خلافا لما ذهبت إليه بعض التفسيرات بأنّ الجهة المعنية بالمنشور الذي عمّمه رئيس النيابة العامة، محمد عبد النبوي، على الوكلاء العامّين ووكلاء الملك بمختلف محاكم المملكة، وحذرهم فيه من مغبّة الامتثال لأي تعليمات غير تلك الصادرة عن رئاسة النيابة العامة، هي وزارة العدل، التي كانت تتحكم في النيابة العامة، قال مصدر مسؤول بالوزارة إن هذه التفسيرات مجانبة للصواب.
وأوضح المسؤول بوزارة العدل لهسبريس أنّ المنشور، الذي وجهه رئيس النيابة العامة إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك لا يعني الوزارة في شيء، "لأن القانون حسم أمر استقلالية النيابة العامة، وحتى لو أراد الوزير أن يتدخّل لتوجيهها، فهذا غير ممكن إطلاقا"، يضيف المصدر ذاته.
وتساءل قائلا: "بأية صفة يمكن لوزير العدل أن يتدخّل في عمل القضاء الواقف؟" قبل أن يضيف "قد تكون هذه الإمكانية متاحة يوم كان وزير العدل نائبا لرئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية (المجلس الأعلى للقضاء سابقا)، أما الآن فقد أصبح وزير العدل خارج المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبالتالي لا سلطة له على القضاة".
واستطرد المصدر ذاته موضحا "تدخّل وزير العدل في عمل النيابة العامة غير وارد إطلاقا، بعد استقلالها عن وزارة العدل، لسبب بسيط هو أنّ من يتدخّل في القضاء تكون تحت يده آلية ضغط، فَمِمَّ سيخاف ممثلو النيابة العامّة إذا افترضنا، جدلا، أن وزير العدل يحمل سماعة الهاتف ويوجّه إليهم الأوامر وهم محميّون بقوة القانون؟".
ويبدو أنّ مسؤولي وزارة العدل لم يزعجهم المنشور، الذي وجهه رئيس النيابة العامة إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك، بقدر ما رحبوا به، إذ قال المصدر، الذي تحدث إلى هسبريس، إن من حق رئيس النيابة العامة أن يوجّه تعليماته إلى مرؤوسيه من ممثلي النيابة العامة لحثهم على التشبث باستقلاليتهم".
وأضاف أن "مؤسسة النيابة العامة مؤسسة حديثة النشأة، وهي بحاجة إلى أن تكون محصّنة"، مُبرزا أنّ "ما يُقال عن كون وزارة العدل هي المعنية بمنشور رئيس النيابة العامة مجرّد عبث لأن القانون حمَى القضاء الواقف من أي تدخّل". وذهب المسؤول بوزارة العدل أبعد من ذلك، إذ قال: "حتى لو افترضنا أن وزير العدل تدخّل لتوجيه عمل ممثلي النيابة العامة، فإنّ الوكيل العام أو وكيل الملك الذي يمتثل لأي تعليمات غير تلك الصادرة عن رئاسة النيابة العامة، لا يستحق هذا المنصب ويجب فصْله".
من جهة ثانية، قال المتحدث ذاته إن استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل لا يعني انفصالا تاما بينهما، موضحا أنه "لا يمكن أن يكون هناك انفصال تام، بل لا بد من التعاون والتنسيق لأن السياسة الجنائية تعدّها الدولة، وليس النيابة العامة، التي ينحصر دورها في التنفيذ، وبالتالي لا بد من التعاون بين هاتين المؤسستين، في إطار الاحترام التام لاستقلالية السلطة القضائية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق