في ظل الانتقادات التي وجهت للمدارس التقليدية بمختلف روادها ، ظهرت حركات فكرية حديثة تفسر السلوك الاجرامي استنادا الى مبادئ التحليل الاجتماعي ،
و مثال ذلك المدرسة الاشتراكية و المدرسة الجغرافية و ان كان لكل منها خصوصياتها و طابعها المميز من حيث الجانب الاجتماعي الذي ترجحه على ما عاداه من الجوانب في تفسير الظاهرة الاجرامية
و مثال ذلك المدرسة الاشتراكية و المدرسة الجغرافية و ان كان لكل منها خصوصياتها و طابعها المميز من حيث الجانب الاجتماعي الذي ترجحه على ما عاداه من الجوانب في تفسير الظاهرة الاجرامية
وفي موضوعنا اليوم سنحاول التركيز على اهم النظريات التي استندت في تفسيرها للسلوك الاجرامي على مبادئ الاجتماعية وهما:
أولا . نظرية التفكك الاجتماعي.
ثانيا . نظرية العوامل الاقتصادية.
ثالثا . وقفة مع النظريات التي فسرت السلوك الإجرامي.
أولا نظرية التفكك الاجتماعي
رائد هذه النظرية هو عالم الاجتماع الأمريكي ثورستن سيلين، وصاحبها، فقد استوحى سيلين نظريته هذه من واقع المجتمع الأمريكي الذي عايشه، ومن واقع المجتمعات التي واكبها ولم يعايشها بل طرقت مسامعه الظواهر الاجرامية فيها وقارنها بالمجتمعات الريفية التي وجد فيها انخفاضاً في حجم الظواهر الاجرامية قياساً إلى حجم تلك الظواهر في المجتمعات المتحضرة، مما شجعه على إجراء مقارنة عددية كان نتيجتها ارتفاع حجم الظاهرة الاجرامية ارتفاعاً كبيراً في المجتمعات المتحضرة وانخفاض حجم هذه الظاهرة انخفاضاً كبيراً في المجتمعات الريفية، لهذه العلة ارجع الظاهرة الاجرامية إلى التفكك الاجتماعي.
تتميز هذه النظرية بدعوتها إلى تشبه المجتمع المتحضر بالمجتمع الريفي في حرصه على الحفاظ على الروابط الاسرية والاجتماعية، كما تدعو إلى تربية الطفل وتنشأته نشأة ريفية تسودها القيم، والمثل العليا علاوة على ذلك تستنكر النظرية مسألة فساد الضمير الإنساني وتفككه نتيجة اغراقه بمظاهر الحياة الحضارية المنفلتة، وترى صلاح الضمير بالتعاون والترابط الاجتماعي.
إن هذه الميزات التي تميزت بها النظرية جعلتها مقبولة بدرجة كبيرة بالنسبة للبعض من علماء الاجرام، فهذا البعض يتفق مع منطق هذه النظرية بالنظر لما تمليه تربية الضمير من معانٍ سامية تدفع الإنسان لسلوك طريق الخير والرشاد، وحبه لأبناء مجتمعه، وقد حث رسول الله (ص) على اشاعة هذا الخير من خلال الربط بينه وبين الإيمان بقوله:
(لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
وعلى الرغم من المزايا التي تميزت بها هذه النظرية حيث كانت تحمل بين طياتها دعوة إلى التحلي بالقيم والمثل العليا لمكان أثرها الإيجابي في التخفيف من ظاهرة الجريمة، إلا أنها لم تسلم مع كل هذا من الانتقادات، فمن هذه الانتقادات نورد:
1) على الرغم من اتّسام الغالبية العظمى من أفراد المجتمع المتحضر إن لم نقل الكل بسمات التفكك وضعف الروابط الاجتماعية فإن من يقترف الجريمة من هؤلاء هو البعض وليس الجميع ممن يتسم بالتفكك، ولو صح ارجاع السلوك الإجرامي إلى التفكك الاجتماعي للزم أن يكون كل من يتسم بالتفكك من المجرمين وليس البعض فقط.
2) سبق أن قلنا بأن ثورستن سيلين صاحب هذه النظرية كان قد استوحى نظريته من واقع المجتمع الأمريكي، وما يتميز به من ظروف خاصة به. فعلى تقدير التسليم بصحة ودقة نتائج هذه النظرية فإن مجال تطبيقها هو المجتمع الذي نشأت وفق ظروفه لا غير. أي أنها لا تصلح للتطبيق إلا في المجتمع الأمريكي، وذلك لأن غيره من المجتمعات قد (لا يتسم بهذه السمات لذا لا يمكن قياسها على المجتمع الأمريكي الذي اجريت هذه الدراسة عليه.
نظرية العوامل الاقتصادية
هناك من العلماء من اتجه (إلى تفسير الظاهرة الاجرامية من خلال الربط بين الأوضاع الاقتصادية السائدة وبين السلوك الاجرامي).
ترى هذه النظرية بان (أفعال الأفراد وسلوكهم، وكذلك نظريات العلماء الاخلاقية، في كل عصر تبين خصائص النظام الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية لذلك العصر).
لقد تبنى كارل ماركس وأصحابه هذه النظرية واستعانوا بها في طرح مذهبهم المناهض للرأسمالية الغربية التي رأوا فيها بانها تجسد الطبقية بين أبناء المجتمع مما يدفع الفئة المقهورة لاتخاذ المنهج المنحرف في سلوكها، وعليه فقد طرحوا نظريتهم بمثابة المنقذ وهي النظرية الاشتراكية.
لقد ارتبط اسم هذه النظرية - نظرية العوامل الاقتصادية - بالمذهب الاشتراكي، حتى اطلق البعض على هذه النظرية ومن يتبناها اسم المدرسة الاشتراكية في قبال النظرية، أو المدرسة الرأسمالية.
ووفقاً لمفهوم هذه المدرسة: إن الظاهرة الاجرامية ظاهرة شاذة في حياة المجتمع، وإنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الرأسمالي بل إنها ثمرة من ثمراته، فتركيبة هذا النظام، وطبيعة العلاقات السائدة فيه تفضي حتماً إلى الظلم الاجتماعي، لأنه نظام لا يتوخى العدالة والمساواة، فتقع الجريمة نتيجة لهذا الظلم، أما في ظل المجتمع الاشتراكي فان مظاهر الجريمة تكاد تختفي تماماً، وإن وقوع بعض الجرائم الضارة برفاهية هذا المجتمع لا يغير من هذا الاتجاه، وإنما يدل على تفشي أمراض معينة في افراده)(20).
نقد نظرية العوامل الاقتصادية
كغيرها من النظريات تعرضت نظرية العوامل الاقتصادية لمجموعة من الانتقادات منها:
1) إن هذه النظرية وقعت في ما أخذ على غيرها من نظريات تفسير الظاهرة الاجرامية، وهو التركيز على العامل الواحد في تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي وانكار أو اهمال دور غيره من العوامل الأخرى الذاتية منها وغيرها.
2) اعتماد أصحابهـــا في دعم رأيـــهم على جرائم معينة كـــالسرقة مثلاً، أو الكسب غير المشـــروع كما عند بونجيه(21)، ومن ثم تعميم هذه النتائج الجزئية على جميع مظاهر السلوك الإجرامي الأخرى، (ولكن إذا كانت هذه النظرية تصلح لتفسير جرائم المال، فإنها لا تصلح لتفسير باقي الجرائم كجرائم الاعتداء على الأشخاص وجرائم العرض، فهذه لا تتأثر إلا قليلاً بالتقلبات الاقتصادية)(22) كما أثبتت ذلك الدراسات الاحصائية.
3) إن هذه النظرية تؤكد على أن العوامل الاقتصادية السيئة تمثل عاملاً أساسياً مباشراً في دفع الأفراد إلى السلوك الإجرامي.
كما إنها (اعتبرت الفقر ممثلاً لهذه الظروف باعتباره ظرفاً اقتصادياً سيئاً) حيث اكدت (أن الفقر الذي يصيب الفرد يكون سبباً مباشراً في دفعه نحو اقتراف الجريمة) وهذا يعني أن هذه النظرية ربطت ربطاً مباشراً بين السلوك الإجرامي وبين الفقر.
إن مثل هذا الربط وما يترتب عليه من إبراز لأهمية الفقر، وتأثيره لا يمكن قبوله لسببين:
الأول: إن الفقر حالة نسبية تختلف باختلاف الأشخاص تبعاً لاتساع حاجاتهم وتنوعها ووسائل اشباعها لذا يصعب تحديد الحالة التي يكون عليها الفرد لأنه لا توجد وسائل ثابتة يمكن بموجبها اعتبار شخص ما فقيراً، لاختلاف الأسس والمقاييس بين الأفراد والمجتمعات في تحديد مفهوم الفقر)(23).
الثاني: لقد أثبتت الدراسات في مجال علم الإجرام - للتأكد من صحة الترابط بين الفقر والسلوك الإجرامي - بان (الجريمة كما تقترف من الفقراء يمكن أن تقترف أيضا من غير الفقراء... من أشخاص ينتمون إلى الطبقة العليا في المجتمع ويشغلون المراكز المحترمة فيه وهم رجال الاعمال، وكبار التجار، وأصحاب المشاريع التجارية الضخمة، والمستثمرون).
لقد اثبت أحد أصحاب هذه الدراسات وهو الأستاذ سذرلاند معللاً بكون الوضع المالي الممتاز لمن سبق ذكرهم من الاغنياء، وما يتمتعون به من المزايا، وما يمارسونه من سلطات ونفوذ لا يمنعهم - بنظر الأستاذ سذرلاند - من اقتراف الجرائم بل على العكس ربما تكون عاملاً مساعداً لانحرافهم حيث يشعرون بان هذه المزايا تحقق لهم الحماية المرجوة فيعمدون إلى استغلال هذه الظروف لتحقيق منافع شخصية ذاتية.
ثالثا وقفة مع النظريات التي فسرت السلوك الإجرامي
تقدم أن هذه النظريات التي ذكرناها إنما هي النظريات الاشهر التي اسست في مجال علم الإجرام وتفسير السلوك الاجرامي، وإلا فان هناك الكثير من النظريات التي اسست في هذا المجال اعرضنا عن ذكرها، للاختصار الذي يفرضه المقام.
وفي تقييم عام لجميع النظريات المتقدمة، والتي كل يدعي صحتها، نقول أن النظريات المتقدمة ليست على قدر مطلق من الخطأ، وإنما فيها من الصحة، ومن الخطأ، والخطأ الذي تشترك فيه جميع النظريات المتقدمة هو أنها ركزت على عامل واحد كل حسب ما تبنت، واعتبرته العامل الوحيد لتفسير ظاهرة السلوك الإجرامي لدى الافراد، في حين انكرت أهمية العوامل الأخرى.
اللهم إلا النظرية الثانية من النظريات الفردية وهي نظرية دي تيليو التي عملت نوعاً من الموازنة إلا أنها بالغت في التالي بالتركيز على اثر العامل العاطفي في تفسير ظاهرة السلوك الإجرامي فوقعت فيما وقعت فيه النظريات الأخرى وإن حاولت تجاوزه.
ولأجل هذا النوع من التوازن عدت نظرية دي تيليو النظرية الأكثر قبولاً من قبل علماء الإجرام.
منقول
كيف احمل هذا الملف
ردحذفمرحبا بك هذا رابط مباشر لتحميل الملف
حذفhttp://www.mediafire.com/file/ycjak8s5scttp69/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%B3%D8%B1%D8%A9_%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%88%D9%83_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D9%85%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%83%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC.pdf
Merci
ردحذفالعفو مرحبا
حذف