مقدمة
يحتل المسكن حرمة خاصة في معظم التشريعات. وإنه لما كان ينضوي على خصوصيات جمة، فإن المشرع السماوي والمشرع الوضعي أحاطاه بمجموعة من الضمانات حماية لحقوق الأفراد وممتلكاتهم كونه يعد أخطر الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية .والأصل أن التفتيش عملا من أعمال التحقيق ، لا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على تهمة موجهة إلى شخص مقيم بالمسكن المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو اشتراكه في ارتكابها ، أو في حالة وجود قرائن على وجود أشياء تتعلق بالجريمة في المسكن. و كان المفروض ألا يكون من حق ضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى تفتيش المسكن كإجراء من إجراءات البحث التمهيدي. ولكن المشرع خروجا عن هذا الأصل ، أعطى لضابط الشرطة القضائية حق تفتيش المسكن كإجراء من إجراءات البحث التمهيدي ، و لكنه قيد ذلك بشرط رضاء الشخص الذي يراد تفتيش مسكنه . فإجراء التفتيش يعتبر عملا من أعمال البحث التمهيدي وليس عملا من أعمال التحقيق ، و يشترط لصحته .
أولا : ألا يتم إجراؤه إلا بناء على الرضاء الصحيح من الشخص الذي يراد تفتيش مسكنه، ويجب أن يتم هذا الرضاء كتابة إذا كان الشخص يجيد الكتابة و إلا فعلى ضابط الشرطة القضائية إثبات الموافقة في المحضر الذي يجريه، و إن كان الشخص غائبا فلا يصح تفتيش مسكنه في غيبته لأن التفتيش هنا إجراء استثنائي ، فلا يصح قياس التفتيش هنا على التفتيش باعتباره عملا من أعمال التحقيق.
ثانيا: أن يتم التفتيش في داخل الوقت القانوني الذي حدده المشرع .
ويرجع التأصيل التاريخي لنظام التفتيش لنشأة فكرة الأمن منذ خلق الله تعال الإنسان، الذي وجد نفسه مهددا من طرف الكوارث الطبيعية و الحيوانات المفترسة و من بني جنسه . ففي الشريعة الإسلامية نجد نصوص القرآن الكريم تكفل حرمة المسكن حيث ورد في سورة النور الآيتان 27 / 28 قوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ، فإن لم تجدوا فيها أحد فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم و إ ن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم و الله بما تعملون عليم" و في قوله أيضا :" و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و لكن البر من أتقى واتوا البيوت من أبوابها و اتقوا الله لعلكم تفلحون" سورة البقرة الآية 189 .
فالتشريع السماوي يؤكد سبق الشريعة الإسلامية و سموها في تقرير حقوق الإنسان الأساسية بنصوص قطعية في الكتاب العزيز. يقرره أيضا أن الإسلام لم يجعل حظر دخول البيت بغير استئذان صاحبه مقصورا على الغريب فردا كان أم من رجال السلطة ، و إنما جعله قائما حتى بالنسبة للصغار و الخدم، و هو من أهل البيت لقوله تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم و الذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة و من بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم، ليس عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات و الله عليم حكيم ". سورة النور الآية 58.
لذلك روي أن رجلا قال للنبي (ص) : أأستأذن على أمي قال : نعم : قال : ليس لها خادم أستأذن عليها كلما دخلت قال (ص) : أتحب أن تراها عريانة قال : لا قال (ص) : فاستأذن .
و في الحضارات القديمة عرف التفتيش تنظيمات مختلفة، ففي بلاد الصين كان المسؤولون يعينون موظفين مهمتهم تذكير السكان بالمقتضيات القانونية ، و إمساك سجلات خاصة بمراقبة المشبوه فيهم من السكان ، و أعطيت لكل موظف مسؤولية مراقبة عشرة دور للسكنى ، حيث كان له الحق في الدخول إليها ، و مراقبتها ، و تحرير تقرير يومي يوجه إلى القاضي المكلف بالنظام العام .و نفس النظام كان يجري به العمل في أمريكا الجنوبية ، حيث كان يمنع على السكان إغلاق أبوار سكناهم ، حتى يتأتى لرجال الأمن الدخول إليها، و مراقبتها وتقديم تقرير إلى القاضي. كما كانت شرطة سرية تعمل على مراقبة الحالة النفسية للسكان و مراقبة تصرفاتهم. و عرف اليونان نفس النظام حيث كان يعهد لبعض الموظفين مراقبة السكان، كما كانت شرطة سرية تعمل على مراقبة السكان و تنفيذ بعض القوانين. و قد عرفت روما القديمة هي الأخرى نظاما للشرطة و أيضا بلاد الغال للقيام بالأبحاث القضائية و الاعتقالات في حالة التلبس و نشر دوريات لمحاربة المجرمين .
أما حرمة المسكن في المواثيق الدولية فإننا نجده بارزا من خلال الآتي:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة1948 في مادته 12: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو حملات على شرفه و سمعته و لكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات ".
الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان و الحرات الأساسية 1950 و التي تؤكد المادة الثامنة منها على أن " لكل شخص الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية و مسكنه و مراسلاته".
العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية 1966 حيث نص المادة 17 على أنه " لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو أسرته أو بيته أو مراسلاته و لا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته".
و في التشريعات المقارنة نجد العديد من الدول رفعت هذا الحق إلى مصاف الحقوق الدستورية، باعتباره السياج الذي يحمي الحياة الخاصة للإنسان ضد تعسفات من أوكل لهم المشرع مهام التنقيب والبحث والمعاينة عن القرائن و الحجج للضبط الجنائي للفعل المجرم . فحماية المسكن في إنجلترا تجد أساسها في القول السائد أن " منزل كل إنسان هو قلعته الحصينة " everyman’s house is his castle بينما في فرنسا لم يتقرر هذا الحق إلا في دستور 1791 حين سطرته الثورة الفرنسية كمبدأ عام بقولها " أن منزل المواطن هو قلعته الحصينة" la maison de chaque citoyen est un asile inviolable .
كما أن الدستور السوفيتي (سابقا) حين قرر الحق في حرمة المسكن جعلها مقصورة على منزل المواطن دون الإنسان أو الفرد، حيث جاء في المادة 28 منه " حرمة منازل المواطنين و حرية المراسلات محميتان بالقانون".
و في التشريعات المشرقية فقد انفرد الدستور المصري عن سائر الدساتير العربية، بل والدساتير السابقة عليه بأن اشترط في جميع الحالات الحصول على إذن قضائي، وأن يكون الإذن القضائي مسبب، حيث تنص المادة 44 على أنه " للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها و لا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون ."
و بالنسبة للمغرب موضوع الدراسة فتعتبر حرمة المسكن حقا دستوريا لا يمكن انتهاكه إلا بموجب القانون ، و هكذا يبدو أن المشرع أحاط حرمة المسكن بجملة من الضمانات القانونية ، و إن اي انتهاك لها خارج ما هو منصوص عليه قانونا سيترتب عنه المسائلة القانونية لمرتكب الفعل .
هكذا نجد في أول مشروع لدستور المملكة المغربية لسنة 1908 التنصيص على حرمة المسكن في المادة الخامسة والعشرون التي جاء فيها: " لا يسوغ لهيئة الحكومات أن تدخل جبرا مسكن أحد من الناس لسبب من الأسباب إلا بعد قرار منتدى الشورى و موافقة السلطان كتابة ".
و مع دساتير 62-70-72-92-96 فإن المادة ظلت ثابتة، ولم يلحقها أي تغيير لتنص صراحة في فقرتها الثانية . " المنزل لا تنتهك حرمته و لا تفتيش و لا تحقيق إلا طبق الشروط و الإجراءات المنصوص عليها في القانون".وهو ما تعزز أيضا بالظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليو 2011) تنفيذ نص الدستور الذي نصت مادته 24 في الفقرة الأولى.
" لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة . لا تنتهك حرمة المنزل ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط و الإجراءات التي ينص عليها القانون" .
و من هنا تبدو أهمية الموضوع النظرية كون –المنزل – له حرمته الخاصة قبل كل شيء و التي تستتبع لزاما تخويله حرمة عامة تلزم الجميع بعدم التطاول على حدودها الحقة، دون واجب إنذار أو إذن رضائي أو قضائي في حدود القانون . على أن الأهمية العملية تبرز من خلال الصعوبة الضبطية لبعض الجرائم الخطيرة و الحساسة التي تهدد الأمن بمفهومه العام، والتي تستوجب التطاول على الضمانات الدستورية من أجل القانون بمعنى – التحايل على القانون من أجل القانون – شأن ذلك ما أكدته الممارسة المهنية لبعض ضباط الشرطة القضائية الذين يلجأون إلى تقنية الاستغاثة لاكتساب صفة الضبط الأمني من أجل إسباغ عملهم بصيغة المشروعية، تؤول معه ضمانة حرمة المسكن كحق دستوري، مجردة من لباسها القانوني وتفقد عذريتها أمام مفهوم خدمة العدالة الجنائية .
و عليه سنعمد إلى دراسة موضوع - إجراءات تفتيش المنازل – في القانون المغربي طبعا من زاوية الوقوف على أهم الإشكالات النظرية و العملية التي يطرحها على ارض الواقع. من وجهة المنهج التحليلي للنصوص المنظمة التي نظمه المشرع في القسم الثاني/ إجراءات البحث قانون المسطرة الجنائية 22.01 لسنة 2003 في الفصول 59 إلى 63 من خلال سؤال عريض يتمحور حول : مدى توفق قانون المسطرة الجنائية الجديدة في التوفيق بين حماية حرمة المسكن و ضرورة محاربة الجريمة ؟
و هو ما سنتناوله بالدراسة و التحليل وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : ماهية تفتيش المنازل
المطلب الأول : تفتيش المنازل و المفاهيم المشابهة له
الفقرة الأولى: مفهوم التفتيش
الفقرة الثانية: المفاهيم المشابهة له
المطلب الثاني : قواعد و شروط تفتيش المنازل
الفقرة الأولى: الشروط و القواعد الشكلية
الفقرة الثانية :الشروط و الإجراءات الموضوعية
المبحث الثاني : بطلان تفتيش المنازل ، طبيعته و آثاره
المطلب الأول : طبيعة بطلان التفتيش
المطلب الثاني : آثار بطلان التفتيش
المبحث الأول : ماهية تفتيش المنازل
إن واجب الدولة في تعقب الجناة و ضبطهم و ضبط الأدلة التي تفيد في كشف الحقيقة، بهدف تحقيق العدالة الجنائية التي يجسدها ضباط الشرطة القضائية في مرحلة البحث التمهيدي، و قضاة التحقيق أثناء فترة التحقيق الإعدادي يستدعي هؤلاء - انتهاك – دخول المنزل وفق القانون لضبط الأدلة . لذلك قبل الغوص في قواعد تفتيش المنازل الشكلية و الموضوعية موضوع المطلب الثاني ينبغي منا محاولة تحديد مفهوم تفتيش المنازل و تمييز المفاهيم المشابهة له كمطلب أول.
المطلب الأول : مفهوم تفتيش المنازل و خصائصه.
لم تتضمن التشريعات تعريف للتفتيش ( سواء الشخصي أو المنزلي ) و اكتفت بالنص على أنه من إجراءات أو معاملات التحقيق. لذلك تولى الفقه و القضاء مهمة وضع تعريف له الفقرة الأولى و ما دام أن إجراءات التحقيق ومنها التفتيش تشترك في مجموعة من الخصائص الأساسية : الأساس القانوني ، وحياد المحقق ، السرية ، التدوين (الكتابة ) تجعل استقراء أحكام تفتيش المسكن يتسم بمجموعة من الخصائص الفقرة الثانية
الفقرة الأولى : مفهوم التفتيش
لم يعمل المشرع المغري شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي و المصري على تعريف التفتيش بل ترك ذلك للفقه و القضاء. و قد عرفه الدكتور سامي حسن الحسيني " بأنه إجراء من إجراءات التحقيق تقوم به سلطة حددها القانون تستوجب البحث عن الأدلة المادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها في محل خاص يتمتع بالحرمة بغض النظر عن إرادة صاحبه " ، كما عرفه إدريس بلمحجوب " بأنه من التدابير المهمة أو الإجراءات الدقيقة التي تنصب على شخص أو محل أحاطه المشرع بضمانات خاصة سواء أثناء البحث التمهيدي، أو أعمال التحقيق للتثبت من وقوع الجريمة و ذلك في الحدود التي يقتضيها كشف الجريمة أثناء التلبس بجناية أو جنحة " و ذهب رأي آخر يمثله الدكتور توفيق الشاوي بان التفتيش يعني : " الإطلاع على محل له حرمته للبحث عما يفيد التحقيق" و رأي ثاني يقول يمثله الدكتور محمود مصطفى بأنه " إجراء تحقيق يقوم به موظف مختص للبحث عن أدلة مادية لجناية أو جنحة و ذلك في محل خاص أو لدى شخص وفقا لأحكام القانون " .
و يتبين منه أن التفتيش بنوعيه، من إجراءات التحقيق الذي يعهد به إلى السلطات المخولة قانونا حق القيام بهذا الإجراء أو بأمر منها . فهو بذاته ليس بدليل و إنما وسيلة للحصول على الدليل . فالحفاظ على المصلحة العامة استوجب تعطيل و تجاوز الفردية وانتهاك حرمة المنزل قانونيا، لأنه لا يجوز أن تترك الأماكن و المساكن حيث تمارس الأعمال المخلة بالنظام العام أوالمنافية للآداب العامة مثل ممارسة أعمال الفسق و الدعارة أو استغلال الأطفال ....
و باستقراء تعريف الدستور المغربي للمسكن - المنزل – سواء في التعريفات الدستورية السابقة، أو حسب تعريف دستور 29 يوليو 2011 نجده ينص على أنه " ... لا تنتهك حرمة المنزل . ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلى وفق الشروط و الإجراءات التي ينص عليها القانون"
فالفصل أعلاه لم يعرف المنزل و لم يحدد طبيعة إجراءات التفتيش غير أنه بالتوسل بالفصل 511 القانون الجنائي المغربي نجده يحدد مفهوما للمنزل بقوله : " يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى ، ثابت أو متنقل ، سواء كان مسكونا فعلا أو معدا للسكنى ، و كذلك جميع ملحقاته ، كالساحات و حظائر الدواجن و الخزين والإصطبل أو أي بناية داخلة في نطاقه مهما كان استعمالها، حتى و لو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام "
فالمشرع العقابي الموضوعي، توسع في مفهوم المنزل. مما يجعل معه أن أي تفتيش للمنزل قد يطال ملحقاته شريطة أن تكون متصلة اتصال قرار، مما يحيلنا إلى تعريف العقار في ظهير التحفيظ العقاري المغربي، وهو ما لا يستقيم طبعا لان القول بدلك سيلغي اخصاع ملحقات المسكن لإجراء التفتيش. لأن الاستنطاق الهادئ للمفاهيم المعبرة عن إرادة المشرع تتطلب منا معرفة واسعة بخبايا و أسرار اللغة القانونية فلفظ "مسكونا " تثير أكثر من علامة استفهام بمعنى هل يحق إجراء التفتيش على منزل غير مسكون و يعتد بأي ضبط للأدلة في نطاقه ؟
و هل هدا الضبط إن صح قانونا سيعتد به كوسيلة إثبات جنائي لإدانة المتهم ؟ أما لفظ - داخلة في نطاقه - تثير إشكالا بخصوص هذا النطاق هل يجب توافر شرط الاتصال الترابي لملحقات المنزل أم لا، أو يجب فقط أن تكون توابع المنزل من ملحقاته متصلة به حتى لو كان له سياج خاص كما جاء في الفقرة الأخيرة من تعريف الفصل 511 .
قديما قالوا . " شرح الواضح يؤدي إلى إشكاله" و أمام تطور أنماط الجريمة فإنه لا مجال للقول بغوص القاضي في مثل هكذا أمور. لأن التمسك بحرفيه النص العقابي قد يؤخر ضبط الجريمة ويمحي معالمها . و بالتالي يكفي توافر ظروف مؤكدة على واقعة محددة توحي بأدلة وحجج قاطعة تخول للضابط المعني بالبحث أو قاضي التحقيق تجاوز النص المجرم في حرفيته المقيدة لحركية الضابطة القضائية لتفتيش المنزل ، فالقاعدة الفقهية تنص " الضرورات تبيح المحظورات " مع مراعاة قاعدة " ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها" أي ليس لقاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية في حالة تفتيش المسكن أن يتوسع في المحضور توسعا زائدا عما يدعو إليه . يحيلنا لمضمون الفصل 24 من الدستور المغربي لسنة 2011 " لا تفتيش إلا وفق القانون " .
و قد ورد كلمة " المنزل " في المادة 62 من ق . م . ج ، مما يفيد أن المشرع لا يشترط ضرورة أن يكون المنزل مسكونا فعلا أو معدا للسكنى كما هو وارد في نص الفصل 511 ق .ج المغربي. مما يفيد أن مفهوم هذه الكلمة هو أوسع في قانون المسطرة الجنائية، إذ يشمل بالإضافة إلى محل السكن القار أو المؤقت ـ الغرف المؤجرة في الفنادق و المكاتب المخصصة لمزاولة المهن الحرة كمكاتب المحامين و الموثقين والعدول و المحاسبين و غيرهم نظرا لكونها مستودعات لأسرارها. لكن يخرج عن مفهوم المنزل المحلات العامة كدور السينما ، المقاهي و المتاجر التي يجأ إليها العموم ما دامت مفتوحة في وجه العموم ، إلا انه متى أغلقت طبقت عليها أحكام تفتيش المنازل .
و عليه يمكن تعريف التفتيش بأنه : " الدخول في مكان يتمتع بالحرمة باعتباره مستودعا لأسرار صاحبه ، للبحث فيه عن الأدلة المادية التي تفيد في كشف الحقيقة في جريمة وقعت " و ينبني على ما تقدم أن التفتيش بالمفهوم السابق لا يشمل الأعمال الآتية
أعمال الحفر في العقار بحثا عن الأشياء المراد ضبطها ، و إلا تعرضت الأمكنة لاحتمالات الهدم لأنه مما لا يدخل في اختصاص القائم بالتفتيش أو الآمر به و التفتيش المنزلي يمكن أن ينصب على كل المكان و يمكن أن ينصب على جزء محدد بالذات انتهت إليه الضابطة القضائية في تحريات سابقة تؤكد نسب جد عالية معالم الجريمة أو تقود للكشف عن وسائل و أدوات مادية في ارتكابها . كما يمكن أن تصادر بشأنها أجهزة إلكترونية أو ما يصطلح عليه في أدبيات الفقه الجنائي بالتفتيش الإلكتروني ، وبالنسبة لهذه الأخيرة فإنها تحيلنا غالبا إلى الوسائل الحديثة في الإثبات ، وخاصة ما يتعلق بالحاسوب والأنترنت في مجالات التجارة الإلكترونية والعقود الإلكترونية ... ، فمحل التفتيش قد يكون مشغل أو مستخدم الحاسب أو الشبكة ، وقد تكون مكونات الحاسوب المادية والمعنوية وشبكات الإتصال الخاصة والتي قد توجد في حوزة الشخص أو تكون في مكان له حرمة المسكن. وقد أحاط المشرع التفتيش بمجموعة من الضمانات، خاصة أن تكون الجريمة جناية أو جنحة، فلابد أن يكون المجرم قد إرتكب جريمة معلوماتية تكون جناية او جنحة، ويجب أن تكون تلك الجريمة قد وقعت بالفعل، فلا يجوز التفتيش لضبط جريمة مستقبلية. وأيضا من الضمانات يجب توافر أمارات قوية أو قرائن تدل على وجود أشياء أو أجهزة أو معدات تفيد في كشف الحقيقة لدى المتهم أو غيره، فيمكن أن يرد التفتيش على هذه البيانات غير المحسوسة عن طريق الوسائل الإلكترونية لحفظها وتخزينها على الأسطوانات والأقراص الممغنطة ومخرجات الحاسوب. والتفتيش في هذه الحالة يخضع لما يخضع له التفتيش التقليدي من حيث الضوابط والأحكام.
غير أن التفتيش بمفهومه الواسع قد يختلط بمجموعة من المفاهيم لا يسعنا استخلاصها إلا من خلال الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: المفاهيم المشابهة للتفتيش
أ- التفتيش ومفهوم دخول المنازل
التفتيش ودخول المنازل أمران مستقلان، لا يجمعهما إلا أن التفتيش يسبقه دخول. فالتفتيش بطبيعته يفترض بالضرورة الدخول في المكان يعقبه فحص محتوياته لضبط الأشياء التي يستخلص منها الدليل في الجريمة التي يجري التحقيق فيها، أما دخول المكان يقتصر على مجرد تخطي حدوده والظهور فيه، وما يرتبط بذلك من إلقاء النظر على محتوياته أو معاينتها أو فحصها، من تم فهو ليس إلا عملا ماديا يرمي إلى غاية أخرى غير التنقيب عن الأدلة. ودخول المنازل لغير التفتيش يكون في أحوال ثلاثة أولها الدخول برضاء أصحابها أو حائزيها وهذا هو الأصل. وثانيهما الدخول استنادا إلى حالات الضرورة وهي حالة طلب المساعدة من الداخل أو حدث حريق أو ما شابه ذلك وثالثها الدخول لتنفيذ أمر القبض أو الضبط.
ب- التفتيش والمعاينة
يتشابه التفتيش والمعاينة في كون القائم بهما ينتقل إلى عين المكان للقيام بالمشاهدات وإجراء جميع التحريات ويختلفان في كون:
+ المعاينة يقوم بها ضابط الشرطة القضائية وقاضي التحقيق وهيئة الحكم على السواء تلقائيا أو بناءا على طلب أحد الأطراف. بخلاف التفتيش الذي لا يمكن للمحكمة القيام به إلا في حالات استثنائية ومحددة، ويبقى من أهم الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق وللشرطة القضائية.
+ المعاينة تهدف إلى إثبات وقائع مادية لحالة شيء من خلال المشاهدة أو فحص هذا الشيء مباشرة، أو فحص شخص معين لإثبات ما عليه من آثار العنف، أو إذا كان هو المتهم لإثبات نسبة الكحول في دمه مثلا. وأما الغاية من التفتيش الذي ينصب على شخص أو محل معين فهي ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق للكشف عن الفاعل.
+ المعاينة تتم أثناء عملية التفتيش، وقد تكون هدفا في حد ذاتها نتيجة لانتقال السلطة القائمة به. أما التفتيش، فيلتزم القائم به أثناء الشروع فيه بشروط دقيقة يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المحضر.
ويستخلص مما سبق سواء ما يتعلق بمفهوم دخول المنازل أو ما يعنى بالمعاينة أن كلاهما ينصرف إلى إثبات عمل مادي ليس إلا، غير أن هذا الدخول أو المعاينة التي يريدها من له الحق أساسا وهو ضابط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق حسب الأحوال قد تتحول من مجرد عمل مادي إلى ضبط مادي لمخلفات المجرم في مسرح الجريمة، أو وقوف مأمور الضبط على أدلة كاشفة يظهر منها خيط رابط أو عينة لتفاصيل الجريمة. سواء استعان بأهل الخبرة – الشرطة العلمية- أو اهتدى لذلك من تلقاء نفسه في حالات لا تتطلب الحضور الفوري أو الإلزامي لهذه الأخيرة. فالعمل المادي ينقلب من مجرد معاينة أو دخول عادي للمسكن إلى تفتيش رسمي مقيد بإجراءات قد تؤول به إلى البطلان عند مخالفته. أو ما يصطلح عليها بقواعد تفتيش المنازل من خلال ضوابط مسطرية وأخرى موضوعية المطلب الموالي.
المطلب الثاني: قواعد تفتيش المنازل
إن البحث في كل جريمة ينطلق أساسا من مكان وقوعها، ولذلك فان الانتقال إلى مسرح الجريمة يعد من أهم الإجراءات التي يعتمد عليها ضابط الشرطة القضائية. وإذا كان التنقل إلى عين المكان ومعاينته من أهم العناصر في البحث الجنائي، فإن خيوط هذا البحث قد تقود ضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش المنازل وغيرها من المحلات وحجز ما بها من أدوات إثبات للجريمة. غير أن ذلك يكون محكوما بقواعد وشروط إجرائية كفقرة أولى وحتى يكون الإجراء سليما ولا يتعرض لجزاء البطلان فإنه ينبغي احترام شروط موضوعية كفقرة ثانية.
الفقرة الأولى: الإجراءات الشكلية
إن الهدف من كل تفتيش هو إثبات الحقيقة أي ضرورة الوصول والاهتداء إلى الدليل المادي. لذلك عمد المشرع المغربي إلى تنظيم كيفية حفظ المحجوزات أولا ثم ألزم ضابط الشرطة القضائية المكلف بالتفتيش تحرير محضر حسب منطوق المادة 24 ق.م.ج ثانيا.
أولا: وجوب حفظ المحجوزات
طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 59 ق.م.ج، فإنه فيما عدا حالات جرائم المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية حيث يكون عدة جهات على الصعيد الوطني كالجهات المختصة بحماية أمن الدولة أو مكافحة الإرهاب معنية بالإطلاع على الوراق والمستندات. فانه لا يحق إلا لضابط الشرطة القضائية الإطلاع على الوثائق قبل حجزها. ويتعين على ضابط الشرطة القضائية إحصاء الأشياء والوثائق المحجوزة فورا وأن يلفها ويضعها في غلاف أو وعاء وأن يختم عليها، وفي حالة تعذر إحصائها فورا وجب عليه الختم عليها مؤقتا إلى حين إحصائها والختم عليها نهائيا.
ويجب أن يتم إجراءات إحصاء الوثائق والأشياء ولفها والختم عليها بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش سواء كان الختم نهائيا أو مؤقتا .
فإذا لم يحترم ضابط الشرطة القضائية الإجراءات أعلاه في حفظه للمحجوزات فإنه قانون المسطرة الجنائية وطبقا للمادة 63 منه يترتب على ذلك بطلان إجراءات التفتيش. ذلك أن هدف المشرع من السماح بالاعتداء على حرمة المسكن بإجراء التفتيش به، إنما هو الحصول على وسائل إثبات الجريمة بواسطة الحجز. فإذا لم يتم حفط هذه المحجوزات فهذا يدل على أن التفتيش لم يرم إلى تحقيق الهدف الحقيقي الذي توخاه المشرع منه ويتعين التصريح ببطلانه.
ثانيا: وجوب تحرير محضر بالتفتيش والحجز
إن العمليات التي أنجزها ضابط شرطة قضائية تضمن لزوما في محضره، ويشار فيه إلى الحصيلة والنتائج التي أسفر عنها التفتيش مع وضع جميع المتحصلات المحجوزة في غلاف أو وعاء أو كيس مختوم بعد وصفها بدقة، ويوقع ذلك المحضر من قبل جميع من حضر عملية التفتيش إلى جانب ضابط الشرطة القضائية، وبشار إلى الممتنع منهم أو تعذر التوقيع .
كما يجب أن يبين المحضر الصفة التي يتمتع بها ضابط الضابط الشرطة القضائية و اسمه و زمان ومكان إجراء التفتيش، وما قام به من عمليات الحجز.
وفي هذا الصدد أكد المجلس الأعلى: "أن تحرير المحضر ممن ليس لهم الصفة يكون باطلا" . كما أن توقيع المتهم كما أشارت إلى ذلك المادة 24 تثير مجموعة من التساؤلات في حالة رفض المتهم التوقيع على المحضر الذي أعده ضابط الشرطة القضائية وهيأه مسبقا وهو المشاع عمليا، أو لرفض المتهم التوقيع أو الإبصام تلقائيا إما تعنثا أو لعدم تقته بجهاز الشرطة ككل...
فالفقرة الأخيرة تشير ذكر بيان أسباب الرفض غير أن هذه الصياغة لم تأتي بصيغة الإلزام، مما يفيد معه أن رفض التوقيع لا يؤثر في صحة المحضر وبالتالي يعتد به كوسيلة من وسائل الإثبات التي تعدم ضمانات الأفراد. وكون المشرع رجح كفة -محاضر الشرطة القضائية- على كفة -قرينة البراءة- هده الاخيرة كمبدأ يتصدر ق.م.ج المغربية ككل، ويتربع على هرم الدستور حاليا 29 يوليوز 2011- وهو ما لقي له صدى في إحدى قرارات المجلس الأعلى الذي اعتبر بأن عدم توقيع المتهم على المحضر لا يؤثر في صحة المحضر وبالتالي لا يخول البطلان .
إن عدم التزام الشكليات أعلاه من طرف محرر المحضر خاصة- صفة ضابط الشرطة القضائية، اسم وزمان ومكان إجراء التفتيش...- يجعل هذا المحضر باطلا طبقا لما نصت عليه المادة 63 ق.م.ج.
هذا ما يتعلق بالإجراءات الشكلية فماذا بخصوص القواعد والشروط الموضوعية؟
الفقرة الثانية: الإجراءات الموضوعية
تنقسم هذه الشروط إلى ما هو متعلق بتوقيت هذه العملية أولا والشروط المتعلقة بإجراءات حفظ السر المهني وحفظ المحجوزات ثانيا والشروط المتعلق بضرورة حضور بعض الأشخاص ورضاء صاحب المنزل ثالثا
.
أولا: ضرورة احترام الوقت القانوني
ثمه أوقات معينة، تستدعي الحماية نظرا لكونها تشكل أوقاتا يهجع فيها الناس للنوم، ويخلدون للراحة، لذلك حرص المشرع على أن يضفي الحماية على هذه الأوقات، وفي هذا السياق نصت المادة 62 ق.م.ج على ما يلي
" لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا...
يستفاد من هذا المقتضى، أن الليل بمفهومه القانوني هو الزمن الذي بين التاسعة ليلا والسادسة صباحا. فخلال هذه الفترة، لا يجوز مبدئيا إجراء التفتيش. إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، بل ترد عليها استثناءات وهي:
+ الاستثناء الأول: إذا طلب صاحب المنزل إجراء التفتيش خارج الوقت القانوني
بمعنى أن يطلب صاحب المنزل وبصفة تلقائية وليس استجابة لمبادرة ضابط الشرطة القضائية، لأن التفتيش لا يجوز قانونيا إذا رضخ صاحب المنزل لمبادرة الضابط، لأن هذا الرضوح قد يكون نتيجة الإحراج الذي يستشعره صاحب المسكن، إثر حضور الضابط المرفق بأعوانه المسلحين. حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط ما يلي:
" حيث إن موافقة صاحب المنزل لا يسوغ اعتبارا، لما في وجود العونين من إحراج، وحيث إن تفتيش المتابع وقع ليلا، وأن التلبس بالجريمة لم تثبت وأن الباعث الذي دفع الخليفة (ح) لا يبرر الجريمة المرتكبة". وقد انتهى القرار إلى إدانة خليفة الباشا من أجل انتهاك حرمة المسكن .
+ الثاني: أن تسمع نداءات أو استغاثة من داخل المنزل
ولعل الحكمة من هذا الاستثناء هي إنقاذ ومساعدة الأشخاص المعرضين للخطر، وبالتوسل بالقانون الجنائي المغربي نجده يعاقب في الفصل 431 من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما تبدخله الشخصي وإما بطلب الإغاثة، دون تعريض نفسه أو غيره لأي خطر، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى 5 سنوات وغرامة من مأتين إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين. وقد قامت المحكمة الابتدائية بالرباط بإدانة أحد الأطباء من الإمساك عمدا عن تقديم المساعدة لشخص كان قد حضر لأحد مستشفيات الرباط لعيادة أحد أصدقائه الذي كان نزيلا بمصحة أمراض القلب والشرايين، وبعد صعوده إلى الطابق الرابع عبر السلالم العادية (لكون المصعد كان مخصصا للمرضى) أحس بإعياء، ثم استأنف الصعود إلى الطابق الخامس حيث مصحة القلب والشرايين، فاتضح عياؤه مما جعل بعض الأشخاص يساعدونه في الجلوس على احد المقاعد عند مدخل مصحة القلب والشرايين، ثم أخذ يصيح طالبا الإغاثة، وبعد حضور الطبيب تبين أنه يحتاج إلى إنعاش، ورأى الطبيب تطبيقا للنظام المعمول به في المستشفى ألا يشرع في ذلك إلا بعد القيام بالإجراءات الإدارية وأداء كفالة مالية بصندوق المستشفى، وهو ما استغرق وقتا طويلا. وانتهى الأمر إلى وفاة الزائر بسب تأخر النوع الملائم من الإسعافات.
+ الاستثناء الثالث: أن يوجد نص خاص يرخص بالتفتيش خارج الوقت القانوني
و من أمثلته ظهير 74/05/21 بخصوص زجر الإدمان على المخدرات في فصله الرابع، وأيضا الفصل 4 من قانون العدل العسكري الصادر في 26/07/1971.
+ الاستثناء الرابع: إذا كان التفتيش يجري في محلات يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة كالمصانع والمراقص الليلية، فهذه الأماكن يحوز التفتيش فيها أي وقت على اعتبار أنها ليست أماكن للخلوذ للراحة والنوم ولا تتوفر فيها شروط المسكن.
+ الاستثناء الخامس: إذا بدأ التفتيش في ساعة قانونية واستمر دون توقف إلى دخول الوقت الممنوع
قد يبدأ التفتيش في الوقت المسموح به قانونا، أي قبل الساعة التاسعة ليلا أو بعد التاسعة صباحا، ولكنه يستمر إلى أن يدخل الوقت المحظور ففي هذه الحالة يجوز مواصلة التفتيش، شريطة أن يكون هذا الأخير قد بدأ واستمر بدون انقطاع. والحكمة من هذا الاستثناء ترجع إلى الرغبة في إنهاء التفتيش وعدم تعطيله .
+ الاستثناء السادس: إذا تعلق التفتيش بجريمة إرهابية
من ضمن ما يشترط بصدده ضرورة الحصول على إذن النيابة العامة يسمح بإجراء التفتيش داخل الوقت الممنوع قانونا، وأيضا ضرورة الحصول على إذن مكتوب من صاحب المنزل وذلك بحسب الفرضيات التالية:
• الفرضية الأولى: التفتيش في منزل المشتبه فيه
في هذه الحالة ألزم القانون حضور هذا الشخص أو من يمثله. وعند تعذر ذلك، يستدعي ضابط الشرطة القضائية شاهدين غير الموظفين الخاضعين لسلطته.
• الفرضية الثانية: التفتيش سيجري في منزل غير المشتبه فيه
يجب حضور صاحب المنزل أو من ينوب عنه، وإلا عين ضابط الشرطة القضائية شاهدين من غير الموظفين الخاضعين له. وزيادة في الضمانات ألزم المشرع أن يحضر التفتيش في جميع الأحوال امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش النساء في الأماكن التي يوجد بها ما لم يكن هذا الضابط امرأة. ولا بد لدخول المنزل في هذه الحالة من موافقة صريحة من الشخص الذي سيجري التفتيش بمنزله بخط يده، فإن كان لا يعرف الكتابة فيشار إلى ذلك في المحضر، إلا أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، وتعذر الحصول على تلك الموافقة فيباشر التفتيش بإذن من النيابة العامة.
ثانيا: واجب الحفاظ على السر المهني وحفظ المحجوزات
قد تستوجب ضرورة البحث عن الحقيقة إجراء تفتيش في أماكن يلزم أصحابها بكتمان السر المهني، ففي هذه الحالة يكون ضابط الشرطة المكلف بالتفتيش ملزما بكتمان السر المهني وأن يتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بذلك، وهو ما نصت عليه المادة 59 ق.م.ج في فقرتها الثالثة . ويتحقق المحافظة على السر المهني بأمرين:
الأول: يجب على ضابط الشرطة القضائية الاحتياط في عملية التفتيش فهو لا يطلع إلا على الوثائق والأشياء التي يرى فائدة في الإطلاع عليها والتي لها علاقة بالجريمة، ذلك أنه متى رأى أن تلك الوثيقة أو الشيء لا يتعلق بالجريمة وجب عليه الامتناع عن الإطلاع عليها.
الثاني: عدم إطلاع غيره على الأشياء أو الوثائق الواجب كتمانها حتى ولو تعلق الأمر بمساعديه وأن يبعدها عن أعين الغير.
وتعزيزا للحماية المضفاة على السر المهني، فقد اشترط المشرع – كلما تعلق الأمر بتفتيش مكاتب المحامين – ضرورة قيام ممثل النيابة العامة بهذه العملية مع حضور نقيب المحامين أو من ينوب عنه. وذلك راجع بالأساس إلى دور الدفاع فهو يعتبر أمين السر لموكله الذي يقدم له جميع أسراره، لذلك فقد كان من الأساسي حماية مكتب المحامي في حالة القيام بتفتيش في مواجهته بغض النظر عن المحكمة المقبول فيها من أجل المؤازرة . أما ما يتعلق بالمحافظة على المحجوزات بعد إحصائها فإنه يجدر بالذكر أنه في غير حالات المس بأمن الدولة (الداخلي أو الخارجي) حيث تكون عدة جهات على الصعيد الوطني معنية بمهمة سلامة الدولة، فإنه لا يطلع على الأوراق والمستندات قبل الشروع في حجزها إلا ضابطا للشرطة القضائية ومعاونوه والأشخاص المشار إليهم في المادة 60 ق.م.ج. وهم صاحب المنزل أو ممثله أو شاهدين .
ثالثا: ضرورة حضور بعض الأشخاص عملية التفتيش
ينبغي أن نميز في إثرها بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان ضابط الشرطة يعتزم تفتيش منزل في حالة تلبس، فإنه يتعين أن يكون رب المنزل حاضرا كما تقضي بذلك المادة 60 ق.م.ج أما إذا تعذر عليه الحضور لسبب ما، فإن من واجب ضابط الشرطة أن يستدعي شخصين كشهود لحضور عملية التفتيش ووجب أن يكون هذان الشخصان أجنبيان عن الضابط ومن غير الموظفين الخاضعين لسلطته كما أشرنا سابقا.
الحالة الثانية: حالة البحث العادي كما نصت المادة 79 ق.م.ج التي تتطلب موافقة صريحة من الشخص الذي ستجري العمليات بمنزله تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني بالأمر، وإن كان لا يعرف الكتابة يشار إليه في المحضر...
يلاحظ أن المشرع ضيق من سلطة ضابط الشرطة القضائية في حالة البحث العادية، عندما اشترط حصوله على الإذن المكتوب من طرف رب المنزل، لكنه لم يضع لذلك الإذن أسلوبا أو شكلا، أهو عادي أو مصادقا عليه. مما سيفتح الباب أمام ضابط الشرطة القضائية لاصطناع إذن مكتوب ينسبه إلى رب المنزل، خصوصا وأن المجلس الأعلى ذهب إلى كون التوقيع على المحضر الذي يتضمن التصريح بالموافقة على إجراء التفتيش يقوم مقام التصريح المكتوب .
هكذا يتبين أن إجراء التفتيش أحاطه المشرع المغربي بقواعد مسطرية وموضوعية كضوابط عامة لا ينبغي الخروج عنها وإلا ترتب عنها جزاء البطلان لمخالفيها. بمعنى أي محضر خالف شروط وقواعد تفتيش المنزل إلا ويكون جزاؤه البطلان كما نصت المادة 63 ق.م.ج. وفي الأخير نود أن نشير إلى حالة دخول المنازل دون تفتيشها فلم ينظمها المشرع المغربي إنما الفصل 230 ق.م.ج نص على ما يلي:
" كل قاض أو موظف عمومي أو أحد رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل بهذه الصفة مسكن أحد الأفراد رغم عدم رضائه في غير الأحوال التي قررها القانون يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرام من مائتين إلى 500 درهم. " وقد قرر ذلك الفصل 122 من قانون الدرك الملكي ولكنه اشترط صراحة أن يكون المنزل للشخص الذي صدر بشأنه الأمر بإلقاء القبض أو تنفيذ الحكم أو الإكراه البدني .
وعليه أمام صرامة المشرع في تقرير البطلان فإنه يحق لنا لزاما أن نتساءل عن طبيعة هذا البطلان إضافة إلى تأثيره على الإجراءات الأخرى موضوع المبحث الثاني.
المبحث الثاني: بطلان التفتيش، طبيعته وآثاره
المطلب الأول: طبيعة بطلان التفتيش
يقصد بطبيعة البطلان تحديد نوعه، كما إذا كان بطلانا مطلقا يتعلق بالنظام العام أم بطلان نسبي يتعلق بمصلحة الأشخاص ويلزمهم القانون بإثارته من أجل الحكم به. وقد اختلف الفقه في تحديد طبيعة بطلان التفتيش، حيث ذهب البعض الى انه بطلان مطلق – من النظام العام- وذهب البعض إلى أنه بطلان نسبي على أنه لا يجوز الدفع به لأول مرة أمام المجلس الأعلى وأنه يجب لزوما إثارته قبل أي دفع أو دفاع وهو ما ذهبت اليه محكمة العدل الخاصة في قرارها بقولها:
" إن الدفع ببطلان التفتيش أمام هيئة الحكم يلزم تقديمه في مذكرة كتابية مستقلة قبل الشروع في مناقشة جوهر القضية والإ كان غير مقبول".
وهذا نزاع يرجع إلى قانون المسطرة الجنائية المعدل. أما في إطار ق.م.ج الحالي، فإن المادة 63 من خلال صياغتها " يعمل لزوما بالإجراءات المقررة في المواد 59 و 60 و 62 تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات " .
فهذه الصياغة تدل على أن بطلان التفتيش من النظام العام نظرا لوجود صيغة الوجوب في النص، إضافة لترتيب البطلان على جميع الإجراءات اللاحقة له والمرتبطة به، دون الإشارة لوجود أية إمكانية لاستبعاد الإجراء المعيب أو تصحيحه أو الاحتفاظ بالإجراءات الأخرى. والدفع ببطلان التفتيش دفع متعلق بالقانون لأنه يرمي إلى عدم الأخذ بالدليل المستمد من التفتيش. فالتمسك به لأول مرة أمام المجلس الأعلى امرجائز.
وفي رأينا فإنه بوضوح صياغة المادة في عبارتها "تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب" يجعل من الدفع بالبطلان نسبي وليس عام. فلا يعقل أن يتم الدفع ببطلان كل الإجراء ببطلان جزء منه. لكن قد يتساءل عن فحوى- البطلان الجزئي- وعلاقته بالإجراء الأصلي ككل؟
الغاية تبرز في أهمية الدليل من جميع الإجراءات في حالة التلبس وفي الحالة العادية للتفتيش، "فالفرع يتبع الأصل" والأصل غير معيب إذن الفرع صحيح وجائز بمفهوم المخالفة. أما بمفهوم المطابقة
فإذا بطل الكل بطل الجزء والعكس صحيح. وهو محل الخلاف بين المجلس الأعلى ومحاكم الموضوع. لكن الأمر قد يبدو محسوما في أثره الفعلي لأن الدليل المستنتج من الإجراء المعيب كليا أو جزئيا يستبعد في جميع الأحوال، وتبنى الواقعة من خلال تحقيق جديد يتجاوز التحقيق الابتدائي.
المطلب الثاني: آثار بطلان التفتيش
إن البحث في آثار بطلان التفتيش يقتضي الوقوف كما إذا كان هذا البطلان يقتصر على الإجراء ذاته أو يمتد إلى الإجراءات الأخرى اللاحقة به؟
إن احترام الأحكام السالفة واجب تحت طائلة البطلان وبذلك قضت المادة 63 من ق.م.ج ، ومن المواقف التشريعية الغريبة السماح لحكام الجماعات والمقاطعات، بانتداب ضباط الشرطة القضائية للقيام بتفتيش المنازل، بدون قيد علما بأن اختصاصهم في المادة الجنائية لا يتعدى المخالفات التي لا تتجاوز عقوبتها الغرامة المحددة هي 800 درهم، وعلما بأن هؤلاء الحكام لا يتوفرون على أي تكوين والكثير منهم أميون. ولكن أحسن المشرع صنعا بحذفه مؤخرا لهذا النوع من المحاكم التي سمعنا عنها بأن حاكما من حكامها أصدر حكما بالإعدام ، مما استنفر الجهاز الأمني والقضائي معا.
وأمام صراحة المادة 63 يمكن القول أن بطلان إجراء التفتيش يمتد حتما إلى جميع الإجراءات الموالية له التي تكون مبنية عليه. أما إذا كانت مستقلة عنه فلا يلحقها البطلان.
وفي الأخير نود أن نقوم دراستنا بملاحظة بسيطة مفادها أن المشتبه فيه الذي يجري البحث التمهيدي بحقه، لا يعتبر متهما بالمعنى الدقيق، ذلك أن توجيه الاتهام هو من اختصاص القضاء (النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية) وهذا ما يميز البحث التمهيدي عن التحقيق الإعدادي. يجعلنا نستشرف عن دور المحامي في هذه المسطرة المنعدم قسرا بإرادة المشرع. فحتى التعديل الأخير للمسطرة الجنائية بالظهير الشريف رقم 169.11.1 صادر في 19 من ذي القعدة 1432 (17 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 35.11 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية نجده قد مدد صلاحيات النيابة العامة في مقابل ترميم ضمانات الأفراد أثناء فترة الحراسة النظرية، بشكل لا يرقى إلى قواعد أكثر جرأة لحضور المحامي كمؤازر للمتهم – قرينة البراءة – أثناء فترة الحراسة النظرية فبالأحرى التنصيص بنص مسطري على إمكانية حضور المحامي إجراء تفتيش المنازل.
لائحة المراجع
المؤلفات
- أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح،" شرح قانون المسطرة الجنائية" مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1982 .
حامد راشد، أحكام تفتيش المسكن في التشريعات الإجرائية العربية دراسة مقارنة" دار النهضة الطبعة الأولى 1997
- الحسن البوعيسي، "عمل الضابطة القضائية بالمغرب" مطبوعات الأفق الطبعة الثانية 1999 .
- الحبيب بيهي،" شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد" الجزء الاول، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية العدد 56 السنة .2004
- لطيفة الداودي "دراسة في قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 22.01 ظهير 3 اكتوبر 2002"، المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2005 مراكش .
-" شرح قانون المسطرة الجنائية الجزء الأول الدعوى العمومية" منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل العدد 2 الطبعة الخامسة السنة 2006.
- شرح قانون المسطرة الجنائية "الجزء الأول الدعوى العمومية السلطات المختصة بالتحري عن الجرائم"، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة المعلومة للجميع، العدد 6 أبريل 2007 .
دستور المملكة المغربية، سلسلة النصوص التشريعية جيب – 18- الناشر futur adjectif مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى يناير 2008.
- نورة غزلان الشنيوي، "المكونات البنيوية للتنظيم القضائي المغربي دراسة تحليلية من زاوية المقومات الجوهرية للحكامة الجيدة "مطبعة الورود، الطبعة الأولى 2008 أكادير.
- إدريس الحياني/ عمر أنجوم،"محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي" الطبعة الثانية 2010 بدون ذكر المطبعة .
- محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد"، مطبعة سجلماسة الطبعة الثانية 2011-2010 .
أطروحة
- عبد الجليل اليزيدي، تأصيل الخطأ في المسؤولية المهنية بين النظر الفقهي والنص القانوني "أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة القاضي عياض مراكش 2004-2005.
رسائل
- زوهير بطاش، " الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية في القانون المغربي" ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، جامعة المولى إسماعيل مكناس 2010 -2011 .
- فرح القاسمي، "حالة التلبس وحماية الحريات الفردية للمشتبه فيه" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة القاضي عياض مراكش 2009-2010.
- أحمد تسودال، "نظرية البطلان في قانون المسطرة الجنائية المغربية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي طنجة 2006-2007 .
اعداد شقيق الهراسي، رشيد البوني، "النظام القانوني لتفتيش المنازل وإشكالاته" عرض تحت إشراف الدكتور محمد أحداف ماستر قانون المنازعات 2009-2010.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق