صور انقضاء الالتزام على ضوء قانون الالتزامات والعقود
يكون انقضاء الالتزام extinction de l'obligation عموماً، إما بتنفيذه عيناً بالوفاء به، أو بما يعادل الوفاء بالمقاصة أو اتحاد الذمة أو بالوفاء بمقابل أو بالتجديد أو الإنابة،
أو من دون الوفاء به: بالإبراء أو باستحالة التنفيذ أو بالتقادم المسقط.وهذا الوارد في قانون ق.ل.ع المغربي انظر الفصل 319.
1 ـ الوفاء paiement:
هو الطريقة المعتادة لانقضاء الالتزام وهو، في مدلوله القانوني، لا يقتصر على دفع مبلغ من النقود، وإنما يشمل تنفيذ المدين لالتزامه سواء أكان هذا الالتزام نقل ملكية شيء أم كان عملاً أو امتناعاً عن عمل.
جاء في الفصل 320 ق ل ع المغربي.ينقضي الالتزام باداءمحله للدائن وفقا للشروط التي يحددها الاتفاف او الفانون.
وقد يتم الوفاء من المدين أو وكيله، وبه ينقضي الدين نهائياً. وهذا هو الوفاء البسيط. وقد يقوم بالوفاء شريك في الدين أو الكفيل، أو يقوم به شخص لا تربطه بالدين أي رابطة، ويترتب عليه حلول الموفي محل الدائن تجاه المدين، وهذا الوفاء يسمى الوفاء مع الحلول paiement avec subrogation.
وللوفاء بالصورة المتقدمة أحكام مطولة نص عليها القانون المدني السوري في مواده المتسلسلة من 322 إلى 338 وهي مطابقة لأمثالها في القانون المدني المصري والقانون الليبي وغيرهما من القوانين العربية.وق ل ع المغربي نص عليها في الفصول من 320الى 324.
2ـ قد ينقضي الالتزام كذلك بما يعادل الوفاء:
وله أربع صور هي الوفاء بمقابل، والتجديد والإنابة، والمقاصّة، واتحاد الذمة.
ـ أما الوفاء بمقابل dation en paiement:
فهو أن يقبل الدائن في استيفاء حقه مقابلاً يعوضه من الشيء الذي استحق له، وتسري عليه أحكام البيع ولاسيما ما يتعلق فيها بأهلية المتعاقدين وضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية كما تسري عليه أحكام الوفاء، ولاسيما ما يتعلق منها بتعيين جهة الدفع وانقضاء التأمينات، وذلك لأنه يقضي الدين.
ـ وأما الوفاء بالتجديد novation:
فيكون باتفاق الطرفين على أن يستبدلا بالالتزام الأصلي التزاماً جديداً يختلف عنه في محله أو في مصدره، كالاتفاق على إبقاء الأجر المتجمد قرضاً بذمة المستأجر، وبذلك يتغير الدين، كما يصح الوفاء بالتجديد بتغيير المدين إذا اتفق الدائن مع أجنبي على أن يكون مديناً مكان المدين الأصلي، وكذلك بتغيير الدائن إذا اتفق الدائن والمدين وأجنبي على أن يكون هذا الأجنبي هو الدائن الجديد.
ويشترط في التجديد بكل أنواعه أن يخلو الالتزامان القديم والجديد من أسباب البطلان. ويترتب على التجديد انقضاء الالتزام الأصلي بتوابعه فينشأ مكانه التزام جديد.
ـ أما الوفاء بالإنابة délégation:
فيتم برضاء الدائن بأن يلتزم شخص أجنبي وفاء الدين عن المدين.
وإذا كان للمدين ماهو مستحق عند الدائن فله حق التقاص compensation بين المطلوبين وبذلك يوفي مطلوب دائنه كلاً أو جزءاً بمقدار مطلوبه منه. وكثيراً ما يقع التقاص بالدعوى المتقابلة التي يدعي بها المدين على دائنه في دعوى هذا الأخير عليه بمطلوبه.
على أنه يشترط مبدئياً لجواز المقاصة بين المطلوبين المستحقين أن يكون الدينان بين الدائن والمدين نفسيهما ويكون موضوعهما من نوع واحد، والغالب فيهما أن يكونا من النقود، وأن يكونا دينين مدنيين ثابتين مقدرين في قوة واحدة مستحقي الأداء، قابلين للحجز عليهما، فإذا كان أحد الدينين مدنياً والآخر طبيعياً، أو كان أحدهما ثابتاً والآخر موضوع نزاع، أو كان أحدهما مقدراً والآخر غير مقدر كالتعويض قبل تقديره، أو كان أحدهما مستحقاً والآخر معلقاً على أجل أو شرط، أو كان أحدهما قابلاً للحجز عليه والآخر غير قابل له، امتنعت المقاصة القانونية.
وقد يقع الوفاء باتحاد الذمة confusion إذا اجتمعت صفة الدائن والمدين في شخص واحد بدين واحد، لأنه لا يمكن للشخص أن يطالب نفسه، كما لو ورث المدين دائنه، ومن هنا يبدو الفرق جلياً بين المقاصة واتحاد الذمة، لأن المقاصة تفترض وجود دينين متقابلين بين شخصين كل منهما دائن للآخر في أحد الدينين ومدين له في الدَّين الآخر. أما اتحاد الذمة فلا يفترض إلا ديناً واحداً نشأ بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين، ثم انتقل حق الدائن إلى المدين فينقضي الدين باجتماع الدائنية والمديونية في شخص المدين.
ولكن إذا زال سبب اتحاد الذمة، وكان له أثر رجعي، عاد الدَّين بملحقاته إلى الوجود، ويعد اتحاد الذمة كأنه لم يكن، كما لو كان اتحاد الذمة بسبب الوصية ثم تقرر إبطالها.
3 ـ وإلى جانب انقضاء الالتزام بالوفاء أو بما يقابل الوفاء، فقد ينقضي الالتزام بلا وفاء وذلك بالإبراء من المدين أو باستحالة التنفيذ أو بالتقادم المسقط.
ـ الإبراء remise de dette في القانون المدني السوري تبرع، وهو يتم بإرادة الدائن إذا كان مختاراً، ووصل إبراؤه إلى علم المدين، وللمدين أن يرده.
والإبراء يسري عليه ما يسري على كل تبرّع من الأحكام الموضوعة، ولا يشترط فيه شكل خاص، ولو وقع على التزام يشترط لقيامه شكل خاص قانوناً.
ولكن الإبراء في الفقه الإسلامي يقسم من حيث ماهيته إلى إبراء إسقاط وإبراء استيفاء. فالأول هو حط الدين الثابت في ذمة الآخر وتنزيله قسماً أو كلاً، والثاني هو الإقرار باستيفاء الحق، وهو نوع من الإقرار. وأولهما هو الذي ينقضي به الالتزام بلا وفاء.
ـ وينقضي الالتزام بغير وفاء إذا أثبت المدين استحالة تنفيذه عليه بعد نشوئه لسبب أجنبي لا يد له فيه.
والسبب الأجنبي هو ما لا يكون بخطأ المدين أو تقصيره وإلاّ فلا ينقضي، وينقلب تنفيذ الالتزام عيناً إلى تنفيذه بطريق التعويض.
واستحالة التنفيذ وفق ما تقدم قد تكون فعلاً كما لو هلكت العين الملتزم بنقل حقها العيني، أو فقدت، وقد تكون قانوناً كما لو جرى استملاك تلك العين للمصلحة العامة.
وبانقضاء الالتزام للسبب المتقدم تنقضي توابعه كالتأمينات العينية والشخصية والرهن وحق الامتياز وحق الاختصاص.
ـ وآخر أسباب انقضاء الالتزام بلا وفاء هو التقادم:
والتقادم نوعان: مسقط ومكسب. والمراد منهما في انقضاء الالتزام هنا هو المسقط prescription extinctive وهو وحده الذي أخذ به الفقه الإسلامي، ولكن التشريعات العقارية قد أخذت بالمكسب في اكتساب الحقوق العينية العقارية، فعرف أول مرة حين صدور تلك التشريعات سنة 1926، ثم أخذ به القانون المدني السوري بعدئذ.
والتقادم المسقط مبني على ضرورة استقرار التعامل في المجتمع، فهو يتصل بالمصلحة العامة اتصالاً وثيقاً. وقد يفترض الشارع فيه، وإن كان افتراضه ضعيفاً، أن الدائن الذي سكت مدة طويلة عن المطالبة بدينه قد استوفاه، وإنه قد أبرأ منه ذمة مدينه على الأقل.
ولكن استقرار التعامل بين الناس هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التقادم أكثر من اعتبار الوفاء أو أي اعتبار آخر.
ويجب التفريق بين التقادم المسقط ومدة السقوط، لأن مدة السقوط لم يضعها القانون لاعتبارات التقادم التي ذكرت آنفاً وإنما وضعها لتحديد الوقت الذي أوجب أن يتم فيه عمل معين على سبيل الحتم تحت طائلة البطلان. كالمدة التي وضعها القانون السوري لإقامة دعوى الاستغلال (المادة 130) وهي سنة واحدة، وكذلك مدة السنتين التي أوجب قانون التحديد والتحرير إقامة الدعوى فيهما بعد انتهاء أعمال التحديد، فهي وأمثالها من النظام العام.
والتقادم المسقط يسري من تاريخ الحق في المطالبة بالدين، أي منذ أصبح الدين مستحق الأداء، ولكنه لا يسري كلما وجد مانع، ولو كان أدبياً، يتعذر معه على الدائن أن يطالب به.
كما لا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا لم يكن له نائب قانوني.
وينقطع التقادم بالمطالبة القضائية، وبإقرار المدين بحق الدائن صراحة أو ضمناً، وليس للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، بل لا بد من أن يطالب به المدين، وله أن يتمسك به في كل حالة تكون عليها الدعوى ولو في الاستئناف. ولا يجوز الاتفاق على مدة للتقادم تختلف عن المدة التي حددها القانون زيادة أو نقصاناً. والمدة مبدئياً خمس عشرة سنة باستثناء ما يلي:
آـ خمس سنوات للحقوق الدورية المتجددة كأجر المباني وسائر العقارات وبدل الحكر والفوائد والرواتب والأجور والمعاشات، والتقادم فيها لا ينقطع بالإقرار لأنه ليس مبنياً على استقرار التعامل ولا قرينة الوفاء، وإنما هو مبني على أن المدين بهذا الدين يدفعه من الريع لا من رأس المال، فإذا تراكم المستحق منه مدة طويلة تزيد على خمس سنوات اضطر المدين إلى الدفع من رأس المال، وفي ذلك إرهاق قد يؤدي إلى توقف عمله. فالمصلحة العامة وحدها هي الأصل في هذا التقادم.
ب ـ خمس سنوات لحقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين، إذا كانت حقوقهم ناشئة مما أدوه من أعمال مهنتهم وما تكبدوه من المصروفات.
ج ـ سنة واحدة لحقوق التجار والصناع عن أشياء ورَّدُوها لأشخاص لا يتجرون بهذه الأشياء، ولحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، ولحقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات.
والتقادم بسنة واحدة مبني على الوفاء، ولذلك أوجب القانون على من يتمسك به أن يحلف اليمين على أنه أوفى الدين فعلاً.
ومدة التقادم تحسب بالأيام لا بالساعات، ولا يحسب فيها اليوم الأول وتكتمل بانقضاء آخر يوم منها، وإذا انقطعت مدته بدأ تقادم جديد بمدة التقادم المنقطع نفسه.
وأخيراً فالدعوى الصورية لا تتقادم لأن المطلوب فيها تقرير عدم وجود العقد الظاهر، وهي حقيقة مستمرة.
وهذه الأحكام في انقضاء الالتزام واحدة في القانون المدني السوري والمصري والليبي والأردني والجزائري، وقد تتفق في بعضها مع أحكام القانون المدني العراقي وقانون الموجبات والعقود اللبناني وغيرها من القوانين العربية.
تحميل الموضوع ملف PDF
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق