مقدمة :
يمثل التعليق على الأحكام أو القرارات القضائية من بين أهم الدراسات التطبيقية في القانون ذلك أن إتقان التعليق على حكم أو قرار قضائي يفترض الإلمام الجيد بالمعارف النظرية والمتعلقة بموضوع التعليق واستيعاب معطيات المنهجية
القانونية التي تسمح بتقييم الحكم أو القرار ،و المقصود بالتعليق على حكم أو قرار قضائي هو مناقشة أو تحليل تطبيقي لمسألة قانونية تلقاها الطالب في المحاضرة .
وبالتالي فان منهجية التعليق على قرار أو حكم قضائي هي دراسة نظرية وتطبيقية في آن واحد لمسالة قانونية معينة ، إذ أن القرار أو الحكم القضائي هو عبارة عن بناء منطقي ، فجوهر عمل القاضي يتمثل في أجراء قياس منطقي بين مضمون القاعدة القانونية التي تحكم النزاع وبين العناصر الواقعية لهذا النزاع ، وهو ما يفضي إلى نتيجة معينة هي الحكم الذي يتم صياغته في منطوق الحكم.
ولكي يكون التعليق على الحكم حكما سليما ، يجب أن يكون الباحث المعلق ملما أساسا بالنصوص القانونية التي تحكم النزاع ، وأيضا بالفقه قديمه وحديثه الذي تعرض للمسالة ، إضافة إلى تتبع الاجتهاد حول هذه المسالة وتطوره وصولا إلى أحدث الاجتهادات ، لكي يأتي التعليق شاملا لكل النواحي ويأتي كحكم تقييمي للقرار في كافة النقاط القانونية التي عالجها أي أنه الحكم على الحكم.
وينصب التعليق عادة على القرارات الصادرة عن المحاكم العليا باعتبارها مرجعا قضائيا لباقي المحاكم ، إلا أن التعليق يمكنه أن يتناول أحيانا قرارات محاكم الاستئناف أو محاكم الدرجة الأولى ، إدارية كانت أو تجارية أو مدنية.
المطلوب من الطالب أثناء التعليق على قرار، ليس العمل على إيجاد أو استخراج حل قانوني ، كما في المسالة أو الاستشارة ، لكنه مناسبة لدراسة وفهم الاتجاه الذي سلكه القضاء دون تجاهل موضوع النزاع المعروض .وهو ليس إجراء بحث قانوني في موضوع معين بالرغم من أنه يتناول مسألة قانونية معينة. مما يعني أن منهجية التعليق على قرار أو حكم قضائي هي دراسة نظرية وتطبيقية في آن واحد لمسالة قانونية معينة ، تهدف إلى تطبيق المعلومات النظرية التي تلقاها الطالب ، من أجل ترسيخها في ذهنه.
لذلك يجب التمييز بين القرار القضائي والمسألة القانونية بحيث يعرف القرار القضائي بأنه :
الحكم الذي تصدره المحكمة بشأن خصومة ما وفقا للشكل الذي يحدده القانون للأحكام ، سواء في نهاية الدعوى أو في سيرها ، وسواء أكان الحكم صادرا في نزاع بين الأفراد أنفسهم ، أو بين الأفراد والإدارة.
ويسمى حكما قضائيا أو الحكم القضائي ما يصدر عن محاكم الدرجة الأولى ، بينما يسمى قرار قضائيا ما يصدر عن محاكم الدرجة الثانية .
أما الفرق بين المسألة القانونية والقرار فيتمثل بأن المسألة هي مجموع وقائع عملية يطلب من الطالب إيجاد حل قانوني لها ، بينما القرار هو مجموع وقائع عملية أعطت لها إحدى المحاكم الحل و يطلب من الطالب تحليل هذا الحل أو الحكم ونقاطه القانونية ، والنظر فيما إذا كان يتعارض مع النصوص القانونية .
ومدى توافقه مع اجتهادات المحاكم وتماشيه مع رأي الفقه السائد فبعد التطرق لمفهوم القرار أو الحكم القضائي وكذا الأرضية التي يجب على الطالب الوقوف عليها سنحاول التركيز على منهجية مشتركة يمكن اعتمادها كإطار عمل في كافة أنواع القرارات والتي تتمثل في مرحلتين الأولى تهم المرحلة التحضيرية والثانية المرحلة التحريرية حيث سنتناول كل مرحلة في مبحث.
المبحث الأول: المرحلة التحضيرية للتعليق على قرار
تعتبر المرحلة التحضيرية أول وأهم مرحلة في التعليق على قرار فضائي على اعتبار أن ما استخلصه المعلق من هذه المرحلة هو ما ستتم به مناقشة القرار والتعليق عليه، ومن ثم، فإن المعلق في هذه المرحلة عليه أولا استيعاب مضمون القرار، ثم استخراجه لعناصر القرار وأخيرا تحديده لأدوات وتقنيات التعليق على القرار وهو ما سنتناوله في المطالب الموالية.
المطلب الأول : استيعاب مضمون القرار
إن التعليق الصحيح هو الذي يرتكز فيه الطالب على وقائع الدعوى والمسألة القانونية التي تثيرها تلك الوقائع، والحل القانوني الذي أعطته المحكمة لهذه المسألة، ثم استخدام الطالب ما لديه من معرفة ودراسة للمادة في عملية تقييم القرار والبحث في أبعاده.
إلا أن الطالب قد يواجه صعوبات، بالأخص عند أول محاولة له للتعليق على حكم أو قرار قضائي، وأول تلك الصعوبات تنجم عن أن الطالب قد يصعب عليه قراءة وفهم وتحديد مضمون عمل وضعه رجل قانون ممتهن بعد مراحل إجرائية متعددة وعملية ذهنية طويلة، وتزيد الصعوبة بسبب المفردات القانونية التي تبدو أحيانا غامضة، إضافة إلى عون القرار ذاته يخضع لقواعد تقنية في بنيته وصياغته ومن أجل تجاوز تلك الصعوبات، لابد من فهم القرار موضوع التعليق، لأنه على ضوء ذلك يمكن وضع التعليق ([1]).
فقراءة الحكم أو القرار بهدف وضع تعليق عليه، تفرض على الطالب قراءة هذا الحكم كاملا بجميع أجزاءه، أي بجميع عناصره الواقعية والقانونية، والحلول التي انتهى إليها بالنسبة لجميع الوسائل القانونية التي طرحت على المحكمة، ويفترض قراءة الحكم عدة مرات، تبدأ بقراءة أولى سريعة تتوالى بعدها القراءات المركزة.
فقبل التعمق في قراءة الحكم، يكفي إلقاء نظرة سريعة عليه لاستخلاص بعض المؤشرات المفيدة والقيمة، كمعرفة اسم المحكمة المصدرة للحكم وبالتالي التعرف على ما إذا كان التعليق يتناول حكما لمحكمة درجة أولى أو قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف أو النقض، كذلك بالنسبة لتاريخ الحكم أو القرار يوضح لنا ما إذا كان التعليق يتناول قرارا حديثا أو قديما، وبعد هذه النظرة السريعة، ينتقل المعلق إلى القراءة المركزة، حيث يفرض في القراءة المركزة، قراءة الحكم مرتين أو ثلاث مرات أو أكثر، وكل ذلك يتوقف على مدى وضوح الحكم وسهولة فهمه، أو تعقيد عناصره الواقعية والمسائل القانونية المثارة فيه، ويجب أن تتم القراءة بتأن وانتباه.
والتركيز، لأن الفائدة من القراءة المركزة تعطينا فكرة عامة وكلية عن هذا الحكم أو القرار بالإضافة إلى المعرفة العلمية الصحيحة لأجزاء الحكم([2]).
فالطالب لكي يعطي تعليقا سليما على القرار يجب أن يكون ملما أساسا بالنصوص القانونية أو القواعد القانونية التي تحكم ذلك النزاع، ومن تم بالفقه قديمه وحديثه التي تعرض للمسألة المطروحة، كذلك الاجتهاد الذي تناول هذه المسألة، ومن تم بيان انعكاسات ذلك الحل من الوجهة القانونية، الاجتماعية والاقتصادية، ومدى وأبعاد الحل القانوني، وهو ما يفرض على الطالب ثقافة قانونية وغير قانونية ضرورية وشاملة.
وبعد الإحاطة بأجزاء الحكم، يمكن تكرار القراءة المركزة للإحاطة بالنقط القانونية التي طرحت على المحكمة ثم الحلول التي اعتمدتها لتلك النقط، والسياق الفكري والمنطقي الذي اعتمدته المحكمة ومن ثم البراهين والحجج المؤيدة([3]).
وخلال هذه القراءات يمكن للطالب أن يعتمد بطاقات المعلومات، التي ستعين بها لتدوين العناصر الأساسية، ومكونات القرار بشكل واضح، مما تسهل على الطالب العودة للمعلومات التي يتم جمعها بعناية ومراجعتها في كل مرة، نظرا لصعوبة الرجوع إلى القرارات قصد مراجعتها والتي قد تكون طويلة.
المطلب الثاني : استخراج عناصر القرار
بعد مرحلة استيعاب القرار و التعرف عليه تأتي مرحلة استخراج عناصر القرار، و نقصد بهذه المرحلة ،تسجيل العناصر الجوهرية للقرار ، و في غالب الأحيان يتم هذا التسجيل بطريقة مبعثرة،أوغيرمنظمة.
وسوف نقوم بتبيان العناصر الأساسية الواجب استخراجها
ومن أهم البيانات التي يجب الانتباه إليها في كل حكم أو قرار قضائي هي كالتالي :
التصدير أو مقدمة الحكم أو القرار : و التي تأتي على رأسها ؛ باسم المملكة المغربية و باسم جلالة الملك و طبقا للقانون ، و كذا اسم المحكمة التي أصدرت الحكم و كذا اسم القاضي المنفرد أو القضاة (الرئيس و القضاة اللذين بتوا بالنزاع ) و تاريخ صدور الحكم أو القرار ، هذا إلى جانب بيان أسماء أطراف النزاع و مطالبهم و إدراج الأسباب القانونية و الواقعية ، كما تنص على ذلك المادة 365 من قانون المسطرة الجنائية ، و المادة 50 من قانون المسطرة المدنية .
هذا بالنسبة لعنصر التصدير، أما بالنسبة للعنصر الثاني و هو عنصر الوقائع : و نقصد بالوقائع الأحداث التي وقعت من يوم نشوء النزاع إلى يوم رفع الدعوى و التي يجب أن تلخص كل المراحل التي مر بها الأطراف من إجراءات و ما قدمه الأطراف من طلبات و أدلة و كل الأحداث التي مرت من خلالها القضية و ذلك بشكل تسلسلي .
العنصر الثالث و هو عنصر الأسباب ، و نقصد بالأسباب تعليل المحكمة أو ما تقوم به هذه الأخيرة من تحديد للنزاع أو الواقعة القانونية المطروحة ، و تذكر إلى جانبها القاعدة القانونية أو القواعد القانونية الواجب تطبيقها على تلك الواقعة القانونية ، وتأتي هذه الأسباب باستعمال المحكمة لعبارات معينة في شكل حيثيات كأن تقول “حيث إن” أو “بما أن” أو بناءا على” ، تلي هذه العبارات استعراض للأسباب التي جعلت المحكمة تأصل عليها حكمها .
العنصر الرابع و الأخير و الذي يجب استخراجه من الحكم أو القرار ، هو عنصر المنطوق أو منطوق الحكم : وهو الجزء الأهم في القرار، كونه نتيجة إلى ما توصلت إليه الهيئة القضائية و ما قضت به المحكمة في الطلبات المعروضة أمامها ،و هو الجزء الذي يهتم به أطراف النزاع ، و عادة ما يأتي مسبوقا بعبارة “من أجله” أو” لهذه الأسباب “.
حيث يكون المنطوق مصاغا بطريقة مختصرة
وتجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر الأربعة تكون بالنسبة لأحكام و قرارات محاكم الموضوع بصفة عامة مع الاستثناءات كأن تضمن محكمة الاستئناف ملخص الحكم الابتدائي في قرارها
أما بالنسبة لمحاكم النقض، و التي تهتم بمراقبة مدى تطبيق القواعد القانونية من طرف محاكم الموضوع ، فهي تعرض في قرارها الحكم المعتمد من طرف محاكم الموضوع ،و أسباب الطعن الموجه ضد هذا الحكم .
و تعتمد محكمة النقض العبارات التالية
بشأن الوسيلة الأولى و بناء على مقتضيات الحكم أو القرار…
فيما يخص الوسيلة الثانية …
بشأن الوسيلة الفريدة المثارة…
و من أجله قرر المجلس الأعلى… (إما قبول الطلب أو رفضه.
هذه إذن هي العناصر التي يجب على المعلق استخراجها من القرار و التي تسهل عليه تحديد أدوات و تقنيات التعليق على القرار، و هو ما سنتطرق له في المطلب الثالث.
المطلب الثالث : أدوات و تقنيات التعليق على قرار قضائي
حتى يتمكن الطالب من التعليق على أي قرار يجب عليه قراءته بتروي عدة مرات ليتوصل إلى عناصر تمكنه من إنجاز التعليق المطلوب ، و المتمثلة في أدوات و تقنيات التعليق ، حيث سنعالج كل واحدة في فقرة.
الفقرة الأولى : أدوات التعليق على القرار القضائي :
يجب على المعلق أن يدون في مسودة مجموعة من الأدوات التي تمكنه من التعليق على القرار و المتمثلة فيما يلي:
* اسم المحكمة التي أصدرت القرار أو الحكم القضائي و يمكن معرفتها من خلال المنطوق الذي أصدرته إما المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف أو محكمة النقض.
و بالتالي الوقوف على القانون الموضوعي و الإجراء المطبق و لمعرفة ما إذا كانت هذه القوانين عرفت تعديلا أو إلغاء قبل أو بعد صدور الحكم .
* ترتيب أحداث القضية بحسب تاريخ انطلاقها أي قبل وصول الملف إلى المحكمة و المراحل التي مر منها إلى غاية صدور الحكم من آخر جهة قضائية عرض عليها و هنا يتوقف الأمر على مجهود خاص بالطالب باستخراجه للأشياء التي قد تكون متناثرة بين المراحل الإجرائية أو ما قدم من حجج و أسانيد لمختلف درجات المحاكم .
* بيان أطراف النزاع بتحديد المدعي و المدعى عليه إذا كان التعليق ينصب على حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ، أو المستأنف و المستأنف عليه إذا كان التعليق ينصب على قرار صادر عن محكمة الاستئناف ، أو طالب النقض و المطلوب في النقض إذا كان القرار صادرا عن محكمة النقض ، إضافة إلى بيان المواقف و الطلبات و الوسائل القانونية التي استند عليها الأطراف لتدعيم موقفهم في الدعوى .
* تحديد الإطار القانوني لموضوع النزاع ، و بغية ذلك على الطالب استخراج المشاكل القانونية الرئيسية في القرار التي كانت موضوع النزاع بين الأطراف في الدعوى .
* ثم يسجل الطالب منطوق القرار الذي خلصت إليه المحكمة و الأساليب التي اعتمدت عليها في إصداره.
الفقرة الثانية : تقنيات التعليق على القرار القضائي :
انطلاقا من استخراج المعلومات الواردة في القرار و التي ارتكزت عليها المحكمة في إصدار حكمها أو قرارها يتم تسجيلها في المسودة على الشكل التالي :
* إدعاءات المدعي الواقعية و القانونية و نفس الشئ بالنسبة للمدعى عليه .
* تسجيل المبدأ الذي ارتكزت عليه المحكمة و إطار تطبيقه و هل هو واضح أم غامض.
* توضيح النظريات الفقهية و أي رأي ارتكزت عليه .
* استحضار الاجتهادات القضائية السابقة إن وجدت لمعرفة موقف القضاء من الحكم .
* ثم التوصل إلى مناقشة الوسائل المثارة و البعد القانوني للحلول المقدمة قضائيا للواقع .
* ثم محاولة الوصول إلى رأي شخصي بخصوص القرار مع البراهين التي توصل إليها الطالب.
المبحث الثاني : المرحلة التحريرية للتعليق على قرار قضائي
نعني بهذه المرحلة ، كيفية تنفيذ التعليق أو المنهجية العملية التي نعتمدها في قيامنا بالتعليق على قرار قضائي ، و ذلك على شكل خطة متوازنة و محكمة .
فهذا التعليق هو ما ستتم قراءته و تقييمه من قبل الأساتذة أو القراء ، و محاسبتنا ستكون بناء عليه و ليس بناء على ما يدور أو دار في أذهاننا خلال المرحلة التحضيرية (4) .
ولذلك يجب أن يحرر التعليق تحريرا قانونيا مضبوطا ؛ بدءا من المقدمة ، مرورا بصلب الموضوع ، وصولا إلى الخاتمة ، و هو ما سنتناوله في المطالب الموالية .
المطلب الأول : المقدمة
تكتسي المقدمة أهمية بالغة في التعليق على قرار قضائي ، لأنها الأداة التي ترشد القارئ إلى مختلف المسائل التي ستعالج في التعليق ، كما أنها تعد بمثابة المدخل الذي يحسس به المعلق غيره بأهمية موضوع التعليق ، لذلك فإنه يتوجب استغلالها بشكل معقلن لإثارة انتباه القارئ لأهمية
(4) – صالح طليس ، المنهجية في دراسة القانون ، الطبعة الأولى 2010 ، صفحة 248.
الموضوع، و حتى تكون كذلك يجب أن تشمل على عدة عناصر لا يجوز إغفالها (5).
حيث يبدأ المعلق أولا بالتعريف بالموضوع – أي أننا بصدد تعليق على قرار قضائي – مع إبراز فائدة أو أهمية هذا التعليق ، ثم تقديم القرار وتعريفه ؛ و ذلك بتحديد الجهة القضائية المصدرة للقرار هل هي محكمة الاستئناف أو محكمة النقض ؟ و هل صدر عن غرفة أو غرفتين أو الغرف المجتمعة ؟ ثم نذكر مراجع القرار أي رقمه و تاريخ صدوره و رقم الملف .
فكل هذه المعلومات إجمالا تؤخذ من مقدمة القرار القضائي ، و لا يجوز إغفالها لما لها من أهمية بالغة ، فذكر المحكمة التي أصدرت القرار له أهمية قصوى ، لكونه يتيح لنا المقارنة في التحليل بين قضاء عدة محاكم لمعرفة الاتجاه الغالب في الاجتهاد القضائي ، و إذا كان القرار صادرا عن محكمة النقض فيمكن مقارنته مع غيره من القرارات الصادرة عن نفس المحكمة ، أو عن المحاكم العليا الأجنبية المماثلة ، أو حتى أحيانا مع قرارات الغرف المختلفة لنفس المحكمة (6) .
كما أن ذكر تاريخ صدور القرار القضائي من الأهمية بمكان ، لكونه يتيح لنا معرفة هل حصل تحول في الاجتهادات السابقة ؟ أو هل حصل تفسير جديد لقاعدة قانونية معينة ؟ أو هل تم اللجوء إلى قاعدة قانونية أخرى ؟ …
وبعد عرض كل هذه المعلومات ، يحاول المعلق إثارة المسألة أو المسائل التي تعرض لها القرار ، كأن يقول يتعرض القرار الصادر عن محكمة النقض لمدى اعتبار المقاولة في حالة صعوبات أو لبيع ملك الغير ، أو يتعرض للاختصاص القضائي …
ثم يعمد بعدها إلى تلخيص قضية القرار في فقرة متماسكة ، يسرد فيها بإيجاز أهم الوقائع و المراحل التي عرفتها الدعوى ، و الدفوعات المقدمة و الحجج المعتمدة ، على أن يتم ذلك بأسلوب الطالب الشخصي بصدق و أمانة ، و مراعيا التسلسل الزمني للأحداث (7) .
غير أنه يجب التنبيه إلى مسألة أساسية ، وهي أنه لا يجوز فصل موضوع التعليق عن وقائع الدعوى أي لا يتصور المعلق وقائع غير موجودة ، و لا يتجاهل وقائع أساسية في الدعوى لكي يعطي تقييما للقرار الذي يكون عند تجاهلها قرارا منتقدا(8).
بعد ذلك تأتي مرحلة طرح المشكل الذي يثيره القرار القضائي من الوجهة القانونية والوجهة
الواقعية ، أي ماذا أثار الأطراف كدفوعات أو مطالب ؟ وكيف أجابت محاكم الموضوع ؟
(5)- عبد القادر العرعاري ، النظرية العامة للعقود المسماة ، عقد البيع ، صفحة 253.
(6)- صالح طليس ، مرجع سابق ، صفحة 248 .
(7)- محمد العروصي ، المختصر في المنهجية القانونية ، طبعة 2011 ، صفحة 49 و 50 .
(8)- عكاشة محمد عبد العال و سامي بديع منصور ، المنهجية القانونية ، طبعة 2003 ، صفحة92.
ثم ما هو موقف قضاء القانون ؟
و من تم يخلص المعلق إلى طرح الإشكالية ، التي لا تظهر في القرار و إنما تستنبط من الإدعاءات و من الحل القانوني الذي توصل إليه القاضي و لهذا يجب أن تصاغ الإشكالية صياغة قانونية مختصرة و واضحة ، و ذلك إما على شكل سؤال أو عدة أسئلة ، أي سؤال رئيسي و أسئلة فرعية .
و أخيرا يتم الإعلان عن خطة التعليق على القرار القضائي ، التي ستتم معالجتها في العرض وهو ما سنتناوله في المطلب الثاني.
المطلب الثاني :العرض
يهدف العرض إلى مناقشة و تحليل النقط القانونية المثارة أمام المحكمة و التي طرحها الخصوم في شكل ادعاءات ، فإذا كان القرار قد طرح نقطة قانونية واحدة ، فيجب تناول هذه النقطة بالتحليل و المناقشة ، أما إذا كان القرار قد طرح عدة نقط قانونية ، فيجب مناقشة و تحليل كل نقطة من هذه النقط تباعا و بشكل متسلسل كما طرحتها المحكمة (9).
فمرحلة المناقشة و التحليل من أصعب المراحل التي تواجه المعلق في تعليقه على قرار قضائي، ذلك أنها تقتضي تقسيم العرض إلى قسمين أو ثلاث أقسام حسب المشاكل التي يطرحها القرار.
و بذلك يصعب على المعلق إعطاء خطة واحدة و شاملة للتعليق ، ما دام أن هذا الأخير لا يبرز على أساس أفكار ، بل على أساس مشكل أو مشاكل قانونية ، ومن تم قد يجد المعلق نفسه أمام عدة إشكاليات تقتضي خطط متعددة.
وبناء على ذلك فإذا كان القرار يتعلق بإشكالية واحدة فيمكن تقسيم التعليق إلى مبحثين ، يتعرض الأول إلى تحليل الإشكالية من الناحية القانونية و الواقعية ، و يتعرض الثاني لبيان البعد القانوني للحل
المعتمد في القرار ، ومدى مسايرته للاجتهادات القضائية ، و هو ما يبرز فيه المعلق أو الطالب موقفه الشخصي.
غير أنه إذا كان القرار يتعلق بعدة إشكاليات ، فهنا يجب أن تتم معالجتها بكاملها في خطة شاملة ومضبوطة لا تتجاوز ثلاث مباحث ، و هو ما يبرز مدى قدرة المعلق أو الطالب على استيعاب جميع الإشكاليات المطروحة في القرار و دراستها ومناقشتها في خطة دقيقة ومتوازنة(10).
ومن ثمة فعلى المعلق مراعاة عدة شروط عند تحديده لخطة التعليق ومن هذه الشروط:
* أن تكون خطة تطبيقية أي تتعلق بالقضية و أطراف النزاع من خلال العناوين ، فعلى المعلق تجنب
(9) – حلمي محمد الحجار ، المنهجية في القانون ، الطبعة الثانية 2003 ، صفحة 408.
(10) – مأخوذ بتصرف من كتاب محمد العروصي ، مرجع سابق صفحة 50.
* أن تكون خطة دقيقة، فمن الأحسن تجنب العناوين العامة.
* أن تكون خطة متسلسلة تسلسلا منطقيا ، بحيث تكون العناوين متتابعة وفقا لتتابع وقائع القضية.
* أن تجيب الخطة على المشكل المطروح.
وبذلك يبدأ المعلق عرضه بإثارة و مناقشة و تحليل النقط القانونية التي أثارها القرار ، و يستحسن عند تحليل هذه النقط مراعاة القواعد التالية :
* صياغة النقطة أو النقط القانونية المطروحة بشكل واضح.
* عرض النقط عند تعددها بشكل متسلسل.
* طرح النقط القانونية بشكل سؤال استفهامي(11).
و بعد عرض النقط التي أثارها القرار ، ومناقشتها و تحليلها ، يتعين على المعلق عرض الحل الذي أعطته المحكمة لمناقشته و تحليله.
لكن تجدر الإشارة أن على المعلق مراعاة عدة قواعد عند عرضه للحل و أهمها :
* صياغة الحل القانوني بشكل واضح و مختصر.
* صياغة الحل الذي أعطته محكمة النقض و ليس الحل الذي أعطته محاكم الموضوع ، إذا كان القرار صادرا عن محكمة النقض ، أما إذا كان القرار صادرا عن محكمة الاستئناف فيجب صياغة الحل الذي أعطته هذه الأخيرة و ليس الحل الذي أعطته المحكمة الابتدائية .
* مراعاة الأمانة و الموضوعية في بيان الحل القانوني (12).
ثم يبدأ المعلق بمناقشة هذا الحل من الوجهة القانونية ، أي بيان ما إذا كانت المحكمة المصدرة للقرار قد طبقت على النزاع المعروض عليها القاعدة القانونية الواجبة التطبيق أم لا؟ وكذلك ما إذا كانت هذه المحكمة قد أصابت في تفسير القاعدة القانونية الواجبة التطبيق ، ثم إبراز موقف الفقه و الاجتهاد القضائي من هذا الحل المعتمد من طرف المحكمة ، أي بيان ما إذا كان هذا الحل يتوافق مع اجتهادات سابقة ، أم أنه يضيف شيئا جديدا للاجتهادات القضائية.
و تجدر الإشارة أنه لا يكفي الكشف عن مواطن الخلل الذي وقعت فيه المحكمة سواء كان هذا الخلل قانونيا أو واقعيا ، و إنما لابد من التعليل ، و ذلك لإضفاء صفة الجدية على التعليق من جهة ، و إضفاء الصفة العلمية من جهة أخرى.
حيث يكون هذا التعليل إما قانونيا أو واقعيا ، فالتعليل القانوني يتم بالاستناد على الحجج التي يكون
(11)- حلمي محمد الحجار ، مرجع سابق ، صفحة 407.
(12)- مأخوذ بتصرف من كتاب محمد حلمي الحجار ، مرجع سابق ، صفحة 407 و 408.
مصدرها التشريع أي الاستشهاد بالنصوص القانونية التي تم إغفالها ، أو يكون مصدرها القضاء ، أي الاستشهاد باجتهادات قضائية سابقة في نفس موضوع النازلة.
أما التعليل الواقعي ، فيقتضي من المعلق الاستناد فيه على الآراء الفقهية أو النظريات العلمية أو توضيح فكرة قانونية لها علاقة بموضوع التعليق أو تساعد على فهمه(13).
بعد ذلك يبين المعلق النتائج التي يمكن أن يرتبها الحل الذي اعتمده القرار على تطور الاجتهادات القضائية ، أي بيان ما إذا كان القرار يقتصر فقط على حل القضية أم يشكل قرارا مبدئيا.
فالقرار الذي يقتصر على حل القضية ، أي المشكلة الخاصة التي يطرحها النزاع فقط ، يكون عكس القرار المبدئي الذي يتجاوز حل القضية و يؤسس للمستقبل تفسيرا جديدا لقاعدة قانونية معينة (14).
و أخيرا يبدي المعلق رأيه الشخصي في الحل الذي اعتمدته المحكمة ،أي ما إذا كان يوافق هذا الحل أو يعارضه مع تعليل رأيه الشخصي بالاستناد على النصوص القانونية أو الآراء الفقهية أو الاجتهادات القضائية ، أو يبرز المحاسن و المساوئ التي تعتري هذا القرار من الوجهة القانونية و الاجتماعية والاقتصادية (15).
المطلب الثالث : خاتمة
بخصوص التعليق على القرارات القضائية ليس هناك ما يلزم المعلق على ختم التعليق ، غير أنه في الحالات التي يستقر فيها رأيه على وضع الخاتمة ، فإنه يمكن أن تتضمن هذه الأخيرة ما يلي :
* أن تكون الخاتمة بمثابة استنتاج للنتائج التي يرجى تحقيقها من وراء هذا التعليق.
* أن تتضمن الخاتمة اقتراحات من المعلق.
* أن تتضمن انفتاحا مستقبليا على حلول يراها المعلق جديرة بالاهتمام.
* أن تتضمن طرح تساؤلات تفتح آفاقا جديدة للبحث (16).
* أن تتضمن نظرة شمولية للنازلة أو للحل المقترح.
كما يمكن للمعلق أن يبدي رأيه الشخصي على القرار ، بموافقته ومعارضته ، كما يمكنه أن يعطي تصوره المستقبلي للقرار المدروس ، ومدى تماشيه مع القواعد القانونية الجاري بها العمل (17).
(13)- محمد التغدويني ، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية ، الطبعة الثانية 2006.
(14)- حلمي محمد الحجار ، مرجع سابق، صفحة 412.
(15)- طه زاكي صافي ، منهجية العلوم القانونية ،طبعة 1998،صفحة226.
(16)-عكاشة محمد عبد العال و سامي بديع منصور ، مرجع سابق، صفحة 96.
(17)-عبود عبد الله العسكري ، منهجية البحث العلمي ،الطبعة الأولى 2004 ، صفحة 156 و157.
خاتمة:
هذه إذن هي المراحل التي يمر منها التعليق على القرار القضائي ، بدأ من تعيين المحكمة المصدرة للقرار ، صنفها و درجتها ، وتاريخ صدور القرار و موضوعه ، مرورا بعرض ادعاءات الخصوم المادية و القانونية ، مع تبيان مطالبهم في الدعوى ، و كذلك تحديد المسألة أو المسائل القانونية المطروحة على المحكمة و المراحل القضائية التي مرت منها القضية ، وصولا إلى عرض الحل المعتمد من طرف المحكمة لكل مسألة من المسائل القانونية المثارة.
ومن ثمة مناقشة القرار و تحليله ،إما على مستوى القواعد و النصوص القانونية ،و كذا الآراء الفقهية و الاجتهادات القضائية المستقر عليها ، أو على مستوى المقومات الأساسية التي يقوم عليها القرار ومدى تطويره للاجتهادات القضائية.
لذلك لابد للمعلق من ترك أثر إيجابي في ذهن و تفكير القارئ،بحيث لا بجد هذا الأخير أي صعوبة في قراءة التعليق ، سواء من ناحية الصياغة ، أو من ناحية الخط و ترتيب الأفكار ، أو من ناحية المنهجية المعتمدة في التعليق ، و من أجل ذلك يكون على المعلق صياغة أفكاره صياغة قانونية خالية تماما من المرادفات و الكتابات الإنشائية التي لا تضيف شيئا للتعليق.
لائحة المراجع :
* محمد التغدويني ، النظرية العامة للتعليق على الأحكام القضائية ، الطبعة الثانية 2006.
* صالح طليس : المنهجية في دراسة القانون ، منشورات زين الحقوقية ، الطبعة الأولى 2010 ، لبنان
* محمد العروصي : المختصر في المنهجية القانونية ، منشورات مختبر الأبحاث و الدراسات حول قانون الأعمال و المقاولات ، طبعة 2001.
* عكاشة محمد عبد العالي و سامي بديع منصور، المنهجية القانونية ، منشورات الحلبي الحقوقية ، طبعة 2003 لبنان.
* عبد القادر العرعاري ، النظرية العامة للعقود المسماة ، عقد البيع ، طبعة 2007 .
* طه زاكي صافي ، منهجية العلوم القانونية ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طبعة 1998 ، لبنان.
* حلمي محمد الحجار ، المنهجية في القانون ، الطبعة الثانية 2003.
* عبود عبد الله العسكري ، منهجية البحث العلمي ، دار المنير الطبعة الأولى 2004 ، دمشق.
(1)- حلمي محمد الحجار ، المنهجية في القانون ، الطبعة الثانية 2003.
(2)- حلمي محمد الحجار، مرجع سابق ، صفحة 397.
(3)- عكاشة محمد عبد العال و سامي بديع منصور ، المنهجية القانونية ، طبعة 2003 ، صفحة 92.
تحميل الموضوع ملف Pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق