قال محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة والوكيل العام لدى محكمة النقض، إن ميلاد استقلال السلطة القضائية لم يكن هادئا ويسيرا، بل صاحبه جدل كبير ملأ الأفق الحقوقي والشعبي معا، بسبب تخوفات وانتظارات وهواجس مكونات المجتمع المغربي مما يمكن أن ينتج عن هذه الاستقلالية.
ولفهم هذه الحالة التي صاحبت قرار استقلالية القضاء يرى عبد النباوي ضرورة العودة إلى دستور 1996 لمعرفة مقدار التحولات التي حظيت بها التجربة الجديدة، في إشارة إلى ما كان يستعمله المشرع بعبارة "القضاء مستقل عن كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية"، منبها إلى اختلاف مصطلح Pouvoir عن Autorité؛ ما يعني أن القضاء لم يكن مستقلا عن البرلمان والحكومة حينئذ.
وأوضح المتحدث ذاته، خلال محاضرة افتتاحية نظمت اليوم السبت بكلية الحقوق بمراكش، قاربت موضوع "السلطة القضائية..التحولات وآفاق المستقبل"، أن وزير العدل كانت له سلطات واسعة، بما فيها العزل والإحالة على التقاعد ومراقبة ثروات القضاة، وترؤس قضاة النيابة العامة، مؤكدا أن هذا الوضع نتجت عنه انعكاسات سلبية على عمل رجال ونساء القضاء .
واستطرد محمد النباوي: "السلطة القضائية وفق مواد دستور 2011 مستقلة عن كل من السلطة التشريعية والتنفيذية؛ فيما هاتان الأخيرتان تربط بينهما علاقة، وهما تحت سلطة القضاء، كحالة الطعن في دستورية القوانين"، مؤكدا أن القضاء هو السلطة الوحيدة المستقلة.
"الدستور لا يميز بين قضاء الحكم والنيابة العامة إلا في نقطتين تتعلقان بظروف العمل؛ فالأول يخضع للقانون فقط لتوفير الاطمئنان وضمان حماية الحقوق المقررة بمقتضى القوانين والحفاظ عليها؛ أما الثاني فيطبق القانون وتعليمات قانونية مكتوبة يتلقاها من رئيسه لأنه يمثل المجتمع، وعليه أن يدافع عن مواقف معينة تتماشى والسياسة الجنائية العامة للمملكة، مع تمتعه بهامش من الحرية في مرافعاته"، يقول المحاضر ذاته.
وتحدث عبد النباوي عن وجود فراغات في القانون التنظيمي المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ضاربا مثلا على ذلك بالمسطرة التأديبية للقضاة، ومبرزا أنها طويلة جدا، وزاد موضحا: "في حالة ضبط قاض متلبس يقطع الإجراء ثلاث مراحل: التفتيش وعرض التقارير على المجلس المذكور، الذي يعين بدوره مقررا للمتابعة، والتساؤل إن كان هذا أمرا مفيدا في ضمان العدل".
وأنهى رئيس النيابة العامة مداخلته مشيرا إلى صعوبة إيقاف مسؤول قضائي في حالة اتهامه بالرشوة، "إذ يجب أن يصدر حكم قضائي بهذا الخصوص، وإن ثبت أنه بريء فسيكون لهذا الأمر ضرر كبير"، مؤكدا أن هذا الأمر يتطلب مراجعات لحل هذه الإشكالات القانونية، وأن المجلس الأعلى للقضاء بإمكانه تقديم توصيات من أجل تعديل القانون التنظيمي المذكور.
يذكر أن الدرس الافتتاحي سالف الذكر عرف إقبالا كبيرا من الأساتذة الجامعيين والباحثين والمسؤولين الترابيين، والمنتمين إلى سلك القضاء والمحاماة وحقوق الإنسان، والطلبة والمهتمين ورجال الإعلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق