 صكا حقيقيا للحقوق ، ونموذجا للدساتير التي يطلق عليها “دساتير الحقوق “بالنظر لما تضمنه الدستور الجديد من مقتضيات مرتبطة بمجال الحقوق والحريات ([19]).
على هذا الاساس يشكل الدستور المغربي مرجعية اساسية لمناهضة العنف ضد النساء ،سواء من خلال مقتضيات ديباجته (اولا ) ،او عبر مقتضيات مواده المشكلة لصلبه(ثانيا).
اولا : على مستوى ديباجة الدستور
اذا كان هناك من اعتبر ان فكرة حقوق الانسان تعد فكرة مهيكلة لكل الوثيقة الدستورية لعام 2011 ([20])، ففي ديباجة الدستور، كرس المغرب تعهده باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا،حيث نص على ان “وإدراكا منها لضرورة ادراج عملها في اطار المنظمات الدولية ،فان المملكة المغربية،العضو العامل النشيط في هذه المنظمات،تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها ،من مبادئ وحقوق وواجبات ،وتؤكد تشبثها بحقوق الانسان ،كما هي متعارف عليها عالميا”.والتفسير الصريح لهذه المقتضيات،يعني بان المملكة المغربية ،التي اختارت طواعية الانخراط في العديد من المنظمات الدولية ،وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة والوكالات المتخصصة التابعة لها،وصادقت على العديد من الاعلانات والاتفاقيات الصادرة عنها،تلتزم باحترام مقتضيات الاتفاقيات الدولية ،ومن بين هذه الاتفاقيات تلك المتعلقة بحقوق الانسان ،ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ،والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ،واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة،وغيرها من الاتفاقيات والإعلانات الحقوقية التي تشكل في مجموعها القانون الدولي لحقوق الإنسان([21]).
وإذا كان مبدأ المساواة ،يعتبر الركيزة الاساسية التي تقوم عليها منظومة حقوق الانسان، فان المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور 2011 على الالتزام بالعمل على “حضر ومكافحة كل اشكال التمييز،بسبب الجنس او اللون او المعتقد او الثقافة او الانتماء الاجتماعي او الجهوي او اللغة او الاعاقة او اي وضع شخصي،مهما كان.”
لعل هاته المقتضيات ستتعزز اكثر بما خصه المشرع الدستوري من مقتضيات مهمة في صلب الدستور لحماية حقوق الانسان عامة وحقوق النساء بشكل خاص.
ثانيا :على مستوى مواد الدستور
يمثل التكريس الدستوري لحقوق الانسان، احد الادوات التشريعية الاساسية لحماية حقوق الانسان ذات المرجعية الدولية،واحد الاطر القانونية المركزية لترسيخ ممارستها من طرف الافراد نظرا للقوة القانونية التي يتمتع بها الدستور ،لذلك فان الكثير من الدول ومن ضمنها المغرب لجا الى الالية التشريعية الدستورية لإقرار حماية حقوق الانسان وتعزيز ممارستها ([22])2005، حيث نجد ان الاطار الذي رسمه دستور 2011،من خلال التأكيد على الثوابت الاساسية والبناء الاجمالي للهيكلة الدستورية في فصله الاول،يمثل اطارا ملائما لتعزيز الحقوق والحريات،ولهذا جاء الباب الثاني يحمل عنوان “الحقوق والحريات الاساسية،الذي يتضمن تعزيزا للحقوق المدنية ،عبر التأكيد على ان الحق في الحياة هو اول الحقوق وان القانون يحمي هذا الحق (الفصل 20) ([23])،وان لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه،وحماية ممتلكاته،وان السلطات العمومية تضمن سلامة السكان ،وسلامة التراب الوطني،في اطار احترام الحريات والحقوق الاساسية المكفولة للجميع (الفصل21).
وفي اطار حماية كل الافراد من العنف، ومن بينهم النساء، نجد ان الفصل22 من دستور 2011 قد نص على انه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية او المعنوية لأي شخص،في اي ظرف،ومن قبل اي جهة كانت،خاصة او عامة” كما اضاف في نفس الفصل على انه “لا يجوز لأحد ان يعامل الغير ،تحت اي ذريعة ،معاملة قاسية او لا انسانية او مهينة او حاطة بالكرامة الانسانية ” بل انه اكد في الفقرة الاخيرة من نفس الفصل على ان ” ممارسة التعذيب بكافة اشكاله ،ومن قبل اي احد ،جريمة يعاقب عليها القانون .”
وإذا كان المشرع الدستوري المغربي قد سعى في دستور 2011 بمقتضى الفصل 19 الى تمتيع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة في الاتفاقيات الدولية ،فان هذا الفصل لم يقف عند هذا الحد ، بل اضاف على ان الدولة تسعى لتحقيق مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة ،وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل اشكال التمييز ([24]).
على سبيل الختم:
ان إفراد الباب الثاني من الدستور المغربي بجملته للتنصيص على الضمانات الدستورية للحريات والحقوق الاساسية،يعكس بحق المعنى الحقوقي والإنساني للحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للمواطن،ويستوجب ان تعمل الدولة على اتخاذ الاجراءات التشريعية التنفيذية الضرورية ،ضمن مسلكية تستهدف ملاءمة القانون الداخلي مع المعايير الدولية لحقوق الانسان.
والاكيد ان مناهضة العنف ضد النساء يقتضي تحقيق تكامل الاطار القانوني وإطار السياسات العمومية ،من خلال ادراج منظور الجنس ضمن المسار العام لجميع السياسات والبرامج ذات الصلة بالعنف ضد النساء، وتحقيق المساواة بين الجنسين والمساواة والإنصاف في الوصول الى العدالة.
[1] – وفاء كردمين ،العنف في الوسط المدرسي فعل اجتماعي ، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ،قسم الفلسفة والعلوم الانسانية ،17 اكتوبر2017ص4 ،” اطلع عليه بتاريخ 2 يناير 2018 :www.mominoun.com.
[2] – Rapport mondial sur la violence et la santé ;OMS ;Geneve ;2002 ;p7 .
[3] – عصام عدوني ،العنف ضد المرأة في المغرب:مقاربة سوسيولوجية،مركز دراسات الوحدة العربية ،مجلة المستقبل العربي،العدد 413 ، تموز يوليو 2013 ،ص68 “.
[4] – العنف ضد النساء في مجتمع قطاع غزة ،دراسة وصفية تحليلية ،مركز الاعلام والمجتمع CMC ،2015 ،ص4 ،” اطلع عليه بتاريخ 5 يناير 2018 :VAW_Studey-CMC-2pdf.
[5]– اعلان بشان القضاء على العنف ضد المرأة تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 104 /48 في 20 دسمبر1993 .
[6]– la lutte conter les violences à l’encontre des femmes ;conseil national des droits de l’homme ;série contribution au débat public –N°4 ;p4 ;www .cndh.ma.
[7]– اعلان ومنهاج بيجين الصادر عن المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي انعقد في بيجين خلال الفترة من 4الى 15 سبتمبر 1995 واعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى القرار 42/ 50 بتاريخ 17 يناير 1996 ولاسيما الفقرة 29 منه التي تعلن عزم الدول على منع جميع اشكال العنف ضد المرأة والفتاة وكذا الفقرات 112 و130 من منهاج عمل بيجين .
[8]– خديجة الروكاني ،الحق في الحماية من العنف الزوجي من خلال المواثيق الدولية لحقوق الانسان ،الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء ،سلسلة “لنكسر الصمت”،اعمال موائد مستديرة ،مطبعة النجاح الجديدة ،ابريل 2005 ،ص89 .
[9]– قرار رقم 29/ 14 اعتمده مجلس حقوق الانسان في 2 تموز 2015 في دورته التاسعة والعشرون ،وثيقة الامم المتحدة A/HRC/RES/29/14 .
[10]– انظر الوثيقة HRI/GEN/1/REV9(VOL2) ص(329)(فقرة1).
[11]– انظر الوثيقة HRI/GEN/1/REV9(VOL2) ص(329)(فقرة7).
[12] – وثيقة الامم المتحدة A/RES/63/155 الفقرة 11.”
[13] – تقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه ،رشيدة مانجو حقوق الإنسان ،مطبعة المعاريف الجديدة ،الرباط 2010،ص30 .
[14]– ذكرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في توصيتها رقم 19 بشان العنف ضد المرأة انه”يقضي القانون الدولي العام وعهود معينة لحقوق الانسان بإمكانية مسائلة الدول ايضا عن الاعمال الخاصة اذا لم تتصرف بالجدية الواجبة لمنع انتهاكات الحقوق او التحقيق في جرائم العنف ومعاقبة مرتكبيها وتعويض ضحاياها” “انظر الوثيقة HRS/GEN/1/REV 9(VR4) ص329 فقرة 9 .
[15]– قرار مجلس حقوق الانسان رقم 20/12 المعتمد بتاريخ 16يوليوز2012 ،وثيقة A/HRC/RES/20/12 ،الفقرة2 .
[16]– اعتبر المغرب “كون قانون الجنسية المغربية لا يسمح بان يحمل الولد جنسية أمه إلا في حالة ازدياده من أب مجهول أيا كان مكان الولادة أو من أب عديم الجنسية مع الازدياد بالمغرب وذلك حتى يضمن لكل طفل حقه في الجنسية”.
[17]– تنص هذه الفقرة على ما يلي:”تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين”.
[18]– محمد اتركين، الدستور والدستورانية ، من دساتير فصل السلط الى دساتير صك الحقوق ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة الاولى 2007 ،ص 172-173.
[19] – احمد مفيد، ضمانات الحقوق والحريات الاساسية في دستور 2011، المجلة المغربية للسياسات العمومية، سلسلة دفاتر حقوق الانسان -1- ،ص22.
[20]– المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان “دليل حول الضمانات الدستورية والآليات المؤسساتية لحماية حقوق الانسان والنهوض بها ” ،ص8.
[21]– احمد مفيد ، ضمانات الحقوق والحريات الاساسية في دستور 2011،مرجع سابق ،ص10 .
[22] – عبد القادر الاعرج ،السياسة التشريعية والقضائية وإشكالية حماية حقوق الانسان بالمغرب، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس –اكدال-الرباط ،2011-2012 ،ص124 .
[23]– الشريف تيشت ،الحقوق والحريات الاساسية في ظل دستور 2011،مجلة مسالك،العدد 39 / 40،ص51-53.
[24]– عبد القادر الاعرج ،السياسة التشريعية والقضائية وإشكالية حماية حقوق الانسان بالمغرب،مرجع سابق،ص148.
إعداد:ذ/إسماعيل بلكبير_باحث في القانون العام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق