الطعن بالنقض في قانون المسطرة المدنية
إن توحيد العمل القـضائي في دولة من الدول من أهم ما يسعى إليه مشرع تلك الدولة لما في هذا التوحيد من استقرار في العمل القضـائي وتوحيد تفسير النصوص القانونية وتـأوليها وإعطائها مدلولا واحدا في جميع محاكم الدولة، ولا يتم هذا التوحيد إلا بإيجاد محكمة عليا على رأس الهرم القضائي تكون مرجعا شاملا لجميع محاكم الدولـة.
وحرصا من المشرع على توحيد المحاكم واستقرار العمل القضائي، فقد نص على أن تكون محكمة عليا وحيدة في الدولة توكل إليها مراقبـة المحاكم الدنيا ، وهي تتربع – أي محكمة النقض – على قمة الهرم القضائي بالمغرب باعتباره مرجـع النقض الوحيد للمحاكم المغربيـة، وهو ليس بمحكمة من الدرجة الثالثة، بل هو محكمـة قانون تراقب مدى تطبيق المحكمة المصدرة للقرار المطعـون فيه أمامها للقانون.
المطلب الأول : عنـــــــاصر الطعـــــــــن بالنقــــــــــض
عناصر الطعن بالنقض هي ثلاثة، تتمثل في الطاعن والمطعون ضده، والحكم أو القرار المطعون فيه، وهي نفس عناصر الدعوى الثلاثة : المدعي، المدعى عليه، موضوع الدعوى. وبما أن محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون، لا يفصـل في نزاع معروض عليه، وإنما في حكم طعن فيه أمامه، فحل الحكم المطعون فيه محل موضوع الدعـوى.
أ)
الطـاعن : هو الشخص – طبيعيا كان أو اعتباريا – الذي يطعـن بالنقض في قرار صدر في دعوى كان طرفا في مرحلتها الاستئنافية، أو في المرحلـة الابتدائية إذا كان الحكم المطعون فيه بالنقض انتهائيا، لأن الطعن بالنقض شـرع لمن تضرر من الحكم المطعون فيه كما لا يمكن قبول الطعن بالنقض من شخـص تنازل عن استئنافه في القرار الصادر بقبول تنـازله وذلك لنفس العلة، وهو عدم تضرره من القرار الذي يطعن فيه سواء كان طرفا أصليـا في المرحلة الابتدائية أو تدخل في المرحلة الاستئنافية، إلا أنه إذا كان طرفا في المرحلة الابتدائية ولم يستأنف الحكم المستأنف وأصدرت محكمة الاستئناف قرارهـا بتأييد الحكم المسـتأنف أو بعدم قبول الاستئناف ولم يضار بهذا الاستئناف، أي لم يسوء مركـزه القانوني بالقرار الاستئنافي، فإنه لا يقبل منه الطعن بالنقض في القرار الاستئنافي الذي لم يسئ إلى مركزه القانونـي، أي لم يلحق به ضررا لكونه لا مصلحة له في الطعن بالنقض، والمصلحة كما هي شـرط في إقامة الدعوى شرط كذلك في طلب النقـض.
فهكذا لو أن مدعى عليه أخرجه الحكم الابتدائي من الدعوى أو قضى برفض طلب المدعي الموجه ضده، واستأنفـه المدعي فأيدته محكمة الاستئناف وطعن فيــه المدعى عليه بالنقض فإن طعنه لا يقبل، لكون الحكم المطعـون فيه لم يسئ إلى مركـزه القانوني ولم يحكم عليه بشيء، وبالتالي لا مصلحة له في الطعـن.
ويعد طرفـا في الحكم المطعون فيه بالنقض، من كان ممثلا فيه من أحد الأطراف، ويجوز له الطعن في الحكم المذكور، كالوارث في نزاع يتعلق بتركة موروثه، أو الموصـى له بجزء في تركة الموصي أو المشتري الذي يكون ممثلا بالبائع له في نزاع يتعلق بالمبيع، أو الموهوب له في نزاع تعلق بالشيء الموهوب، كما يكون هناك تمثيل في حالة الوكالـة التعاقدية كوكيل الخصومة الذي يمثل أحد أطراف النزاع سواء كان الوكيـل محاميا أو قريبـا أو صهرا إلى الدرجة الثالثة، أو كانت الوكالة قانونية كالمحجور عليه والمفلس، كل هؤلاء إذا كـانوا أطرافا في المرحلة الاستئنافية وكانوا ممثلين بالغير فيمكن لكل منهم، إذا زال السبب الذي كان مانعا له من مباشـرة الدعوى كحالة القِصَـر أو الإفلاس أو وفاة الموروث، أو الواصي أو الواهب، أن يطعن بالنقض في الحكـم الذي كان ممثلا فيه بالغير لأن أثر الحكم ينسحب إليه لا إلى النائب.
إلا أنه لا يحق لمن رفع الدعـوى بصفته الشخصية أن يطعن على الحكم الصادر فيها بصفته وصيا أو مقدما ما عدا إذا نقل الحق موضوع الدعـوى إلى الموصى له أو المقدم عليه بصدقة أو هبة.
ب)
المطعـون ضده : ليكون الطعـن مقبولا يجب أن يقـدم ضد شخص كان طرفا في الحكم المطعون فيه، سواء كان طرفـا أصيلا في المرحلة الاستئنافية أو تدخل اختياريا واستفاد من القرار الاستئنافي المطعون فيه بالنقض، إذ أن المصلحـة تشترط في الطاعن كما تشترط في المطعون ضده، وقد أكدت هذا محكمة النقض في قراره رقم 1055 الصادر بتاريخ 25 ماي 1983 بقوله " لا يقبل الطعن بالنقض ضد شخـص لم يكن طرفا في الدعوى أمام المحكـمة التي أصدرت الحكم أو القرار المطعون فيه، فلا يقبل الطعن بالنقض ضد شخص لم يستفد ولم تكن له مصلحة في القرار المطعـون فيه بالنقض، ولا يقبل الطعن ضد من أخرجه الحكم المطعون فيه من الدعـــوى ما لم يكن الطاعن بالنقض هو الذي أدخله كضامن أو طلب الحكم عليه بشيء ابتدائيا، أو ضد من رفض طلبه كله ".
والمطعـون ضده سواء كان أصليا في الدعوى أو نائبا عن الغير نيابة قانونية يرفع ضده النقض كالطرف الأصلي، إلا أنه دائما بصفته هذه مع الإشارة إلى الطرف الأصيل، يجب أن يقام الطعن ضد المطعون ضدهم بنفس الصفـة التي كانوا عليها أمام محكمة الموضوع.
فالحاجر ووكيل التفليسـة والنائب وناظر الأوقاف والحارس القضائي ما داموا مثلوا غيرهم في الحكم المطعون فيه وكانوا أطرافا في الحكـم المطلوب نقضه بهذه الصفة ولم تغير صفتهـم أي لم يستبدلوا نواب آخرين ولا ضرورة لذكر هؤلاء النـواب بأسمائهم الشخصية، يرفع ضدهم النقض بصفتهم هذه، نيابة عن الطرف الأصيـل.
في حالة وفاة المطـعون ضده، بعد صدور الحكم المطعون فيه، وعلم الطاعن بذلك، يتعين على هذا الأخير توجيه الطعن ضد ورثة الهالك وليس الطاعن ملزما بذكر أسمائهم وعناوينهم، بل يكنفي بذكر ورثة فلان وبيان عنوان الهالك التي أجريـت فيه المسطرة القضائية في المرحلة الاستئنافية، إن كان صادرا عن محكمة الاستئناف أو في المرحلة الابتدائية إن كان الحكم المطعون فيه صدر انتهائيا عن المحكمة الابتدائية.
ج)
الحكم المطعـون فيه : نصت الفقرة الأولى من الفصل 353 من ق.م.م على أنه " يبت المجلس الأعلى ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك في
1 -
الطعن بالنقض ضد الأحكام الانتهائية التي تصدرها جميع محاكم المملكة؛ "
فجميع الأحكـام والقرارات القضائية الانتهائية - أي التي لا تقبل الاستئناف – تكون موضوع طعن بالنقض، سواء كانت باتة في الموضوع أو في إجراء مؤقت كالأوامر الاستعجالية أو كانت مفسرة لغموض وقع في حكم سابق أو مصححة لخطأ وقع فيه، بشرط أن يكون الطعن فيها في نفس الوقت الذي يطعن فيه الحكم أو القرار المفسـر أو المصحح لاختلاطهما وإدماجهما معا.
غير أن الأحكام غير الانتهائية، كالحكم الابتدائي الذي لم يطعن فيه الطاعن بالاستئناف، وترك أجله دون أن يطعن فيه بالاستئناف، فلا يقبل الطعن فيه بالنقض، أما الحكم البات في جزء من الدعوى كالأحكام التمهيدية فإنه لا يقبل الطعـن بالنقض إلا مع الحكم الانتهائي البات في الموضوع.
وأحكام المحكمين لا تقبل الطعن بالنقض، ولكن الذي يقبل الطعن بالنقض هي الأوامر القضائية الصادرة عن الهيئة القضائية في شأن تذييل حكم المحكميـن بالصيغة التنفيذية، أو الأحكام الصادرة بطلب بطلان حكم المحكمين لمخالفته مقتضيـات الفصل 26-327 من ق.م.م، أو لأي سبب كان وكذلك الأحكام الصادرة في تعرض الغير الخارج عن الخصـومة في أحكام المحكمين أو طلب إعادة النظر فيهما، فهذه الأحكام الصادرة عن المحـاكم هي التي تقبل الطعن بالنقض.
العبرة بكون الحكـم ابتدائيا أو انتهائيا، تكون بالمسطرة القانونية المتبعة في الإجراءات، لا بالوصف الخاطئ التي تصف به المحكمة الحكم الذي أصدرته فإذا وصفت المحكمـة الحكم الذي أصدرته خطأ بأنه انتهائي، وتبين من إجراءات الدعوى أنه ابتدائي أو العكس، فلا عبرة بوصف المحكمة المخطئ الذي وصفت به الحكـم ولكن العبرة بواقع المسطرة.
د)
أحكام لا تقبل الطعـن بالنقض : الأصل أن جميع الأحكام الانتهائية تقبل الطعن بالنقض إلا ما استثنى نص صريح، ومن هذه المستثنيات
* الدعاوي التي تكون المبالغ المطلوبة فيها لا تتعدى 20000 درهم.
* الطلبات المتعلقة بأداء الوجيبة الكرائية والتحملات الناتجة عن الكراء كطلب التعويض عن الأضرار التي ألحقها المكتري بالعين المكراة، أو التعويض الذي يطلب المكري عن تماطل المكتري في أداء الوجيبة الكرائية، وكذلك الدعاوي المتعلقة بمراجعة السومة الكرائية سواء تعلق بالمحلات التجارية أو السكنية أو الفلاحية ما دام الفصل 353 في فقرته 1 أطلق وما أطلق يؤخذ على إطلاقه.
* الأحكـام الصادرة عن حاكم الجماعات والمقاطعات.
* الأحكـام الصادرة بفسخ العلاقة الزوجيـة.
المطلب الثاني – مـسطرة و أسبـــاب الطعــــن بالنقـــــض
* المـــــســــــطرة :
نظرا لخطـورة مرحلة النقض، فقد أوجـب المشرع أن تكون جميع عرائض النقض ضد الأحكام القضائية أو المقررات الإدارية المطلوب إلغاؤها، أو مذكرات الجواب عنـها مقدمة وموقعة من طرف محام مقبول للتـرافع أمام المجلس الأعلى.
والمحامي يكون مقبولا أمام المجلس الأعـلى إذا مر على تسجيلـه كمحام في إحدى هيئـات المحامين بالمغرب عشر سنوات أو كان من قدماء المستـشارين بصفة نظامية في المجلس الأعلـى أو قدماء أساتذة الحقوق بالتعليـم العالي ( المادة 34 من قانون مهنـة المحاماة ) بعد قضائه 6 أشهر فترة تمرين في مكتب محـام.
أما إذا قدمت من طرف محـام غير مقبول للترافع أمام المجلس الأعلى، أو قدمت من محام مقبول ولكنها غير موقعـة باسمه بل بطابعه فقط، أو كانت مقدمة من الطاعـن شخصيا ولو كان الطاعن محاميا مقبولا لدى المجلس الأعلى، فإن الطعن يكون غيـر مقبول ويشطب عليه المجلس بدون استدعاء الأطراف، أي تدرج القضية في الجلسة ويصدر فيها قـرار بالتشطيب دون مناقشة، مع الإشارة في القرار إلى الاحتفاظ بمبلغ الوجيبة القضائيـة المؤداة عن النقض لصالح الخزينة.
وجوب نيابـة المحامي لا تقتصر على طالب النقض في تقديـم العريضة، بل يجب في مذكرات الجواب والتعقيب التي تقدم إلى المجلـس الأعلى سواء على الطاعن أو على المطعون ضده.
ويجب أن تتوفر في عريـضة النقض تحت طائلة عدم القبول الشـروط التالية، وعدم القبول هذا يثيره المجلس من تلقاء نفسـه لتعلقه بالنظام العـام :
أ)
بيـان الأسماء الشخصية والعائليـة للأطراف وموطنهـم الحقيقي : وقد نص الفصل 355 على الموطن الحقيقي دون الموطن المختار كيلا يستدعـى الخصم عند محاميه، فقد أوجب الفصل المذكور أن يستدعى الخصم إلى عنوانه الحقيقي الذي أورده في دعـواه، أو تابع به المسطرة أمام محكمة الموضوع، حتى ولو كان قد غيره أو رجع الاستدعـاء الموجه إليه في مرحلة التقاضـي الموضوعية بملاحظة أنه مجهول ونصب عليه قيم، فإن الطاعن يكتفي بذكر العنـوان الحقيقي لخصمه الوارد في الدعوى وليس ملزما بالبحث عن عنوانه الجديد، ولكن إذا بحث عن العنوان الجديد لخصـمه وطلب استدعاءه فيه وتوصل هذا الأخيـر، فإنه لا يمكنه الدفع في حالة عدم جوابـه بكونه لم يستدع في عنوانه المسجل في مقال الدعوى إذا كان مدعيا أو في مقـال الاستئناف إذا كان مستأنفا لأن هذا العنوان قد غيره صاحبه الذي لم يدع تزويره عليه.
والمقـال يجب أن يشمل أسماء جميع الخصوم المطلوب حضورهم في الطعـن وإن إغفال إدخال بعض المحكوم لهم في الحكم المطعون فيه الصادر في موضوع غير قابل للتجزئة يكون سببا في عدم قبول الطعـن شكلا.
ب)
ملخـص الوقـائع والمستنتجـات : إن الوقـائع هي ظروف النازلة موضوع الدعوى وهي التي تبسط النزاع أمام قاضي النقض، وتنشر وقائع الخصومة وموضوعها أمامه ليتصورها ويقرر ما إذا كان قضاة الموضوع قد طبقوا عليها القـاعدة القانونية الواجبة التطبيق أم لا.
أما الوسـائل فهي المطاعن والخـروق والعيوب التي يثيرها الطاعن ويـدعي أن القرار المطعون فيه خرقها، أو هي المخالفات القانونية التي ينسبـها الطاعن للقرار المطعون فيه ويطلب من المجلس الأعلى إصدار الجزء القانونـي عن هذه المخالفات، وهي بالطبع النقض والإحالة على محكمة الموضوع لتطبيق القاعدة التي أقـرها المجلس في الموضوع.
وعدم توفر مقال النقض على الوقائع أو الوسائل، يجعله كأنه قدم شفـويا وبالتالي يكون غير مقبول، وقد قضى المجلس الأعلى في قراره رقم 3069 بتاريخ 11/12/91 بـأن " العريضة الخالية من وقائع الدعـوى والوسائل المثارة ضد القرار المطعون فيه تكون غير مقبولة ".
ويجب أن تكـون الوسيلة المثارة واضحـة مبينة بدقة، الخرق الذي وقع في القرار المطعون فيه ومخالفة النص القانوني المدعى خرقـه مع ذكر رقمه ليتمكن المجلس من مراجعته للتأكد مما يدعيه الطاعن، أما الوسيلة المبهمـة التي لم تحدد ولم تبين الخرق المدعى به، فإنها لا تقـبل كوسيلة للنقض، وقد قضت محكمة التعقيب التونسيـة في قرارها عدد 627 الصادر بتاريخ 2/3/78 بأنه " يكون الطعن غير ذي أساس قانوني ومتعيـن الرد، إذا لم يوضح المقصود منه بيان الخلل المدعى به وتحديد مرماه ".
ج)
إرفــاق مقال النقـض بنسخـة : من القرار المطعـون فيه، أو بالمقرر الذي يرفض التظلم الأولي ضد القرار الإداري المطلوب إلغاؤه للشطط في استعمال السلطة والنسخة التي يجب أن ترفق بمقال النقض، يجب أن تكون نسخة تامة مشهودا لمطابقتها لأصلها المحفوظ في كتابة ضبط المحكمـة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وإلا كان طلب النقـض غير مقبول ولا تقبل نسخة القرار المشهود بمطابقتها للأصل من طرف السلطة الإدارية أو الجماعة، لأن هذه الأخيرة لا تتوفر على أصول الأحكام، وإذا كان النقض منصبا على قرارين : قرار تمهيدي وقرار قطعـي، فإنه يتعين إرفاق العريضة بنسخة من كل القرارين وإلا سقط حق الطاعـن في طلب النقض الموجه إلى القرار التمهيدي، إلا أنه إذا وجدت نسخة منه في الملف الموجه من محكمة الاستئناف فإن ذلك يكفي شرط أن يثير المخالفات التي لحقت بالقرار التمهيدي.
فلا يلزم طالب النقض تحت طائلة عدم القبول بإرفاق نسخة من الحكم الابتدائي إلا إذا كان هو المطلوب فيه النقض مباشـرة أي يكون صادرا بصفة انتهائية من المحكمة الابتدائيـة.
* أسباب الطعــــــن بالنقــــــض :
إن الفصـل 359 من ق.م.م حدد أسباب النقض، أي الوسائل التي يكون توفر إحداها في القرار المطعون فيه موجبا لنقضه ولا يمكن بناء وسيلة على غير ما حدده الفصل المذكور، وذلك حرصا من المشرع على حصر وسائل الطعـن بالنقض وتوحيدها وعدم فتح الباب أمام كل طاعـن ليطعن بما يشاء ما دام المراد والمقصود من مرحلة النقض هي العمل على توحيد العمل القضائي ومراقبة حسن تطبيق القانون من محاكم الموضـوع، وهذه الأسباب هي :
أ) خــرق القانون الداخــلي : من المقرر أن خرق القانون أو مخالفته كما عبرت عنها بعض القوانين العربية الذي يوجب نقض القرار المتصف به، يجب أن يقع في ذات منطوق الحكم أو يؤدي إليه، لا في أسبابه، لأن منطوق الحكم هو الذي يشتمل على قضاء المحكمة وهو الذي ينفذ، ويعتبر آثارا للحكم الصادر في القضية ولذلك لا يقبل النقض بسبب الأخطاء القانونية التي تقع في الأسباب ما دام منطوق الحكم موافقا لحكـم القانون.
فإذا كانت المحكمة قد استـطردت في أسباب الحكم المطعـون فيه إلى ذكر تقريرات قانونية خاطئة، إلا أنها لم تبن عليها حكمها، فإن ذلك يعد تزايدا في التعليل يستقيم القضاء بدونه ولا يبنى عليه الطعن بالنقض، ولذلك كثيرا ما يرد المجلس العلة المنتقدة إذا كانت زائـدة بقوله " وحيث إن العلة المنتقدة زائدة وأن ما قضت به المحكـمة يستقيم بدونها ".
ويقصد بالقانون الداخلي في هذا الفصـل معناه الواسع، فيشمل جميع الأعمال الصادرة عن السلطة التشريعية الوطنيـة من ظهائر ومراسيم وقوانين، والأعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية في إطار سلطتها التنظيمية، كالمراسيـم الصادرة عن الوزير الأول أو القرارات الوزارية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها قانونا بالمغرب، وكذا القرارات التي يصدرها العمال والباشوات ورؤساء الجماعات الحضرية والقرويـة في نطاق السلطة المخولة لهم بمقتضى القانون، وقواعد الفقه الإسلامي المدونة في نصوص كمدونة الأسرة، أو غير المدونة في نصوص كقواعد الفقه الإسلامـي المطبقة على الحيازة والصدقة والهبة والشفعة في العقار غير المحفظ وحتى في العقار المحفـظ فيما يتعلق بالأولوية في استحقاق الشفعة بين المستشفعيـن ( الفصل 30 من ظهير 19 رجب 1333 ) وفيما يتعلق بالأحبـاس ( الفصل 75 من الظهير أعلاه ) .
ب)
خــرق قــاعدة مســطرية أضر بأحد الأطـراف : وشرط كونه سببا من أسباب النقـض، أن يكون خرق هذه القاعدة قد أضر بطالب النقض، فالقاعدة المسطرية ولو كانت جوهريـة إذا لم يضار الطاعن من خرقـها، وأثبت الضرر الحاصل له به، لا تعد سببا كافيا لنقض القرار المطعـون فيه ( الفصل 49 من ق.م.م ) إذ من القواعد القانونـية المتواترة " لا طعن بدون ضـرر ".
ومن الإخلالات المسطرية التي تضـر بأحد الأطراف، عدم تبليغه مذكـرة الخصم وعدم إطلاعه على السند الذي اعتمده الحكـم المطعون فيه، وعرضه عليه ليقول فيه كلمته، وكذا عدم استدعائه في الأجل القانوني وتمسكه به في الجلسـة.
ج
عـدم الاختــصاص : ويقصـد به صدور حكم من محكـمة غير مختصة بالنظر فيه، إلا أنه بمقتضى الفصل 16 من ق.م.م، أصبح الدفع بعدم الاختـصاص المكاني يجب أن يثار قبل كل دفع أو
دفاع في الموضوع، ولا يقبل أمام محكمـة الاستئناف إلا إذا كان الحكم غيابيا ولم تتح للمستأنـف إثارته أمام المحكمـة الابتدائية، أما الاختصاص النوعي فيمكن إثارته في كل مراحـل الدعوى وخاصة بعد تعدد المحاكم المتخصصـة ( تجارية، إدارية ... ).
د)
الشطط في استـعمال السلــطة : يقصد بالشطط في استـعمال السلــطة، تجاوز القاضي حدود اختصاصه الوظيفي في مهام تخرج عن اختصاصه القضائـي، الذي هو الفصل في نزاع معروض عليه كتدخله في اختصاص السلطة التنفيذية والبت في قضية تعرقـل عمل الإدارة أو الجماعات المحلية أو تلغي قرارا اتخذه العامل أو رئيس جماعة قرويـة كانت أو حضرية، ففي هذه الحالات كلها يكون القاضي قد اشتط في استـعمال السلــطة القضائية المخولة له، أي تعدي اختصاصـه القضائي وحكم في شيؤ يخرج عن اختصاصـه (الفصل 25 من ق.م.م )، مع الإشارة إلى أن إلغاء المقررات الإدارية هي من اختصاص الغرفة الإداريـة بالمجلس الأعلى أو المحاكم الإدارية لا العادية.
ومن مظاهر الشطط في استـعمال السلــطة تجاوز القاضي الطلبات المقدمة إليه، والحكم بأكثر مما طلب في المقال، وإن كان هذا التجـاوز يعتبر سببا من أسباب إعادة النظر، إلا أنه يمكن أن يكون هو الآخـر وسيلة من وسائل النقض ما دام القاضي قد تجاوز سلطته، وذلك بالبت في حدود طلبات الخصوم ( الفصل 3 من ق.م.م )، فالمكـتري الذي يطلب المصادقة على الإنذار بالإفـراغ في نطاق ظهير 24 ماي 1955 ولا يتقدم المكتري بطلب التعويـض في حالة المصادقة على الإنذار، فيصدر القاضي حكما بالمصادقة على الإنذار وبأداء المدعي المالك للمكتري ( المدعى عليه ) تعويــضا كاملا ( الفصل 12 من ظهير 1955 ) عن الإفراغ، مع أن التعويض لم يطلب منه.. وكذلك الشأن بالنسبة للشريك الذي يطلب إجراء محاسبـة على مداخيل ومصاريف الشـركة الذي يديرها أحد الشركاء وتسليمه نصيبه من الأربـاح، عن المدة التي يحددها المدعي في مقاله، فيعمد القاضي إلى الحكم بحل الشــركة، مع أن أي من الشركاء لم يتقدم بهذا الطلب.. أو من يقدم طلب قسمة عمارة قسمـة مهيأة وإفراز جزء منهـا لسكناه يعادل نصيبه في العمارة، فيبادر القاضي إلى الحكم ببيع العمارة وقسمة ثمنها دون أن يطلب منه أحد ذلك.
كل هذه الحـالات تتسم بالشطط في استـعمال السلــطة، وتكون سببا من أسباب النقض، وقد قضت محكمة التعقـيب التونسية في قرارها رقم 2418 بتاريخ 5/6/78 بأن " الحكـم بما لم يطلبه الخصوم، إفــراط في السلطة موجب للنقض ".
وقد سبق للمجلس الأعلى أن نقض عدة قرارات لاتسامها بالشطط في استـعمال السلــطة، منها قرار بتاريخ 2 مارس 1965 الذي جاء فيه " بمقتضى نص الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، يتعين على المحكـمة التي رفع إليها تعرض بواسطة المحافظ على الأملاك العقاريـة، الحكم في وجود وطبيعـة وثبات ومدى الحقوق التي يطالب بها المتعرضـون ثم إحالة الأطراف بعد ذلك على المحافظ المختص وحده، ليعتمد على حكمـها في قبول أو رفض طلب التحفيظ كليا أو جزئيا ما عدا الطعن المنصوص عليه الفصل 96.
يتعرض للنقض بسبب خرق هذه المقتضيـات والشطط في استـعمال السلــطة إذا هو بين أن تركة الهالك المشتركة بين كل من المطالبين والمتعرضيـن تتضمن قطعا أرضية خارج التحديد، وألغى على الحالة حكم القضاة الأولييـن على التعرضات وأمر بإحالة الملف على المحافظ لتوسيع التحديد أو وضع مطالب أخرى تضم كل الأراضـي، فالمحكمة لا تملك في الحقيقة أية صفة لتوجيـه الأوامر للمحافظ، وإن هي فعلت كما في هذه النازلـة، تكون قد اشتطت في استعمال سلطتها وعرضت قضاءها للنقض، لأن اختصاص قاضي التحفيظ هو البت في التعـرضات المحالـــة عليه من المحافظ ( الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري )، وفي حالة حكـــمه فيما تعدى ذلك يكون قد تجاوز اختصاصه وتجــاوز سلطته ".
د) عــدم ارتكـاز الحكم على أساس قانوني، وانـعدام التعليـل : انعدام الأساس القانوني، هو تجريد الحكم من السند القانونـي الذي يجب أن يتوفر في كل حكم قضائي، أي القاعدة القانونية التي تحكمه، فالحكم الذي يقـضي بإفراغ مكتر بعلة أنه ارتكب خطـأ فادحا دون أن يبين هذا الخطـأ وهل يصل إلى درجة حرمان المكتـري من حقه في البقاء فيما اكتراه، أو الحكــم الذي يقضي بإبطال إنذار بعدم تجديد عقد الكراء في نطــاق ظهير 24 ماي 1955 بعلة أن الإنذار لا يرتكز على أساس، دون أن يبين ما هي النواقص الذي تنقص الإنذار، أو الذي يرفــض طلب استحقاق عقار بعلة أن الرسم الذي أدلى به المدعي ناقص عن درجـة الاعتبار، دون أن يبين هذه النواقص.. فكل هذه الأحكـام تكون مجردة من الأساس القــانوني.
أو الحكم بعدم قبول الاستئناف أو بقبوله بعد ذكـر تاريخ تقديم الاستئناف دون بيان هل وقع تبليغ الحكم المسـتأنف إلى المستأنف أم لا، ولا تاريخ تبليغه إذا وقع التبليـغ، ومن الملاحظ أن انعدام الأساس القانوني يحرم المجلس الأعلى من ممارسـة مراقبته حسن تطبيق القانون، وغالبا ما يكون انعدام الأساس القانوني انعدام التعليل أو نقــصانه على الأقل.
مصطفى الفوركي
باحث بسلك الماستر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق