أسباب التبرير في التشريع الجنائي المغربي
من المعلوم أن المشرع المغربي شانه شان باقي المشرعين الجنائيين كرس من خلال مبدأ الشرعية, مجموعة من المقتضيات القانونية منها ما أورده في مجموعة القانون الجنائي الموضوعة سنة 1962 أو ما سبقها من النصوص التشريعية, و منها ما افرده بنصوص جنائية خاصة [[1]] .
و إذا كان المشرع المغربي قد كرس هذا المبدأ من خلال تحديد مجموعة من الأفعال التي أضفى عليها الصفة الجرمية , و خصص لكل واحد منها عقوبة معينة, فانه حاول بان يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الظروف المحيطة بتلك الأفعال و جعل من بعض تلك الظروف أسبابا و دوافع تخرج ما يقوم به الأشخاص من مخالفة ظاهرة لقواعد القانون الجنائي من ظاهرة التجريم إلى ظاهرة الإباحة , و قد اصطلح على تلك الظروف في الفقه الجنائي بأسباب التبرير .
و تطلق كلمتي "أسباب التبرير" ,على مجموعة الظروف المادية التي تطرأ أثناء ارتكاب الفعل المجرم ,فتزيل عنه الصفة الجرمية, و تحيله إلى فعل مبرر, حيث لولا قيام تلك الظروف لتوافرت المسؤولية الجنائية من قبل مرتكب الفعل[[2]].
و على مستوى التشريع الجنائي نجد أن المشرع المغربي نظم أحكام أسباب التبرير في المادة 124 من القانون الجنائي , حيث اعتبر أن كل من يرتكب فعلا يعد جريمة حسب التشريع الجنائي المغربي , ثم يلازم ارتكابه لذلك الفعل المجرم احد الظروف المادية المقررة في المادة المذكورة, يصبح فعله خاضعا لسبب مبرر لترفع بذلك عنه الصفة الجرمية.
و تعتبر اسباب التبرير أسبابا موضوعية يتعين إحاطتها بمجموعة من الأحكام و بعناية خاصة , حتى لا نحيد عن مبدأ الشرعية و تلقى على عاتق القضاء هذه المهمة, إذ تعتبر اسباب التبرير تلك من صميم الموضوع و تثبت وفق القواعد العامة للإثبات في الميدان الجنائي التي تخضع للاقتناع الصميم للمحكمة .
و للوقوف على تلك الأحكام ارتأينا أن نتطرق لمضامين اسباب التبرير كما أوردها المشرع المغربي بالمادة 124 (الفرع الأول), من غير إهمال لبعض الصور التي لم تتطرق إليها المادة المذكورة (الفرع الثاني), و سبب نهجنا للتقسيم المذكور تبرره بعض الآراء الفقهية التي تناولها فقهاء القانون الجنائي و التي راو من خلالها أن المشرع اخفق في اعتبار مجموعة من الأفعال من قبيل أسباب, التبرير، كما أن هناك من الصور لأسباب التبرير ما أورده المشرع المغربي بالمادة 125 من القانون الجنائي و هو ما يصطلح عليه بحالة الدفاع الشرعي الممتازة . تلك إذن بعض المبررات التي ارتأينا أن نسوقها من أجل طرح التقسيم المذكور حتى تكتمل لدينا الصورة .
و عليه سنتولى التطرق بشكل تفصيلي إلى محتوى أسباب التبرير.
الفرع الأول: أسباب التبرير الواردة في المادة 124 من ق.ج :
كما سبقت الإشارة فالمشرع المغربي تطرق للأسباب التبرير في المادة 124 من قٌ.ج التي نصت على انه :
" لا جناية و لا جنحة و لا مخالفة في الأحوال الآتية:
- إذا كان الفعل قد أوجبه القانون و أمرت به السلطة الشرعية
- إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة, أو كان في حالة استحال عليه معها, استحالة مادية اجتنابها, و ذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
- إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره, بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء."
كما يلاحظ فالمشرع أورد ثلاث حالات تجعل الفعل المقترف يخرج من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة متى توافرت احد تلك الحالات.
و للوقوف على تلك الظروف ارتأينا أن نتناول كل واحد منها في مبحث مستقل وفق ما سيأتي :
المبحث الأول: تنفيذ أمر القانون و السلطة الشرعية:
نصت المادة 124 من ق.ج في فقرتها الأولى على هذا السبب و في ما يأتي سنفصل الحديث عن كل من الحالتين على حدة.
المطلب الأول: إتيان الفعل تنفيذا لأمر القانون أو ما يعرف بأداء الواجب
القاعدة أن تنفيذ أمر القانون –الذي يعتبر قياما بواجب- يبرر مختلف الأفعال التي اعتبرها المشرع جريمة و عاقب على إتيانها , و يلقى هذا القول تفسيره في الكثير من الأمثلة , فعندما يصدر حكم جنائي يقضي بالعقوبة على شخص من الأشخاص , تناولت إما أمواله أو حريته أو حياته, فانه متى أصبح هذا الحكم قابلا للتنفيذ , فان المكلفين بالتنفيذ يقومون به رغما عن إرادة المحكوم عليه , و مع ذلك لا يعتبرون مقترفين لأية جريمة , إن هم اقتضوا الغرامة المالية المحكوم بها , ا واو قيدوا حرية المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية, أو انهوا حياة المحكوم عليه بالإعدام , لان التنفيذ الذي قاموا به في كل تلك الحالات كان بأمر القانون , و عملهم ما هو سوى أداء للواجب الذي يفرضه عليهم.
و أخيرا فان الشخص العادي الذي يقوم بالقبض على مجرم متلبس بجريمة من الجرائم, و يسوقه لأقرب مركز للشرطة, لا يكون قد ارتكب جريمة معاقبا عليها لأنه نفذ أمر القانون.[[3]]
1- تحديد المقصود بأمر القانون:
يرتبط بتحديد المقصود بأمر القانون توضيح نقطتين :
الأولى:
وهي إن أمر القانون لا يقصد به الحالة التي يوجب فيها المشرع, في نص صريح فعل شيء أو الامتناع عن فعله فقط, و إنما يمتد ليشمل الحالة التي يجيز أو يبيح فيها إتيان الفعل أو الترك دون إلزام بذلك
الثانية:
و هي أن تنفيذ أمر القانون لا يقصد به تنفيذ الأمر المتضمن في نص تشريعي صادر عن البرلمان مثلا, و إنما يجب أن تفهم كلمة القانون بمعناها العام, بحيث تشمل الأمر المستفاد من القرارات الصادرة عن السلطات العمومية عموما, فمثلا القرار الوزاري الذي يلزم الأطباء بالتبليغ , أو الإخبار , عن كل حالة مرض معد تظهر لهم عند قيامهم بالكشف عن المرضى , يعد أمرا قانونيا في هذا المقام , بحيث إن قام احد الأطباء, و بلغ عن حالة معدية اكتشفها أثناء فحصه لمريض , فان فعله هذا يكون مبررا, لأنه مأمور بذلك قانونا , و لا يحتجن عليه في هذه الحالة بكونه قد خرق واجب الالتزام بالسر المهني.
إلا أن ما يثير بعض الإشكال في هذا الصدد مسالة الرخصة الإدارية التي تسلم من طرف السلطات المختصة بقصد الإفادة من اختراع أو بيع مواد أو ما شابه , فهل مثل هذه الترخيصات الشائعة, تعتبر بمثابة "أوامر قانون", تجيز لأصحابها الاحتماء بها إذا ما حصل ضرر للغير من جراء استعمالهم لها في الأغراض التي استصدرت من اجلها تلك الرخص ,على اعتبار أن هذه الأخيرة بمثابة أوامر القانون.
و مثال عن ذلك ما صدر في قرار عن محكمة السين الفرنسية الذي مفاده أن الترخيص الإداري الممنوح من طرف وزارة الصحة لشركة الأدوية لا يعتد به إذا ما نتج عن الدواء المرخص مضاعفات أو موت احد الأشخاص به , حيث تبقى المسؤولية الجنائية قائمة في جانب الشركة.[[4]]
2- التبرير في حالة تنفيذ أمر القانون:
إن أمر القانون وحده لا يكفي لقيام هذا السبب للتبرير الذي يتوقف- ظاهريا- على اجتماع شرطين أو عنصرين معا, و هما أمر القانون أولا , و أمر السلطة الشرعية ثانيا , فان هما توافرا معا انتهى الأمر حيث يكون الفعل إذ ذاك مبررا بلا خلاف, عملا بالفقرة الأولى من نص المادة 124 من ق.ج.
ولكن الإشكال يطرح عندما يتوفر احد العنصرين فقط دون الأخر, كان يقوم أمر القانون- أو إذنه- دون أمر السلطة الشرعية- أو إذنها- أو العكس ففي مثل هذه الحالات هل نتواجد أمام سبب تبرير أم لا؟
الافتراض الأول: حالة توافر أمر القانون- أو إذنه- دون آمر السلطة الشرعية- أو إذنها-
في هذا الافتراض يجب أن نميز بين نوعين من أوامر القانون, النوع الأول, وفيه يتوجه القانون بخطابه مباشرة إلى الرؤساء دون المرؤوسين, وفي هذه الحالة لا يكفي تواجد أمر القانون وحده لتبرير الفعل, بل لابد من توافر السلطة الشرعية و إلا اعتبر من قام بالفعل مسئولا عما اقترفه,
أما النوع الثاني, ففيه يتوجه القانون بخطابه إلى الأشخاص الذين تكون مهمتهم تطبيق أوامر القانون مباشرة, و في هذه الحالة يكفي وجود أمر القانون وحده لتبرير الفعل و من ذلك ضبط المجرمين متلبسين وإلقاء القبض عليهم.[[5]]
الافتراض الثاني: حالة توفر أمر السلطة الشرعية- أو إذنها- دون أمر القانون- أو إذنه-
يمثل لهذا الافتراض بحالة الرئيس الذي يأمر المرؤوس باقتراف أعمال يمنعها القانون بحيث يكون تنفيذها من طرف المرؤوس مفضيا إلى ارتكابه جريمة من الجرائم.
موقف المشرع المغربي:
بالنسبة للقانون المغربي يظهر بان صياغة الفقرة الأولى من نص المادة 124 من القانون الجنائي تفيد بأنه في ضوئها لايمكن تبرير الفعل الذي لا يسمح به القانون و الذي ينفذه المرؤوس بناء على أوامر رؤساءه , لان الفقرة المذكورة تشترط لقيام التبرير في حالة أداء الواجب أن يكون الفعل قد أوجبه القانون أولا, و أمرت به السلطة الشرعية ثانيا, بحيث يبقى جريمة غير مبررة يعاقب
عنها المرؤوس و الرئيس. إلا أن المشرع في بعض الحالات خول للمرؤوس إمكانية الاستفادة من بعض الأعذار المعفية ,حيث جاء في المادة258 من ق.ج ما يلي :
" إذا اثبت القاضي أو الموظف العمومي انه تصرف بناء على أمر رؤساء في إطار اختصاصاتهم التي يتوجب عليه طاعتهم فيها فانه يتمتع بعذر معف من العقاب, وفي هذه الحالة تطبق العقوبة على الرئيس وحده. "
المبحث الثاني: حالة الضرورة و القوة القاهرة
ينص الفصل 124 من ق.ج: "
لا جناية لا جنحة و لا مخالفة في الأحوال الآتية:
1 - ......
2 - إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة, أو كان في حالة استحال عليه معها, استحالة مادية, اجتنابها, وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
المطلب الأول: حالة الضرورة
المقصود بواقعة حالة الضرورة الحالة التي يرتكب فيها الشخص نشاطا إجراميا يلحق به أذى بنفس الغير أو ماله , و يكون الفاعل مضطرا إلى ارتكاب هذا النشاط المجرم بقصد المحافظة على ماله اوعرضه.[[6]]
و الغالب في حالة الضرورة, أن الخطر فيها ليس ثمرة فعل إنساني و إنما وليد لقوى طبيعية, و هذا ليس معناه أن إرادة الشخص تمحى, و إنما تتجرد من حرية الاختيار, و للتخلص من الخطر و مع تمتع الشخص بكامل الحرية يلجا إلى ارتكاب الجريمة. [[7]]
كان هذا من جهة.
من جهة أخرى حتى تعتبر حالة الضرورة قوة قاهرة, و مانعا من موانع العقاب يجب أن تتوافر الشروط الآتية:
1- وجود خطر على النفس آو المال:
و في السياق نشير إلى أن معيار جسامة الخطر يتحدد بعدم قابلية الضرر الناجم عنه للإصلاح, أما إذا كان ممكن الإصلاح فالخطر لا يعد جسيما.
2- يجب أن يكون الخطر حالا:
و مفاد هذا الشرط أن كل ظرف يوحي إلى خطر محتمل في المستقبل لا يستوي أن ينهض سببا لتبرير أي فعل مرتكب لدفعه.
3- ألا يكون للفاعل أي دخل في حدوث الخطر:
و نورد في هذا السياق مثال من يحرق عمدا مكانا ثم يضطر في سبيل الفرار من النيران إلى إصابة شخص أخر اعترض طريقه, فهذا الشخص في هذه الحالة لا يستطيع أن يحتج بحالة الضرورة لان الفعل كان ناتجا عنه لا عن قوى خارجية.
4- يجب أن يكون الفعل متناسبا مع درجة الخطر:
و يتحدد هذا المعنى طبقا للمعيار الموضوعي الواقعي الذي قوامه الشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف الشخصية التي تعرض لها الجاني.
إذ الضرورة تقدر بقدرها دون تجاوز للحدود اللازمة للتخلص من ظروفها[[8]].
و تأسيسا لما سبق يمكن القول, انه لا عقاب على من دفعته الضرورة للتخلص من ظروفها إذا ما توفرت الشروط السالفة الذكر, باستثناء الأشخاص الواجب عليهم بحكم عملهم التعرض للأخطار, كرجال الدفاع المدني و حراس الحدود.....الخ.
1- إثبات حالة الضرورة:
إن عبئ إثبات حالة الضرورة تقع على عاتق المتابع الذي يدعي انه ارتكب الجريمة تحت تأثيرها , و محكمة الموضوع هي التي يرجع إليها امرالتثبت من مدى قيامها بشروطها كاملة أو انتفائها تبعا, دون رقابة عليها من طرف المجلس الأعلى إلا فيما يخص سلامة تكييف الوقائع.[[9]]
2- أثار حالة الضرورة:
إذا قامت حالة الضرورة بجميع شروطها تنتفي الجريمة أصلا, و لا تقوم بالتالي أية مسؤولية الجنائية في جانب الذي ارتكب الفعل المجرم و هو في حالة الاضطرار.
المطلب الثاني: القوة القاهرة:
لم يرد تعبير القوة القاهرة صراحة في المادة 124 من ق.ج و إنما عبر عنها المشرع بالحالة التي يستحيل معها على الفاعل ماديا , اجتناب الفعل بسبب خارجي لم يستطع مقاومته.[[10]]
المبحث الثالث: حالة الدفاع الشرعي.
إن اتجاه المجني عليه إلى استعمال القوة لإبعاد الخطر عنه يعبر عن حقيقة نفسية إنسانية هي الدفاع عن النفس ومقاومة العدوان, وعليه فإن القانون عند إباحته لحالة الدفاع الشرعي كان قد ارتكز على الواقع العملي للأشخاص, فتدخل لينظمه ويضع له قواعد أساسية لكي لا يساء استعماله.
فالدفاع الشرعي حق يملكه كل شخص, ليرد على الاعتداءات غير المشروعة التي تستهدف شخصه أو ماله. لأن الدفاع الشرعي يصبح مشروعا في حالة وجود عدوان لم يتمكن المجتمع من التدخل لمنعه. من هنا نرى أن المشرع سمح للفرد بأن يقوم بما كان يجب أن تقوم به الدولة أو السلطة المختصة من حماية المجتمع [[11]].
وقد اختلف الفقهاء حول تحديد الأساس الذي يقوم عليه الدفاع الشرعي, وجاء الفصل 124 من القانون الجنائي المغربي الذي نص صراحة في فقرته الثالثة على حالة الدفاع الشرعي كسبب من أسباب التبرير, ولذلك فالمشرع يسمح بالدفاع الشرعي للتصدي للخطر الذي حل بالشخص. ويصف هذا الدفاع أنه دفاع مشروع لانعدام القصد الجنائي عند صاحبه ولخطورة الاعتداء التي لا تتطلب الانتظار لتدخل السلطة المختصة. بالإضافة إلى ذلك تعرض المشرع إلى حالتين خاصتين من حالات الدفاع الشرعي في الفصل 125من القانون الجنائي.
فما هي الشروط التي يجب توافرها في كل فعل الاعتداء أو فعل الدفاع؟
المطلب الأول: شروط الدفاع الشرعي:
لكي يكون هناك دفاع شرعي لا بد من توافر شروط لفعل الاعتداء وشروط أخرى لفعل الدفاع.
أولا:شروط الاعتداء:
أن يكون فعل الاعتداء غير مشروع.
بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفصل 124 ق.ج المتعلقة بالدفاع الشرعي, نجد أن المشرع تكلم على خطورة الاعتداء الذي يجب على الدفاع أن يكون متناسبا معه, ويفهم من هذا أن الدفاع الشرعي لا يجوز إلا إذا كان فعل الاعتداء غير مشروع, أي لا يعتمد على أمر من القانون أو على ترخيص منه .أما إذا كان فعل الاعتداء مشروعا فلا يصح استعمال الدفاع ضده مهما عرض الآخرين للخطر[[12]] .
أن يكون الفعل اعتداء على النفس أو المال.
أجاز المشرع المغربي حق الدفاع الشرعي ضد كل اعتداء ينصب على النفس أو المال, ويستوي في ذلك أن يكون الاعتداء موجها إلى نفس المدافع أو ماله أو إلى نفس أو مال غيره. وجعل هذا الدفاع الشرعي مطلقا في مواجهة الجرائم. ومفهوم النفس هنا يشمل كل الحقوق أللاصقة بشخص الإنسان فلا يقصد بالعدوان على النفس لمجرد الاعتداء على الحياة, وإنما ينصرف ذلك إلى جرائم القتل والضرب والجرح والحبس بدون وجه حق وهتك العرض والقذف. وهكذا يجوز الدفاع لصد الأخطار عن الحق في الحياة والحق في سلامة الجسم والحق في الحرية والحق في صيانة العرض والحق في الشرف و الاعتبار.
أما جانب الاعتداء على الأموال فإن المشرع المغربي أباح الدفاع الشرعي ضد الاعتداء الذي يتهدد الأموال كجرائم السرقة و جرائم التخريب والإتلاف وجرائم الحرائق وغيرها من الجرائم المتعلقة الأموال[[13]] .
3-أن يكون الاعتداء خطرا حقيقيا .
يجب أن يكون خطرا حقيقيا يهدف مصالح المعتدى عليه لكي يستعمل الدفاع الشرعي بمعنى أنه لا يعتدي بالخطر الوهمي الذي قد يتصوره الإنسان فيظن أنه في خطر يهدده ويتصرف على أساس خاطئ وبالتالي هنا لا يكون في حالة دفاع شرعي .لذا فالقانون يستلزم قيام الخطر كشرط لقيام الدفاع الشرعي وهذا الخطر وجب أن يكون حقيقيا لأن أسباب الإباحة ذات طابع موضوعي ولا بد من توافرها حتى تنتج آثارها,
فالقاعدة العامة هنا هي أنه إذا توافرت شروط الدفاع الشرعي ومنها أن يهدد الاعتداء بخطر حقيقي. فإن فعل المعتدى عليه يصبح مبررا ولو اعتقد خطأ بأنه ليس في حالة دفاع شرعي.وعلى العكس من ذلك إذا لم تكن هذه الشروط متوافرة إن فعل المعتدى عليه يظل غير مشروع ولو اعتقد خطأ بأنه في حالة دفاع شرعي[[14]].
4-أن يكون الخطر حالا .
إن قيام حالة الدفاع الشرعي تتطلب وجود خطر في حال أي عدوان قد بدأ فعلا أو لم يبدأ بعد ولكنه على وشك الوقوع. ومعنى هذا أنه يمكن للشخص أن يكون في حالة دفاع لمجرد حلول الخطر أو يخشى منه حصول الاعتداء ويدخل في هذا أيضا الحالة التي يكون الاعتداء فيها قد بدأ ولكنه لم ينته بعد . فالشخص المعتدى عليه هنا له أن يتدخل ليمنع استمرار العدوان عليه لما له من حق في الدفاع الشرعي . لكون القانون جاء بهذا الحق لدفع الخطر لا لتوقيع العقوبة ولا للانتقام.ويمكن اعتبار الاعتداء منتهيا حينما تتحقق الجريمة، وقت انتهاء الجريمة يختلف باختلاف الجرائم وظروف ارتكابها. أما في حالة حدوث الخطر مستقبلا فهو خطر محتمل يمكن للشخص المهدد أن يلجأ إلى السلطات العامة لتحميه منه .
ثانيا :شروط فعل الدفاع .
إن توافر شروط الاعتداء وحدها لا تكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي وإنما لا بد من توافر شروط أخرى في فعل الدفاع وهذه الشروط هي:
أن يكون فعل الدفاع ضروريا ولازما
يقصد بهذا الشرط أن عمل الدفاع الشرعي لا يقوم به الشخص إلا إذا لم يجد سبيلا آخر للدفاع عن نفسه بمعنى أن ارتكاب الجريمة كان هو الوسيلة لدفع الخطر. وإن كان هذا الخطر يسمح بالالتجاء إلى السلطات العامة دون أن تتعرض حقوق المعتدى عليه إلى الضرر فإن حالة الدفاع الشرعي لا تجوز وذلك لوجود وسيلة أخرى تدفع الخطر دون ارتكاب الجريمة.
ويجب أن نشير أيضا إلى أنه لكي يكون الدفاع لازما لا بد أن يوجه إلى مصدر الخطر. فلا يحق للمعتدي عليه أن يترك المعتدي يوجه دفاعه إلى أشخاص ليست لهم يد فيما وقع من اعتداء وإلا سيسال جنائيا على فعله [[15]].
2- تناسب فعل الدفاع مع فعل الاعتداء
من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 124 ق.ج نجد أن المشرع المغربي استعمل عبارة" بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء " و عليه فإن القانون اشترط التناسب حتى لا يقع إفراط في استعمال حق الدفاع الشرعي. معنى هذا أن الدفاع الذي يهدف إلى منع الاعتداء و لا يتعداه فإنه يعتبر دفاعا مشروعا حتى ولو كان ضرره أكثر من ضرر الاعتداء. لأن فكرة التناسب لا تقضي أن تكون هناك مساواة مجردة أو حسابية بين الضرر الذي ينتج عن فعل الاعتداء و الضرر الذي يحدثه فعل الدفاع. بل التناسب أمر نسبي إذ العبرة هنا أن يثبت لدى المدافع أو أن الوسيلة التي استعملها كانت هي أنسب الوسائل أو كانت هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر، وبالتالي فإن الضرر الناتج عن هذا الاستعمال هو القدر المناسب لرد الاعتداء و على المستوى الواقع العملي فإن التناسب لا يمكن تحقيقه بشكل مدقق، ذلك أن المدافع لا يكون مطالبا إلا باستعمال حقه في حدود ما يبعد الاعتداء عليه فإذا استطاع أن يمنع الخطر عنه بفعل أقل ضررا و أقل جسامة من فعل الاعتداء فلا يجوز له اللجوء إلى ما يحقق ضررا أكبر. كما أن التناسب لا يعني أن يكون فعل الدفاع أشد من فعل الاعتداء. فالمرأة التي تقتل دفاعا عن
شرفها تعتبر في حالة دفاع مع أن القتل أخطر من الاعتداء على الشرف و العرض. متى كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر المحدق بها[[16]].
وعليه فإن مسألة التناسب تتحدد حسب ظروف المعتدى عليه و الوسيلة التي استعملها.
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي ( المادة 125 ق.ج)
بعدما نص المشرع المغربي على الحكم العام للدفاع الشرعي تعرض في حالتين خاصتين في الفصل 125 ق.ج.[[17]] ، بحيث أن المشرع لم يأت بشروط خاصة وإنما أقام قرينة قانونية على وجودها ، وتكون حالة الدفاع الشرعي قائمة في هاتين الحالتين بمجرد توافر شروطها دون أن يقع على عاتق المتهم عبئ إثبات الشروط العامة. و هذه القرينة هي قرينة قانونية بسيطة تقبل إثبات العكس وهذا يتناسب مع الهدف من تقرير حق الدفاع الشرعي الذي لم يجعله المشرع وسيلة للانتقام، و إنما هو ضرورة يلجأ إليها المدافع في حدود هذا الترخيص لحماية حق المعرض للعدوان. و إن تم تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن تجاوزه يحاسب عليه تبعا للقواعد العامة للمسؤولية الجنائية[[18]] .
و في الأخير فإن حالة الدفاع الشرعي من الأمور الموضوعية التي تختص بالفصل فيها محكمة الموضوع دون رقابة عليها من المجلس الأعلى، لأن واقع الدعوى هي التي يعتمدها قاضي الموضوع للقول بتوافر أو عدم توافر حالة الدفاع الشرعي، و تكون صحيحة ما دامت متسقة مع المقدمات و الحيثيات التي اعتمدت عليها، وللمجلس الأعلى سلطة الرقابة على محكمة الموضوع في النتائج التي تستخلصها من الوقائع و مدا مطابقتها للقانون بهدف تطبيق القانون بصفة صحيحة.
و إذا ما ثبتت حالة الدفاع الشرعي فإنها تعد سببا من أسباب التبرير و تقضي على وجود المسؤولية الجنائية و المدنية معا.[[19]] .
الفرع الثاني: أسباب التبرير التي لم تتعرض لها المادة 124 من ق. ج
بالرجوع لمقتضيات المادة 124 و المادة 125 نجد أن المشرع المغربي أورد أسباب التبرير التي تبيح الفعل و تنفي عنه الصفة الجرمية، إلا أنه يبقى التساؤل مطروحا على هذه الأسباب المقررة في المادتين هل هي واردة على سبيل الحضر؟
إن قواعد الإباحة تختلف عن قواعد التجريم التي لا يمكن أن تحددها سوى نصوص القانون الجنائي أو النصوص المكملة لها تماشيا مع قاعدة الشرعية الجنائية. فالقياس جائز بالنسبة لأسباب التبرير. و لا يتعارض ذلك مع مبدأ الشرعية الجنائية لأن امتناع اللجوء إلى القياس ينصرف إلى ميداني التجريم و العقاب و ليس إلى قواعد التبرير الجنائية. و على ذلك يتجه أغلب الفقه إلى تبرير أفعال مختلفة على سبيل القياس و يتعلق الأمر أساسا بالأسباب الناتجة عن استعمال الحق و مدى صلاحية اعتبار رضاء المجني عليه كسبب مبرر.[[20]] .
المبحث الأول: أسباب التبرير الناجمة على استعمال الحق:
إن استعمال الحق يشمل كل حالة يجيز فيها القانون للأفراد القيام بأعمال تعتبر أصلا في مظهرها جرائم كحق الطبيب في إجراء العمليات الجراحية لبثر رجل آو يد لأحد المرضى. كما يشمل كل الحالات التي يسمح بها العرف الاجتماعي مثل خثن الأطفال الذي يقوم به أشخاص دون ترخيص مكتوب و مع ذلك لا يمكن متابعتهم بجريمة الجرح طبقا للمادة 400 من القانون الجنائي[[21]] .
و بالتالي فإن ممارسة الحق قد تتضمن أسباب متعددة تنفي الصفة الجرمية للفعل شرط أن يتقيد مستعمل الحق بحدود العرف و القانون. و أن تتوفر لديه حسن النية عند ممارسته.
و سنذكر أهم تطبيقات استعمال الحق و هي حق التأديب و حق ممارسة الألعاب الرياضية و حق مباشرة الأعمال الطبية.
المطلب الاول : حق التأديب:
بالنسبة للمشرع المغربي فإنه لم ينظم حق التأديب بل أجمع الفقه على أنه مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية التي تصنف نوعين من التأديب: تأديب الزوج لزوجته و تأديب الوالي لأولاده. بالنسبة لحق تأديب الزوج لزوجته أساسه الآية 34 من سورة النساء [[22]] وهو مفيد بشروط حددتها الشريعة الإسلامية و هذا الحق للزوج المسلم فقط، إضافة ألا يتجاوز التأديب حدود الضرب البسيط الذي لا يترك في الجسم أثر و أن لا تكون الغاية من الضرب الإيذاء و أن لا سيسأل الزوج عن جريمة الضرب.
أما بالنسبة لحق تأديب الأطفال فهو مقرر للآباء و الأولياء و مصدر هذا الحق الشريعة الإسلامية. و هو الأخر يشترط فيه ألا يتجاوز الضرب الخفيف و أن يكون الغرض التأديب.
المطلب الثاني: حق ممارسة الألعاب الرياضية:.
إن ممارسة الألعاب الرياضية أساسها هو العرف السائد في المجتمع و القانون المنظم لبعض هذه الألعاب. و الألعاب الرياضية نوعان : نوع يحدث فيه المساس بسلامة الجسم لأن ممارستها تقتضي استعمال العنف كالملاكمة و المصارعة و نوع لا يفترض شيئا من ذلك لكن قد يترتب عليه العنف بالرغم من إتباع القواعد ككرة القدم و غيرها. غير أنه يشترط لإباحة أعمال العنف التي قد تصاحب ممارسة الألعاب الرياضية الشروط التالية:
أن تكون الرياضة الممارسة من ألأنواع المعترف بها قانونا.
احترام قواعد اللعبة المتعارف عليها.
أن يقع العنف أثناء ممارسة اللعبة .
[[23]] ضرورة رضي اللاعب بالاشتراك في المباراة.
المطلب الثالث: حق ممارسة مهنة الطب:
إن مهنة الطب تبرر في أصل جرائم كثيرة كإجراء عمليات جراحية لبثر الأعضاء من الجسم و استعمال أنواع من المواد المخدرة لمعالجة أو تهدءة الآلام. و علة تبرير الأعمال الطبية تكمن أساسا في المصلحة العامة التي تحققها للمجتمع و من هنا جاءت القوانين المنظمة للمهن الطبية فهذا التنظيم يقتضي منطقيا تبرير الأفعال اللازمة لممارسة و تحقيق أهداف مهنة الطب.
و يشترط لإباحة الأعمال الطبية الشروط التالية:
يجب أن يكون من زاول العمل الطبي مرخص له القانون بإجرائه
يتعين أن يستهدف من يزاول العمل الطبي تحقيق غاية العلاج تطبيقا لحسن النية في استعمال الحق الشخصي
يلزم أن يرضى المريض بالعلاج و الرضاء قد يكون صريحا أو ضمنيا. إلا أن رضا المريض هنا لا يعتبر أساسا لتبرير العمل الطبي بل فقط يكون شرطا من شروط تبريره
يلزم أن يكونٍ العمل الطبي مطابقا لأصول الفن الطبي بأن يتقيد الطبيب بالنظم والقواعد المنصوص عليها قانونا. و الملاحظ انه إذا تخلف شرط من الشروط السابقة ينتفي سبب التبرير و يصبح العمل الطبي غير مباح، حيث يجب مساءلة من قام به.
المبحث الثاني: مدى صلاحية رضاء المجني عليه كسبب مبرر
إن الوظيفة الأساسية للقانون الجنائي في الأساس لم تعد تقتصر على حماية المصالح الخاصة المتعلقة بالأفراد و إنما تسعى إلى المحافظة على مصالح الجماعة، لان الجرائم تمس المجتمع بالأساس
قبل أن تمس الفرد و بالتالي فإن رضا المجني عليه لا يؤثر على وجود جريمة و لا على عقابها. فالمبدأ العام هو عدم اعتبار رضا الضحية من أسباب التبرير. إلا أن هذا المبدأ لا يخلو من بعض الاستثناءات في الحدود التي يسمح بها القانون.
المطلب الأول. رضاء المجني عليه لا يعتبر في الأساس من أسباب التبرير
هذا المبدأ يقوم أساسا على فكرة القانون الجنائي جزء من النظام العام و بالتالي فإن إرادة المجني
عليه لا يمكن أن تحول دون تطبيق القانون الجنائي. و لذلك فرضاء الضحية لا يؤثر في كثير[[24]] .
من الجرائم التي تمس بحقوق لا يجوز التصرف فيها، كالحق في الحياة و سلامة الجسم الزوجية و بالتالي فإن رضاء المجني عليه لا يمحي الجريمة التي تأتي بالاعتداء على حق من الحقوق التي يحميها القانون الجنائي. و يستوي في ذلك الحقوق الفردية و لحقوق الجماعية لأن الاعتداء على المصلحة الفردية يمكن أن يهدد مصلحة المجتمع. و منه فرضاء المجني عليه لا يعد في هذه الحالة سببا من أسباب التبرير. و عدم اعتبار رضاء المجني عليه سببا من أسباب التبرير لا يقوم فقط في الحالة التي يكون فيها الاعتداء ماسا بالحق في الحياة أو سلامة الجسم. بل حتى بعض جرائم الأموال خاصة إذا كان الاعتداء يمس نظام الدولة الاقتصادي أو الاجتماعي [[25]]
المطلب الثاني .رضاء المجني عليه يعتبر استثناء سببا من أسباب التبرير
إن رضاء المجني عليه يعتبر سببا من أسباب التبرير و يبيح فعل الجاني إذا قام هذا الأخير بإتلاف ممتلكات المجني عليه بناء على رضاه و تظهر أيضا أهمية رضاء المجني عليه عندما يتصل بركن من أركان الجريمة خاصة في الجرائم التي يكون ركنها المادي هو انعدام رضاء الضحية. مثل جريمة هتك العرض بالعنف ( ف 485 ق.ج) أو جريمة الاغتصاب ( ف 486 ق.ج). لأن عدم رضاء المجني عليه يعتبر ركنا في هده الجريمة. أما إدا كان هناك رضاء المجني عليه فإن الجريمة تنتفي و يمكن معها القول بأن رضا الضحية أباح الفعل[[26]].
إلا أنه في بعض الأحيان فإن رضاء المجني عليه يعتبر سببا من أسباب التبرير دون أن يكون مؤثرا في ركن من أركان الجريمة. و يكون مباحا مبني على إذن ضمني للقانون. و يشترط في الرضاء
الذي يقضي على الجريمة أن يحصل قبل ارتكاب الفعل أو على الأقل أثناء ارتكابه، أما الرضاء اللاحق فإنه يعتبر عفوا لا أثر له على قيام المسؤولية الجنائية و يجب أن يصدر من شخص مميز قادر على معرفة مدى الرضاء الذي يصدر منه.
المطلب الثالث: اثار اسباب التبرير
يختلف أثر الإباحة بالنسبة لكل حالة من حالات الإباحة فكل واحدة لها شروطها الخاصة التي لابد من توافرها لكي ترتب الإباحة أثرها وتتمثل هذه الآثار في إخراج الفعل من نطاق التجريم واعتباره
مشروعا وينظر في هده الحالة إلى الفعل في ذاته لا إلى الشخص وإدراكه أو إرادته إلا انه قد تختل شروط الإباحة في حالة من الحالات كاختلال شروط اللزوم آو شرط التناسب في إحدى حالات الدفاع الشرعي وفي هذه الحالة تنتفي الإباحة ويخضع الفعل للتجريم وتقوم مسؤولية الشخص جنائيا وان كان القاضي قي هذه الحالة ينظر في مدى توافر الركن المعنوي وهل يسأل الشخص عن جريمة عمديه أم غير عمديه ففي حالة تجاوز حدود الدفاع الشرعي حيث يكون للمحكمة أن تسأل الشخص عن جريمة عمدية مسؤولية كاملة إذا ما انتفت الإباحة وتحولت إلى حالة انتقام كما يمكنها أن تاخده بأسباب الرأفة وتفق الجزاء ولها أن تعتبره مسئولا عن جريمة خطيئة إلا انه عندما يتأكد القاضي من تخلف الركن المعنوي للجريمة بانتفاء القصد الجنائي والخطأ غير ألعمدي ففي هذه الحالة يكون الفعل غير مشروع ولكن مرتكبه يكون غير مسئول عنه كأن يتجاوز المدافع حدود الفعل غير مشروع ولكن مرتكبه يكون غير مسئول عنه كأن يتجاوز المدافع حدود حقه في الدفاع الشرعي ويثبت للقاضي ان هذا التجاوز وليد الإضراب ودقة الموقف اللذين بلغا حدا أزال كل سيطرة على الإرادة فهو غير مسئول في هذه الحالة عن فعله ولا محل لتوقيع عقاب عليه ويمكن ملاحظة إن امتناع العقاب في حالة التجاوز الأخيرة لايرجع أساسه إلى الإباحة وإنما إلى انتفاء الإرادة أو حرية الاختيار بسبب دقة الموقف حيث تنعدم قدرة الشخص على توجيه نفسه إلى إتيان فعل معين أو الإحجام عن عمل معين ففي مثل هذه الحالة ينتفي احد عنصري المسؤولية الجنائية التي تقوم بتوافر الإدراك وحرية الاختيار.
الفرع الثالث: حالة الدفاع الشرعي في المادة المدنية
لقد نص الفصل 95 من قانون الإلتزمات و العقود على أنه لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع
الشرعي، أو إذا كان الضرر قد حدث بسبب طارئ أو قوة قاهرة لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤخذ على
المدعى عليه .
المبحث الأول أحكام حالة الدفاع الشرعي في المادة المدنية
حالة الدفاع الشرعي هي تلك التي يجبر فيها الشخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه
لنفسه أو لماله أو لنفس الغير أو لماله.
و من خلال مقتضيات الفصل يتبين أن كل اعتداء هدد نفس أو مال شخص أو هدد نفس أو مال الغير من
طرف شخص أخر فإنه يرد على هذا الاعتداء باعتداء مثله يكون مشروع رغم الضرر المترتب، و رد
الاعتداء يعتبر عملا مشروعا لا تترتب عليه المسؤولية .
وعليه وجب توافر شروط معينة لكي تنعدم مسؤولية من يكون في حالة دفاع شرعي .
المطلب الأول: شروط الدفاع الشرعي
1- أن يكون هناك خطر واقع على نفس من يدافع أو على ماله أو على نفس الغير أو ماله و ذلك ما نصت
عليه المادة 124 من ق ج في فقرتها 3 على أن حالة الدفاع الشرعي تستلزم في حالة وجود خطر حال و
حقيقي على نفس الفاعل أو ماله أو على نفس أو مال غيره.
2- يجب أن يكون هذا الخطر الحال عملا غير مشروعا، يتعين أن يكون الخطر حال المراد دفعه غير
مشروع، أما إذا كان مشروعا فلا يجوز دفعه فان دفع كان دفعه غير مشروع.[[27]]
3 - يجب أن يكون دفع الاعتداء بالقدر الضروري و هذا ما سار عليه أيضا المشرع الجنائي حيث اشترط
قاعدة التناسب أي أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.
4- عدم إمكان دفع الخطر إلا بالقوة و ألا يكون في الإمكان وقف هذا الاعتداء بالالتجاء إلى السلطات
العامة , و ينتج إذا ما تبث حق الدفاع الشرعي لشخص ما ، عدم مسؤوليته عن الأضرار التي يلحقها
بالمعتدي عند استعماله حق دفع الاعتداء، لأن استعمال هذا الحق يعتبر فعلا مباحا منفي من صفة الخطأ و
عدم المشروعية .
المطلب الثاني: نطاق تحقق حالة الدفاع الشرعي
إن الاعتداء الذي يولد حق الدفاع الشرعي يحدد هذا الحق بالقدر اللازم لدفع الاعتداء ، لأن المدافع إذا
تجاوز القدر اللازم لدفع الاعتداء خرج عن حدود حقه، و كان إلحاقه الأذى بالمعتدي خطأ يوجب
المساءلة وفقا للقواعد العامة ما لم يكن الاعتداء الأصلي بالغا حدا من الجسامة أفقد المعتدى عليه التمييز
فينتفي الخطأ في تجاوز حدود الدفاع ، ويعتبر اعتداء المعتدي في مثل هذه الحالة ظرفا مخففا لمسؤولية
المدافع الجنائية نظرا لما ينطوي عليه من استفزاز ، ويعد فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية خطأ مشتركا مع
خطأ المدافع في إحداث الضرر و يستتبع بالتالي نقص التعويض الذي يلزم به المدافع جزاء تجاوزه حدود
الدفاع الشرعي، و ذلك نص الفصل 95 من ق .ل .ع و الفصل 124 من ق. ج في فقرته الثانية على أن
التعويض الذي يلزم به المدافع في هذه الحالة يجب أن تراعى فيه مقتضيات العدالة، إذ أن العدالة تقتضي
في هذه الحالة خفض التعويض عن القدر اللازم لجبر كل الضرر الّذي أصاب المعتدي لأن خطأ هذا
الأخير هو الذي استفز المدافع و جره إلى الخطأ[[28]].
و بالتالي فإنه لا فرق بين القانون المدني و القانون الجنائي فيما يخص استعمال حق الدفاع الشرعي, إذ
أن الشروط المتطلبة في فعل الاعتداء و فعل الدفاع هي نفسها في المادة المدنية و المادة الجنائية، لأن
استعمال حق الدفاع الشرعي يعتبر مباحا و مبررا منفيا من صفة الخطأ و عدم المشروعية في المادة
المدنية و في صفة الجريمة في المادة الجنائية ما دام استعمال هذا الحق لم يتجاوز الشروط الواردة في كلا
المادتين.
خاتمة:
و كخلاصة للقول ’ فان اسباب التبرير ’ من المسائل التي لا تحتاج للعلم أو الجهل بها, فهي كما سبق الحديث, من الظروف المادية التي تتحقق بمجرد توفر أركانها.
لائحة المراجع:
العلمي عبد الواحد، المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الاول، الجريمة، 1993، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ، المغرب.
المختار اعمرة, الوجيز في الاحكام العامة للقانون الجنائي , الجريمة, طبعة 2004
عبد السلام بن حدو كتاب "الوجيز في القانون الجنائي المغربي"طبعة2004
محمد الوكاري – كتاب شرح القانون الجنائي العام. طبعة 1995-1996–
أحمد الخمليشي – كتلب شرح القانون الجنائي – القسم العام – طبعة 1985
عبد الرحمن مصلح الشرادي , كتاب "الخطأ في المسؤولية المدنية التقصيرية الشخصية " ,طبعة 2001.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق